يكتسي البحث في مشكلات النمو الاقتصادي في البلدان النامية عموما ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) تحديدا أهمية خاصة لاعتبارات ثلاثة: يعود الاعتبار الأول إلى البعد الجيو اقتصادي والجيو استراتيجي لهذه المنطقة التي تزخر بنسبة لا تقل عن نصف مصادر الثروة والطاقة في العالم وهو ما جعلها هدفا استراتيجيا للمطامع الدولية ومحورا أساسيا من محاور الصراع على مناطق النفوذ للقوى الكبرى المهيمنة على مقاليد النظام الاقتصادي العالمي.



ويتعلق الاعتبار الثاني بتعثر مسار التنمية في معظم بلدان تلك المنطقة وعجزها عن تحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود على غرار العديد من الدول الصاعدة في مناطق مختلفة من العالم وبالتالي فإن تناول المشكلات والعوامل المؤثرة في هذا التعثر يساهم في استكشاف الحلول الممكنة للخروج من بوتقة التخلف الى دائرة النهوض. أما الاعتبار الثالث فيرتبط بحجم الفرص التي تتوفر عليها بلدان المنطقة سواء كانت منفردة أو مجتمعة لتسريع النمو واحداث الانتقال الاقتصادي وتحقيق انعطافة استراتيجية تضمن لها تموقعا متميزا في النظام الاقتصادي الدولي الجديد الذي هو بصدد التبلور على قدم وساق منذ بداية القرن الجديد الواحد والعشرين وخصوصا عقب الازمة المالية الأخيرة التي اندلعت عام 2008 وأزمة الديون السيادية التي تلتها عام 2010.

تهدف هذه الورقة إلى الكشف عن جملة المشكلات التي تعيق بلدان المنطقة على تحقيق معدلات نمو ثابتة ومستقرة ومتكافئة مع ما تمتلكه من إمكانات وثروات تشكل مقومات لتحقيق الاقتدار الذاتي وذلك من منظور اقتصادي إسلامي يقطع مع منهج التقليد والمحاكاة واستيراد مناويل نمو منبتّة عن الواقع لا تراعي الخصائص الثقافية والاجتماعية لكل من تلك البلدان.

الإشكالية الرئيسية:

وتتلخص في السؤال التالي: ما هي أبرز المشكلات التي تقف وراء ضعف النمو وتعثره في معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (MENA)؟ كيف يمكن التمييز بين المشكلات الهيكلية الداخلية والمشكلات الموضوعية الخارجية؟ ما هو التصور الاقتصادي الإسلامي لمعضلة النمو السائدة في معظم بلدان المنطقة؟ وهل هناك نموذج إسلامي للنمو الاقتصادي يمكن انتهاجه للخروج من دائرة التخلف وتحقيق الإقلاع المنشود؟

المنهجية:

المنهج الأنسب لهذا البحث المكثف هو اتباع الدراسة الاستكشافية الوصفية والمنهج الاستنباطي، من خلال ثلاث مداخل هي: المدخل الهيكلي، المدخل الموضوعي، المدخل المقارن.

الدراسات السابقة:

عديدة هي الدراسات التي تناولت مسألة النمو الاقتصادي لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (MENA) ولا سيما التقارير الدورية للعديد من المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بمسار النمو في المنطقة والعوامل المؤثرة في تطوره. لذلك سوف نقتصر على البعض منها الذي يلامس الإجابة على الإشكالية المطروحة. ومن أبرز هذه الدراسات:

ـ نادر القباني: الشـرق الأوسط يواجه تحديات تنمويـة كبيرة:

وهي عبارة عن دراسة لرصد واستشراف جملة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الكبيرة التي ستواجه دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في خلال العقد القادم. وتمثّل هذه التحديات اتّجاهات طويلة الأمد يمكن توقّعها ولكن لا يمكن تجنّبها بسهولة. ومن أبرز هذه التحديات من وجهة نظر الدراسة الضغوطات المالية الناتجة عن الاتجاهات الهبوطية طويلة المدى في أسعار الطاقة العالمية، والضغوطات التنافسية التي تسبّبها تطورات الرقمنة، وزيادة ندرة المياه والنزوح من الأرياف إلى المدن بسبب تغيّر المناخ، والضغوطات الناتجة عن زيادة العرض في اليد العاملة بالإضافة إلى عجز في الحوكمة الداخلية تحول دون تصدّيها للتحديات التي تواجهها بفعّالية. ويتجلّى هذا العجز بوضوح في ضعف المأسسة، وتوتر العلاقة بين الدولة والمواطن، والأنظمة الاقتصادية الإقصائية، بالإضافة إلى العلاقات الهشة بين الدول. ويخلص الباحث من كل هذا الى أن المنطقة تحتاج إلى نموذج تنموي جديد بدلاً من فرض إصلاحات كبيرة، أثبتت التجربة عدم جدواها.

ـ صندوق النقد الدولي: آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا:  الصراع يفاقم التحديات الاقتصادية (2024):

وهو آخر تقرير يصدر ضمن تقارير الصندوق الدورية عن تطور النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ويرصد فيه تأثيرات الصراع الدائر في المنطقة الذي يشكل صدمة إضافية ويتسبب في معاناة إنسانية هائلة، ويفاقم البيئة الحافلة بالتحديات التي تشهدها بالفعل الاقتصادات المجاورة وما وراءها. ويحلل التقرير أهم العوامل المؤثرة على النمو الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل تأثير الصراعات في كل من غزة والسودان، الى جانب زيادة الاضطرابات في البحر الأحمر، وتخفيضات إنتاج النفط والسياسة النقدية المتشددة في عدد من الاقتصادات. وكل ذلك ساهم في تخفيض توقعات النمو لدول المنطقة هذا العام.

