برزخية الأزمنة .. لا الليل انجلى ولا القيد انكسر
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
تذهب الفكرة هنا، إلى مناقشة بعدين أساسيين، الأول: اجتماعي، في تموضعاته الفردية والجماعية على حد سواء، ومجموعة الإشكاليات التي تواجهها المجموعة هذا ذاتها التي يواجهها الفرد نفسه - على اعتبار أن الفرد هو جزء من المجموعة - وهي عدم قدرته على تحقيق ما يصبو إليه، وذلك بسبب عراقيل لا أول لها لا آخر، والسبب في برزخية الأزمان غير المحققة للآمال على امتداد كل هذه الأجيال هو أن المسألة مرتبطة بتوالي هذه الأجيال، وكأن الأجيال لا تستفيد من أخطاء من سبقها فتعدل وتصحح حتى تتحرر مما وقع فيه ممن سبقها، وعائد ذلك كله إلى سوء إدارة الموارد، سواء كانت موارد بشرية، أو موارد مالية، أو موارد معنوية، وعلى ما يبدو أن سوء الإدارة هذا يعود إلى عدم رغبة الناس في التغيير، فقد أدمنوا ديمومة الأشياء التي ترسخها برزخية الزمن في نفوس الناس، وكأن التغيير سوف يسلب منهم الكثير من ما يعتبرونه استحقاقات شخصية (وجاهية، واجتماعية، وإدارية، وتسلطا).
والبعد الثاني في هذه المناقشة: هو البعد السياسي، والذي تتحكم فيه قوى استعمارية، من خلال أنظمة سياسية متنوعة ومتعددة، لا تستحق أن يطلق عليها سوى «قطاع طرق» وليسوا حكاما سياسيين جاؤوا لتحقيق مصالح البلاد والعباد، يسندهم في ذلك مجموعة كبيرة من خونة الأوطان، مسترزقين من خيانتهم، سواء في خيانة أوطانهم، أو في خيانة شعوبهم، أو خيانة ضمائرهم، أو خيانة دينهم، لا يهم، فالمهم أن يكون هناك عائد مدي، يقتاتون به، وكلا البعدين: الاجتماعي والسياسي، يبقى الفاعل الحقيقي فيهما، والمتحمل وزرهما، وعبء حمولتهما، هو الإنسان الحقيقي -غير الممنهج- والمنهجية المشار إليها هنا، هي: ذلك الإنسان البسيط الذي لا يمتثل لتوجيه معين، أو أنه واقع تحت تسييس، أو أجندة ما، ولذلك فهذا النوع من الناس واقع بين هاجسين: الأمل والرجاء، مع أنه منغمس، حتى أغمص القدمين، في العمل والجد والاجتهاد للخروج بشيء من المكاسب الفطرية التي تتوق إليها الأنفس، أو إحياء الأمل على الأقل، إلا إنه مع نهاية النفق يجد نفسه أنه لا يزال في مربعه الأول، ولذلك تراه في كل مرة يستبق الخطى ليوجد لنفسه موضع الخطوة الأولى ليبدأ في السير، فـ«مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة» كما هي القناعة، ولذلك وعلى الرغم من حالات اليأس القاتلة، والتي تداهمه في معظم محطاته في حياته، إلا أنه تظل هناك إشعاعات من أمل خفي، يربك هذا اليأس بين فترة وأخرى، فلا يستطيع اليأس أن يستأسد على الحالة الإنسانية برمتها، ولكن لأن اليأس وقعه ثقيل على النفس، بما يشيعه من فقدان الأمل، هي حالة مناورة مستمرة بين الحق والباطل، ينتصر فيها أحدهما في لحظة زمنية، وينحسر دور الآخر في لحظة مما ثلة، وتعاد الكرة من جديد، حيث تتبدل الأدوار، وتبقى المعركة حامية الوطيس بين كفتي المعادلة، ولعل في ذلك امتحانا يمتحن الله سبحانه وتعالى عباده، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ووفق الصورة أعلاه تظل برزخية الأزمنة هي المؤمل بأن تغير الكثير من موازين الحياة التي يقف على جانبي كفتيها هذا الإنسان الذي قال عنه إيليا أبو ماضي في رائعته «نسي الطين ساعة»: «نسي الطين ساعة أنه طين حقير، فصال تيها وعربد وكسى الخز جسمه فتباهى، وحوى المال كيسه فتمرد» ويقول: «لك في عالم النهار أماني، ورؤى والظلام فوقك ممتد» إلى أن يقول: « «ما الحياة التي تبين وتخفى، ما الزمان الذي يذم ويحمد أيها الطين لست أنقى وأسمى، من تراب تدوس وتتوسد سدت أو لم تسد فما أنت، إلا حيوان مسير مستعبد».
