اليمن يظهر قوته من ركام 10 عشر سنوات.. هل يستوعب السعوديون الدرس؟
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
كعادتها، واشنطن تحاول استغلال السقوط الذي تعرض له نظام بشار الأسد لتحريك أوراق الداخل وإعادة تدويرها من جديد.
لقد باتت خياراتها محصورة في الفوضى لا أكثر، مع ما يرافق ذلك الخيار من تأثير واسع على مصالح أمريكا، حيث أن تشعب وتقاطع مصالح وحسابات القوى العالمية السياسية قد تفاجئ الكل بفوضى واسعة جداً.
المتابع للتحركات الأمريكية منذ بدء حرب غزة، وهذا هو المهم، يدرك أن الهالة الإعلامية وعامل التضخيم الذي تعتمد عليه لإبراز تحركاتها، أو مواقفها سرعان ما يخبو تأثيره خاصة في حالة اليمن وصراعه معها.
يمكن سرد سلسلة طويلة من مشاهد الإخفاق الأمريكي عميق التأثير على مستوى البحار وقوة أمريكا التي تفترض السيطرة على ممرات العالم.
في الجانب السياسي كان التوجه الأمريكي يحاول تكرار صنع تحالفات تعتمد على الخليج الثري لتحقيق أهدافها في اليمن.. التغيير الاستراتيجي الذي صنعته اليمن عطل هذا الخيار، وأحاله إلى هامش المشهد، حيث لا تستطيع واشنطن الاستفادة منه إلا في جانب الدعم الخفي المالي اللوجيستي، وليس المواجهة الصريحة.
في الجانب العسكري كان استهداف حاملات الطائرات “ايزنهاور” أربع مرات ، لينكولن “مرة” ، وهروب روزوفيلت من مهامها في منطقة عمليات البحر الأحمر، كان المؤشر الأقوى للقوى المنافسة للهيمنة الأمريكية كالصين مثلاً ، أن تعطل محور القوة الأمريكية المتحركة “أمر سهل” يمكن للصين، أو روسيا أن تقوم به على نحو سريع وخاطف.
فضلاً عما أضافه اليمن من رصيد استهداف القطع الحربية المختلفة للأمريكيين والغرب، حيث فتح الباب على مصراعيه لانتقاد واسع ضد التصنيع العسكري الغربي واستراتيجية التفوق التي ظلت لعقود، بل لقرون هي من ترجح هيمنة الغرب المستعمر على المنطقة والعالم.
ضربات صنعاء الذكية للداخل الإسرائيلي اليوم مؤشر كافٍ على الشعور المتنامي بقوة صنعاء، وما تجرعته أمريكا في اليمن كان كبيرًا وبكل المقاييس العسكرية والسياسة، وهو تقييم لحالة “فشل” جوهري واستراتيجي، لا يظهر للعامة ولا يتحدث عنه ساسة وقادة أمريكا على الملأ، فيما قد أحدث بلبلة واسعة داخل الغرف المغلقة للدفاع والسياسة والتصنيع، وهو ذات الفشل الذي مني به الغرب بالمثل في بحار اليمن.
مع حضور القوات الأمريكية البريطانية في المحافظات المحتلة تبدو احتمالات التدخل الأمريكي البري رهان أحمق، فتجارب أمريكا في العراق وأفغانستان وقبلها بفيتنام، نماذج على الفشل الأمريكي، وقبل هذه الشواهد يبدو تاريخ المقاومة والمواجهة اليمنية للمحتل لا تبعث على تفاؤل الأمريكيين والغرب، فهذا التاريخ يتحدث عن يمن لم يكن يمتلك سلاح، أو ترسانة للمواجهة فكيف به اليوم؟.
هذا القصور في جانب الأمريكان والتمكين في جانب اليمن المقاوم يعمق حالة الإحباط الأمريكي الصهيوني.
