"مسالخ" النظام المخلوع بسوريا.. هل تفتح طريقا لمحاكمة الأسد؟
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
الدكتور لوند أرسين أوراللي، أستاذ في جامعة حجي بيرام والي التركية للأناضول: إصدار قرار قوي بالقبض على بشار الأسد أصبح مسألة وقت فقط.
**الدكتور لوند أرسين أوراللي، أستاذ في جامعة حجي بيرام والي التركية للأناضول:
- إصدار قرار قوي بالقبض على بشار الأسد أصبح مسألة وقت فقط.
**نوشا قبوات، مسؤولة سوريا في المركز الدولي للعدالة الانتقالية للأناضول:
الأسد خلال فترة استيلائه على السلطة، كان محميًا بفضل تحالفاته مع دول قوية مثل روسيا وإيران
**فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان للأناضول:
يمكن رفع القضايا ضد الأسد في المحاكم الدولية والمحلية، فهو لم يعد يمتلك السلطة ولا يُعتقد أن روسيا ستضحي بعلاقاتها مع سوريا من أجل حماية الأسد.
تُشير الأدلة المستخرجة من مراكز التعذيب في السجون التابعة لنظام البعث المنهار في سوريا، وكذلك من المقابر الجماعية التي ظهرت بعد سيطرة فصائل الثورة المسلحة على دمشق إلى أنها مرشحة للعب دور حاسم في أي محاكمة دولية محتملة للرئيس المخلوع بشار الأسد.
وبعد سقوط نظام البعث الوحشي الذي ربض على صدور السوريين نحو 61 عامًا، وحكم عائلة الأسد الذي دام 53 عامًا، تحولت عملية الكشف عن الانتهاكات الأخيرة التي ارتكبها النظام أحد المحاور التي قد تدفع نحو محاكمة الأسد في المحافل الدولية.
وفي 2011 بدأت الاحتجاجات السلمية في سوريا لكنها تحولت إلى حرب أهلية بسبب القمع العنيف الذي مارسه النظام ضد المتظاهرين المدنيين. ومع تصاعد المواجهات بين النظام والجماعات المعارضة، تعقد المشهد مع دخول تنظيمات إرهابية مثل "داعش" و"ي ب ك/ بي كا كا"، كما شهدت الحرب تدخلات إقليمية ودولية أدت إلى مقتل آلاف الأشخاص وتشريد الملايين.
مراسل الأناضول تحدث لكل من الدكتور لوند أرسين أوراللي من جامعة "حاجي بيرم والي" التركية في أنقرة، وفضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ونوشا قبوات مسؤولة سوريا في المركز الدولي للعدالة الانتقالية.
وتناول المتحدثون كيفية وسبل محاكمة الأسد على الجرائم التي اقترفها ضد الإنسانية في إطار القانون الدولي.
وأجمع الخبراء على أن سقوط النظام أتاح الوصول إلى أدلة تثبت تورط الأسد في جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وأن قبول سوريا الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية قد يمهد الطريق لإصدار "قرار اعتقال" بحق الأسد.
-لماذا لم تتم محاكمة الرئيس المخلوع الأسد خلال فترة رئاسته؟
لا تمتلك المحكمة الجنائية الدولية صلاحية مباشرة لمحاكمة الأسد بسبب عدم توقيع سوريا على اتفاقية روما الخاصة بتلك المحكمة.
ولكي تتمكن المحكمة من التدخل، يجب أن تقبل سوريا اختصاص الجنائية الدولية أو أن يُحال الملف إلى المحكمة من قبل مجلس الأمن الدولي.
يذكر أنه سابقا تم رفض مشروع القرار الذي قدمته فرنسا في هذا الإطار بسبب حق النقض (الفيتو) الذي استخدمته روسيا ضد المشروع.
وفي هذا الإطار، أشار أوراللي إلى أن جمع الأدلة كان صعبًا أثناء فترة حكم النظام بسبب المخاطر الأمنية والتحديات في المنطقة.
ولفت إلى أن سقوط النظام فتح المجال أمام عمل جميع الجهات الفاعلة في إطار القانون الدولي، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية.