ويحضر الزمن هنا بدوره الفاعل في مسيرة هذه الحياة، وتتمثل برزخيته في فتراته الفاصلة بين الأحداث، وقد تكون هذه الفترات طويلة الأمد، فتراكم من معززات اليأس، وقد تكون قصيرة الأمد، فتنعش جانبا من الأمل، الذي يكاد أن يكون مفقودا، وهذه الـ «برزخية» بفواصل فتراتها المستمرة، طولا وقصرا، والتي لا تنبئ كثيرا عن إشراقات الأمل المتتالية، توازي تلهف الناس إليه وحلمه الممتد، بقدر ما تكرس اليأس في نفوس الكثير من الناس أيضا، حيث ينظر إليها على أنها ديمومة لا نهاية لها تتكرر من خلالها الصور النمطية من الحروب التي لا تنتهي، ومن التسلط الذي لا يقف عند حد، ولو وضعنا حسبة مختصرة لمجل الأحداث على مدى خمس من العقود مضت، فسنجد أن البشرية عانت أكثر مما استنشقت حريتها التي تأملها، لا فرق بين هذه العقود وبعدها، حيث لا تزال الحالة الإنسانية تراوح ذاتها، إلا في تطورها المادي البحت، فقط، فالحروب قائمة، ولا تزال الدول مضطربة، ولا تزال النفوس قلقلة، ولا تزال المشاعر مستنفرة، الكل يبحث عن لحظة زمنية فارقة يستعيد فيها متنفسا آمنا، فتراه متنقلا عبر جغرافية الأرض - مشرقا ومغربا - لعله يجد فيها شيئا مما يفتقده في بلده الأم، ويجده في رحلة البحث هذه التي لا تتوقف، وأنى له ذلك في ظل سحابة كونية مغبرة بأتربة الصراعات والمشاحنات التي لا تهدأ ولا تتوقف، والقائمة على ليّ الأذرعة، واستغلال الظروف، وحالات الضعف، وقلة الحيلة، وتعطيل الحكمة، وتحييد المودة، وتعظيم الفارق المادي لمختلف المكاسب، ولو أدى ذلك إلى إنهاء الأنفس التائقة للحياة والأمل والأمان، وبقدر الأمل الذي يرى في الآخرون على أنه البارقة المضيئة في سماوات الكون، إلا أن كل فترة قادمة تمتحن فيها الإنسانية أكثر، تمتحن في صبرها، وفي محنتها، وفي قدرتها على الانعتاق من النرجسية، والخيلاء، والتكبر، والإستقواء على خلق الله، وكأن الطرف المغلوب على أمره لا يصنف من الذات الإنسانية التي تكيل على غيرها صنوف الهوان، والتعذيب، والاستعلاء، فأي إنسانية هذه تعيش هذه الازدواجية في المعايير، وفي اتخاذ المواقف، والكيل بمكيالين، لا عدالة قادرة على توازي الكفتي الخير والشر، على الأقل.
يحقن الشاعر الكبير -أبو القاسم الشابي- عبر قصيدته الرائعة «إرادة الحياة» النفوس بكثير من الهمة، والأمل وتجاوز معضلات الحياة، ولئن كانت للقصيدة مناسبة قالها الشاعر فيها، إبان الاحتلال الفرنسي البغيض لتونس، فإن المعاني الضمنية الأفقية والرأسية التي تتموضع بين جنبات القصيدة، فإنها ترفرف على سماوات الكون في كل زمن وحين، وإن الحالة الشعورية التي جسدها الشابي قبل أكثر من (80) عاما من اليوم، لا تزال تراوح مكانها، على امتداد، من يتخيل أنه مر على ذلك هذه الفترة ببرزخيتها الزمنية الممتدة، والتي لا تزال تخيم بضبابيتها القاتمة، وأقول بضبابيتها لأن الحالة الإنسانية لا تزال تراوح مكانها منذ ذلك الزمان، وإلى هذا الزمان، وإلى ذلك الزمان التي تستشرفه مخيلتنا كبشر، نتوق في يوم ما، أن نشعر بمكانة هذه البشرية على وجه البسيطة، وإنها هي الحاكمة والضابطة، ليس إلا، وللتأكيد على هذا القول حقيقة وجودنا نحن اليوم، التي، ربما، لم يتخيلها أبو القاسم الشابي قبل أكثر من (80) عاما، ولنحصر المسألة في واقعنا العربي على وجه الخصوص، ماذا تغير من حال؟ ما مجموعة المكاسب التي حققتها المجموعة العربية الممثلة في الـ (22) دولة من المحيط إلى الخليج، ولا أتحدث عن رخاء مادي استثنائي لبعض الدول، من أثر عوائد النفط، فقط، فهذا النوع من الثراء المادي ينظر إليه وفق استثنائيته المحدودة، ولكن تقيم المسألة هنا، وفي هذه المناقشة بالذات، وفق معطيات مختلفة، ومتنوعة، سياسية واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وجيوسياسية، وفي كل معطى من هذه المعطيات، تكتب قصتها الخاصة بها، فحين يتم الحديث عن صورة شاملة عامة، يفترض، أن تكون مجمل معززات الوجود الإنساني متحققة عبر مناخات هذه الشمولية وعموميتها، ولا تستقطع منها أجزاء صغيرة للحكم على الجميع، فالتسيد القاتل الذي تتحكم فيه مجموعة صغيرة في هذا العالم، هو الذي أضر بالإنسانية وضربها في مقتل الذل والهوان والانحسار.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أشهر الأدعية المستجابة في قيام الليل
هناك الكثير من الادعية التي يستطيع المسلم ان يدعو بها في قيام الليل، منها دعاء "اللَّهمَّ اكفني بِحلالِكَ عن حرامِكَ، وأغنِني بِفَضلِكَ عَمن سواكَ" . أشهر الأدعية المستجابة: -" إذا ناجى العبد ربه في السَّحر واستغاث به وقال: يا حيُّ يا قيُّوم لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث؛ أعطاه الله من التمكين ما لا يعلمه إلا الله".
