الدراما التلفزيونية السورية المنتظرة وتجسيد ثقافة المواطنة
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
تُعد الدراما التلفزيونية من أكثر الفنون تأثيراً في نفوس المشاهدين. فهي لا تقتصر على التسلية فقط، بل تُسهم بشكل كبير في رفع وعيهم من خلال عرض التحديات الاجتماعية والأفكار المتوارثة التي تعيق تقدم المجتمع.
كما توجه سلوكهم نحو تحسينه، ضمن سياق درامي يتسم بالجاذبية ويحتوي على المقومات الفكرية والفنية اللازمة لإثارة اهتمامهم.
لكن، هل يختلف دور الدراما التلفزيونية السورية في ظل المستجدات الحالية، كما حدث بعد سقوط نظام آل الأسد؟
بالتأكيد، فإن المطلوب من الدراما الآن يتجاوز ما كانت تلتزم به سابقاً تحت تأثير الرقابة السياسية، إذ أصبح من الضروري أن تبتعد عن تقديم الأعمال التي تشكل تهديداً لوعي المشاهدين، خاصة تلك التي تعتمد على السير الشعبية التي لا تعزز أية قيمة سوى قيمة الفرد المخلص، مثل مسلسل "الزند".
والأمر نفسه ينطبق على المسلسلات التي تروج لخارجين عن القانون في مختلف المجالات، مثل السرقة أو التهريب أو تجارة المخدرات، والتي تتضمن غالباً مشاهد قتل دون أي اعتبار لوجود السلطات الأمنية، التي تكون مغيبة تماماً في تلك الأعمال، كما في مسلسلات "هوا أصفر"، "على صفيح ساخن"، "مع وقف التنفيذ"، و"ولاد بديعة" للكاتبين علي وجيه ويامن الحجلي، أو مثل مسلسل "الهيبة" بجزئه الثالث للكاتب هوزان عكو.
كما ينبغي الابتعاد عن المسلسلات "البيئة الشامية" التي كانت تقدم خطاباً رجعياً يحاول إحياء تقاليد وقيم بالية تحت ذريعة مقاومة المستعمرين الفرنسيين أو العثمانيين، على نحو ساذج وغير مكلف إنتاجياً، مما جعل شركات الإنتاج تستثمر الأزياء والديكورات في أكثر من جزء، مقدمة صورة مشوهة عن تاريخ دمشق تحت ذريعة "الدراما المتخيلة" وليست التاريخية، ما يتناقض مع مقومات المكان وأزيائه وعاداته.
تحت سقف القانونأما ما نحتاجه من الدراما للمساهمة في بناء الحياة الجديدة، حتى إذا استعدنا بعض السير الشعبية، فهو أن تكون على غرار ما قدمه الكاتب الراحل ممدوح عدوان في مسلسله المميز "الزير سالم".
ففي هذا المسلسل، استعاد عدوان السيرة الشعبية ولكن بأسلوب يتسم بالمسؤولية، حيث تجسد شخصية "كُليب" ليس كرمز للاستبداد أو الثأرية، بل كمثال على ضرورة وجود "نظام سياسي" يحترم القانون، ويجب على الجميع الالتزام به، حتى وإن كانوا من أقرب الناس.
ولم تشفع قرابة "البسوس" له عندما خالفت القانون، ففرض عقوبتها عليها.
وهذا هو جوهر الخطاب الفكري في "الزير سالم"، أي فرض سيادة القانون على الجميع، وتجاوز العصبية القبلية وقرابة الدم.
إذا تأملنا المجتمعات المستقرة التي تحقق الإنجاز والتطور وتحترم حقوق الإنسان، سنجد أنها المجتمعات التي تضع القانون فوق الجميع من دون وساطات أو تحيزات.
لكن في الوقت نفسه، سلط ممدوح عدوان الضوء على استبداد "كليب" الذي أفضى إلى طيش "جساس" وثأرية "الزير سالم"، مما أدى إلى فوضى أو حرب أهلية.
من خلال هذا الضوء، حذر عدوان من خطورة التفرد بالسلطة وإصدار القوانين من دون مراعاة المصلحة العامة.
لا يمكن إغفال ما قدمه هذا المسلسل الهام، إلى جانب أعمال أخرى، من خطاب درامي يركز على تعزيز قيم مؤسسات الدولة واحترامها.
هذا النهج تجسد في بعض المسلسلات التي قدمها الثنائي الراحل حسن سامي يوسف ونجيب نصير، ومسلسل "المفتاح" للراحل خالد خليفة، ومسلسل "رياح الخماسين" لأسامة إبراهيم. كلها أكدت، بأشكال مختلفة، ضرورة احترام المؤسسات والقوانين، رغم ما تعرضت له هذه المؤسسات من ترهل وفساد، كما ألمحت إلى ذلك بعض الأعمال الكوميدية مثل مسلسل "سعادة الوزير وحرمه" للكاتب محمود الجعفوري، وبعض لوحات "مرايا" و"بقعة ضوء"، التي طرحت ضرورة خضوع المجتمع بأفراده وشرائحه، بما في ذلك قياداته، للقانون.
المشاهدون السوريون اليوم بحاجة إلى خطاب درامي مشابه لما قدمته هذه المسلسلات، وأعمال أخرى تعزز ثقافة المواطنة بين أفراد المجتمع، وهي ثقافة تنبذ التمييز على أساس قومي أو ديني أو طائفي أو حزبي أو قبلي أو عائلي أو جنسي، وتعتبر الفرد مواطناً سيداً حراً، مساوياً لغيره أمام القانون. دراما تعزز مثل هذه الثقافة تسهم في تجاوز جراح الماضي وتحفز مشاعر التعاون لبناء مجتمع جديد. فالفنون هي اليد التي تقود الناس إلى إنسانيتهم نحو تمجيد "الثالوث الأقدس" الحق والخير والجمال.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات سقوط الأسد ثقافة وفنون
إقرأ أيضاً:
توضيح رسمي حول قضية المواطنة العُمانية الممنوعة من السفر في الهند
مسقط- الرؤية
قالت وزارة الخارجية إنها تابعت باهتمام ما تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشأن قضية المواطنة العُمانية المتواجدة في جمهورية الهند، وذلك على خلفية دعوى قضائية مرفوعة ضدها من إحدى قريباتها، ما أدى إلى صدور قرار بمنعها من السفر لحين الفصل في القضية أو الوصول إلى تسوية ودية بين الطرفين.
وأكدت الوزارة أن القضية تحظى بمتابعة مستمرة واهتمام كبير من قبلها، ومن خلال سفارة السلطنة في نيودلهي، التي قامت بتعيين مكتب محاماة للدفاع عن المواطنة، بالإضافة إلى جهودها في حث الأطراف المعنية على حل خلافاتهم العائلية وديًا مع احترام القوانين السارية.