ـ البنك الدولي: الصراع والديون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (2024):

ويتناول التقرير الآثار الاقتصادية للصراع في الشرق الأوسط على اقتصادات المنطقة وعبء ارتفاع مستويات الديون، كما يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الاقتصادات المستوردة والمصدرة للنفط. وتوقع التقرير، أن تعود اقتصادات المنطقة إلى معدلات النمو المنخفض المماثل للفترة التي سبقت جائحة كوفيد 19.

ما هي أبرز المشكلات التي تقف وراء ضعف النمو وتعثره في معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (MENA)؟ كيف يمكن التمييز بين المشكلات الهيكلية الداخلية والمشكلات الموضوعية الخارجية؟ ما هو التصور الاقتصادي الإسلامي لمعضلة النمو السائدة في معظم بلدان المنطقة؟ وهل هناك نموذج إسلامي للنمو الاقتصادي يمكن انتهاجه للخروج من دائرة التخلف وتحقيق الإقلاع المنشود؟ماذا يضيف هذا البحث؟ لا شك أن مجمل هذه الدراسات والتقارير الدولية وغيرها التي تتطرق لموضوع النمو والتحديات التي تواجهه في المستقبل القريب لا تعدو سوى وجهة نظر المنظومة الدولية التي تقف وراء السياسات والأنظمة التي تدير العملية التنموية في معظم تلك البلدان، وهي التي تصر على أن تعثر النمو ليس سوى تشوهات ناجمة عن القصور في تطبيق الإصلاحات الهيكلية المنصوح بها دوليا رغم أن التجربة المتواصلة كشفت عن فشل تلك الإصلاحات وعدم ملاءمتها للأوضاع الخاصة ببلدان المنطقة. من أجل ذلك يسعى هذا البحث الى تقديم قراءة مغايرة لمعضلة النمو في هذه المنطقة تستند الى مقاربة أخرى للنمو من منظور اقتصادي إسلامي تتلاءم مع الخصوصيات الاجتماعية والثقافية لمجمل أوضاع بلدان المنطقة.

وبناء عليه سيتم تقسيم الورقة إلى فصول ثلاثة: يتناول الفصل الأول المشكلات الهيكلية التي تعاني منها معظم اقتصاديات دول المنطقة وهي مشكلات ذات علاقة بهشاشة النمو وطابعه الريعي البارز وارتباطه الشديد بالمديونية الى جانب ضعف الحوكمة الداخلية واستشراء الفساد. ويتناول الفصل الثاني المشكلات الموضوعية ذات العلاقة بالظروف الخارجية وما يحدث من صدمات مؤثرة مثل تقلبات أسعار الفائدة العالمية وأسعار الطاقة والصراعات المتفاقمة في المنطقة والعالم. أما الفصل الثالث فيناقش المقاربة الاقتصادية الإسلامية لمعضلة النمو وتباينها مع المقاربة التقليدية السائدة.

أولا ـ المشكلات الهيكلية:

تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)  من المناطق الاستراتيجية التي تحظى باهتمام عالمي كبير وتشهد تنافسا دوليا متزايدا نظرا للموقع الجغرافي الاستراتيجي المتميز الذي يضعها في قلب العالم ويجعل منها جسرا جويا ومعبرا بحريا وممرا بريا لجزء كبير من حركة التجارة العالمية عبر البحر الأحمر وخليج عدن والبحر الأبيض المتوسط ويجعل منها همزة وصل بين القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتقع على مفترق الطرق البرية بين الشرق والغرب، وتستحوذ على ما لا يقل عن نصف الاحتياطيات العالمية من النفط والغاز باعتبارها تضم خمسة من البلدان السبعة التي تمتلك الاحتياطي الأكبر من تلك الثروات. ومع هذه الأهمية الجيو استراتيجية، تعاني المنطقة من تباينات اقتصادية واجتماعية داخلها مما جعل الدراسات والتقارير الدولية حولها تلجأ الى تقسيمها الى ثلاث مناطق جغرافية فرعية هي: منطقة دول شمال أفريقيا، ومنطقة دول الشرق الأوسط ومنطقة دول شبه الجزيرة العربية وإيران. لكن هذا التقسيم وان كان وجيها من الزاوية المنهجية الا أنه لا يمكن أن يخفي التباينات العميقة داخل كل مجموعة بل داخل كل دولة بذاتها. ولذلك سوف نكتفي بتحليل المشكلات الرئيسية المشتركة لمجمل دول المنطقة بغض النظر عن تلك الفروقات والتباينات ودون الغوص في الصعوبات التي تواجه كل منه.

ومن المشكلات الهيكلية العامة التي تقف وراء تعثر النمو الاقتصادي والتي لا تكاد تنجو من ضغوطاتها أية دولة من دول المنطقة يمكن التوقف عند أربعة منها وهي: الهشاشة والريعية والمديونية وضعف الحوكمة الداخلية.

 1 ـ الهشاشة:

يحيل مفهوم الهشاشة الى ضعف المناعة الاقتصادية والمالية للنظام الاقتصادي و وقابليته للسقوط في الأزمات، وهو ما يعكس غياب النمو المستدام والاستقرار في الاقتصاد الكلي للبلد المعني أو مجموعة بلدان المنطقة، مما يجعل من ظاهرة النمو ظاهرة متقلبة وغير مستقرة يغلب عليها الضعف والتعثر، وهو ما يدفع بالسياسات العامة الى التشدد ويلجئها الى المديونية ويساهم في هروب رؤوس الأموال الى الخارج وارتفاع معدلات التضخم وغيرها من الاختلالات. ويرتبط مؤشر الهشاشة الاقتصادية بعدم الاستقرار السياسي وحالة الاضطرابات الاجتماعية التي تسود العديد من بلدان المنطقة سواء بشكل مباشر كما هو الحال في كل من لبنان والسودان وليبيا ومصر وتونس أو بشكل غير مباشر من خلال غياب الحرية والديمقراطية والحوكمة الرشيدة والتداول السلمي على السلطة كما هو حال معظم بقية بلدان المنطقة .