وعندما لا تكون هناك هجمات ضد دولة أخرى أو مواطنيها، يستمر الإجراء القانوني ضمن إطار "الانضباط"، ومع ذلك، فإن التصرفات التي تنتهك القانون الدولي مثل المجازر الجماعية والإعدام خارج إطار القانون في سوريا، لا بد وأن يكون لها تبعات قانونية، وفق الأكاديمي.
من جانبه، أشار عبد الغني إلى أن سوريا كانت تحت "حكم ديكتاتوري" خلال فترة الأسد، ولذلك لم يكن من الممكن محاكمة الأسد على الانتهاكات المرتكبة".
واعتبر أن "إمكانية ملاحقة الأسد، الذي أصبح الآن مطلوبًا للعدالة، أصبحت أسهل بعد سقوط نظامه".
من جهتها، قالت نوشا قبوات مسؤولة سوريا في المركز الدولي للعدالة الانتقالية إن "الأسد، وخلال فترة استيلائه على السلطة، كان محميًا بفضل تحالفاته مع دول قوية مثل روسيا وإيران".
- هل من الممكن محاكمة الأسد الفار؟
ووفقًا للفقرة 3 من المادة 12 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يمكن لدولة ليست طرفًا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تقدم إعلانًا توافق من خلاله على اضطلاع المحكمة بالاختصاص القضائي.
وبعبارة أخرى، إذا قبلت الحكومة الجديدة التي ستتولى مقاليد السلطة في سوريا الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية، سيتم فتح الطريق أمام محاكمة الأسد على الجرائم التي ارتكبها.
إضافة إلى ذلك، يمكن للدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، طالما لم يتم استخدام حق النقض، أن تقدم طلبًا إلى الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم التي ارتكبها الأسد.
وفي هذا الإطار، لفت أوراللي إلى أن القانون الدولي سيدخل حيز التنفيذ إذا وصلت الجرائم المرتكبة في سوريا إلى حد الإبادة الجماعية، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، واستخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، بما يؤدي إلى تعرض المدنيين لأضرار كبيرة.
ولفت إلى أن الاتهامات الموجهة ضد نظام الأسد تتوافق مع هذه المعايير.
وأضاف أوراللي أن الأدلة المستخلصة والقرائن المستخرجة من مراكز التعذيب والمقابر الجماعية ستزيل العقبات أمام محاكمة الأسد دوليًا، وستتيح تقديم لائحة اتهام قوية ضده.
وأضاف: "أنا أعتقد أن إصدار قرار قوي بالقبض عليه أصبح مسألة وقت فقط".
من جانبه، شدد عبد الغني على ضرورة قبول الحكومة المؤقتة في سوريا النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لكي تتم محاكمة الأسد.
وأضاف: "لكن هذا ليس مقتصرًا على الأسد فقط، بل يجب محاكمة جميع المجرمين كشقيقه ماهر (القائد السابق للحرس الجمهوري والفرقة الرابعة)، وعلي مملوك (رئيس مكتب الأمن الوطني السابق)، وغيرهم ممن فروا خارج البلاد مع سقوط النظام.
وأكّد عبد الغني أن الأسد لا يستطيع طلب اللجوء، لأن ذلك يتعارض مع قانون اللجوء، مضيفًا: "إذا قامت روسيا بتسليم الأسد، فإنها ستكون مسؤولة عن محاكمته في إطار عملية قانونية عادلة".
وزاد: "لن يتعرض الأسد للتعذيب وسيحصل على محامٍ. ستجري محاكمته بطريقة عادلة. بالطبع، هناك أدلة قوية تدينه بارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وهذا سيجعله مدانًا بتلك الجرائم. نحن على يقين من أن أي محكمة مستقلة لا بد وأن تصدر حكمًا قاسيًا ضد الأسد".
من جانبها، أوضحت قبوات أن من الممكن محاكمة الأسد بسبب "جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية المحتملة"، مشيرة إلى أن الاتفاقيات الدولية مثل جنيف والنظام الأساسي لروما توفر الإطار القانوني لهذه المحاكمات".
