«لعنة الخواجة».. رشاقة التنقل بين الواقع والخيال
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
يبحر بنا الكاتب وائل السمري في رحلة روائية ماتعة عبر صفحات رواية «لعنة الخواجة»، ليقدم عملا أدبيا فريدا يجمع بين دفتيه قصتين متوازيتين، تنسجان معا نسيجا سرديا محكما وشائقا.
القصة الأولى تعيد إحياء شخصية تاريخية طواها النسيان، وهو المهندس المصري اليوناني الذي ينسب إليه الفضل في وضع التصور الأول لمشروع السد العالي، هذا المشروع الهندسي الضخم، الذي غيَّر مجرى التاريخ في مصر، تسلط الرواية الضوء على رؤيته الثاقبة وإصراره على تحقيق هذا الإنجاز، مبرزة التحديات والصعاب التي واجهها في سبيل ذلك، أما القصة الثانية، فتتمحور حول الصحفي ناصر الحسيني، الذي يكرس جهوده للكشف عن وثائق تاريخية قيمة، تعيد الاعتبار لهذا المهندس وتبرز دوره المحوري في تاريخ مصر الحديث.
تأخذنا الرواية في رحلة استكشافية مثيرة، تتنقل بنا برشاقة بين الواقع والخيال، لترسم صورة بانورامية عن حقبة زمنية حاسمة في تاريخ مصر، تضيء جوانب معتمة من حياة هذا المهندس، الذي ظلت شخصيته محاطة بالغموض، رغم عظم تأثيره في تاريخ البلاد، تثير الرواية تساؤلات حول أسباب تجاهل دوره وإخفاء مساهماته لفترة طويلة، وتحاول الإجابة عنها من خلال سرد شيق ومحكم.
يزداد التشويق والإثارة حين نكتشف أن الرواية مستلهمة من أحداث حقيقية، ومدعمة بوثائق ومستندات تاريخية، تضفي عليها مصداقية وواقعية كبيرتين، تبرز هذه الوثائق علاقة المهندس بشخصيات تاريخية مرموقة، من بينها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي تبنى فكرة السد العالي وحوَّلها إلى واقع.
كما تشير الرواية إلى ذكر الرئيس الراحل أنور السادات لهذا المهندس، في كتابه «البحث عن الذات»، ما يؤكد أهمية دوره في تاريخ مصر، بالإضافة إلى ذلك، تطل علينا في الرواية شخصيات تاريخية أخرى شهيرة مثل مارييت وماسبيرو، ما يثري النسيج التاريخي للرواية ويعمق أبعادها.
بروح المحقق المتفحص، وبراعة الأديب المتمرس، انبرى وائل السمري لاستكشاف كنوز أرشيف أوراق دانينوس، مستخرجا منها خيوط حكاية إنسانية عظيمة الأثر، لم تغيِّر وجه مصر وحدها، بل ساهمت في إعادة صياغة مسار التاريخ بأَسره.
فمن رحم هذا الجهد الوثائقي الدقيق، انبثقت لنا صورة بانورامية تجسِّد عمق التحولات التي شهدتها البلاد، ولعلنا نتأمل بتمعن في واقع مصر اليوم، متخيلين بعمق كيف كان سيكون حالها، وكيف كانت ستكون ملامح مستقبلها، لولا ذلك الإنجاز الهندسي العظيم، السد العالي، الذي حمى مصر من غوائل الطبيعة وتقلباتها، وأرسى دعائم نهضتها الحديثة.
من خلال هذا العمل الأدبي البديع، نجح الكاتب في تقديم تكريم استثنائي لذلك الرجل الذي حمل على عاتقه مسؤولية عظيمة، ورغم ذلك ظل اسمه مغفلاً عن التقدير الذي يستحقه، إنه الرجل الذي وهب حياته لحب مصر، فكان حبّه محركًا لمعاناة وتجارب صعبة عاشها، لا ليحصد المجد لنفسه، بل ليمنحنا إرثا خالدا نفخر به عبر الأجيال.