وطبقا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE) عن مؤشرات الهشاشة لعام 2022 فإنه ما لا يقل عن 9 دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (MENA) مصنّفة كدول هشة وتتسم أوضاعها السياسية والاقتصادية بالهشاشة وعدم استدامة النمو، وهو ما جعل وتيرة النمو في انخفاض حيث يتوقع البنك الدولي في آخر تقرير هذا العام أن يرتفع إجمالي الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 1.9% في عام 2023  إلى 2.7% في عام 2024 ، وهي زيادة طفيفة ان حصلت لا تساعد على التغلب على الضغوطات المتراكمة التي تواجهها مع تباين بين البلدان المصدرة للنفط التي ستنمو وفق تقديره بنسبة 2.8% في 2024، انخفاضاً من 3.1 % في عام 2023. في حين يتوقع أن يتراجع النمو في البلدان النامية المستوردة للنفط إلى 2.5 % في 2024 انخفاضاً من 3.1 % في 2023. وقد سجل معدل النمو لمجمل دول المنطقة تقلبات دورية تراوح فيها من 1،4% ما بين 1990 و2000 الى 1،6% ما بين 2001 و 2016 .

2 ـ الريعية:

ويقصد بها النمو القائم كليا على الريع بالمعنى السلبي وبالمفهوم الضيق للريع الذي يختزل في سوء استخدام عائدات الموارد الطبيعية كالنفط والغاز وما شابه ذلك وغياب القدرة على تحويل الاقتصاد من اقتصاد ريعي يعتمد كثيرا على ما تنتجه الارض الى اقتصاد انتاجي يعتمد على ما ينتجه الانسان. لقد تطور مفهوم الريعية والاقتصاد الريعي ليشمل كل نمط اقتصادي يعتمد على الموارد الطبيعيّة مثل المعادن، والنفط، والغاز دون الحاجة إلى الاهتمام بتطويرها واحداث قيمة مضافة عليها، بالإضافة الى سياسات منح الامتيازات والخدمات وفرص العمل لصالح فئة معيّنة من دون مراعاة أي اعتبارات ترتبط بالمنافسة والكفاءة الاقتصادية. 

من المشكلات الهيكلية العامة التي تقف وراء تعثر النمو الاقتصادي والتي لا تكاد تنجو من ضغوطاتها أية دولة من دول المنطقة يمكن التوقف عند أربعة منها وهي: الهشاشة والريعية والمديونية وضعف الحوكمة الداخلية.وتندرج ضمن هذا المفهوم الواسع للاقتصاد الريعي أنواعا عدة من الريع الى جانب ريع المواد الناضبة او المواد الاستخراجية كالنفط والغاز وغيرها، مثل، ريع المواقع الجغرافية الاستراتيجية كريع البحار وخطوط نقل الغاز وانابيب النفط، وتحويلات العاملين في الخارج، وريع السياحة، وريع الاحتكارات، وريع المضاربات المالية، وريع العقارات، وريع الخدمات وريع القواعد العسكرية وما الى ذلك . وتختلف التقديرات حول النسبة التي تفصل بين القطاع الريعي والقطاع الإنتاجي لكي يصبح الاقتصاد ريعيا. وعلى هذا الأساس اذا ما اخذنا بالمفهوم الواسع للريع، يكون المعيار هو معيار الإنتاجية والقيمة المضافة التي ترتبط بأي قطاع. ومن هنا تصبح معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ذات اقتصاديات ريعية، سواء الدول النفطية منها التي تحتل عائدات النفط والغاز حيزا مهما من موارد الدولة، أو شبه ريعية، أي الدول غير النفطية التي تطغى على مواردها أنواع شتى من الريوع التي تفتقر الى القيمة الاقتصادية المضافة.

ومن مخاطر الاقتصاد الريعي التي تنعكس مباشرة على النمو التأثر السلبي بتقلبات عائدات الموارد الناضبة مثل النفط والغاز وسائر المعادن أو موارد النشاطات الهشة مثل السياحة وتحويلات العاملين بالخارج وتدفقات رأس المال الأجنبي والمضاربات في الأسواق المالية وغيرها، وهو ما يفضي الى مفارقة لافتة حيث تسهم عائدات الريع في تمويل النمو دون احداث تنمية. وهو حال كثير من دول المنطقة التي تغرق اقتصادياتها في مستنقع المديونية والبطالة والفساد والفقر وتحوّل تدفق الريع الى ما بات يعرف ب"لعنة الموارد"، التي ساهمت في إحباط نمو القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد و توسع قطاعات الخدمات.

ولكن الأخطر من كل ذلك هو تفشي ثقافة الريع في الدول الريعية وهي الثقافة التي تقوم على البحث على الثراء السهل والكسب السريع دون بذل جهد أو تضحية أو كلفة، وذلك بتوظيف العلاقات مع أصحاب النفوذ والقرار. ولا شك أن تبعات هذا السلوك لا تقل سوءا عن ريع الموارد من حيث انعكاساته على محركات النمو ومسار التنمية في كل البلدان وخصوصا محرك الاستثمار الذي يحتاج الى مناخ الشفافية والتنافسية. 

3 ـ المديونية:

وهي من أعوص المشكلات التي تواجه مسار النمو الاقتصادي في مجمل بلدان المنطقة، وهي تتعلق ليس فقط بالبلدان غير النفطية التي تشكو من عجز هيكلي في توازناتها المالية، بل أصبحت في السنوات القليلة الماضية تتعلق أيضا بالبلدان النفطية التي تمتلك صناديق سيادية ورساميل ضخمة تم ايداعها في البنوك الغربية ومع ذلك أضحت تلجأ الى الديون لتمويل ميزانياتها كما هو شأن البلدان الخليجية. وقد كشفت التجربة المعاصرة للبلدان النامية عموما أن خيار تمويل النمو بالديون لم يفضي الى تسريع النمو وانما قاد في معظم الحالات الى إعاقته وتكبيله بالكلفة العالية لخدمة الدين  وكان سببا رئيسيا في حالات الإفلاس التي بلغها عدد هام من تلك البلدان كما هو شأن دول أمريكا الجنوبية ( الارجنتين، المكسيك، الشيلي، كوستاريكا...) والأوروبية (اليونان).