-محاكمة الأسد في المحكمة الجنائية الدولية.. كيف تبدأ؟
تبدأ الإجراءات القضائية في المحكمة الجنائية الدولية إما بتقديم طلب من دولة طرف في النظام الأساسي أو من مجلس الأمن الدولي، أو من خلال فتح المدعي العام تحقيقًا تلقائيًا.
وعن ذلك أوضحت قبوات، أنه في البداية، يجب فتح تحقيق ضد الأسد لكي تبدأ مرحلة المحاكمة.
مضيفة: "في مرحلة المحاكمة، يتم عرض الأدلة أمام محكمة أو هيئة محلفين أو محكمة ذات اختصاص قضائي، مع ضمان حق الأسد في الدفاع عن نفسه، في إطار المساعي لتحقيق العدالة للضحايا".
لكن قبوات أكدت في هذا الإطار أن عملية المحاكمة قد تستغرق سنوات، وأن تسليم الأشخاص المتهمين إلى المحكمة يعتمد في النهاية على تعاون الدول الأطراف واستعدادها للمشاركة في الإجراءات القضائية.
آليات محاكمة بديلة للأسد
إلى ذلك، هنالك آليات بديلة لمحاكمة الأسد، وذلك من خلال المحاكم الخاصة، خارج إطار المحكمة الجنائية الدولية إضافة إلى المحاكم المختلطة، والمحاكم الوطنية ذات الاختصاص القضائي الدولي.
وفي هذا الصدد، أوضح أوراللي: "الجرائم التي ارتكبها الأسد ذات طابع دولي، ولهذا السبب، يحق لجميع الدول ممارسة سلطتها القضائية على هذه الجرائم، التي تتجاوز حدود الاختصاص القضائي الوطني".
فيما أكد عبد الغني إمكانية رفع القضايا ضد الأسد في المحاكم الدولية والمحلية، مشيرًا إلى أن الأسد لم يعد يمتلك السلطة وأنه لا يعتقد أن روسيا ستضحي بعلاقاتها مع سوريا من أجل حماية الأسد.
وقال عبد الغني: "الأسد لم يعد يمثل قيمة لروسيا. بل على العكس، أصبح عبئًا عليها، يجب على الإدارة الروسية فتح صفحة جديدة وتسليم الأسد إلى دمشق لمحاكمته".
من جانبها، أشارت قبوات إلى إمكانية المحاكمة خارج نطاق المحكمة الجنائية الدولية، وقالت في هذا السياق: "يجب أخذ الأحكام التي صدرت في فرنسا وسويسرا ضد الأسد ومسؤولي النظام الآخرين في الاعتبار".
وختمت قبوات حديثها بالإشارة إلى أن محاكمة الأسد تعتبر أمرًا مهمًا لتعزيز المساءلة وحماية حقوق الضحايا الذين تعرضوا للاضطهاد.
وتلك المحاكمة سيكون لها تأثير أيضًا على عملية السلام والمصالحة في سوريا، وسوف تساهم كذلك في تمهيد الطريق لإعادة بناء البلاد وتضميد جراحها، وفق المتحدثة.
وأكدت منظمة الأمم المتحدة، الخميس، ضرورة محاسبة ومساءلة مرتكبي الجرائم في سوريا من أجل شعبها الذي عانى سنوات طويلة تحت حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد.
أفاد بذلك متحدث المنظمة الدولية ستيفان دوجاريك، ردا على سؤال لمراسل الأناضول عما إذا كانت الأمم المتحدة ستطالب بإجراءات قانونية ضد الرئيس السوري المخلوع لمحاسبته على جرائمه.
وأشار دوجاريك إلى أن الأمم المتحدة لديها آليات مختلفة لضمان المساءلة، ومن بينها المحاكم ولجان التحقيق.
وقال إن محاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا ضرورية من أجل الشعب السوري الذي عانى طويلا.
وأكد المتحدث باسم الأمم المتحدة ثمين الخيطان، الجمعة، على ضرورة محاسبة الرئيس المخلوع بشار الأسد، وكل من ارتكب جرائم فظيعة في سوريا.
