"سوريا ".. وغيوم المستقبل الجولاني (٢).. !!
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
في المقال السابق.. كانت الأجواء في سوريا مُلَبَّدةً بغيومٍ مختلطةٍ يصعُب معها استيعاب ما حدث، وتوقُّع ما هو آتٍ، وحتى هذه اللحظة نشعر بعتمةِ الموقف بشكلٍ عام إلّا من ضوءٍ خافِت في نهايةِ نفق الأحداث الجارية.
وفي كُلِّ الأحوال ولمحاولة استشراف المستقبل السُّوري لا يخلو فِكْر المُراقِب من البحث عن إجابات لأسئلةٍ تفرض نفسها.
١- مَن الذي سيحكُم سوريا بعد "الأسد"؟
٢- هل ستبقى سوريا دولةً واحدةً ذات سيادة؟ أم أنها مُعرَّضةً للتقسيم إلى دويلاتٍ أو- على الأقل- ولاياتٍ بحكوماتٍ مختلفة؟
٣- كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع التواجد العسكري الأمريكي والتركي والإسرائيلي؟
٤- بما أن سوريا من الدول العربية، إن لم تكن الوحيدة التي لم تُطبِّع مع إسرائيل، فكيف ستكون العلاقة بينهما، وتحديدًا في ملف "الجولان" التي تزعم إسرائيل أنها أصبحت ضِمن مناطق نفوذِها؟
٥- بعد أن انسحب الجيش السوري من معسكراته وترك مواقعه فتعرضت قواعده الجوية والصاروخية لأكبر هجمات جوية منذ تأسيس سلاح الطيران الإسرائيلي، ولم يعد لسوريا جيش، ولا سلاح فماذا تصنع لو تم اجتياح أراضيها من أي طامع في احتلالها وهم كُثر؟
٦- في سعي إسرائيل إلى تحقيق استقرارها، وأمنها الدائمين على حساب الدول المتاخمة لحدودها بعد سيطرتها التامة على "الجولان"، وتوغُلِها في مناطق سوريةٍ جديدة بزعم أنها خطوات استباقية لحماية حدودها لاسيما أنها تُدرك (أو هكذا ترى) أن الإدارة السورية الجديدة أغلبها من جماعاتٍ أصولية متشددة (داعشية وإرهابية) سَرَّها بل وبارَكَتْ ما تعرضت له إسرائيل في ٧ أكتوبر الماضي من هَجمات المقاومة الفلسطينية "حماس" فيما عُرِف بطوفان الأقصى.. فما هو موقف الإدارة السورية الجديدة التي يترأسها "أحمد الشَّرْع" المُلَقَّب بأبي محمد الجولاني من هذا التوغُل الإسرائيلي داخل الأراضي السورية؟
٧- هل سيتعاون رئيس سوريا الجديد مع أمريكا كحليفٍ عربي؟ أم أنه سيتخذ موقفًا مائعًا (مؤقتًا)، أو مخالفًا ربما يُعرِّضُ بلاده لعقوبات أمريكية اقتصادية، وربما عسكرية؟
٨- هل سيحصل رئيس سوريا الجديد على وعودٍ أمريكية بمِنَحٍ مالية لإعادة إعمار البلاد، وإزالة
ما نتج عن تدميرها، ونهبها مقابل السماح بتواجد عسكري أمريكي أكثر، وفَضْ أي تعاون روسي، وإيراني بسوريا؟
وإلى أسئلةٍ أخرى لاحقًا.. ..
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
العوامل الحاسمة لنجاح الرئيس الشرع في سوريا الجديدة
خطوات هامة أقدمت عليها القيادة السورية الجديدة بعد تحرير سوريا وإسقاط الأسد، ابتداءً من مؤتمر النصر الذي منح الرئيس أحمد الشرع الشرعية من الفصائل السورية، ومن ثم انعقاد مؤتمر الحوار على صعيد المحافظات والمؤتمر المركزي للحوار الوطني.
استطاعت لاحقًا القيادة السورية النجاة من مخطط انقلابي بتواطؤ خارجي تم تجاوزه عبر إبرام اتفاق هام مع قوات سوريا الديمقراطية "قسَد"، كما أن تشكيل لجنة تحقيق وتقصي حقائق مهنية ساهم في تفكيك سردية التقصد بارتكاب تجاوزات ضد العلويين. أخيرًا، كان إصدار الإعلان الدستوري خطوة مفصلية في منح القيادة الجديدة الشرعية الدستورية.
كل ما سبق يُعتبر إنجازًا هامًا، إلا أن الدولة الناشئة أمامها استحقاقان رئيسيان سيكون لهما تداعيات هامة في توطيد الدولة واستقرارها وثقة السوريين بها، وتحقيق مطالب المجتمع الدولي بحكومة ذات كفاءة، خاصة أن حكومة تسيير الأعمال خلال الفترة السابقة لم يكن أداؤها مقنعًا للسوريين.
مع ذلك، تفهّم السوريون رغبة القيادة أن تكون الحكومة من النواة الصلبة لفريق التحرير، وأن هناك تحديات عظيمة تواجههم سواء من فلول النظام، أو أعداء الخارج، تتطلب عدم محاسبتهم على كل صغيرة وكبيرة.