كما أن بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل لبنان ومصر وتونس على سبيل المثال، ليس بعيدا عن الإعلان عن الإفلاس المالي. لقد تحولت المديونية في العقود الأخيرة من أداة لمجابهة أزمة الركود في البلدان المتقدمة ومن وسيلة لإنعاش النمو وتسريع التنمية المتعثرة في البلدان النامية، الى أزمة هيكلية في حد ذاتها تستدعي استنفار الجهود والقدرات من أجل وقف نزيفها وتجنب أخطارها.

وصلت الأرقام المتعلقة بنسبة الدين قياسا بالناتج المحلي الاجمالي مستوى غير مسبوق في دول المنطقة: في السودان 186٪ وفي لبنان 150٪ وفي تونس 120٪ ومصر 130٪ . ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي للعام الجاري 2024  فان الدول الخليجية الست تحولت بدورها الى دول مدينة. فقد بلغت النسبة في البحرين 119٪ وفي قطر 38٪ وعمان 34٪ والامارات 29٪ والسعودية 22٪ والكويت 3،1٪. وهكذا لم تعد المديونية حلاً للتنمية الاقتصادية كما كان يُنادى به سابقاً بل أصبحت مشكلة تضاف بشكل متزايد إلى المشاكل الاقتصادية التقليدية التي تتطلب حلاً من جانبها. وقد خلفت المديونية آثارا سلبية في بعض البلدان وكارثية في بلدان أخرى. ويمكن في هذا الصدد التأكيد على ثلاثة أنواع من الآثار السلبية: اقتصادية واجتماعية وسياسية.

تتمثل الآثار الاقتصادية في عرقلة النمو بدلا من تسريعه وشلّ جهود التنمية من خلال العبء الذي تشكله على ميزانية الدولة والاستنزاف المستمر لمخزونها من العملات الأجنبية من أجل تسديد الأقساط الدورية لخدمة الدين وتفادي الوقوع في التخلف عن السداد وذلك على حساب الاستثمار وخصوصا إذا تجاوزت الديون الحدود التي لا يمكن للدولة السيطرة عليها وتراكمها مع فوائدها. وبذلك تحولت الديون من وسيلة لتمويل النمو الى عبء تراكمي على مسار النمو.

لقد تحولت المديونية في العقود الأخيرة من أداة لمجابهة أزمة الركود في البلدان المتقدمة ومن وسيلة لإنعاش النمو وتسريع التنمية المتعثرة في البلدان النامية، الى أزمة هيكلية في حد ذاتها تستدعي استنفار الجهود والقدرات من أجل وقف نزيفها وتجنب أخطارها.وتتمثل الآثار الاجتماعية فيما يخلفه عبء الديون من سياسات اجتماعية قاسية تلجأ اليها الدولة المدينة التي تجد نفسها بين المطرقة والسندان، مطرقة تسديد خدمة الدين وسندان الترفيع في الضرائب وإلغاء الدعم وهو ما يسهم في تدهور المقدرة الشرائية للأفراد، الى جانب التأثير على العدالة بين الأجيال حيث عادة ما يتم الاقتراض في زمن ويتم السداد في زمن لاحق، فيتحمل الجيل اللاحق أعباء ديون خلفها الجيل السابق، لا سيما إذا ما تم استخدام أموال القروض في الاستهلاك.

ولعل الآثار السياسية هي أخطر اثار المديونية على الاطلاق، لكونه يمس بالسيادة الوطنية للدول المدينة عبر التدخل في شئونها الداخلية والخارجية وفرض سياسات واصلاحات محددة من قبل الجهات الدائنة وخصوصا من خلال المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي لا تفتأ تمارس شتى الضغوطات لإلزام تلك الدول بتنفيذ السياسات المطلوبة ولو كانت على حساب استقرارها الاقتصادي وسلمها الاجتماعي، والأمثلة على ذلك عديدة في مختلف الدول التي اشتدت فيها أزمة المديونية كالأرجنتين والمكسيك وتركيا في أواخر القرن الماضي وحديثا في لبنان واليونان. لقد تحولت المديونية الى آلية من آليات استنزاف الدول المدينة وإخضاعها لمصالح المراكز الدولية ومطامعها في توسيع دوائر نفوذها.

4 ـ ضعف الحوكمة:

لا تزال دول منطقة الشـرق الأوسط وشـمال إفريقيـا رغم الجهود المبذولة في البعض منها، تشكو من ضعف الحوكمة الداخلية واستشراء الفساد الإداري والمالي. ويتجلى هذا الامر من خلال غياب الشفافية والمساءلة في مؤسسات المالية العمومية وغياب السيولة في تبادل المعلومات والمشاركة المجتمعية وضعف الأطر الرقابية والتنظيمية في البنوك المركزية والقطاع المالي عموما وتخلفه عن الامتثال للمعايير الدولية، الى جانب تعقيد القواعد المنظمة لنشاطات الاعمال وضعف الأطر الرقابية لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب ، وهو ما يشكل عجزا ملحوظا في الحوكمة لا يساعد على مواجهة مشكلات النمو المتعددة، ويعكس مناخا يغذي المزيد من الهشاشة والاقتصاد الريعي الذي يتمعش من ضعف المؤسسات والعلاقات الهشة بين الدولة والمواطن وبين الدول بعضها مع بعض على الصعيد الاقليمي. فطبقا لتقرير منظمة الشفافية العالمية حول مؤشر مدركات الفساد (CPI) في منطقة الشـرق الأوسط وشـمال إفريقيـا لعام 2023 ، يبلغ متوسط الدرجات العالمية لمكافحة الفساد للمنطقة ككل 34/100 وهو معدل يعتبر ضعيفا ويدل على أن الطريق أمام التخلص من الفساد في مؤسسات كل دولة لا يزال طويلا، وقد احتلت العديد من دول المنطقة أدنى الدرجات في سلّم مقاومة الفساد: سوريا (13)، اليمن (16)، ليبيا (18)، العراق (23)، لبنان (24) مصر (35)،تونس (40)، الكويت (46)، الأردن (46)، بينما تصدرت الدنمارك بـ 90 درجة على المؤشر، تلتها فنلندا ونيوزيلندا بدرجات 87 و85 على التوالي.