الرواية ليست مجرد سرد لأحداث تاريخية أو تأريخ لحياة هذا الرجل، بل شهادة عرفان بالجميل وردّ لحق مهدر، إنها رسالة تقدير وامتنان لرجل كان حبه لمصر أعمق من أن تلتقطه الأعين أو تحتفي به العبارات، لقد ظل مظلومًا في حياته وبعد رحيله، ورغم إسهاماته العظيمة، لم تحظَ ذكراه بالمكانة التي يستحقها.
تأتي هذه الرواية كوسيلة لتعويض هذا العبقري، عن الظلم الذي تعرض له، من خلال احتفاء أدبي وإنساني بجهوده وتفانيه، فهي ليست فقط قصة شيّقة تسرد تفاصيل حياته، لكنها أيضا دعوة لإعادة النظر في تراثنا ووجوهه المضيئة التي ربما غفلنا عنها.
إنها تحية مستحقة لرجل أحب مصر بصدق، وعمل من أجلها بصمت، بهذه الرواية الماتعة، قدّم الكاتب أرقى أشكال التقدير، وأبدع في تحويل حكاية منسية إلى ملحمة أدبية تحمل الاحتفاء والتكريم في كل كلمة.
يتميز أسلوب وائل السمري في الكتابة بنَفَسٍ شاعريٍّ فريد، ينسج خيوط السرد العميق مع براعة الصياغة الأدبية في تناغم بديع، فيخلق بذلك تجربة قراءة ممتعة وغنية، تتجلى قدرته في توظيف اللغة بحرفية عالية لرسم ملامح المشاعر والأفكار، ونقل أدق التفاصيل النفسية للشخصيات، ما يضفي على الرواية عمقا إنسانيا مؤثرا، ويلامس شغاف القلوب.
تساهم الأوصاف الدقيقة والتفاصيل الغنية في خلق تجربة انغماسية حقيقية للقارئ، حيث يشعر وكأنه يعيش الأحداث جنبا إلى جنب مع الشخصيات، متفاعلا مع أفراحها وأتراحها، وكأنه يشاهد فيلما سينمائيا متقن الإخراج، كما أن المزج المتقن بين الفصحى الفصيحة والعامية المصرية السلسة في الحوار، يعكس ثراء التنوع الثقافي واللغوي في المجتمع المصري، ويضفي على الحوار حيوية وواقعية، ما يعزز من مصداقية الرواية ويجعلها أقرب إلى القلب.
تتجاوز الرواية مفهوم التسلسل الزمني التقليدي الخطي، حيث تتنقل بين الأزمنة والأحداث بسلاسة وانسيابية، مستخدمة تقنيات سردية متنوعة مثل التداعي الحر، والفلاش باك، والانتقال المفاجئ بين الماضي والحاضر، مما يضفي على السرد ديناميكية وجاذبية.
هذا البناء غير الخطي لا يتيح للقارئ فهم الشخصيات بشكل أعمق وأكثر شمولية من خلال استكشاف خلفياتها ودوافعها فحسب، بل يفتح أيضا آفاقا جديدة للتفكير والتأمل في طبيعة التاريخ، وكيف يمكن أن يعيد نفسه في صور مختلفة، وكيف تلقي الأحداث الماضية بظلالها على الحاضر وتشكل ملامحه، وكيف يتأثر الحاضر بالماضي في علاقة تفاعلية مستمرة.
من خلال هذه البنية السردية المبتكرة، يتجلى للقارئ كيف أن الماضي والحاضر مرتبطان بشكل معقد، في علاقة جدلية لا تنفصم عراها، وكيف يمكن فهم الحاضر من خلال فهم الماضي، والعكس صحيح، فكل حدث يحمل في طياته آثارا عميقة تظهر كيف تتشكل الهوية الفردية والجماعية على مر الزمن، وكيف أن التاريخ ليس مجرد سرد لأحداث مضت، بل هو نتاج تفاعل دائم وحيوي بين الأفراد والمجتمعات، في حوار مستمر بين الأجيال، يشكل حاضرنا ويحدد ملامح مستقبلنا.
