الكلاب وجثث الفلسطينيين والعدالة الدولية
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
في تقرير مثير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2024، كشفت عن شهادات صادمة من ضابط احتياط وعدد من الجنود الإسرائيليين حول الممارسات الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
وفقًا للتقرير، كانت منطقة نتساريم تُعرف بأنها "منطقة قتل"، حيث أُعطي الجنود أوامر بإطلاق النار على أي شخص يعبرها دون تمييز، مما أسفر عن مقتل مئات الفلسطينيين، معظمهم من المدنيين.
وأوضح الضابط أن التعليمات تضمنت تصوير جثث القتلى وإرسالها للتوثيق، كاشفًا أن من بين 200 جثة تم تصويرها، كان 10 منهم فحسب، ينتمون لحركة حماس، بينما كان الباقون من المدنيين الأبرياء.
وأشار التقرير أيضًا إلى ترك جثث القتلى الفلسطينيين في الميدان دون جمعها، حيث تُركت لتتحلل أو تنهشها الكلاب الضالة، في انتهاك صارخ لأبسط المبادئ الإنسانية والأعراف الدولية. وتوصف هذه الممارسات بأنها تعكس انعدام القيم الإنسانية، وتحول الجيش إلى "مليشيا مسلحة مستقلة" تعمل دون أوامر واضحة أو ضوابط قانونية.
وأكد الضابط، الذي خدم في محور نتساريم، أن الحرب الأخيرة في غزة شهدت غيابًا تامًا للقوانين، حيث تصرف كل قائد وجندي بما يحلو له في منطقته، مما أدى إلى ارتكاب جرائم مروعة بحق المدنيين. وأضاف: "على الإسرائيليين أن يعرفوا ما يحدث في غزة، لأن حياة البشر أصبحت بلا قيمة، ونحن كجنود نتحمل جزءًا من مسؤولية هذا الرعب".
إعلان "كرامة الإنسان حيًا وميتًا" مبدأ قانونيتُعد كرامة الإنسان مبدأً أساسيًا في القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وهي حق غير قابل للتجزئة يُرافق الإنسان في حياته وبعد وفاته.
يستند هذا المبدأ إلى نصوص متعددة، منها المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949، التي تفرض احترام جميع الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية، بمن في ذلك الموتى، والمادة 34 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، التي تضمن احترام جثث الموتى ومنع التمثيل بها.
ويعكس هذا الالتزام القانوني اعترافًا عالميًا بأن انتهاك كرامة الإنسان بعد وفاته، من خلال التمثيل بجثثه، أو تركها دون دفن لائق، يُعتبر انتهاكًا صريحًا للمبادئ الإنسانية وللقانون الدولي.
أهمية التقرير ودلالاتهيمثل هذا التقرير أهمية استثنائية؛ لأنه يعكس شهادات من الداخل، صادرة عن جنود وضباط شاركوا فعليًا في العمليات العسكرية. هذه الشهادات تضفي مصداقية إضافية على الاتهامات التي طالما وُجهت لجيش الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
ويُعد التقرير أداة قيمة لتوثيق الانتهاكات الممنهجة، مما يُمكّن المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان من استخدامها في إعداد ملفات قانونية تقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الوطنية التي تعتمد مبدأ الولاية القضائية العالمية.
كما يُمكن للتقرير أن يكون نقطة انطلاق لدعوة الأمم المتحدة إلى تشكيل لجان تقصي حقائق مستقلة؛ للتحقيق في هذه الجرائم المزعومة.
دوافع شهادات الجنودرغم أن النظام العسكري الإسرائيلي يمنح الجنود سلطة ميدانية واسعة تجعلهم أشبه بـ "قانون بحد ذاته"، فإن ذلك لا يُلغي دوافعهم للإدلاء بشهادات تكشف الانتهاكات.
هذا النظام الذي يعتمد على طاعة الأوامر العسكرية دون مساءلة فورية، قد يخلق شعورًا لدى الجنود بالندم والضغط النفسي بعد انتهاء العمليات، خاصة عند إدراكهم آثار أفعالهم على المدنيين.
إعلانبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ هذا التفويض الواسع لا يعفي الجنود من الشعور بالمسؤولية الأخلاقية، حيث يدفعهم الوعي إلى فضح السياسات التي تُسهل ارتكاب الجرائم، في محاولة لإصلاح النظام، أو التنصل من المسؤولية الشخصية.
وتؤكد التحليلات الإسرائيلية أن شهادات الجنود غالبًا ما تكون مدفوعة بالرغبة في تسليط الضوء على الانتهاكات كوسيلة للتأثير على القيادة العسكرية العليا، وتحميلها المسؤولية عن القرارات المنهجية التي تقود إلى هذه الجرائم، ما يُظهر تناقضًا بين التفويض المطلق الممنوح للجنود، والضغوط الأخلاقية والقانونية التي تواجههم.
ضرورة تدخل المحكمة الجنائيةإن الجرائم الموثقة في التقرير، بما في ذلك الاستهداف المنهجي للمدنيين وترك الجثث دون دفن لتتحلل أو تنهشها الكلاب، تُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وتندرج ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما الأساسي.
من الناحية الموضوعية، تُمثل هذه الأفعال جرائم حرب وفق المادة 8، والجرائم ضد الإنسانية وفق المادة 7، حيث يُظهر التقرير أدلة واضحة على وجود سياسة ممنهجة تستهدف السكان المدنيين بشكل واسع النطاق.
أما من الناحية المكانية، فإن وقوع هذه الجرائم على الأراضي الفلسطينية، التي تُعد دولةً طرفًا في نظام روما الأساسي منذ 2015، يمنح المحكمة الولاية للتحقيق فيها. وبالنسبة للاختصاص الزماني، فإن الجرائم المشار إليها وقعت بعد انضمام فلسطين للمحكمة، مما يجعلها مشمولة بالاختصاص الزمني للمحكمة.
وعليه، فإن تدخل المحكمة الجنائية الدولية ضرورة حتمية؛ لضمان العدالة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، بما يرسخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ويحقق الردع العام.
ويُعد ضم الشهادات الواردة في التقرير إلى الملفات المقدمة للمحكمة خطوة محورية؛ لتعزيز الأدلة، وتأكيد الطبيعة الممنهجة لهذه الجرائم. كما يجب أن يشمل ملف المطلوبين أسماء قادة سياسيين وعسكريين متورطين في هذه الجرائم، مثل: قادة الفرق العسكرية الذين أصدروا الأوامر بترك الجثث، والمسؤولين الحكوميين الذين دعموا هذه السياسات؛ لضمان محاسبة جميع المستويات القيادية.
إعلان تقرير هآرتس وصلاحية الأمم المتحدة في التحقيقويتماشى التقرير الذي يوثق الانتهاكات الممنهجة ضد المدنيين في غزة مع اختصاصات الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان في حماية حقوق الإنسان، وتعزيز المساءلة الدولية.
بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتحديدًا المادة 55، يقع على عاتق الأمم المتحدة التزام بحماية الحقوق الأساسية، وضمان احترام القانون الدولي الإنساني. كما أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يملك صلاحية قانونية لتشكيل لجان تحقيق مستقلة وفقًا لقراره رقم 5/1 لعام 2007، والذي يمنحه تفويضًا للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
على غرار ذلك، سبق للمجلس أن أنشأ لجان تحقيق دولية في حالات مماثلة، مثل لجنة التحقيق بشأن النزاع في سوريا عام 2011، ولجنة تقصي الحقائق في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني عقب عمليات غزة 2009 (تقرير غولدستون).
يُشكل التقرير الحالي دعامة إضافية لدعوة مجلس حقوق الإنسان إلى تشكيل لجنة تحقيق دائمة بشأن الجرائم المرتكبة في غزة، مما يعزز الاختصاص القانوني للأمم المتحدة في مراقبة امتثال الدول لأحكام القانون الدولي الإنساني، وضمان تحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب".