وفي تصريح صحفي، قال الخيطان، إنه "يجب محاسبة بشار الأسد، وكل من ارتكب جرائم في الماضي والحاضر، وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان".
وأضاف أن المحاسبة مهمة للغاية بالنسبة للمرحلة الانتقالية في سوريا وللعدالة التي ستبدأ بها البلاد.
وأشار الخيطان، إلى الظروف الصعبة التي عاشها المعتقلون في السجون السورية من تعذيب ومعاملة لا إنسانية خلال نظام الأسد.
وذكر أن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، سيرسل وفدا لحقوق الإنسان إلى سوريا الأسبوع المقبل، لدعم الوجود الأممي بشأن قضايا حقوق الإنسان.
وشدد على أن الحاجة إلى المساءلة أمر لا غنى عنه بالنسبة للشعب السوري الذي يعاني منذ فترة طويلة.
ـ مقبرة جماعية في ريف دمشق
ورصدت عدسة الأناضول، الاثنين، مقبرة جماعية في منطقة جسر بغداد بريف العاصمة السورية دمشق، حيث عثر على بقايا جثث يعتقد أنها تعود لمدنيين قتلوا على يد نظام الأسد.
وفي أعقاب الإطاحة بنظام البعث بسوريا، اكتشفت مقابر جماعية في إطار عمليات البحث والتفتيش في جميع أنحاء البلاد.
ويعتقد أن الجثث في منطقة جسر بغداد تعود لمدنيين قتلوا أثناء التعذيب في سجون الأسد، ومن بينها سجن صيدنايا، ثم دُفنوا في هذه المقبرة.
كما عثر على أكياس يعتقد أنها تحتوي على رموز السجون وأسماء القتلى في حفر طويلة وعميقة للجثث المدفونة بعضها فوق بعض.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، سيطرت فصائل سورية على العاصمة دمشق وقبلها مدن أخرى، مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: للمحکمة الجنائیة الدولیة المحکمة الجنائیة الدولیة النظام الأساسی القانون الدولی لحقوق الإنسان الأمم المتحدة فی هذا الإطار الجرائم التی التی ارتکبها إطار القانون محاکمة الأسد بشار الأسد ا ضد الأسد عبد الغنی خلال فترة فی سوریا الأسد فی فی إطار من أجل إلى أن
إقرأ أيضاً:
هواجس الأقليات في سوريا: لا تأخذونا بجريرة نظام «أفقرنا وسلب إرادتنا»
مع سقوط نظام الرئيس السوري “بشار الأسد”، وجد الشعب نفسه أمام واقع جديد لا تزال تفاصيله مجهولة، لا سيما مع استلام “هيئة تحرير الشام”، أو ما تعرف “جبهة النصرة” سابقا، زمام الأمور، ما أثار مخاوف الأقليات من العلويين والدروز والمسيحيين، وهو على مايبدو ظهر جليا في مظاهرات أمس التي خرجت في قلب العاصمة دمشق “ساحة الأمويين”، فماذا يقول هؤلاء في الواقع الجديد؟
وحول ذلك،كتبت قناة روسيا اليوم، تحت عنوان “العلويون في سوريا: لا تأخذونا بجريرة نظام أفقرنا وسلب إرادتنا”، قاىلة: “لم يكن وقع خبر سقوط النظام سهلا على العلويين في سوريا لاعتبارات عديدة قد لا ترتبط بمزاعم “الامتيازات” التي حصلت عليها هذه الطائفة في ظل النظام الذي ينحدر منها”.
وأضافت: “هذه الامتيازات تبدو محصورة في عدد قليل من الأفراد، كما هو الحال بالنسبة لبقية الطوائف بمقدار ما ترتبط بالخوف التقليدي للأقليات من حكم الأكثرية والإرث التاريخي الذي تحمله الذاكرة العلوية من مذابح ارتكبت بحقهم بتجييش من قبل فتاوى دينية لم ينكرها يوما حكام دمشق الجدد ومن سار في ركبهم، والأهم أن هناك من يحاول تصوير العلويين وكأنهم كانوا يملكون كل شيء في سوريا في حين أن الواقع يقول بأن مناطقهم عاشت في ظل حكم البعث حالة من الفقر المزري وغياب الخدمات على نحو مقصود أريد منه دفع أبناء العلويين للانخراط في صفوف الجيش والأمن ليكونوا درع نظام لم يقف يوماً على خاطرهم وإن باعهم وهم السلطة التي لم ينلهم منها سوى الغرم كما يقول عموم أبناء الطائفة”.
