موقع 24:
2025-02-02@10:22:15 GMT

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

من موسكو البعيدة يتابع أحوالَ دمشقَ التي كان يُمسك بمفاتيحها ومصائر السوريين. من حقّه أن يفركَ عينيه. المشهد صعبُ التصديق والاحتمال. يعرف هذا المكان سطراً سطراً.

إنَّه الكرسي الذي جلسَ عليه والدُه قبل أربعة وخمسين عاماً. الكرسي نفسُه الذي جلس هو عليه قبل أربعةٍ وعشرين عاماً. الكرسي الذي وعدَ شاغلُه بأن يبقى إلى الأبد أسديَّ الهوية والهوى.

لكن التاريخ يقول إنَّ الكرسي يَتعب من شاغلِه إذا أسرف في الرهانات الشائكةِ وأسرفت أجهزته في ولائمِ القسوة. ما أقسى أن تخسرَ القصرَ والأختام. وأن ينقضَّ الناسُ على الصور والتماثيل! لا القيصر سارع إلى ردّ القدر ولا المرشد فعل. لم ينقذْه حليفٌ ولم ينقذ نفسَه. ما أقسَى المشهد على المشاهد البعيد! سوريا بلا الأسد. وبلا إيران. وبلا «حزب الله». دار الزمان دورةً كاملة.
يعرف المكان سطراً سطراً. هذا كرسي حافظِ الأسد. وكرسي بشارِ الأسد من بعده. يجلس عليه من يصفونَه اليوم بـ«الرجل القوي». رجلٌ خلع عباءة «أبو محمد الجولاني» وارتدى بزةَ أحمد الشرع وراح يوزع الضماناتِ والتطمينات. يضاعف من قسوةِ المشهد اسمُ الزائر. إنَّه وليد جنبلاط. نجلُ كمال جنبلاط. ورفيقُ رفيق الحريري. إنَّه حاملُ النعشين وجروح الأسدين. وحين صافحَ الشرع الزائرُ الجنبلاطي، غربت شمسُ حقبةٍ كاملة على طريق بيروت - دمشق.
على مدى نصفِ قرن صُنعت على طريق بيروت - دمشق رئاسات وزعامات وأنتج المصنع الدمشقي وزراء ونواباً وجنرالات. تآكلت هيبةُ قصر الرئاسة والسراي والبرلمان في لبنان، وأمسك الضابطُ السوري المقيمُ في عنجر بأحوال الجمهورية الضائعةِ والعلاقات بين المكونات. قصة وليد جنبلاط مختلفة. عمر زعامة العائلةِ أربعة قرون ويصعب عليها ألا تعاند.
لم يسلم كمال جنبلاط بحقّ حافظ الأسد في الإمساك بمصير لبنان وتطويعه وإعادةِ صياغة موازينه. تحول وجوده عقبة أمام ممارسةِ الأسد الأب للتفويض الذي حصلَ عليه إقليمياً ودولياً لضبط البلدِ الصغير المزعج. قالَ جنبلاط لمحسن إبراهيم: «أنا أعرفُ مصيري ولن أتفاداه. لا أريد أن يكتبَ التاريخ أنّني وقَّعت على دخولِ لبنان إلى السَّجن الكبير». ولم يتأخرِ الرَّصاص. في مارس (آذار) 1977 اخترق الرَّصاص جسدَ كمال جنبلاط في معقلِه الجبلي واستدعى القدرُ نجلَه وليد لارتداء عباءةِ الزعامة.
ضبط الشَّابُّ العاشقُ للحياة وصخبها غضبه ومشاعر الثأر لدى أنصاره. وبعد نحو أربعين يوماً من الاغتيال دخلَ مكتبَ الأسد الذي استوقفه التشابه بين الابن وأبيه. رفضَ وليد إقحام طائفتِه في مواجهةٍ تفوق قدرتها. إنقاذ وجودها التاريخي أولويةٌ مطلقة لديه. خبّأ جرحَه. تظاهر بالنسيان ولم ينسَ. بلغت علاقتُه بالأسد الأب حدَّ التحالف في «حرب الجبل» في 1983 وتحمَّل الأسدُ لاحقاً مزاج جنبلاط حين كانت تراوده رغبةُ إظهار التمايز أو الاحتجاج أو الاختلاف.
