تناقضات نعيشها وقوالب تشكلنا
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
نعيش ما يكفي من تناقضات يومية تُسلمنا لكثير من القلق والتوتر والحاجة لسلام داخلي تهدأ معه أرواحنا وتتطلبه عقولنا، وتأتي السياسة والأوضاع الدولية بما تتضمنه من تحليلات ونقاشات وصراعات متوالية، وما يرافقها من ترويج مكثف لأفكار وتصورات ذهنية، وتبدلات فكرية ثقافية لتأتي على ما استجمعنا من هدوء فكري وما أولمنا من سلام نفسي، فلا أوضح من تحولات الفكر في العالم، هذه القرية الصغيرة -بعد العولمة- التي انفتحت على تأثيرات مباشرة وقرارات مُعَدَّة سلفا من قبل موجهي آلة صنع الرأي العام عالميا، ترفدها ممكنات من الإعلام غير التقليدي والإنفاق المالي الدولي والمحلي معا لنمذجة الفكر الشعبي عالميا، بعد تهيئة ذلك الفكر عبر عقود من التشتيت والتسطيح وأدوات تفريغ الوعي والقدرة على الربط والتحليل إعدادا لأوعية جديدة مُهَيَئَةً لأي فكرة طارئة مُستحدثة، أو حتى فكرة تقليدية يُراد تغييرها وتبديلها وفقا لمصلحة مؤقتة أو دائمة لإحدى قنوات النفوذ والتأثير.
لا نعجب اليوم (مع متابعة الصراعات الدولية) من محاولات تقبيح وتجريم ما كان جميلا ملائكيا في فترة تاريخية ما، كما لا نعجب من تجميل وتنزيه ما كان قبيحا مُجرّما قبل سنوات، بل الأنكى من ذلك إمكانية سعي دائرة النفوذ السياسي لتجريم فكرة ما في مربع جغرافي معين، وتنزيهها وتجميلها في مربع أو مربعات أخرى في الوقت ذاته، دون أي اعتبار لتراكمية المعرفة أو تواصلية الإعلام وشراكة الحصول على المعلومات، فما الذي جعل دوائر النفوذ السياسية الاقتصادية تجزم بقدرتها على نمذجة العقل الشعبي، وتعوّل على تمكن آلة المال والسلطة من قولبة سلوك الشعوب؟ ولا نعجب من التصرف في إعداد سيناريوهات الإخراج السياسي لذات النصوص العتيقة التي يسهل معها تحويل ما كان سلبيا مشيطنا بالأمس إلى بطولة ملائكية لا تمس اليوم!
إن المرء ليتساءل ما الذي أسلم عقول البشر اليوم لمثل هذه الدعة، وكل هذا الخمول؟ قد لا نحتاج طويل وقت وتفكيرا وتحليلا وصولا لبرنامج عالمي جشع مبني على عمل متصل دؤوب لعقود من تجهيل وتجويع العامة بإغراقهم في قضاياهم المعيشية ومشقة توفير قوت يومهم وأمان مسكنهم بعيدا عن قضايا أوطانهم الكبرى ومصائر شعوبهم ليقعوا فرائس سهلة للعبة التشتيت ونماذج التسطيح، وهو ما تعهدت به وسائل التواصل الاجتماعي في تقديمها نماذج غير واقعية لشخصيات يومية تشعر العامة بضآلتهم وصعوبة تحقق ذواتهم مقارنة مع شخصيات عالم التواصل الاجتماعي المثالية فاحشة الثراء ليستغرق هؤلاء في الحسرة وتخيل الطرق الأقصر لبلوغ مجدهم المادي متمثلا في تحقق الثراء والثروة وإن كانا على حساب التضحية بالثوابت، سواء كانت تلك الثوابت قيمية أخلاقية أو وطنية قومية، ولا أسهل حينها من الوصول للتأثير على هؤلاء وأولئك (أقصد هؤلاء المنهكين بالأعباء اليومية وتحديات الواقع أو أولئك التافهين لابسي أقنعة الترف والثراء)، والحقيقة التي لا شك فيها أن الجميع ضحايا لآلة التشتيت ومادة للعبة التوجيه السلوكي النفسي وإلا فكيف يمكن تصديق ما يقدم الإعلام اليوم من نماذج لبطولات شخصيات مؤثرة سياسيا بكل ما تتبنى هذه الشخصيات من برامج لحركات فكرية تم شيطنتها سابقة واتهامها بأبشع التهم من إرهاب وإجرام وعنصرية وتصفيات؟ والأهم من كل ذلك كيف يمكن اتخاذ الدين (آخر معاقل الفقراء) محورا لكل تلك التبدلات ملبسيه ثوب أحادية الرأي والوحشية في السعي للتخلص من المختلف بدموية وبلا رحمة متى شاءوا، ثم ثوب التسامح والوسطية والمدنية وتقبل المختلف، بل حتى التكامل معه متى شاءوا؟
كيف يمكن لعقل الإنسان المعاصر استيعاب تناقضات يومه وواقعه وتقاطعات ذلك التناقض بذاته والناس حوله، ثم كل تناقضات الواقع السياسي عالميا ؟ وليس ذلك حال أنه معنيٌّ بالشأن السياسي باحث عن حيثياته، بل إنه غارق في تأثيرات الحدث السياسي بكل مستوياته إذ ما زال العامة هم وقود الأحداث السياسية الكبرى صراعا وتصادما كما أنهم رمادها ختاما ونتيجة وتداعيات، فلا أقل من أمنية للهدوء وفسحة للتدبر بعيدا عن النماذج الفكرية المُعَدّة، والقوالب السلوكية المتوقعة، لعلّنا حينها ندرك بعض السلام الروحي وبعضا من الإنصاف في التعامل مع هذه التحولات العصرية.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هؤلاء المليارديرات الخمسة خسروا أكبر قدر من ثرواتهم في عام 2024
نشرت مجلة "فوربس" تقريرًا يسلط الضوء على الخسائر الضخمة التي تعرض لها خمسة من أغنى المليارديرات في العالم خلال سنة 2024، رغم الأداء القوي للأسواق خلال هذه السنة.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن سنة 2024 كانت سنة مذهلة بالنسبة للعديد من المليارديرات؛ حيث ارتفعت ثروة أغنى 20 شخصًا في العالم لتبلغ 3 تريليونات دولار، ولكنها لم تكن سنة رائعة للجميع؛ فقد لعب تباطؤ النمو في الصين وضعف أسواق الأسهم في أوروبا دورًا في تقلص ثروات مئات المليارديرات، ويتجلى هذا الشعور بالضيق خارج الولايات المتحدة في حقيقة أن أربعة من أكبر خمسة مليارديرات خسروا هذه السنة هم من غير الأمريكيين.
وكان برنارد أرنو صاحب شركة "إل في إم إتش" القوية للسلع الفاخرة أكبر الخاسرين من حيث القيمة الدولارية المطلقة، لكن الأمر لم يبدأ على هذا النحو؛ فقد تربع مؤسس الإمبراطورية الفرنسية على عرش أغنى أغنياء العالم منذ أواخر كانون الأول/يناير وحتى أواخر أيار/مايو، لكن أسهم شركة "إل في إم إتش" المدرجة في باريس، انخفضت بشكل مطرد بدءًا من شهر نيسان/أبريل وسط ضعف الطلب من المتسوقين في الصين، مما أدى إلى خسارة أرنو لحوالي 25 مليار دولار من ثروته، واعتبارًا من منتصف كانون الثاني/ديسمبر، تراجع أرنو إلى المرتبة الخامسة بين أغنى أغنياء العالم في تصنيف فوربس للمليارديرات، بثروة تقدر ب 171.3 مليار دولار.
