ما حكم الحج والعمرة عن طريق المسابقات؟ .. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم الحج والعمرة عن طريق المسابقات؟ فقد اشتركتُ وبعض أصدقائي في مسابقة ثقافية نظَّمتها إحدى الجهات الخيرية، وأعلنوا أنَّ جائزتها رحلةُ حَجٍّ أو عُمْرةٍ، فهل يجوز لي حال الفوز بهذه المسابقة أن أحجَّ أو أعتمر بهذه الكيفية؟".
وردت دار الإفتاء أنه يجوز لكَ الحَجُّ أو العمرة حال فوزِك بهما أو بأحدهما مِن هذه المسابقات، ولا حَرَج في ذلك، على أن يكون ذلك كله بطرقٍ مشروعةٍ ووَفْق الإجراءات التنظيمية الخاصة بهذا الشأن.
اتَّفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنَّ الاستطاعة شرطٌ لوجوب الحج؛ استدلالًا بقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
والاستطاعة المشروطة لوجوب الحج يتحقَّق معناها بقوَّةِ البدنِ وتحمُّلِ مشقة السَّفَر لأداء المناسك، وبأمن الطريق، وبأن يملك نفقة زاده من طعامٍ وشرابٍ ومبيتٍ ونفقةِ المواصلات التي توصله إلى البلاد المقدسة ذهابًا، وتَحْمِله إلى بلاده إيابًا دون تقتيرٍ أو إسرافٍ.
والاستطاعة في إحدى معانيها -وهي وجود المال- كما هي حاصلةٌ بالنَّفْس، وهي توفير المال من قِبل الشخص نفسه، تَحْصُل أيضًا بأي عقد من عقود التمليكات، والتي منها الإهداء من الغير، ومِن صور الإهداء: الحصول على نفقةِ الحجِّ عن طريق الفوز في المسابقات، خاصةً مع تَقدُّم صور وأنماط جَذْب العملاء لاستثمار الأموال، والتي أَفْرَزت التَّجارِب عَدَدًا مِن أشكال هذا الاستثمار، والتي منها: "عمل المسابقات"، حيث تكون فيها الجوائز مُشَجِّعة على المشاركة فيها.
و"المسابقات" في أصلها مشروعة؛ لأنها تـَهْدُف إلى تحفيز العَقْل والجُهْد، ولأنها إحدى الوسائل التي يَتوصَّل بها الإنسان إلى تحصيل المال وجمعه إن كانت بعوضٍ.
والدليل على مشروعيتها مِن حيث الأصل: قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ [يوسف: 17]، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26].
وما ورد عن أُمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّها كانت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سَفَرٍ، قالت: "فسابَقتُه فسَبَقتُه على رِجلي، فلما حَمَلْتُ اللَّحْمَ ساَبقتُه فسَبَقني، فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: هذه بتلك السَّبقَة". أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود والنسائي في "سننهما".
والمسابقة إما أن تكون بعوضٍ، أي مُقَابِل يُعْطَى للمُتَسابِقِين، وإمَّا أن تكون بغير عوضٍ، فإن كانت بعوضٍ فإمَّا أن تكون بعوض من أحد المتسابقين أو كليهما، وإمَّا أن تكون من غير المتسابقين.
فإن كانت بغير عِوَضٍ، أو بعِوَضٍ مِن غير الـمُتَسابِقِين: فلا ريب في كونها مشروعة وجائزة، ولذلك يقول العَلَّامة القسطلاني في "إرشاد الساري" (5/ 80، ط. الأميرية): [واتفقوا على جواز المسابقة بغير عوضٍ وبعوض، لكن بشرط أن يكون العوض من غير المتسابقين، إِمَّا الإمام أو غيره من الرعية بأن يقول: مَنْ سَبَق منكما فله من بيت المال كذا أو عليَّ كذا؛ لما في ذلك من الحث على المسابقة وبذل مال في طاعة] اهـ.