تأسست علاقةُ وليد جنبلاط مع بشار الأسد على الشكوكِ والحذر وخيّم عليها ظلُّ رفيق الحريري. لم يسلّم وليد بحق بشار في إدارة لبنان كما فعل والدُه مع الأسد الأب. ولم يسلم رفيق الحريري بذلك أيضاً. وسيقول الحريري لاحقاً: «حاولت أن أكونَ صديقاً لبشار لكنَّه رفض. وليد حاول أيضاً وكانت النتيجة نفسها. صدق بشار منذ البداية الوشاةَ وكتاب التقارير».
شكّل اغتيال الحريري في 2005 منعطفاً خطراً في علاقة جنبلاط بدمشقَ الأسدية. تقدَّم الصفوفَ وذهب بعيداً. من ساحة الشهداء في بيروت هزَّ صورة الأسد وحمل عليه بأصعبِ العبارات والأوصاف.
يلعب وليد مع العواصف. يقتحمُ وينحني ويكمن. يبالغ ويعتذرُ ويصحّح. يهدأ ويراقبُ الرياح ثم يجدّد الرماية. كانت عروقُه تغلي حين أخبرته والدتُه عن حكمةٍ صينية تدعو المجروح إلى «الجلوس على حافةِ النهر وانتظار جثَّةِ عدوه». جلسَ وليد وانتظر طويلاً. سلك طريقَ بيروت دمشق مجدداً بعدما نجحَ زعيم «حزب الله» حسن نصر الله في كسر إرادة خصومِ الأسد لبضع سنوات.
لم تكن مراهمُ المصارحة والمصالحة كافيةً لتغيير ما في الصدور. بعد اندلاع الثورةِ السورية دخل وليد مكتبَ الأسد ونصحه بمحاكمة قتلة الصَّبي حمزة الخطيب. ضاعفَ ردُّ الأسد يأسَه. وازداد ابتعاده عن نظام الأسد حين سمعَ من رئيس الأركان السابق للجيش السوري حكمت الشَّهابي عبارة شديدة القسوة. قال الشَّهابي عن بشار: «هذا الولد سيأخذ سوريا إلى الحربِ الأهلية والتقسيم».
وعلى رغم نجاحِ روسيا وإيران في إنقاذ نظامِ الأسد، قرَّر جنبلاط «الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ» وطي صفحةِ المواعيد مع الأسد ومهما كان الثمن.
غاب الأسد فعادَ جنبلاط إلى طريق بيروت - دمشق. جاءَ على رأس وفد من النواب والحزبيين ورجال الدين. حمل وليد تمنياتِه برؤية سوريا موحدةً ومستقرة تحترم التعددَ وتتَّسع لكل مكوناتِها بمن فيهم الأكراد في ظلّ القانون. تركيبة الوفد تعكس اهتمامَ جنبلاط الدائم بترسيخ وجود المكوّن الدرزي في العمق العربي والإسلامي، خصوصاً بعد تحركات نتانياهو الأخيرة. يأمل جنبلاط في أن تقومَ بين لبنان وسوريا الجديدة علاقاتٌ طبيعية بين جارين. وأن يحصلَ تعاون جديّ في ملفات النازحين والمفقودين اللبنانيين وترسيم الحدود وجلاء قضية مزارع شبعا.

استيقظ أهلُ الجوار على سوريا جديدة. انشغل العراق باستجلاءِ أبعاد ما حصل والعواقب المحتملة. الأردن انشغل أيضاً. وتصاعدت الأسئلة في لبنان خصوصاً لدى المعنيين بانقطاع «طريق سليماني» بين طهران وبيروت. تصرفت إسرائيل بعدوانيةٍ هائلة. وحده اللاعبُ التركي لم يفاجأ لأنَّه شارك في صنع المشهد الجديد. بدأ الغرب باستطلاع نيّات الرجلِ الجالس على كرسي الأسد. هل يستطيع الشرعُ تبديدَ الهواجس والمخاوف في الداخل والخارج؟ وحدها الشهور المقبلة تمتلكُ الإجابات.
صافحَ الشرعُ حاملَ النعشين وجروح الأسدين. لوّحت حقبةٌ كاملة وغادرت إلى التاريخ.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات سقوط الأسد الحرب في سوريا