التقرير ومنظمات حقوق الإنسانيمثل تقرير هآرتس قيمة هامة لمنظمات حقوق الإنسان الدولية والوطنية، حيث يُعد دليلًا إضافيًا على الإفلات المستمر من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين.
بالنسبة للمنظمات الدولية، مثل: هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية (أمنستي)، يتقاطع التقرير مع جهودها في توثيق الانتهاكات الإسرائيلية، حيث سبق أن ركزت هذه المنظمات على استهداف المدنيين، واستخدام القوة المفرطة، وتجاهل قواعد القانون الدولي الإنساني، وهي نفس المحاور التي أشار إليها تقرير هآرتس.
أكدت منظمة العفو الدولية في تقارير سابقة أن السياسات الإسرائيلية تجاه غزة تُظهر نمطًا ممنهجًا من العقاب الجماعي، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بينما أشارت هيومن رايتس ووتش إلى وجود ممارسات يمكن أن تُصنف كجرائم حرب. بالتالي، يُعزز التقرير مصداقية هذه المنظمات، ويوفر شهادة من الداخل تُعمق فهم السياق الممنهج لهذه الانتهاكات.
إعلان خلاصة القولعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه الجرائم الموثقة في تقرير "هآرتس"، عبر تبني نهج صارم مستند إلى مبادئ نورمبرغ لعام 1945 التي تكرّس المسؤولية الفردية عن الجرائم الدولية، بغض النظر عن الأوامر العليا أو المناصب الرسمية.
نوصي بضرورة تفعيل مبدأ "الولاية القضائية العالمية"؛ لضمان محاكمة الجناة أمام المحاكم الدولية أو الوطنية المختصة، وتطبيق اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لعام 1968؛ لضمان استمرار الملاحقة القانونية بغض النظر عن الزمن.
ورغم وضوح هذه المبادئ والاتفاقيات، فإن الانتهاكات المروّعة التي يكشفها التقرير تعكس تقاعسًا خطيرًا عن احترامها وتنفيذها، ما أدى إلى إهدار كرامة الإنسانية بهذا الشكل المريع.
وللخروج من هذا الواقع، لا بد من توفير بيئة سياسية مواتية تعزّز إعمال القواعد الأخلاقية والقانونية للحروب، وتتيح مساءلة جميع المجرمين دون استثناء. كما يجب أن يتحلّى المدعي العام وقضاة الغرفة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية بالشجاعة العالية في التعامل مع هذه الجرائم، بما يضمن تفعيل العدالة الدولية بشكل فعّال.
رؤية الكلاب وهي تنهش جثث الفلسطينيين ليس أمرًا مسليًا أو ممتعًا، بل هو منتهى الوحشية وإهانة غير مسبوقة لكرامة الإنسان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات القانون الدولی الإنسانی الجنائیة الدولیة المحکمة الجنائیة کرامة الإنسان الأمم المتحدة حقوق الإنسان هذه الجرائم من العقاب فی غزة التی ت
إقرأ أيضاً:
غزة وسوريا محور التقرير السنوي لمركز الجزيرة للدراسات
أصدر مركز الجزيرة للدراسات يوم الأحد 16 فبراير/شباط الجاري تقريره السنوي لعام 2024-2025، والذي حمل عنوان "مراجعة الاستراتيجية المتصارعة في ضوء الحرب على غزة والتغيير في سوريا"، وتضمن عددا من التقارير التي أعدها باحثو المركز.