بالأمس، تحدث الإسرائيليون عن العجز الاستخباراتي لإسرائيل في توفير أهداف للقصف داخل اليمن.. ما يبدو واضحًا أن اليمن جفف الكثير من خلايا وشبكات العدو في الداخل، على الرغم من ذلك، فرهان أمريكا الآن يسير في جانب استخباراتي تحاول فيه بمعية مرتزقة العدوان البحث عن ثغرات الولوج إلى الداخل اليمني، بإثارة الفوضى وإشعال حرب محلية بين اليمنيين، وهو مسعى فقير لفتح باب أمنيات إضعاف اليمن، ووقف حصارها لملاحة اسرائيل.
أمام هذا الاخفاق الكبير تجد واشنطن ما حصل في منطقة الشام فرصة، ولابد من استغلال ذلك الزخم؛ فسقوط نظام الأسد بتلك الطريقة، والذي كان مفاجئاً لواشنطن واليهود والغرب منح تلك القوى المحتلة شعورًا بالتفاؤل ، ربما بمحاولة تكرار نموذج تركيا في اسقاط سوريا في جغرافية أخرى ومنها اليمن ، لكن الفرق معلوم وواضح ما بين البلدين للعدو قبل غيره . عقب أحداث سوريا علقت إسرائيل أن عليها كطرف في معركة اليمن أن تتجه بتركيز تشكيلات استخباراتية وعملياتيه صوب هذا البلد ونظامه المساند لغزة.
ومع مساعي أمريكا المجهدة ووجود ضباط لها في المناطق المحتلة والساحل الغربي تلهث أمريكا لتحريك مليشيات المرتزقة وجماعات متطرفة للقاعدة وداعش في اليمن.
الأكيد أن حضور مسؤول مكافحة الإرهاب الأمريكي في اجتماعات المرتزقة يؤكد مخطط تحريك الجماعات المتطرفة وتنسيق تحركاتها مع تحركات المليشيا التي تتبع الرياض وابوظبي.
ولأن الرياض وأبو ظبي تستشعران خطرًا كبيراً يظهر في لهجة خطاب صنعاء وفي تجارب سابقة مع القوة اليمنية، تبدو ورقة المرتزقة غير محسومة بيد الأمريكيين.
واقع صنعاء بحضوره الأمني والعسكري الكبير بالتأكيد أنه يعطل الخطط والتصور الأمريكي لمعركته في اليمن، حيث يقوم تصور العدو على فوضى داخلية وتفجيرات وحصول اختراق استخباراتي واغتيالات سابقة ومصاحبة للتحركات على الأرض.
هذا الواقع الصلب لصنعاء أزعج واشنطن وتحالفها بما فيه دول خليجية، حيث يتأكد تعطيل عيون واشنطن، الغرب، والرياض في الداخل، وهذا من ثمار العمليات الأمنية التي ألحقت بأمريكا هزيمة أخرى بالتوازي مع الهزيمة البحرية.
مقابل هذا تدرك أنظمة الرياض وأبو ظبي تداعيات أي تحرك ضد صنعاء خاصة في هذا التوقيت؛ حيث ينظر الشارع اليمني والعربي والاسلامي لصنعاء على أنها جزء من معركة إسناد فلسطين بما قدمته اليمن طيلة عام ونيف، وما أصبحت تمتلكه من شعبية في الداخل الفلسطيني ولدى شعوب العرب والأمة وأحرار العالم.
هذا ما يعني أن أي تحرك من أي قوى يمنية أو عربية ضد صنعاء سيكون بمثابة خيانة الأمة وخيانة شعب غزة وفلسطين.
وبالنظر إلى قوة صنعاء المتراكمة في أعوام عشرة من الحصار والعدوان ونتائجها التي ظهرت في اسناد طوفان الأقصى، وأخذ عوامل الجغرافية والتاريخ والمقاومة يكون اليمن أمام نصر قادم وما يحتاجه فقط هو أن يسد ثغرات المتربص، وأن تظل الأعين مفتوحة، أما المعركة وإن طال القصف مدن اليمن فستكون معركة اليمنيين التاريخية.
واذا ما حصل هذا، تكون السعودية والإمارات قد اقترفت الخطأ العظيم فما قبل هذا لن يكون كما بعده.