إقرأ أيضاً:

وزيرا خارجية مصر ولبنان يعقدان جلسة مباحثات في بيروت

القاهرة دبي "د ب أ" "رويترز": عقد وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي جلسة مباحثات مع نظيره اللبناني عبدالله بوحبيب خلال زيارته الحالية لبيروت.

وبحسب بيان صادر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أكد عبد العاطي على الدعم المصري الكامل لتحقيق الاستقرار فى لبنان، وضرورة تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في جنوب لبنان، والانسحاب الفوري غير المنقوص للقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وتطبيق القرار 1701.

وشدد عبد العاطي على دعم مصر للأولويات الوطنية التي حددها الرئيس اللبناني في خطاب القسم الذي ألقاه سيادته أمام البرلمان اللبناني، مشيرا إلى استعداد مصر للعمل مع الجانب اللبناني لتقديم كافة أشكال الدعم، بما يسهم في استعادة الأمن والاستقرار الداخلي للبنان الشقيق.

وأشار وزير الخارجية المصري إلى استمرار مصر في دعم مؤسسات الدولة اللبنانية لتمكينها من الاضطلاع بمهامها، معربا عن تطلع مصر للارتقاء بعلاقات التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين في كافة القطاعات، بما فى ذلك قطاعات الكهرباء والبنية الأساسية والسياحة.

وكان وزير الخارجية والهجرة بدر عبدالعاطي قد اجتمع مع الرئيس اللبناني مع رئيس حكومة تسيير الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، وذلك خلال الزيارة التي يجريها لبيروت.

وأعرب عبد العاطي عن تقدير مصر الكبير للجهود التي بذلها ميقاتي خلال فترة توليه رئاسة الحكومة اللبنانية منذ سبتمبر 2021، ونجاحه في تسيير الأمور بحكمة عاليه في ظل تحديات جسيمة تواجه لبنان الشقيق، وكذلك تسيير شؤون الدولة خلال فترة الفراغ الرئاسي لأكثر من عامين.

وأكد وزير الخارجية المصري أن زيارته لبيروت تأتي في إطار التعبير عن تضامن مصر الكامل مع لبنان خلال هذه المرحلة الدقيقة، والرغبة الصادقة في تقديم كافة أشكال الدعم بما يسهم في استعادة الأمن والاستقرار والهدوء للبنان، وتمكين المؤسسات الوطنية اللبنانية من الاضطلاع بدورها.

كما عقد عبدالعاطي خلال زيارته لبيروت لقاء مع رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نواف سلام.

وكان وزير الخارجية والهجرة المصري قد استهل زيارته لبيروت اليوم الجمعة بلقاء الرئيس جوزف عون.

وصرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية،السفير تميم خلاف، بأن عبد العاطي قام بتسليم رسالة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى عون تؤكد على دعم مصر الكامل له ، والتضامن الكامل مع الجمهورية اللبنانية، وتوجيه الدعوة للرئيس اللبناني لزيارة مصر فى أقرب فرصة.

وأشار عبد العاطي إلى أن مصر تثمن عاليا خطوة انتخاب رئيس الجمهورية، وما تشكله من مرحلة جديدة في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار بلبنان الشقيق، مؤكدا على الموقف المصري الداعم لمؤسسات الدولة اللبنانية.

وأكد على دعم مصر الكامل لتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في جنوب لبنان، والمطالبة بالانسحاب الفوري والكامل غير المنقوص للقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، لتمكين الجيش ومؤسسات الدولة اللبنانية من تطبيق القرار 1701، مؤكدا أن مصر تدعم التطبيق الكامل والمتزامن لهذا القرار من الجانبين دون انتقائية، وتطالب بتوقف إسرائيل عن انتهاك السيادة اللبنانية.