أَمَّا إن كانت على عِوضٍ مِن أحد المتسابقين، أو بعوضٍ من كليهما: فجمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية على جواز الصورتين، بشرط دخول مُحَلِّلٍ -وهو طرف ثالث يَدخُل معهما في المسابقة فيأخذ المال إن سَبَق، ولا شيء عليه إن كان مسبوقًا- بينهما في الصورة الثانية خاصة. ينظر: "الدر المختار" للحصكفي (ص: 663، ط. دار الكتب العلمية)، و"القوانين الفقهية" لابن جزي (ص: 105، ط. دار ابن حزم)، و"روضة الطالبين" للنووي (10/ 355، ط. المكتب الإسلامي)، و"الكافي" لابن قدامة (2/ 190، ط. دار الكتب العلمية).
بيان المقصود بقوله عليه السلام "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر"
لا يُفْهَم من حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: "لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ" -رواه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود والنسائي وابن ماجه في "سننهم"-، لا يُفْهَم منه قَصْر المسابقة على هذه المنصوصات أي: "الخُفِّ"، والمقصود منه: الإبل، أو "النَّصْل"، والمقصود منه: السَّهْم، أو "الحافر"، والمقصود منه: الخيل-؛ وذلك لأنَّ هذه الأمور الثلاثة إنما كانت هي المعهودة في الحرب زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولذلك نَصَّ الفقهاء على جواز المسابقة بغير هذه الأمور الثلاثة بما يتحقَّق منه القوة والاستعداد النفسي والجسدي.
يقول العَلَّامة برهان الدِّين ابن مَازه الحنفي في "المحيط البرهاني" (5/ 325، ط. دار الكتب العلمية) بعد أن ذَكَر هذا الحديث: [وكذلك إذا قال واحد من المتفقهة لمثله: تعال حتى نطارح المسائل، فإذا أصبتَ وأخطأتُ أعطيك كذا، وإن أصبتُ وأخطأتَ، فلا آخذ منك شيئًا، يجب أن يجوز؛ لأنَّ في الأفراس إنما جُوِّز ذلك حَثًّا على تعلم الفروسية، فيجوز هَاهُنا أيضًا؛ حَثًّا على تعلم الفقه؛ لأنَّ كل ذلك يرجع إلى تقوية الدين وإعلاء كلمة الله تعالى، وبه أخذ الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله] اهـ.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي الشافعي في "الوسيط" (7/ 175، ط. دار السلام): [والمعنى معقول من ذِكر هذه الأشياء الثلاثة، فيلحق به ما في معناه] اهـ. وعلى هذا التفصيل تجري المسابقات المسؤول عنها، فلو كانت جوائزها حجة أو عمرة، فالعِوض فيها وهو الجائزة- مُقدَّم من غير الـمُتَسَابِقِين، كما أنَّ المسابقات التي تكون بهذه الهيئة لا تخرج في مشمولها عَمَّا هو مطلوب شرعًا من إعداد القوة النفسية أو الذهنية أو هما معًا، والتي تَنْشُد تنشيط البيئة العلمية، وتحفيز العقل الإبداعي.
الخلاصة
بناء عليه وفي واقعة السؤال: فيجوز لكَ الحَجُّ أو العمرة حال فوزِك بهما أو بأحدهما مِن هذه المسابقات، ولا حَرَج في ذلك، على أن يكون ذلك كله بطرقٍ مشروعةٍ ووَفْق الإجراءات التنظيمية الخاصة بهذا الشأن.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الحج العمرة حكم الحج والعمرة عن طريق المسابقات المزيد صلى الله علیه وآله ا أن تکون إن کانت عن طریق
إقرأ أيضاً:
هل الغسل من الجنابة يغني عن الوضوء.. دار الإفتاء تجيب
أكدت دار الإفتاء المصرية أن الغسل من الجنابة يعد كافيًا للطهارة ولا يلزم الوضوء بعده، مشيرةً إلى أن الصلاة بعد الاغتسال دون وضوء صحيحة، وذلك ردًا على سؤال ورد إليها من أحد الأشخاص الذي أوضح أنه قام بالاغتسال من الجنابة ولم يتوضأ، ثم شارك في صلاة جنازة، متسائلًا عن مدى صحة صلاته.