وكتب في التقرير الباحث شفيق شقير عن المقاومة الفلسطينية وإستراتيجية إسرائيل للقضاء عليها، كما تناول خروج حزب الله من تداعيات الحرب، فيما تناولت الدكتورة فاطمة الصمادي أولويات إيران و"محور المقاومة"، بينما كتب الباحث محمد عبد العاطي عن دعم أنصار الله لغزة وانخراطهم في حربها، وتطرق الدكتور لقاء مكي للعراق ومواجهته تداعيات الحرب على غزة وتغيير النظام في سوريا، في حين كتب الباحث الحواس تقية عن سوريا الجديدة بعد تغير النظام فيها وعن إستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أبعاد الصراع في السودانExternal Linkسيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدةlist 2 of 2أبعاد الصراع في السودانExternal Linkسيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدةend of list المقاومة الفلسطينية وإستراتيجية إسرائيلوافتتح التقرير السنوي للمركز بمقال عن "المقاومة الفلسطينية: العودة إلى إستراتيجية الصمود"، ناقش فيه الباحث شفيق شقير سياق عملية طوفان الأقصى وأهدافها القريبة والبعيدة وما بعد وقف إطلاق النار، وذهب إلى أنها جاءت في ظرف صعب باتت معه غزة والمقاومة أمام تهديد وشيك، خاصة مع اتفاقيات أبرهام وانشغال عدد من الدول العربية بأوضاعها الداخلية، ثم توسعت أهدافها لتلمس أبعادا استراتيجية متمثلة في "إعادة الحياة إلى العمل المقاوم المنظم".
إعلانوناقش شقير في مقال آخر "إستراتيجية إسرائيل: القضاء على المقاومة وإعادة تشكيل النظام الإقليمي"، متسائلا عن مدى تحقيق تل أبيب أهدافها من الحرب في ضوء الاتفاق الذي فاوضت فيه حماسا وأقرت فيه باستعادة الأسرى عبر عملية تبادل، بدل استعادتهم بالقوة، وهو ما كانت أعلنته سابقا.
ورأى الباحث أن توسع الحرب من قطاع غزة وتعدد جبهاتها مثلت ساحة اختبار لإستراتيجية إسرائيل في إخضاع أعدائها الخارجيين، الذين شارك جزء منهم في "حرب إسناد" ضمن محور تقوده إيران، مما جعل من قدرة إسرائيل محدودة على إحداث تغيير عميق في المنطقة.
وفي مقال ثالث للباحث نفسه بعنوان "حزب الله: الخروج من تداعيات الحرب والتكيف مع التحولات الداخلية والخارجية"، ناقش إستراتيجيات الحزب في المواجهة مع إسرائيل والخروج منها، والتغيرات الطارئة على بيئته المحلية والإقليمية، وسيناريوهات تعافيه وعودته للمواجهة. وأوضح أنها 3 إستراتيجيات مختلفة: الأولى في سياق محور المقاومة التي تقوده إيران، والثانية تعلقت بتوسيع إسرائيل عملياتها في لبنان، فيما تعلقت الثالثة بكيفية الخروج من الحرب.
وتناولت الباحثة فاطمة الصمادي في مقالها: "إيران ومحور المقاومة: إعادة ترتيب الصفوف والأولويات"، شبكة الحلفاء والفسيفساء الدفاعية الإيرانية والأثمان التي دفعتها إيران بعد طوفان الأقصى، معرّجة على سوريا بوصفها "حلقة القوة والضعف" ومآلات الإستراتيجية الدفاعية الإيرانية الجديدة وإعادة تعريف محور المقاومة.
وحللت الصمادي إستراتيجية إيران الدفاعية على ضوء مفهوم "تصدير الثورة" بعد نهاية حربها مع العراق، فقد سعت طهران إلى بناء تحالف إقليمي يكون بمنزلة قوة ردع تبعد أعداءها في الخارج قبل وصولهم إلى حدودها، فيما جاء طوفان الأقصى ليعصف بكل الإستراتيجيات الدفاعية في المنطقة بما فيها الإستراتيجية الإيرانية، ويجد محور المقاومة نفسه أمام اختبار وجودي.
إعلان سوريا في مرحلة التغييروكتب الحواس تقية عن "سوريا الجديدة: إعادة رسم خريطة القوى الإقليمية والدولية"، معرّجا على تغيير المعادلة الداخلية في سوريا والرابحين والخاسرين من ورائها، كما ناقش الفرص والمخاطر المحتملة التي تواجهها القيادة الجديدة.