وأضاف عبد العاطي أن مصر ستستمر في تقديم الدعم الكامل للبنان، موضحا حرص مصر على تكثيف التعاون الاقتصادي مع لبنان في كافة القطاعات، مشيرا إلى استعداد مصر والشركات المصرية للانخراط والمساهمة بفاعلية وكفاءة في عملية التنمية وإعادة الإعمار.

من جانبه، ثمن الرئيس اللبناني دعم مصر المتواصل للبنان خلال الفترة الأخيرة على المستويين السياسي والإنساني، معربا عن التطلع لمزيد من التعاون المشترك للارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية في كافة المجالات بين البلدين الشقيقين.

ميدانيا قالت وزارة الصحة اللبنانية اليوم إن شخصين قتلا في ضربة إسرائيلية على منطقة بسهل البقاع، وذلك بعد إعلان الجيش الإسرائيلي أنه ضرب عدة أهداف لحزب الله خلال الليل في سهل البقاع وعلى الحدود السورية اللبنانية.

وذكر الجيش الإسرائيلي في بيان أن الأهداف تشمل "موقعا عسكريا يضم بنى تحتية تحت الأرض لتطوير وإنتاج وسائل قتالية، بالإضافة إلى بنى تحتية للعبور على الحدود السورية-اللبنانية".

ولم يتحدث بيان الجيش الإسرائيلي عن سقوط قتلى.

وذكرت وزارة الصحة اللبنانية أن 10 أشخاص آخرين أصيبوا. ولا تفرق إحصاءات الوزارة بين المدنيين والمقاتلين.

وندد القيادي في حزب الله إبراهيم الموسوي بالغارات الإسرائيلية ووصفها بأنها "انتهاك شديد الخطورة وعدوان فاضح وصريح"، ودعا "الجهات المسؤولة المعنية والضامنة لتنفيذ الاتفاق أمام مسؤولياتها في التصدي الحازم لانتهاكات العدو على السيادة اللبنانية".

وكانت هذه الضربات هي الأحدث التي تشنها إسرائيل في لبنان على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أواخر نوفمبر بين إسرائيل وحزب الله وأنهى قتالا لأكثر من عام.

وينص الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في غضون 60 يوما، إلا أنه جرى تمديد هذه الفترة خلال الأسبوع الجاري حتى 18 فبراير شباط لإتاحة المزيد من الوقت للقوات الإسرائيلية للانسحاب وللقوات اللبنانية للانتشار في المنطقة.

وتقول إسرائيل إن لبنان لم ينفذ بعد بنود الاتفاق بالكامل وتتهم حزب الله بانتهاك وقف إطلاق النار.

وقالت إسرائيل أمس الخميس إنها اعترضت طائرة استطلاع مسيرة أطلقتها جماعة حزب الله، ووصفت الأمر بأنه "انتهاك للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان".

وقال نعيم قاسم أمين عام حزب الله الاثنين إن الجماعة "لن تقبل أي مبرر" لتمديد الموعد النهائي لانسحاب القوات الإسرائيلية، لكن الجماعة لم تهدد بشكل مباشر باستئناف العمليات العسكرية.

مقالات مشابهة

  • هل أصبحت الظروف مُهيّأة لعودة الحريري؟
  • الحريري استقبلت وفداً من الجبهة الديمقراطية لبحث قضايا المخيمات الفلسطينية
  • أحمد الحريري في لقاء حزبي: استعدوا لانتخابات الـ 26
  • حسان دياب يكشف خفايا مهمة عن انفجار مرفأ بيروت
  • أمين عام المستقبل بدأ جولات مناطقية: سنكون مع الحريري في 14 شباط
  • وزيرا خارجية مصر ولبنان يعقدان جلسة مباحثات في بيروت
  • وزير الخارجية يلتقي البطريرك الماروني في بيروت
  • وزير الخارجية يلتقي نظيره اللبناني في بيروت
  • وزير الخارجية من بيروت: مصر مستعدة للمساهمة في إعادة إعمار لبنان
  • جيش الاحتلال يهدد بضرب مطار بيروت في هذه الحالة