وأوضحت دار الإفتاء في ردها أن الوضوء يندرج تحت الغسل، حيث إن نية الطهارة من الجنابة تشمل إزالة الحدثين الأصغر والأكبر، وهو ما يعني أن
هل يجوز صيام النصف الأول من شعبان كاملا.. الإفتاء توضححكم التوسل بالنبي في الدعاء وهل بدعة محرمة؟ دار الإفتاء تجيبالغسل من الجنابة كافٍ ولا يستلزم إعادة الوضوء، مؤكدة أن نية الطهارة الأكبر (الجنابة) تشمل الحدث الأصغر وتغني عنه، وذلك لأن موانع الجنابة أكثر من موانع الحدث الأصغر، وبالتالي فإن نية الغسل تقضي على الحدثين معًا.
واستشهدت الإفتاء بعدد من الأدلة الشرعية التي تؤكد هذا الأمر، ومنها ما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوضأ بعد الغسل، كما أوردت ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عندما سأله أحد الأشخاص قائلاً: "إني أتوضأ بعد الغسل"، فرد عليه ابن عمر قائلاً: "لقد تعمقتَ"، أي أنه لا حاجة لهذا الأمر، وهو ما يوضح أن الغسل في حد ذاته كافٍ للطهارة ولا يحتاج إلى إعادة الوضوء.
وأوضحت دار الإفتاء أن الغسل من الجنابة ينقسم إلى غسل مجزئ وغسل كامل، حيث إن الغسل المجزئ يقتصر على تعميم الماء على الجسد بالكامل، مع المضمضة والاستنشاق، وهو ما يكفي لصحة الغسل.
أما الغسل الكامل، فهو الذي يجمع بين الواجبات والسنن الواردة في السنة النبوية، ويكون على النحو التالي:
النية: ويُشترط أن ينوي المسلم الطهارة من الجنابة قبل البدء في الغسل.التسمية: فيستحب أن يقول المسلم "بسم الله الرحمن الرحيم" قبل بدء الغسل.غسل الكفين ثلاث مرات: وذلك لأن الكفين هما الأداة التي يتم بها غرف الماء، لذا يُستحب غسلهما في البداية.غسل الفرج باليد اليسرى: حيث يتم تنظيف موضع الجنابة أولًا، لضمان الطهارة الكاملة.تنظيف اليد اليسرى: وذلك بعد غسل الفرج، ويتم ذلك بفركها جيدًا بالماء والصابون أو بأي وسيلة تنظيف أخرى.الوضوء: ويتم أثناء الغسل، وهو مثل الوضوء للصلاة تمامًا، بما في ذلك المضمضة والاستنشاق.تخليل الشعر بالماء: حيث يقوم المسلم بإدخال أصابعه بين الشعر لضمان وصول الماء إلى منبته، خاصة إذا كان كثيفًا.صب الماء على الرأس ثلاث مرات: بعد تخليل الشعر، يقوم المسلم بإفاضة الماء على رأسه.غسل القدمين: وقد ورد في السنة النبوية أنه يمكن غسل القدمين أثناء الوضوء، أو تأجيل غسلهما إلى نهاية الغسل، وكلا الأمرين صحيح وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.تعميم الماء على الجسد بالكامل: بحيث يبدأ المسلم بالشق الأيمن ثم الأيسر، مع تدليك الجسم أثناء إفاضة الماء. كيفية الغسل من الجنابةوأشارت دار الإفتاء إلى أن المسلم إذا توضأ أثناء الغسل فلا يلزمه إعادة الوضوء للصلاة، لأن الوضوء داخل ضمن الغسل ويغني عنه، إلا في حالة مس الفرج بعد الوضوء، ففي هذه الحالة يُستحب إعادة الوضوء، لأنه يُعد حدثًا طارئًا يستوجب تجديد الطهارة.
وأكدت الإفتاء أن غسل القدمين أثناء الوضوء أو بعد الانتهاء من الغسل أمر ورد في السنة النبوية، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل الأمرين، وبالتالي يجوز للمسلم أن يغسل قدميه أثناء الوضوء أو يؤخر غسلهما إلى نهاية الغسل، فكلا الطريقتين صحيحتان.
وختمت دار الإفتاء توضيحها بالتأكيد على أن الغسل من الجنابة يُحقق الطهارة الكاملة، ويغني عن الوضوء، ويجعل الصلاة صحيحة دون الحاجة إلى إعادة الطهارة، ما لم يحدث أي سبب آخر يستوجب تجديد الوضوء بعد الغسل.