كما تعد مشكلة تهريب الأموال إلى الخارج من المشاكل الخطيرة التي تنخر جسم الاقتصاد وتعيق عملية النمو طيلة العقود الثلاثة الأخيرة وازدادت حدة بشكل بارز في السنوات القليلة الماضية في بعض بلدان المنطقة نتيجة العديد من العوامل منها الارتخاء الأمني والتسيب القضائي والتواطؤ السياسي بحكم مصاعب الانتقال الديمقراطي وتكريس مقومات الحوكمة الرشيدة مما جعل هذه الظاهرة تظل في مقدمة الجرائم الاقتصادية والاجتماعية المسكوت عنها. الا ان تطورها بشكل لافت في السنوات الأخيرة والنسق التصاعدي الذي سجلته، في ظل تفاقم المديونية واللجوء الى الاقتراض الأجنبي في المقابل، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن حجم تلك الأموال التي يتم تهريبها بأشكال متعددة يفوق اجمالي الديون الخارجية لبعض البلدان، يجعل من ضرورة التصدي لهذه الظاهرة وما يترتب عليها من آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة أولوية وطنية قصوى ومقدمة لا مفر منها لأية إصلاحات اقتصادية يرام إجراؤها.

فقد أشارت البيانات التي تصدرها منظمة النزاهة المالية العالمية «Global Financial Integrity GFI»  إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) سجلت أكبر نمو في التدفقات المالية غير المشروعة (31.5% سنويا)، تليها أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (19.8%). كما   أن حجم الأموال المهرّبة من بلد مثل تونس الى الخارج بلغ 60 مليار دولار منها حوالي 40 مليار دولار قبل الثورة و20 مليار دولار بعدها  وهو ما يعادل 150% من اجمالي ديون البلاد الخارجية البالغة لحد اليوم حوالي 35 مليار دولار . كما تشير الأرقام الى أن تونس تخسر سنويا 1.2 مليار دولار  بسبب التدفقات المالية غير المشروعة. وبلغت ذروة هذه الخسائر ملياري دولار أمريكي سنة 2013، وهو ما أكدته ورقة بحث بعنوان «التدفقات المالية غير المشروعة واسترداد الأصول في الجمهورية التونسية» صادرة عام 2021 عن معهد الأمم المتحدة الإقليمي لبحوث الجريمة والعدالة وأظهرته أيضا دراسة أجرتها منظمة النزاهة المالية العالمية . كما قدّرت المنظّمة إجمالي التدفّقات المالية غير المشروعة المصدّرة من لبنان بـ19,9 مليار دولار أميركي في الفترة الممتدة ما بين العامين 2004 و2013، أي ما يوازي معدّل 2 مليار دولار أميركي سنوياً في هذه الفترة، في حين تشير بعض التقديرات أنحجم المبالغ المهربة من مصر 7 مليار دولار سنويا وفي المغرب والجزائر حوالي 4 مليارا والمعدّل العربي السنوي وصل إلى 2,7 مليار دولار أمريكي خلال هذه الفترة.

* أستاذ الاقتصاد والتمويل الإسلامي

[email protected]

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير مشكلات الاقتصادي العربية اقتصاد عرب رأي مشكلات أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة منطقة الشرق الأوسط وشمال افریقیا منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا منطقة الشرق الأوسط وشمال إفریقیا المالیة غیر المشروعة فی البلدان النامیة النمو الاقتصادی من دول المنطقة بلدان المنطقة المشکلات التی التی تقف وراء النفط والغاز ملیار دولار بین الدول دول منطقة العدید من النمو فی الى جانب فی منطقة من خلال التی لا کما هو دول من وهو ما نمو فی من أجل

إقرأ أيضاً:

وزير الاقتصاد: القيادة الحكيمة لجلالة السلطان تقود النمو الاقتصادي وتُسرِّع الخطى نحو "عُمان 2040"

 

◄ تحقيق نمو مُستدام خلال السنوات الماضية من "الخمسية العاشرة"

◄ نجحنا في تحقيق الاستقرار المالي مع طرح حزم دعم للقطاع الخاص ورواد الأعمال

◄ تعزيز كفاءة إدارة الموارد الوطنية من خلال إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة

◄ استمرار نمو الاقتصاد بفضل افتتاح مشاريع استراتيجية وتطوير التشريعات وإطلاق المُبادرات النوعية

◄ ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى 37.3 مليار ريال بنهاية 2023

◄ تدشين مشاريع استراتيجية بالشراكة مع المستثمرين المحليين والدوليين

◄ نمو ملحوظ في الصناعات الجديدة لتعزيز تنوع الاقتصاد وتوفير فرص العمل

◄ 26 مليار ريال القيمة التراكمية للاستثمارات الأجنبية المباشرة بالربع الثاني من 2024