إبراهيم العنسي| المسيرة نت
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی الیمن فی جانب
إقرأ أيضاً:
21 يناير خلال 9 أعوام.. 103 شهداء وجريح في 3 جرائم حرب لغارات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن
يمانيون../
أوغل العدوانُ السعوديّ الأمريكي، في الحادي والعشرين من يناير خلالَ عامي: 2016م، و2017م، في ارتكابَ جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، وسفك الدم اليمن، واسترخاص حياة عشرات المدنيين، وتدمير الأعيان المدنية، مستهدفاً بغاراتِه الوحشية منازل المواطنين وأحد المساجد وطواقم طبية وإعلامية ومسعفين بمحافظة صعدة، ومنشأة رأس عيسى النفطية بالحديدة وعمالها.
أسفرت هذه الغارات الوحشية، عن 47 شهيداً، بينهم أطفال ونساء، وأسرة بكاملها، ومصور قناة المسيرة هاشم الحمران و56 جريحاً، وتدمير عشرات المنازل وأحد المساجد، ومنشأة نفطية، وخسائر وأضرار في الممتلكات والمعدات بالملايين، وترويع الأهالي، في 3 مجازر جماعية تهز الإنسانية.
وفيما يلي أبرز التفاصيل:
21 يناير 2016..54 شهيداً وجريحاً بينهم مصور المسيرة هاشم الحمران بغارات العدوان على صعدة:
في الحادي والعشرين من يناير 2016م، ارتكب العدوان السعودي الأمريكي، جريمة حرب وإبادة جماعية، جديدة، بغاراته المستهدفة لمنازل المواطنين وأحد المساجد ومسعفين، وطواقم الإعلام، في مدينة ضحيان مديرية مجز، محافظة صعدة، أسفرت عن 26 شهيداً بينهم مصور قناة المسيرة، هاشم الحمران، و28 جريحاً، ودمار واسع ومشاهد صادمة، ونزوح عشرات الأسر، وبكاء وصراخ للأطفال والنساء، وترويع الآمنين.
قبل الغارات كان أهالي مدينة ضحيان، يعيشون حياتهم الطبيعية، وكل بعد حالة، وفي لحظة مشؤومة حلق طيران العدوان في سماء المنطقة، ملقياً غاراته الوحشية على منازل المواطنين، ومسجدهم، حولها إلى دمار على رؤوس ساكنيها، فهرع الأهالي إلى المكان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحضر طاقم قناة المسيرة، ليصور مشاهد المجزرة المروعة، لكن طيران العدوان عاود باستهداف الجميع في مشهد مأساوي يندى له جبين الإنسانية، وارتقت أرواح جديدة نحو باريها، وزادت قائمة الشهداء، وتضاعفت معاناة من سلم من جرحى الغارات السابقة، وتحول المسعفون إلى مستغيثين لمن يسعفهم.
يا لها من جريمة وحشية، وغارات لا ترحم، ولا تفرق بين مدني وعسكري، ولا كبير ولا صغير، وكل ما يدب على أرض صعدة بات هدفاً لها، دون أي رادع قانوني أو إنساني، هنا الأشلاء والدماء والجثث، والدمار والدخان والغبار، ومشاهد حشر لقيامة، دفنت الأحياء تحت الأنقاض، وغدرت بكل من وصل إلى المكان أو بقربه بعد الغارات الأولى، مستبيحة لدماء وأرواح بريئة.
صرخات من هنا وهناك واستنجاد، لكن لا مجيب، من يقترب من الجثث يرصده الطيران وتباشره الغارات بصواريخها وقنابلها الفتاكة، هنا رجل قطعت قدمه وذراعه، ينادي ابنه الصغير يا صلاح، وجريح بجواره ينادي إسعاف أسعفونا، لا مجيب، سوى صوت أب مقهور ينادي لفلذة كبده، فيقال له هذا ابنك، هذا رأسه، هل هذا هو صلاح، فيزيد البكاء ويجثوا عليه ليحتضن أشلاء مقطعة ومعالم وجه بريء مضرج بالدماء، إنها مشاهد قاسية لا تتحملها فطرة الإنسان، ولا يصدقها عاقل أن مرتكبها يدعى خادم الحرمين الشريفين!
هنا جريح آخر ينتشله اثنان من المسعفين منادين لسيارة على بعد أمتار، وما أن يصلون إليها ويضعون الجريح عليها، حتى يستهدفهم الطيران للمرة الثالثة، بغارة أزهقت رواح الجريح ومسعفيه وسائق السيارة، وبات الاقتراب من المكان أشبه بالانتحار، يتوارى المواطنون، خلف ما بقي من الجدران وتحت الأشجار، ويترك الجرحى والشهداء على مسرح الجريمة دون منقذ، إلا من تسلل زحفاً دون أن يرصد حركته الطيران! إنها الإبادة المتعمدة لشعب يمني أبى الركوع والخنوع لسياسة الغزاة والمستعمرين، وقوى الاستكبار العالمي.
بعد ساعات غادر الطيران سماء المنطقة بعد أن أفرغ كامل حمولته، وارتفعت أعمدة الدخان وألسنة النيران إلى عنان السماء، وبات غير قادر على معرفة المشاهد تحتها، فوجد الأهالي فرصتهم لإنقاذ أهاليهم والبحث عنهم بين الدمار، وتجميع أشلائهم، أحد الجرحى يقول أنا في حلم ذهنوني من الحلم، هذا كابوس، فزعوني، أبي قده نتاف أي “أشلاء “، يا قهر قلبي عليك يا والدي”.
وهذا مسعف آخر وصل إلى جوار جثة أخيه يقول، يا لله هذا أخي أحمد يا رجال عينوني أجمعه إنه مقطع، فيهرع الأهالي كل يأخذ ما وجده أمامه، إلى بطانية.
زميل الشهيد الإعلامي هاشم الحمران من فوق دمائه المسفوكة يقول : “هذه دماء زميلي هاشم، الطيران استهدف الكادر الإعلامي والصحي والمسعفين والمواطنين، ومن مكان استشهاد مصورنا العزيز، نؤكد أننا في سبيل الله، وفي سبيل إيصال الحقيقة؛ ومن أجل الحرية والكرامة، ومن أجل أن نرفع صورة المستضعفين إلى العالم، سنلحق بزميلنا هاشم الحمران ، ونحن على دربه مهما كانت التضحيات.
إلى ذلك كان في المدينة جامع عمار بن ياسر، وبجواره منزل أحد المواطنين، دمرته الغارات، ومحت معالمه، وأبادت أسرة من 4 شهداء بينهم طفلة وطفل، و4 جرحى، يقول، أخوهم الناجي “والله لن تهزوا فينا شعرة، ولن تركعونا مهما كان حجم إجرامكم”.
أم ناجية تنادي المسعفين أخرجوا بنتي من بين الدمار، غيروا علينا يا خلق الله، بنتي نازل تحت الدمار، اسمعوا صوتها، وبجوارها أطفال صغار مضرجين بدماء علت وجوههم، يبكون وينادون والدهم الشهيد، وأمهم الجريحة، تبتهل وتتوسل إلى الله أن ينقذ بنتها التي لا تزال حية تحت، وتنادي لمن يرفع من فوق جسدها الدمار.
مدينة ضحيان عمها الحزن ووصل القهر إلى كل أسرة، فالنساء يبكين على فراق أزواجهن وأبنائهن وإخوانهن، والأطفال يتموا، وتشيع الجاثمين، في مشهد جماعي، لمجزرة لن تمحى من ذاكرة اليمنيين، ويبدأ الناجون بإعداد قوافل الرجال والمال دعماً وإسناداً للجبهات، وفاء لدماء شهدائهم ودفاعاً عن المستضعفين من الرجال والنساء والأطفال.
استشهاد وجرح 54 مدنياً بينهم أطفال ونساء، بغارات سعودأمريكية، داخل منازلهم جريمة حرب وإبادة جماعية ضد الإنسانية في اليمن، تضع النظامين المجرمين، أمام محكمة الجنايات الدولية والعدل الدولية، كمجرمي حرب، وتدعو كل أحرار العالم والمنظمات الإنسانية والحقوقية والجهات القانونية، والأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة لوقف العدوان ورفع الحصار، وتحقيق العدالة لأسر وذوي الضحايا.
إن جريمة كهذه وموثقة بكل التفاصيل عبر مشاهد حية مصورة لطيران العدو المحلق في السماء ولحظات الاستهداف، والانفجار، ومشاهد الضحايا، والدمار، وأصواتهم وصرخاتهم، وأشلائهم، ودمائهم، لهي دليل كامل تضع نفسها على طاولات محكمة الجنايات الدولية، لتقوم بمسؤوليتها القانونية والأخلاقية، ويعتبر التأخر عن ذلك وصمة عار في جبين الأمم المتحدة والإنسانية جمعاء، ودليل دامغ لتخلف هذه المؤسسة الدولية عن القيام بواجبها.
21 يناير 2016..41 شهيداً وجريحاً في جريمة حرب لغارات العدوان على منشأة رأس عيسى النفطيةبالحديدة:
وفي جريمة حرب ثانية من اليوم والعام ذاته، استهدف العدوان السعودي الأمريكي، منشأة رأس عيسى النفطية في مديرية الصليف، محافظة الحديدة، بغاراته الوحشية المباشرة، أسفرت عن دمار هائل، و16 شهيداً، و25 جريحاً، واحتراق عشرات القاطرات، وخزانات الوقود، ومشاهد مهولة لتصاعد ألسنة النيران، وأعمدة الدخان، ورائحة تفحم جثث العمال والمواطنين الأبرياء.
يفر من نجا من الموت بخطوات سريعة من وسط الدخان الكثيف، والنيران المشتعلة، أمتار عشرية، خشية من امتداد وتوسع النيران، النابعة من تفجر خزانات الوقود، ومن يحاول الاقتراب يجد نفسه أمام محاولة نتيجتها صفرية، كمن يكب نفسه في الجحيم.
على ذاك الساحل الرملي يجد المسعفون جثة مرمية على الأرض هي لآخر واحد لم تدركه ألسنة اللهب، لكن الدخان والرعب نال منه وفتك به، حتى فقد وعيه وتوقفت ضربات قلبه، فيقول أحدهم، أين الإسعاف حصلت جثة لا أدري هل صاحبها حي أو ميت، يرد عليه الآخر، إن شاء الله حي، اسعفوه سريع”.
ساعات مرت وفرق الإطفاء، والدفاع المدني، تعمل بكل طاقاتها، ونيران الجريمة لا تزال تتقد، وما إن خفت ظهرت جثث ذائبة، لم يبق منها غير مشهد الجماجم فوق رماد العظام والأعصاب والمنصهرة، في سواد داكن، تخرج من أسفل فص الجمجمة وبين الرقبة نار حمراء، وعلى مقربة منها بقايا هياكل حديدية لقاطرات الوقود، تحولت إلى رماد، وخردة.
وما إن تقترب أكثر من عمق المنشأة، فأمامك لا شيء هنا، وكلّ ما كان فقد أثره، أنهته الغارات والنيران، وحولته إلى عدم، من يبحث عن قريبه أو زميله أو أخيه أو ابنه، يعود بحفنة رماد، في كيس، يشيعها الأهالي، لاسم دون جسم، أرعبت الأطفال والنساء، وأدمت قلوبهم، وأفقدتهم الأمل بالحياة، وهزت الإنسانية، أمام عدوان غاشم يتعمد الإبادة للمدنيين، وتدمير المنشآت والأعيان المدنية، عن سابق إصرار وترصد، ودون أي اعتبار للقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية والإنسانية.
صورة لثلاثة هياكل عظيمة على الأرض امتدت لتحمي نفسها من النيران والدخان وكانت على وجوهها، لكن انتشار الوقود والنيران المستعرة، أذابتها، وما إن تلمس بعضها تتحول إلى رماد، تعجز عن التقاط وصلة منها، فيما يظهر كوب زجاج ظل بجوارها سالم الهيكل، أسود الشكل، إنها نيران جريمة سعودية أمريكية بحق الإنسانية.
أحد الجرحى يقول من فوق سرير المستشفى: “ضرب الطيران وعادني خارج، سمعت الضربة قبل ما أدخل الهنجر، فهربت سريعاً، وأصبت بحروق وكسور، وما صدقت أني عايش، الحمد لله، زملائي الذي كانوا داخل ما خرج منهم أحد ، كلهم استشهدوا، وتفحموا، إنا لله وإنا إليه راجعون”.
بدوره يقول شاهد عيان: “هذه منشأة شركة النفط برأس عيسى، ومن فيها كلهم عمال، وجثث كثيرة تفحمت، أصحاب القاطرات بعضم تفحموا فوقها، هذا ظلم واستهتار، لا أحد كان يتوقع أن يحصل هذا، حسبنا الله ونعم الوكيل، هذه طرف قدم أحد العمال فيما جسده الباقي رماداً، وهذه هياكل عظمية فقط أمام العالم يشاهدها، لعمال، أبرياء مدنيين، لا ذنب لهم”.
ويتابع “أين هي حقوق الإنسان؟ أين هي الأمم المتحدة من هذه الإبادة المتعمدة؟ من يحاسب المجرمين يا عالم؟ من يحمي المدنيين، والمنشآت المدنية في اليمن؟”.
21 يناير 2017..5 شهداء و3 جرحى في جريمة حرب لغارات العدوان على منزل المواطن الشلبي بصعدة:
وفي العام 2017م، من اليوم ذاته، سجل العدوان السعودي الأمريكي، جريمة جديدة، إلى سجل جرائمه بحق الشعب اليمني، مستهدفاً هذه المرة، منزل المواطن أحسن الشلبي في منطقة آل مغرم، مديرية باقم الحدودية، محافظة صعدة، بغاراته الوحشية، المباشرة، أسفرت عن 5 شهداء بينهم طفلان وامرأة، و3 جرحى، وتدمير المنزل بشكل كامل، وأضرار في ممتلكات ومنازل الأهالي المجاورة، وموجة نزوح لعشرات الأسر من مآويها، وترويع النساء والأطفال، ومضاعفة المعاناة.
أسرة الشلبي، كانت تعيش حياتها المعتادة وفي لحظة حلق طيران العدوان السعودي الأمريكي، فوق سماء المنطقة، ملقياً بقنابله المتفجرة وصواريخه المدمرة على سقف منزلهم الذي تحول إلى مقبرة جماعية لكل من فيه، فهرع الأهالي لانتشال الضحايا، ولم يجدوا غير طفل وحيد جريح ، فعاود الطيران قصف المسعفين مرة ثانية وثالثة، وما إن وصل الطفل إلى المستشفى حتى فارق الحياة، وتبخر الأمل لأسرة بكاملها.
يقول أحد الأهالي: “العدوان السعودي الأمريكي، استهدف أسرة كاملة، ما بقي منهم غير هذا الطفل الوحيد، وصلنا إلى هنا واستشهد، وكل ما حاولنا إنقاذهم يتم ضرب المسعفين، ثلاث مرات يستهدف المنزل، المرة الأولى أهل البيت، والثانية والثالثة المسعفين، أي إجرام هذا؟ وأية وحشية، هؤلاء 3 أطفال شهداء، طلعناهم بعد الغارة الأولى، وجت الغارة الثانية وكانت أمهم تنقذ معنا بخيرة، فاستشهدت، ودفنت أنا تحت الأنقاض، وطلعوني، وبعدها جت الغارة الثالثة وجرح عدد من المسعفين، ولكن هذا لن يزيدنا إلا أيماناً وتصديقاً”.
استهداف غارات العدوان لمنزل مواطن وإبادة أسرة بكاملها، وجرح المسعفين، وتعمد الاستهداف ومعاودة التحليق والغارات المتكررة، جريمة حرب وإبادة مكتملة الأركان، وعن قصد وترصد، تضع نفسها أمام العالم، وعلى طاولة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن ومحكمة الجنيات الدولية والعدل الدولية، وكل المؤسسات والمنظمات الحقوقية والإنسانية، لينهضوا بمسؤولياتهم، ويسارعوا بوقف العدوان ورفع الحصار على الشعب اليمني، وحماية المجتمع البشري والقيم الإنسانية المشتركة، من وحشية قوى الهيمنة والاستكبار العالمي.