واضافت: “فر علي مع عائلته من حي الورود ذي الأغلبية العلوية شمال العاصمة دمشق إلى منزل العائلة في ريف طرطوس، تقطعت بعلي (اسم مستعار) السبل في الطريق بعدما نفذ بنزين سيارته فاضطر لشراء عبوات من الطريق بأسعار باهظة استهلكته مدخراته القليلة التي جمعها في أصعب ظروف الحرمان وشظف العيش التي مرت بها سوريا منذ عقود”.
وتابعت: “لكن الأقسى بالنسبة لعلي كما يقول لـ”روسيا اليوم”، كان كم الإهانات الطائفية التي سمعها في الطريق وإصرار الحواجز على سؤاله إن كان علويا أو سنيا، واضطراره للكذب بشأن هويته المذهبية، وهو الأمر الذي لم يكن محتاجا لإخفائه في ظل النظام السابق’.
واضاف علي “بأنه وشأن الأغلبية الساحقة من أبناء الطائفة العلوية لم يهمه مصير “بشار الأسد” بمقدار ما أهمه مصير الطائفة والخطابات المغرضة التي عمدت إلى شيطنتها والدعوة إلى القصاص منها، مشيرا إلى أن هذا الأمر ينطوي على الكثير من الظلم وتغييب الحقائق عمدا، فهو رغم كونه موظفا في البريد ويعمل في بيع عرانيس الذرة بعد عودته من دوامه لم يستطع شراء بيت له حتى في العشوائيات القذرة التي يعيش فيها أغلبية العلويين في دمشق، وبقي في حالة من الفقر المدقع الذي لازمه كما لازم أباه وجده على مر العمر في ظل حكم البعث وما قبله، ويرجو ألا يلازم أولاده في القادم من الأيام”.
بدوره، رأى ثائر (أستاذ تاريخ) علوي، أن “النظام نجح في تدجين المجتمع السوري برمته ولم يتوقف الأمر على العلويين الذين خرجت منهم أصوات كثيرة عارضت النظام فزج بهم في السجون وضيق عليهم واختار بعضهم المنافي وفيهم أبناء عائلات كبيرة ووازنة مثل عائلة العلامة الشيخ سليمان الأحمد التي كان مغضوبا عليها من قبل السلطات السورية فقتلت بعضها ونفت الآخرين إلى بلدان أخرى”.
واضاف ثائر (اسم مستعار)، “بأن مناطق العلويين كانت محرومة بشكل مقصود من الاستثمارات التجارية والبنى التحتية الاقتصادية والسياحية حتى لا يجد هؤلاء مفرا من الالتحاق بالأمن والجيش في سبيل توفير لقمة العيش التي بالكاد تسد الرمق وحين كان بعض هؤلاء يحاول الإفادة من سلطته المحدودة كان يتهم بأنه شبيح وأنه يسرق أموال بقية السوريين في حين أنه كان يرضى بالفتات من أصحاب المحلات التجارية التي كانت تربح الملايين يومياً، الأمر الذي كرس صورة نمطية ومغلوطة عن العلويين عند أغلبية الطوائف دون أن يتأتى لهؤلاء مشاهدة الصورة التي تقول بأنهم طائفة متعلمة وفيهم مفكرون وأصحاب رأي حر وجريئ”.
وتابعت روسيا اليوم: “الكثير من العلويين اضطهدوا داخل سجون الأسد الذي أصر على عدم قيام أية مرجعية دينية للطائفة يمكن لها أن تشرح حالها وتبين كل وجوه الالتباس التي أحيطت بها على المستوى الديني والسياسي والاجتماعي”.
وقال محمد علوي من إحدى قرى مصياف، أن “إن جل شباب عائلته قد دخلوا إلى معتقلات حافظ الأسد وتم الحكم عليهم لمدد زمنية تتراوح ما بين الثلاثة أشهر إلى خمسة عشر عاما فيما لقي أفراد الأسرة التنكيل من قبل الحكم ومن يدور في فلكه وحالت الدراسات الأمنية والتقارير التي رفعت بهم دون توظيفهم في مؤسسات الدولة، وحاصرهم عن خوف أو مزايدة جزء من المجتمع العلوي الذي كان يرى فيهم أناسا “خارجين عن الملة” فضاقت عليهم الحياة وأغلقت دونهم الأبواب ولم تنفعهم الشهادات العلمية التي كانوا يحملونها”.
وقال عمر شاب سني من اللاذقية، “إن اطلاعه على أحوال العلويين في الجوار وفيهم الكثير من أصدقائه جعله يدرك أن الأغلبية الساحقة منهم لم تتحسر على سقوطه نتيجة للفقر الشديد الذي عانته معه وبسببه وخصوصاً في سنوات الأزمة”.
ولفت عمر إلى أن العلويين وقفوا مع الأسد رغم تحفظاتهم الشديدة عليه نتيجة خوفهم من الخطاب الأصولي الذي كان يكفرهم ويستهدفهم ناقلا عن أصدقاء علويين له بأن هذا الخطاب لم يعمد إلى طمأنتهم بل توعدهم بالويل والثبور، مشيرا إلى أن مهادنة العلويين لـ”هيئة تحرير الشام” لاحقا وبعد سقوط الأسد جاء بسبب من كونها قد حاولت تغيير خطابها وجعله مسؤولا ومتعقلا مستفيدة من تجارب السنوات الأولى التي هدرت فيها دماءهم وارتكبت مجازر طائفية بحقهم في أرياف اللاذقية وحماة وإدلب وعدرا العمالية الأمر الذي دفعهم أكثر للالتفاف حول الجيش والتمسك بالأسد رغم إدراكهم بأنه يريد أن يستعملهم لمصلحة ترسيخ حكمه”.
ونقل عمر عن صديق علوي قوله: إن “المتطرفين عند السنة يتحملون الوزر الأكبر في عملية تحول العلويين للدفاع عن النظام ومعهم كل الأقليات المسيحية والدرزية والإسماعيلية والشيعية لأنهم رفضوا تطمين هؤلاء حول مصيرهم معتقدين بأن أمريكا كانت ستفعل بالأسد كما فعلت بالقذافي فلا حاجة إذا لالزام أنفسهم بالوعود تجاه العلويين كما أنه لن يكون هناك مبرر لاسترضاء طائفته التي يمكن ذبحها أو الهيمنة عليها بعد سقوطه”.
وأضاف أن “صديقه استشهد بمجزرة جسر الشغور التي ارتكبها المتطرفون بحق مفرزة الأمن العسكري المحاصرة والتي تباطئ عنها الأسد وقادته الأمنيون عمدا رغم مناشدات عناصرها، وجلهم من العلويين، لرؤسائهم بالتدخل السريع وفك الحصار عنهم ومعرفتهم بأن هذا الأمر ممكن جدا”.
وقال “بأن المتطرفين وقعوا في الفخ الذي نصبه لهم الأسد حين لاحظوا تمهله الشديد في مساعدة عناصر المفرزة فبادروا إلى اقتحامها وذبح العناصر ومثلوا بجثامينهم وتباهوا بذلك ووثقوه”.
وأضاف: “عند ذلك وجدت الآلة الإعلامية للأسد الفرصة سانحة للحديث عن التطرف الإسلامي عند الخارجين عليه وبالدليل القاطع فاستدعت وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية التي تواطئ قسم منها مع الأصوليين رغبة في إسقاط النظام الذي تعاديه دولها فرفضت عرض المشهد المأساوي بكليته فيما تأكد العلويون بأن مصيرهم سيكون الذبح رغم يقينهم بأن الأسد وقادته الأمنيين جعلوا من عناصر المفرزة كبش فداء لتسويق مشروعهم ووسيلة لإقناع المترددين من العلويين بأن الدور قادم عليهم إن لم يتموضعوا مع الأسد”.