◄ إدراج سلطنة عُمان لأول مرة ضمن قائمة أكثر 25 سوقًا ناشئة جاذبة للاستثمار

◄ دعم توجهات إرساء اقتصاد المعرفة وتشجيع الاقتصاد الرقمي

◄ استهداف مساهمة الاقتصاد الرقمي بـ10% في الناتج المحلي بحلول 2040

◄ إطلاق برامج ومبادرات لتعزيز جذب الاستثمارات وتوطين التقنيات

◄ ارتفاع ترتيب سلطنة عُمان 39 مركزا في مؤشر الحرية الاقتصادية

 

مسقط- الرؤية

أكد معالي الدكتور سعيد بن محمد الصقري وزير الاقتصاد، أنَّ الذكرى المجيدة للحادي عشر من يناير، يوم تولي جلالة السلطان مقاليد الحكم في البلاد، تأتي هذا العام وعُمان تُواصل إحراز تقدم ملحوظ في أولوياتها الوطنية، لافتًا إلى أنَّ القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وضعت أُسسًا قوية لمسار النمو المستدام في الاقتصاد العُماني، وفتحت آفاقًا واسعة لتحقيق الرؤية المُستقبلية للبلاد.

وأضاف- في تصريحات صحفية- أنَّ الإجراءات التي اتخذت في عام 2020 شكلت نقطة انطلاق محورية لتحقيق رؤية "عُمان 2040"؛ حيث أسهمت في ترسيخ ركائز أساسية مكنت سلطنة عُمان من تحقيق إنجازات بارزة على كافة الأصعدة، موضحاً أنَّ إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة ودمج الاستثمارات الحكومية تحت مظلة جهاز الاستثمار العُماني، ساهمت في تعزيز كفاءة إدارة الموارد الوطنية؛ مما أثمر عن قدرة البلاد على مواجهة التحديات الناتجة عن جائحة "كوفيد-19"؛ سواء على الصعيد الصحي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، مبينا أن الحكومة بادرت بتنفيذ خطة مالية متوسطة المدى تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي، وطرحت حزم دعم موجهة للقطاع الخاص ورواد الأعمال والفئات المتضررة من الجائحة، بما في ذلك التعامل مع تداعيات تراجع أسعار النفط؛ حيث أسهمت هذه الجهود في انتقال الاقتصاد العُماني من مرحلة التراجع في عام 2020 إلى مسار التعافي بدءا من عام 2021، مع تحقيق نمو مستدام خلال السنوات الماضية من الخطة الخمسية العاشرة.

مشاريع استراتيجية

وأكد معاليه أن الاقتصاد العُماني يواصل النمو والتوسع بفضل افتتاح مشاريع استراتيجية جديدة وتطوير مستمر للتشريعات والقوانين الاقتصادية، إضافة إلى إطلاق برامج ومبادرات نوعية تسهم في تعزيز جاذبية الاستثمار وتسريع وتيرة التنويع الاقتصادي، إذ تأتي هذه الجهود ضمن إطار خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025)، التي تعد المرحلة الأولى لتحقيق رؤية عُمان المستقبلية 2040، مما يعزز مكانة السلطنة على خارطة الاقتصاد العالمي.

وأوضح معاليه أن الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان واصل تحقيق معدلات نمو إيجابية خلال السنوات الماضية من الخطة الخمسية العاشرة، مدعوما بتوجهات التنويع الاقتصادي والابتكار والإنتاجية، فقد شهد الناتج المحلي الإجمالي مقوما بالأسعار الثابتة توسعا ملحوظا، حيث ارتفع من 34.7 مليار ريال عُماني في عام 2021 إلى 37.7 مليار ريال عُماني بنهاية عام 2023. وخلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2024، سجل الناتج المحلي الإجمالي نموا بنسبة 1.9% بالأسعار الثابتة مقارنة بنفس الفترة من عام 2023، إذ جاء هذا الأداء نتيجة لنمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 4.2%، على الرغم من تراجع الأنشطة النفطية بنسبة 2.8%.

وقد دعم هذا النمو المتواصل افتتاح وتشغيل عدد كبير من المشاريع الاستراتيجية التي نفذتها الحكومة وبالشراكة مع المستثمرين المحليين والدوليين، ومن أبرز هذه المشاريع: مصفاة الدقم وميناء الصيد البحري بالدقم، المحطة المتكاملة للكهرباء والمياه بالدقم، المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي الاستراتيجي "ربط"، محطة رأس مركز لتخزين النفط الخام ومحطة عبري للطاقة الشمسية، السوق المركزي للخضراوات والفواكه (سلال)، الذي يندرج ضمن مشاريع الأمن الغذائي.

كما تتضمن المشاريع الجارية: مشروع السكة الحديدية بين عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمنطقة الاقتصادية المتكاملة بمحافظة الظاهرة بالشراكة مع المملكة العربي السعودية، بالإضافة إلى مشاريع نوعية تعتمد على التقنيات المتقدمة مثل صناعات الحديد الأخضر ومركزات النحاس.

التنويع الاقتصادي

وتشهد عُمان نموًا في الصناعات الجديدة التي تتكامل مع قطاع البتروكيماويات وتساهم هذه المشاريع في تعزيز تنوع الاقتصاد وزيادة الإنتاجية، فضلا عن توفير فرص عمل للمواطنين، وزيادة الصادرات، وتنويع مصادر المالية العامة للدولة، بما يتماشى مع أهداف رؤية عُمان 2040.

وبيّن معاليه أن حكومة سلطنة عُمان واصلت خلال عام 2024 تنفيذ برامج ومبادرات جديدة تهدف إلى دعم التنويع الاقتصادي وزيادة جذب الاستثمارات، حيث تركز هذه المبادرات على توطين التقنيات، وتمكين القطاع الخاص، وتعزيز دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى تشجيع الشركات الناشئة، مشيرا إلى أن هذه المبادرات تسهم في تحقيق أهداف الخطة الخمسية العاشرة، ومنها رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 10.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة مساهمة استثمارات القطاع الخاص إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد شهد الاستثمار الأجنبي المباشر نموا ملحوظا خلال السنوات الماضية من الخطة العاشرة، حيث بلغت القيمة التراكمية للاستثمارات الأجنبية المباشرة بنهاية الربع الثاني من عام 2024 نحو 26 مليار ريال عُماني، مع تدفقات جديدة بلغت حوالي 3.9 مليار ريال عُماني مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.