على الرغم من امتداد صفحات الرواية في زمن باتت فيه «النوفيلا» هي الشكل الأدبي السائد، إلا أن السرد يتدفق بسلاسة آسرة، تتوالد الحكايات وتتفرع بطريقة تذكرنا بأعمال الأديب القدير خيري شلبي، الذي اشتهر بقدرته الفائقة على نسج عوالم روائية متشابكة وغنية بالتفاصيل الإنسانية، مع اهتمام خاص بتصوير الحياة الشعبية المصرية بكل تفاصيلها، هذه السلاسة لا تشعر القارئ بملل أو إطالة، بل تأخذه في رحلة ممتعة عبر دروب الحكايات المتداخلة، وكأنه يشاهد نسيجا بديعا تتشابك خيوطه لتكون صورة كاملة.
لقد كُتبت الرواية بأريحية واضحة، تنم عن ثقة «السمري» بأدواته وقدرته على السيطرة على زمام السرد، مع إحساس عميق بالمتعة أثناء الكتابة، لا نجد فيها توترا في التناول أو تعصبا لوجهة نظر معينة، بل يسودها جو من الهدوء والاتزان، وكأن الكاتب يدع الحكايات تنمو وتتطور بشكل طبيعي، لا صراخ سياسيا معلنا ولا انحياز صارخا مع أو ضد طرف ما، بل هي أقرب إلى تأمل هادئ في الواقع الإنساني وتعقيداته، بعيدا عن المباشرة والوعظية.
إن الرواية فيها روح كاتبها، بكل ما تحمله من صفات شخصية وانعكاسات لتجربته الحياتية، ما يضفي عليها صدقا وعمقا، ويجعلها قريبة من قلب القارئ، هذه الروح هي التي تعطي العمل طابعا فريدا، وتميزه عن غيره من الأعمال الأدبية، وتجعله يحمل بصمة صاحبه بوضوح.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: وائل السمري رواية لعنة الخواجة فی تاریخ من خلال
إقرأ أيضاً:
صور الضبع المرقط| متى ظهر في مصر؟ وكيف تم قتله؟ - مستند
كتب- محمد نصار:
أثارت عملية تسجيل أول ظهور للضبع المرقط في مصر منذ اختفاء دام لنحو 5000 عام كاملة، حالة من الجدل حول أسباب عودة هذا الحيوان المفترس للأراضي المصرية.
في دراسة، حصل مصراوي على نسخة منها، أجراها فريق من الباحثين المصريين، عبد الله ناجي، وسعيد الخولي، وعلاء الدين، إلى جانب عمر أتوم، تم رصد أول تسجيل للضبع المرقط في مصر خلال الخمس الـ 5 آلاف سنة الماضية.
وتقدم هذه الدراسة أول سجل موثق للضبع المرقط في مصر الحديثة، وإمكانية أن يُعزى هذا الرقم القياسي الجديد إلى العوامل المناخية ورعي الماشية والنشاط البشري في المنطقة.
تاريخ ظهور الضبع المرقط في مصرفي فبراير 2024، قتل ضبع مرقط اثنين من الماعز المملوكة للسكان المحليين على مدار يومين، داخل منطقة علبة المحمية، على بعد 30 كيلومترًا شمال الحدود السودانية والمصرية.
كيف تم قتل الضبع المرقط؟
وتم تعقب الضبع من جانب السكان المحليين وتحديد موقعه ومطاردته وصدمه عمدًا بواسطة شاحنة صغيرة في 24 فبراير 2024، وقد تمت مراقبة الجثة وتصويرها.
ويقع الضبع المرقط على بعد 5 كيلومترات من مستوطنة بشرية صغيرة تضم عددًا قليلًا من العائلات، في سهل رملي تتخلله تلال صخرية.
وتتكون منطقة الدراسة (التي لوحظ فيها الضبع المرقط) من مناخ جاف، مع صيف حار وغير ممطر وشتاء معتدل، حيث تهطل الأمطار في الغالب في أشهر الخريف والشتاء، ولكنها ليست حدثًا سنويًا.
وتحبس الجبال المتاخمة لساحل البحر الأحمر الرطوبة مع ارتفاع السحب وتكثفها، مما يؤدي إلى زيادة هطول الأمطار وحدوث فيضانات عرضية.
وأظهرت الدراسة أن المستويات المتواضعة لهطول الأمطار الموسمي (المتوسط السنوي للأعوام بين 1983 و2022 هو 18 ملم ± SE 0.155) تحول هذه السهول القاحلة إلى مروج مؤقتة يستخدمها الرعاة المحليون بشكل مكثف.