وكان المكسيكي كارلوس سليم حلو ثاني أكبر الخاسرين، فأكثر أصوله قيمة هي حصته في شركة أمريكا موفيل للاتصالات المحمولة التي يقع مقرها في المكسيك، والتي تعمل في 22 دولة في أمريكا اللاتينية وأوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية. وقد أدى انخفاض أسهمها بنسبة 20 بالمئة تقريبًا في أسهم، بالإضافة إلى ضعف البيزو المكسيكي مقابل الدولار الأمريكي، إلى انكماش ثروته بقيمة 22.9 مليار دولار.
وقد أدى ضعف الطلب الاستهلاكي في الصين إلى تراجع ثروة وريثة شركة لوريال، فرانسواز بيتنكور مايرز، التي أسس جدها شركة مستحضرات التجميل العملاقة؛ حيث انخفضت المبيعات في شمال آسيا، بنسبة 6.5 بالمئة في الربع الثالث، وانخفضت الأسهم بنسبة 24 بالمئة تقريبًا حتى 13 كانون الثاني/ديسمبر، مما أدى إلى محو 22 مليار دولار من صافي ثروة بيتنكور مايرز، لكنها لا تزال ثاني أغنى امرأة في العالم بمبلغ 74.7 مليار دولار.
وأشارت المجلة إلى أن كولين هوانغ، المؤسس والرئيس السابق لشركة بي دي دي هولدنجز، الشركة الأم لشركة "تيمو" للتجزئة عبر الإنترنت، أصبح أغنى شخص في الصين هذا الصيف، ثم أدى الانخفاض الحاد بنسبة 31 بالمئة في سعر سهم الشركة ابتداءً من شهر آب/أغسطس إلى تجريده من هذا اللقب، ينهي هوانغ السنة وثروته أقل بقيمة 15.3 مليار دولار مما كانت عليه في بداية السنة.
وكان بيل غيتس خامس أكبر الخاسرين هذه السنة، ولكن الانخفاض البالغ 12 مليار دولار في ثروته له علاقة بتبديل الأصول أكثر من حركة أسعار الأسهم، فعندما استقالت زوجة بيل السابقة ميليندا فرينش غيتس من منصب الرئيس المشارك لمؤسسة بيل وميليندا غيتس في شهر حزيران/يونيو، أعلنت أنها ستتلقى 12.5 مليار دولار مقابل جهودها الخيرية، وقد علمت فوربس أن الأصول كانت من بيل وليس من مؤسسة غيتس.
قد تكون الأمور بالنسبة لهذه المجموعة فائقة الثراء أسوأ من ذلك، فقبل سنتين، شهد أكبر خمسة مليارديرات خسارة 378 مليار دولار، وهذا يجعل مجموع الخسائر البالغ 97 مليار دولار لهؤلاء الخمسة هذه السنة تبدو وكأنها نزهة في الحديقة، كما أن لديهم الكثير من الأموال المتبقية لتساعدهم على تحمل الضربة.
فيما يلي أكبر الخاسرين من أصحاب المليارات في سنة 2024:
برنارد أرنو
الجنسية: فرنسا
مصدر الثروة: السلع الفاخرة
صافي الثروة: 171.3 مليار دولار (بانخفاض قدره 24.7 مليار دولار في سنة 2024)
كارلوس سليم حلو
الجنسية: المكسيك
مصدر الثروة: الاتصالات والاستثمارات
صافي الثروة: 81.3 مليار دولار (بانخفاض 22.9 مليار دولار)
فرانسواز بيتنكور مايرز
الجنسية: فرنسا
مصدر الثروة: لوريال
صافي الثروة: 74.7 مليار دولار (بانخفاض 22 مليار دولار)
كولين هوانج
الجنسية: الصين
مصدر الثروة: التجارة الإلكترونية
صافي الثروة: 36 مليار دولار (بانخفاض 15.3 مليار دولار)
بيل غيتس
الجنسية: الولايات المتحدة
مصدر الثروة: مايكروسوفت والاستثمارات
صافي الثروة: 107 مليارات دولار (بانخفاض 12 مليار دولار)