التمويل المُبتكر

وأشار معاليه إلى أنه خلال عام 2024، بدأ صندوق عُمان المستقبل عمله كمؤسسة تمويلية مبتكرة تهدف إلى جذب استثمارات جديدة ونوعية في القطاعات الواعدة، بما يدعم جهود التنويع الاقتصادي وتوفير فرص العمل، وقد حقق الصندوق نتائج إيجابية ملموسة من خلال إطلاق الدفعة الأولى من مشروعاته الاستثمارية، بالشراكة مع شركات محلية ومستثمرين دوليين، بقيمة إجمالية تتجاوز 832 مليون ريال عُماني، منها 609 ملايين ريال عُماني كاستثمارات أجنبية.

وأضاف أن تأسيس الصندوق والتقدم المحقق في تنفيذ توجهات التنويع الاقتصادي أسهما في إدراج سلطنة عُمان لأول مرة ضمن قائمة أكثر 25 سوقا ناشئة جاذبة للاستثمار، وفقًا لمؤشر "ثقة الاستثمار الأجنبي المباشر" لعام 2024 الصادر عن شركة "كيرني"، الذي يعكس توجهات الاستثمار الأجنبي خلال السنوات المقبلة، لافتا إلى أن تأسيس الصندوق يأتي في إطار برنامج توسعة المحافظ الإقراضية، الذي شهد زيادة التمويل المتاح للمشروعات الممولة من بنك التنمية، مع رفع رأسمال البنك إلى 500 مليون ريال عُماني؛ مما سيعزز دعم نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث يتكامل هذا البرنامج مع مبادرات البرنامج الوطني "استدامة"، الذي يستهدف تعزيز دور سوق رأس المال والقطاع المصرفي في دعم التنمية المستدامة، كما يهدف إلى توفير خيارات تمويل متعددة للقطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من خلال تسهيل الوصول إلى التمويل عبر سوق رأس المال.

وأكد معاليه أن تسهيل التمويل يعد أحد العوامل الرئيسية لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتعزيز مكانة عُمان التنافسية في المؤشرات المرتبطة بالاستثمار وممارسة الأعمال، ويسهم ذلك في تحقيق أهداف رؤية عُمان 2040، التي تعتمد على تمكين القطاع الخاص ورواد الأعمال لقيادة الاقتصاد نحو النمو، وتوفير فرص عمل مستدامة في مختلف قطاعات التنويع الاقتصادي.

توطين التقانة

وقال معالي وزير الاقتصاد إن تعزيز جذب الاستثمارات النوعية يسهم بشكل مباشر في توطين التقنيات في مختلف الأنشطة الاقتصادية، ويدعم توجهات الخطة الخمسية العاشرة نحو إرساء اقتصاد المعرفة وتشجيع الاقتصاد الرقمي، حيث ينفذ البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي، الذي يستهدف رفع مساهمة الاقتصاد الرقمي إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2040.

وأشار معاليه إلى أن الشراكات الدولية لجهاز الاستثمار العُماني تقوم بدور محوري في رفد الاقتصاد باستثمارات نوعية وتقنية، وقد شهدت الفترة الماضية إطلاق العديد من المبادرات والبرامج لتعزيز جذب الاستثمارات وتوطين التقنيات، من أبرزها، إنشاء مركز الابتكار الصناعي، تأسيس برنامج الشركات الناشئة، تخصيص جزء من محفظة صندوق عُمان المستقبل لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة، بدء تنفيذ برنامج الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة الذي تم إطلاقه في عام 2024.

وتابع الصقري أن الجهود تتركز على تعزيز الصناعات الخضراء وصناعات الهيدروجين الأخضر، إلى جانب التطوير الحضري الهادف إلى تحسين جودة الحياة وتعزيز استدامة المجتمعات. وفي إطار رؤية المدن المستقبلية والمستدامة، أكد معاليه أن الحكومة تمضي قدمًا في إنشاء مدينة السلطان هيثم باعتبارها أولى المدن المستقبلية في عُمان، فضلًا عن تطوير المدينة المُستدامة "يتي"؛ كنموذج متكامل للمدن المستدامة؛ مما يُجسد رؤية السلطنة في بناء مجتمعات حضرية متطورة ومستدامة.

وأضاف معاليه أن الجهود مستمرة لتعزيز الابتكار وتشجيع البحث العلمي، من خلال تطوير المناهج التعليمية وتنفيذ برامج تأهيل الكفاءات الوطنية التقنية، إلى جانب ترقية البنية الأساسية للتقنيات والاتصالات. هذه المبادرات تمثل أسسا قوية لتحقيق التنويع الاقتصادي ودعم التحول الرقمي، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية "عُمان 2040".

تنافسية عُمان

وحول التقدم المحقق في إطار مستهدفات رؤية عُمان لتعزيز تنافسية السلطنة في المؤشرات الدولية، أشار معاليه إلى أن عام 2024 شهد تطورات ملموسة على صعيد تصنيف سلطنة عُمان في مؤشرات عالمية مهمة، ومن أبرز هذه التطورات، ارتفاع ترتيب السلطنة بمقدار 39 مركزا في مؤشر الحرية الاقتصادية الصادر عن مؤسسة هيريتدج فاونديشن، لتصل إلى المرتبة 56. كما قفزت 95 مركزا في مؤشر الأداء البيئي الصادر عن جامعتي ييل وكولومبيا، لتحتل المرتبة 54.