ويتراوح متوسط درجات الحرارة الشهرية بين 24 و38 درجة مئوية خلال فصل الصيف، وبين 12 و26 درجة مئوية خلال فصل الشتاء.
وتعتبر هذه المنطقة امتدادًا للمنطقة الاستوائية السودانية وهي الجزء الأكثر تنوعًا من الناحية الزهرية في مصر، حيث تهيمن على المنطقة نباتات Vachellia tortilis وLycium shawii وBalanites aegyptiaca.
هل يرتبط ظهور الضبع المرقط في مصر بالتغيرات المناخية؟استخدم الباحثون مؤشر الغطاء النباتي الطبيعي التاريخي (NVDI) كمؤشر لهطول الأمطار وفرصة الرعي الرعوية المقابلة، وتم تقدير المتوسط السنوي لمؤشر الغطاء النباتي للغطاء النباتي في فصل الشتاء لمنطقة الممر المحتمل بين أقصى شمال نطاق الضبع المرقط في السودان ودراسة التغيرات طويلة المدى في قيم NDVI بين عامي 1984 و2022.
ويكشف تحليل قيم NDVI في منطقة الممر المحتملة عن التقلبات، مع فترات جفاف متعددة السنوات تليها فترات "رطبة" أقصر، وكانت قيم هطول الأمطار وقيم NDVI المقابلة لها أعلى خلال السنوات الخمس الماضية (2019-2022) مقارنة بالعقدين السابقين.
ويمكن لهذه الفترة الخمس سنوات من الظروف البيئية الأقل خطورة في منطقة الممر أن تسهل انتشار الضبع المرقط شمالًا إلى جنوب شرق مصر، فعلى سبيل المثال، يُعتقد أن كمية هطول الأمطار وفرصة الرعي المقابلة لها تشكل حركة وديناميكيات أعداد ذوات الحوافر في المنطقة، ويُعتقد أن هذه الفترة التي ترتفع فيها قيم NDVI ترتبط بزيادة معدل الرعي وتخزين الماشية.
ويُعتقد أيضًا أن زيادة إمكانات الرعي كما يتبين من ارتفاع مستويات مؤشر الغطاء النباتي للغطاء النباتي (NDVI) قد أدت إلى تغيير في ممارسات الرعي الرعوية، حيث يفضل السكان المحليون الآن السماح لمواشيهم بالرعي بحرية (الرعي الحر) بدلًا من إبقائها في منطقة محصورة، مع الغذاء التكميلي، وحتى نقل قطعان الإبل من وادي النيل إلى المنطقة للحصول على مرعى مجاني.
بالإضافة إلى ذلك، تمت ملاحظة الضبع المرقط في فصل الشتاء، وهو الفصل الأقل خطورة بيئيًا. كما قُتل ذكر النمر (Panthera pardus) في عام 2014 خلال فصل الشتاء، بعد نهب الماشية.
اقرأ أيضًا:
تحذير من الشبورة وأمطار خفيفة.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس الـ6 أيام المقبلة
هل فقدت مصر ثلثي مساحتها الزراعية بسبب سد النهضة؟.. خبير يوضح
رواتب تصل لـ4 آلاف درهم.. لماذا تواجه فرص "وزارة العمل" بالخارج انتقادات؟
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
الضبع المرقط مصرتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة إعادة إعمار غزة والتمسك بحل الدولتين.. تفاصيل مخرجات الاجتماع السداسي في أخبار حزب المؤتمر يعلن تأييده الكامل للرئيس السيسي: نرفض تهجير الفلسطينيين أخبار رسائل قوية.. الآلاف أمام معبر رفح رفضًا لتهجير الفلسطينيين- صور أخبار خبير: مصر هزمت تنظيم جماعة الإخوان هزيمة كُبرى أخبارإعلان
إعلان
أخبارصور الضبع المرقط| متى ظهر في مصر؟ وكيف تم قتله؟ - مستند
أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك شديد البرودة ليلًا.. الأرصاد تعلن توقعات طقس الساعات المقبلة 22القاهرة - مصر
22 13 الرطوبة: 31% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك