قراءة في مجموعة “كائنات الحجرة المظلمة” لعبد الله ناجي
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
أثير- مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
أوّلا وقبل كلّ شيء ..، أشير إلى النصّ التمهيدي الذي حبّره الكاتب كافتتاح لمتنه السردي، لأنّه طافح بالحقيقة الشعرية التي طالما أخفاها الكتّاب وقالوا لنا كلاما جميلا نعم ..لكنّه خال من جرح المعرفة وألم البحث وسكينة الرضوخ لحقيقة من بين آلاف الحقائق ..، حقيقة لي مدّة لم أطأ عتبة نصّ كهذا .
” أقبلت جميع الموجودات، وانتظمت حول الطاولة المستديرة،وماهي إلا لحظات حتى ارتفعت الأصوات حول تلك الطاولة، كلٌ يرسم للحقيقة شكلًا ما، ويصبغها بلونٍ ما، وأثناء ذلك الصخب الكوني تدحرجت الحقيقة من فوق الطاولة، ولم يشعر بها أحد…”
ثمّ جملة أخرى ..لا أريد أن تبقى في الورقة داخل الكتاب ..فهي تعني لي الكثير ..، أعتقد أنّ الكاتب تخلّى عن صفته ليسترجع لبعض الوقت صفة الشاعر ..وأنا أوافقه في كلّ شيء لمّح إليه ..فلا معنى للكتابة إلاّ إذا كان محبّرها صاحب وعي خطير وله دراية بما يقوله:
” وكلما امتلأ المخطوط بالقصائد، محا ذلك الشاعر العجوز بعض أوراق مخطوطه، وكتب عليها قصائد أخرى جديدة..”
” الوحدة ” عنوان عتبة ثانية لدخول النصّ ..، التوغّل في ظلام الحجرة والسقوط في عمق النفس ..الدخول في هوّة سحيقة ..ولم تعد حجرة ماديّة فقد ارتفعت بتمامها أرضا وسقفا وجدرانا ..، وولج الكاتب إلى الظلام السميك ..، ومن هنا نستطيع القول أنّ دخول الكاتب في فكرة النصّ كانت ناجحة وجيّدة ..
” ضممت ركبتيّ إلى جسدي، وأحطت ذراعيّ بهما حتى ألتصقُ بنفسي..
وتكتمل وحدتي النفسية والجسدية..”
في ” النفق ” بدأ مرحلة الهذيان وسؤال النفس عن سبب واحد للبقاء في الظلام..، أما أنا فقارئ شغوف بمواصلة هذه الرحلة داخل هذه النفس البشرية ..وأشهد أنّها ممتعة وشيقة وتتفتّح شيئا فشيئا ..عن عالم غالبا ما فكّرت فيه ..دون أن أعزم على الكتابة عنه ..، المهمّ أنّ كاتبا آخر وهو شقيق في الدم والأصل ..تصدّى لهذا الأمر :
” …على أية حال كنت، فإنني لا بد أن أصل، كل ما هو مطلوب مني الآن هو الاستمرار في التحديق، والاستمرار في الحديث، أو في الهذيان، حتى ينفذ البصر وتتجلى الرؤية…”
” الاختباء ” فاصل لتذكّر ما كان من هذه الحياة ومن الكاتب زمن طفولته ..، هلعه من البرق ثمّ حرق إصبعه من لهيب الشمعة ..ثمّ حادثة سقوطه من أيدي إخوته وهو في صندوق الكرتون ..وهم فوق سطح البيت ..، خلاصة القول هرب إلى ذاته بعيدا عن الظلمة التي تزداد سُمكا وهيمنة وسلطانا:
” بدأت أختبئ من كل مخاوفي، وفيما بعد أدركت بأن كثيرا من تلك المخاوف لم تكن سوى أوهام، ولكنني بالرغم من تلك المعرفة لم أستطع التخلص منها نهائيًا، وشعرت بأن المعرفة قد لا تخلصنا من مخاوفنا، بقدر ما تقربنا منها وتلمّع صورها المخيفة في أحداقنا ونفوسنا ”
” الخوف ” موضوع هذه الفقرة ..وفيها تساؤلات كثيرة عن أسباب الخوف وهلعنا من التلاشي والفناء ..، يمكنني أن أحدس أنّ الكاتب اختار من هنا فصاعدا أن يتحدّث في مواضيع أخرى ..إضافة إلى الظلمة ..لكي يستطيع السرد ..، فالكلام عن موضوع واحد بصفة تامة متعب ومستهلك ..، ولقد خرج من هذا الفاصل بحقيقة دامغة ..، يقول :
” الموت هو الكامن وراء الخوف، هذا ما تقوله ليّ أحاسيسي ومخاوفي، وهذا ما حملتني إليه أفكاري وهواجسي ..”
نصل الآن إلى ” الخلود ” ، يتطرق إليه عبد الله ناجي من جميع الأفكار التي تستحوذ علينا جميعا، وينطلق إلى فكرة العيش بلا نهاية ..وإلى الأبد ..، ويحقّ له أن يتساءل عن طعم الخلود بذاك الشكل ..، ثمّ ألا نملّ أو نكلّ من القيام بنفس الأفعال إلى الأبد ..؟، خلاصة القول بالنسبة للكاتب ..، يقوله في فقرة نقتطعها لكم :
” إنّنا الخالدون الفانون، هذا أعظم ما صنعه الإنسان، أن يخلد في فنائه، إنها معجزته، بل ما أكثر معجزاته، ستخلده كلماته، فنه، نحته، نقشه، ومعماره، وكلّ ما له معنى تشترك فيه الإنسانية جمعاء، باختلاف لغاتها وألوانها وشعوبها ومذاهبها.
وعلى الرغم من كثرة معجزاته، فإن أعظم معجزة للإنسان- إن كان هو صانعها- هي الحب.”
يلي ذلك محطّات عديدة فنقرأ عن الحب فاصلا يختتمه بأبيات شعرية، ثمّ تتّابع المواضيع فنوغل في الجسد ـ المرأة ـ فالألم واللذة ..إلخ ، إلى أن يصل السرد إلى ” سيرة الروح ” أين شَعر المبدع بأنّه كان يكتب سيرة روحية بينما يسير في ذلك النفق ..والملاحظة أنّه لجأ إلى تطعيم نصوصه بالشعر البديع الصافي ..، وآخر ما نقرأ في هذا الكتاب :
” وفي صدري لك الأنفاسُ
والأشواقُ تحتشدُ
أحبُّ..
لأنني في الحبِ
يا مولاي أتّحدُ “
أبواب وفواصل كثيرة تقسّم كتاب ” كائنات الحجرة المظلمة ” ، حاولت قدر الامكان خلال قراءتي تلخيص ما ورد فيها من معان راقية ..، وأنصح السادة القراء باقتناء هذا الكتاب فقد بذل عبد الله ناجي جهدا كبيرا في صياغته وإخراجه على هذا الشكل البهيّ ..ففيه الكثير والكثير ممّا لم نقله ولم نلمّ به ..، ختاما أشكر أثير على الفرصة التي أتاحتها لي بالبحث والتمحيص عن كتب قيّمة وذات فائدة ..فاطلعتُ على ” كائنات الحجرة المظلمة ” …
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
خالد الجندي يوضح الفرق بين التجويد والتشكيل في قراءة القرآن
أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن قراءة القرآن بالتشكيل أمر ضروري لحفظ معانيه وعدم الوقوع في أخطاء قد تؤدي إلى تحريف المعنى، مشيرًا إلى أن هناك فرقًا جوهريًا بين قراءة القرآن بالتجويد وقراءته بالتشكيل.
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الإثنين، أن التجويد سنة لكنه ليس فرضًا بينما التشكيل إلزامي، لأن أي خطأ في التشكيل قد يؤدي إلى تغيير المعنى تمامًا، مستشهدا بقوله تعالى في سورة التوبة: "وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ".
وأوضح أن نطق كلمة "وَرَسُولُهُ" بالضم يجعلها معطوفة على لفظ الجلالة، أي أن الله ورسوله بريئان من المشركين، أما إذا قرأها أحد بالجر "وَرَسُولِهِ" بالخطأ، فسيكون المعنى أن الله بريء من المشركين ومن الرسول، والعياذ بالله، وهذا تحريف خطير لا يجوز.
لا يعني عدم النجاح.. خالد الجندي يكشف المعنى الحقيقي لـ الفشل في القرآن
الفرق بين "الوَزر" و"الوٍزر" و"الحمولة" و"الفرش".. خالد الجندي يجيب
خالد الجندي: هذه الآية ليست دعوة للكفر وإنما تحدٍ إلهي
خالد الجندي: هذه الكلمة من أحب الألفاظ إلى الله
وأشار الشيخ خالد الجندي إلى أن القرآن الكريم نزل بلسان العرب، ولغتهم كانت تعتمد على الدقة في التعبير والتصوير البلاغي، موضحًا أن بعض آيات القرآن استخدمت تصويرًا دقيقًا للأحداث والمواقف، كما في قوله تعالى: "لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ" (التوبة: 47 ).
وأضاف أن تعبير "لأوضعوا خلالكم" يصف حركة الفتنة بين المسلمين، مشبهًا إياها بحركة الجمل الذي يتحرك بحذر بين الخيام، وهو تصوير بليغ لأسلوب المنافقين الذين كانوا يتسللون بين الصحابة لنشر الفتنة والتشكيك في الدين وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ونوه الشيخ خالد الجندي، بأن المنافقين يعتمدون على اختبار البيئة قبل نشر الفتنة، فينظرون أولًا: هل الشخص لديه القابلية لتصديق الإشاعات أم لا؟ فإن وجدوه مستعدًا، بدأوا بنشر الأكاذيب باستخدام عبارات مثل: "أنا سمعت، أنا شفت، أنا متأكد"، وهذا ما حذر منه القرآن، حيث أكد أن بعض المسلمين قد يكونون "سَمَّاعُونَ لَهُمْ" أي يقبلون الاستماع إليهم دون تحقق.