وفي مؤشر الحكومة الإلكترونية الصادر عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، حققت السلطنة تقدمًا بمقدار 9 مراتب، لتحل في المرتبة 41. بالإضافة إلى ذلك، سجلت تقدما في جميع مؤشرات الحوكمة العالمية الست الصادرة عن البنك الدولي.

وعلى صعيد التكنولوجيا، احتلت سلطنة عُمان المرتبة 50 في مؤشر جاهزية الشبكات الصادر عن مؤسسة بورتولانز لعام 2024، متقدمة بأربع مراتب مقارنة بعام 2023. كما تم إدراج السلطنة ضمن مؤشر كيرني لثقة الاستثمار.

ويعد هذا التحسن في المؤشرات الدولية إنجازا مهما يعكس الجهود المبذولة لتحقيق أهداف رؤية عُمان المستقبلية 2040، للوصول بالسلطنة إلى مكانة متقدمة بين الدول الرائدة عالميا.

وأكد معالي الدكتور وزير الاقتصاد أن أهمية مؤشرات التنافسية الدولية تكمن في كونها أداة تعكس مكانة الدول في ساحة عالمية تتسم بتنافسية شديدة على قيادة الابتكار، ومواكبة التقدم التقني، وجذب الاستثمارات، وتعزيز استدامة التنمية، لا سيما في مجالات تنمية الثروات البشرية، والاستدامة البيئية، ومواجهة التغيرات المناخية.

وأوضح معاليه أن جهود الفرق الوطنية المعنية بملف التنافسية في المكتب الوطني للتنافسية بوزارة الاقتصاد أدّت دورًا محوريًا في تعزيز التعاون بين مختلف الجهات ذات الصلة، وتقديم الاستشارات والمبادرات التي تهدف إلى تحسين موقع سلطنة عُمان في منظومة المؤشرات الدولية. وقد شملت هذه الجهود التواصل مع الجهات الدولية لتحديث وتصحيح البيانات، ورفع جودتها، وتحديث الأطر العامة بما يتماشى مع التطورات والمعايير الجديدة التي تعتمدها المؤسسات المعنية بالتنافسية العالمية.

وبيّن معاليه أن هذه الفرق الوطنية تعمل على تنفيذ المبادرات التحسينية وتطوير مقترحات جديدة لعام 2025؛ لضمان استمرار تقدم سلطنة عُمان في المؤشرات الدولية. وذكر أن من أبرز التقارير والمؤشرات الدولية التي يتابعها المكتب الوطني للتنافسية: تقرير مستقبل النمو الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ومؤشر الابتكار العالمي الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية، ومؤشرات الحوكمة العالمية الصادرة عن البنك الدولي، ومؤشر الأداء البيئي الصادر عن جامعتي ييل وكولومبيا، ومؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، إضافة إلى مؤشر جاهزية الشبكات الصادر عن معهد بورتلانز، ومؤشر الحرية الاقتصادية الصادر عن مؤسسة هيرتيدج فونديشن.

تطوير التشريعات والإجراءات

وأكد معالي الدكتور وزير الاقتصاد أن تطوير التشريعات كان من أهم العوامل الداعمة لمواكبة تطورات المرحلة؛ حيث تم إصدار وتعديل قوانين ولوائح أساسية، مثل قانون الدين العام، قانون العمل والحماية الاجتماعية، قانون السياحة، وقوانين التعليم العالي والمدرسي، إضافة إلى قانون الأوراق المالية وقانون حماية الودائع المصرفية، والقانون المصرفي، ونظام المحافظات الذي يعزز التوجه نحو اللامركزية والتنمية الشاملة.

وأوضح معاليه أنه خلال عام 2024، صدر قانون تنظيم الاتجار بالأحياء الفطرية، في خطوة تعكس التزام السلطنة بحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة. وفي هذا الإطار، يجري تنفيذ البرنامج الوطني للوصول إلى الحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2050؛ حيث تتبنى سلطنة عُمان نهجا متزايدا نحو الاقتصاد المستدام، ويشمل هذا النهج تقليل الانبعاثات في مختلف القطاعات، والتوسع في أنشطة إعادة التدوير، إضافة إلى إنشاء وتشغيل العديد من المشروعات لإنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة.

وأضاف معاليه أن بيئة الأعمال شهدت تحسينات متواصلة ضمن الخطة الخمسية العاشرة، تمثلت في تبسيط إجراءات الاستثمار، خاصة عبر قانون استثمار رأس المال الأجنبي لعام 2019، وتطوير منصة "استثمر في عُمان"، وإطلاق منصات رقمية لخدمة المستثمرين. كما ساهمت برامج مثل "إقامة المستثمر" و"صالة استثمر في عُمان"، إضافة إلى نظام التناقص الإلكتروني، في تعزيز الشفافية وجذب الاستثمار.

مقالات مشابهة

  • انتخاب رئيس للبنان مسمار جديد في نعش المحور الإيراني
  • وزير الاقتصاد: القيادة الحكيمة لجلالة السلطان تقود النمو الاقتصادي وتُسرِّع الخطى نحو "عُمان 2040"
  • أثر خفض قيمة الجنيه على النمو الاقتصادي
  • الأمم المتحدة تتوقع استقرار النمو الاقتصادي العالمي في 2025
  • تقرير أممي يتوقع تحسن في النمو الاقتصادي لمصر خلال 2025
  • تقرير أممي يتوقع تحسن في النمو الاقتصادي لمصر
  • عاصفة ثلجية قارسة على الأبواب.. تحذيرات من موجة برد قاسية تضرب الشرق الأوسط
  • أزمات الشرق الأوسط تتصدر مباحثات السيسي ورئيس المجلس الأوروبي
  • المملكة تحافظ على صدارتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث حجم الاستثمار الجريء في عام 2024
  • رئيس قبرص: الوضع في الشرق الأوسط يواجه تحديات كثيرة