إعلان ما هما الاستحقاقان القادمان؟ وكيف يمكن النجاح بهما؟ أولًا: تشكيل الحكومة السورية الانتقاليةينتظر السوريون على أحرّ من الجمر تشكيل الحكومة الانتقالية التي تعطي إشارة البدء للتعامل مع مشروع بناء الدولة، خاصة أن هناك قضايا كثيرة تنتظرهم على صعيد هيكلة مؤسسات الدولة، وبناء مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية، وإطلاق عجلة الاقتصاد والاستثمار، وتوفير الخدمات الأساسية.
أهم أسس نجاح الحكومة الانتقالية اختيار وزراء وطنيين أكْفاء يمتلكون خبرة جيدة في الملفات التي سوف يتسلمونها.امتلاك الحكومة مجتمعة رؤية استشرافية لمستقبل سوريا ودورها الإقليمي. تجاوز الحالة البيروقراطية المتخلفة التي فرضها نظام الأسد خلال العقود الماضية، عبر إعادة هندسة الوزارات وهيكلتها بحيث تؤدي الوظيفة المنوطة بها بأسرع وقت بدون تعقيد، مستفيدة من الكفاءات الموجودة سابقًا مع ردفها بالكفاءات الشابة المهاجرة. تنوع الوزراء ديمغرافيًا بعيدًا عن حالة المحاصصة والانتماءات الفصائلية.تجانس الوزراء وقدرتهم على التفاهم فيما بينهم، خاصة أننا أمام نظام رئاسي جديد على الحالة السورية. فريق إعلامي محترف على مستوى الحكومة، وكذلك على مستوى الوزارات. قدرة الحكومة على التواصل مع الجماهير ومعرفة مطالبهم.امتلاك خطة متدرجة قابلة للتطبيق تبدأ من تأمين الاحتياجات الإسعافية إلى تأمين الأساسيات. مكافحة الفساد عبر وضع دراسة علمية للأجور المناسبة للموظفين، بحيث تؤمّن للموظف حياة كريمة، بل قادرة على استقطاب الكفاءات المميزة وخدمة المواطن على أكمل وجه. البدء بمشروع إعادة الإعمار عبر تشكيل هيئة مستقلة تبدأ بوضع رؤية استراتيجية لمستقبل سورية بعيدًا عن تكرار حالة العشوائيات وأحزمة الفقر، بحيث تطور المدن وتنمي الأرياف. الاستمرار في رسم علاقات خارجية متوازنة تساهم في استقرار المنطقة بعيدًا عن سياسة المحاور. بناء مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية غير مرتبطة بالخارج وغير مسيّسة، هدفها حماية الوطن من الاعتداءات الخارجية وبسط الأمن على كافة الأراضي السورية بطرق قانونية موافقة لحقوق الإنسان. وضع خطة زمنية واضحة لإعادة توطين سكان المخيمات في قراهم ومدنهم التي هُجّروا منها. تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية تحاسب كل من أجرم بحق السوريين حسب المعايير الدولية والإنسانية، تسحب من المتضررين ذريعة الثأر والانتقام. إعلان ثانيًا: تشكيل البرلمانالإعلان الدستوري وضع أسس تشكيل برلمان مناسب لطبيعة المرحلة، رغم الملاحظات التي أبدتها بعض الشرائح السورية تجاهه. تبدأ خطوته الأولى بتسمية الرئيس أحمد الشرع لجنة عليا انتخابية لاختيار أعضاء مجلس الشعب، التي سوف تختار هيئات فرعية مسؤولة عن اختيار ثلثي الأعضاء، ويسمي الرئيس الثلث المتبقي.
السؤال المطروح: كيف تمتلك الدولة السورية برلمانًا فاعلًا مقبولًا جماهيريًا، يدعم الأداء الحكومي ويراقبه بشكل احترافي؟
أهم عوامل نجاح البرلمان اختيار لجنة عليا انتخابية محترفة، متنوعة، غير مسيّسة، عارفة للخارطة السورية وتفاصيلها، ويُنسحب ذلك على اختيار الهيئات الفرعية. وضع معايير مسبقة لاختيار الأعضاء من حيث المواصفات الوطنية والعلمية والثقافية والقانونية والسياسية والقيمية وبعدهم الاجتماعي، بحيث يكون المجلس بمجموعه قادرًا على اقتراح القوانين وإقرارها ومحاسبة الوزراء بشكل مهني. تمثيل عادل للمحافظات يناسب تعدادها السكاني.إقناع السوريين كافة بأن البرلمان الجديد يمثلهم ويدافع عنهم وعن مصالحهم. إن نجاح القيادة الجديدة في تشكيل حكومة تمتلك الكفاءة وبرلمان فاعل والهيئات الضرورية، سوف يكون له تداعيات إيجابية على مستقبل سوريا ونهضتها.يأمل السوريون أن تكون سوريا خلال السنوات الخمس القادمة خلية نحل وميدانًا للتنافس الإيجابي لتقديم أفضل ما لديهم، لتجاوز إجرام نظام الأسد، وبناء وطن حضاري يساهم في استقرار المنطقة، وأن تكون سوريا جزءًا من منطقة "نمور عربية"، وهذا ليس غريبًا على تاريخ سوريا الحضاري ودول الجوار.