وأكد تقية على حقيقة أن الرابح الأكبر من سقوط نظام بشار الأسد هو عموم الشعب السوري، بغض النظر عن المستفيدين الإقليميين مثل تركيا وقطر والسعودية، فتركيا أصبحت محل ثقة لدى الإدارة الجديدة بعد أن كانت غير مرغوب فيها لدى النظام السابق، فيما استغلت الدوحة رصيدها مع قوى الثورة لإطلاق مشاريع الطاقة وإعادة الإعمار في البلاد، ولم تتأخر السعودية عن قطف ثمار التغيير باعتباره دحرا للمشروع الإيراني في المنطقة.
وفي مقال آخر بعنوان "الولايات المتحدة في الشرق الأوسط: تفرق الحلفاء وتقارب الخصوم"، تناول الباحث نفسه مكاسب الولايات المتحدة في المنطقة رغم الخسائر المتعددة على أكثر من صعيد، مما يجعل 2025 عاما للفرص والمخاطر معا.
ويرى تقية أن الولايات المتحدة في عام 2024 حافظت على تحالفها الوثيق مع إسرائيل، ووفرت لها الحماية وساهمت في خفض خسائرها، كما نجحت في إضعاف نفوذ إيران في المنطقة دون جرّها إلى حرب إقليمية، لكن إخفاق إسرائيل في تحقيق أهدافها في غزة يعني بالضرورة إخفاق الولايات المتحدة.
وكتب الباحث محمد عبد العاطي عن "أنصار الله وحرب غزة: دعم مؤثر وانخراط غير مسبوق"، متناولا ملامح وأبعاد انخراط جماعة أنصار الله (الحوثيين) في حرب غزة، وإطار الدعم والمساندة الذي انخرطت فيه الجماعة منذ الأيام الأولى، من خلال الضغط الأمني والعسكري على إسرائيل لتوقف عدوانها على قطاع غزة.
وأشار الباحث إلى تعدد الأدوات التي استخدمتها الجماعة، وكيف تدرّجت في التصعيد، كما تطرق لأهم التحديات والعقبات الداخلية والخارجية وجعلها في ثلاثة مستويات: الأول يتعلق بإيران، واحتمال تغير أولوياتها، والثاني يتمثل في الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها على الجماعة، أما الثالث فهو التحدي الذي يأتي من إسرائيل التي شنت بدورها عمليات عسكرية في اليمن.
إعلانوعن تأثيرات حزب غزة والتغيير في سوريا على العراق، جاء مقال الدكتور لقاء مكي الذي حمل عنوان "العراق في مواجهة تداعيات الحرب على غزة وتغيير النظام في سوريا"، وتناول فيه ما وصفه بجدل الإسناد وانشغال الطبقة السياسية في العراق به، والانقسامات الحادة التي رافقته، مشيرا إلى أن هذا الجدل لم يؤثر كثيرا في انخراط المجاميع المسلحة في حرب الإسناد.
كما عالج مكي تداعيات سقوط نظام الأسد على الساحة العراقية، مشيرا إلى تغير صيغة الخطاب السياسي العراقي باتجاه التأكيد على ضرورة احترام الإرادة الحرة للسوريين، كما أشار إلى الضغوط الدولية لحل الجماعات المسلحة حتى أن رئيس الوزراء العراقي أكد في تصريح متلفز أنه "لا توجد أية شروط لحل الحشد الشعبي".
وختم الباحث بأن العراق يواجه تحديات متعددة، من أبرزها انهيار نظام الأسد في سوريا، وانتشار السلاح لدى جماعات ذات تأثير قوي في الوضع السياسي والأمني، والتهديدات الإسرائيلية المستمرة بتوجيه ضربات لهذه الجماعات وحتى لإيران عبر، فضلا عن تحدي التعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة؛ مبينا أن مقاربات بغداد السياسية للتعامل مع هذه التحديات غير واضحة.