دعاء الجمعة الأخيرة من رجب.. فرصتك لفتح أبواب الرحمة والمغفرة دعاء الفجر: لحظة مناجاة مع الله في بداية كل يوم-اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت الله لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك يارب العالمين. - عن عبدالله بن عباس، أن رسول لله صلى لله عليه وسلم كان اذا قام الى الصلاة من جوف الليل يقول: (اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والارض ولك الحمد أنت قيوم السماوات والارض ولك الحمد أنت رب السماوات والارض ومن فيهن أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك امنت و عليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت واليك حاكمت فاغفر لى ماقدمت وأخرت وأسررت وأعلنت أنت إلهى لا إله الا أنت).
- (اللهم اجعلْ في قلبي نورًا، و في سمعي نورًا، و عن يميني نورًا، و عن يساري نورًا، و فوقي نورًا، و تحتي نورًا، و أمامي نورًا، و خلفي نورًا، و أعظِمْ لي نورًا اللهم اجعلْ لي نورًا في قلبي، و اجعلْ لي نورًا في سمعي، و اجعلْ لي نورًا في بصري، و اجعلْ لي نورًا عن يميني، و نورًا عن شمالي، و اجعلْ لي نورًا من بين يديَّ، و نورًا من خلفي، وزِدْني نورًا، و زِدْني نورًا، و زِدْني نورًا). - لا إله إلّا الله الملك الحقّ المبين، لا إله إلّا الله العدل اليقين، لا إله إلّا الله ربّنا وربّ آبائنا الأوّلين، سبحانك إنّي كنت من الظّالمين، لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير، وإليه المصير، وهو على كلّ شيءٍ قدير، لا إله إلّا الله إقرارًا بربوبيّته، سبحان الله خضوعًا لعظمته، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
- اللهمّ يا نور السماوات والأرض، يا عماد السماوات والأرض، يا جبّار السماوات والأرض، يا ديّان السماوات والأرض، يا وارث السماوات الأرض، يا مالك السماوات والأرض، يا عظيم السماوات والأرض، يا عالم السماوات والأرض، يا قيّوم السماوات والأرض، يا رحمن الدّنيا ورحيم الآخرة . - اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد، لا إله إلّا أنت الحنّان المنّان، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام برحمتك يا أرحم الرّاحمين. بسم الله أصبحنا وأمسينا، أشهد أنّ لا إله إلّا الله وأنّ محمّدًا رسول الله، وأنّ الجنّة حق، والنّار حق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور.
- الحمد لله الّذي لا يُرجى إلّا فضله، ولا رازق غيره، الله أكبر ليس كمثله شيء في الأرض، ولا في السّماء، وهو السّميع البصير، اللهمّ إنّي أسألك في صلاتي ودعائي بركةً تطهّر بها قلبي، وتكشف بها كربي، وتغفر بها ذنبي، وتصلح بها أمري، وتُغنى بها فقري، وتذهب بها شرّي، وتكشف بها همّي وغمّي، وتشفي بها سقمي، وتقضي بها ديني، وتجلو بها حزني، وتجمع بها شملي، وتبيّض بها وجهي يا أرحم الرّاحمين. اللهمّ إليك مدّت يدي، وفيها عندك عظمت رغبتي، فاقبل توبتي، وارحم ضعف قوّتي، واغفر خطيئتي، واقبل معذرتي، واجعل لي من كلّ خيرٍ نصيبًا وإلى كلّ خيرٍ سبيلًا.
- (اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الكَسَلِ والهَرَمِ، والمَأْثَمِ والمَغْرَمِ، ومِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وعَذابِ القَبْرِ، ومِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وعَذابِ النَّارِ، ومِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى، وأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ الفَقْرِ، وأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطايايَ بماءِ الثَّلْجِ والبَرَدِ، ونَقِّ قَلْبِي مِنَ الخَطايا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وباعِدْ بَيْنِي وبيْنَ خَطايايَ كما باعَدْتَ بيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ). - (اللهمَّ مالكَ الملكِ تُؤتي الملكَ مَن تشاءُ، وتنزعُ الملكَ ممن تشاءُ، وتُعِزُّ مَن تشاءُ، وتذِلُّ مَن تشاءُ، بيدِك الخيرُ إنك على كلِّ شيءٍ قديرٌ . - (رحمنُ الدنيا والآخرةِ ورحيمُهما، تعطيهما من تشاءُ، وتمنعُ منهما من تشاءُ، ارحمْني رحمةً تُغنيني بها عن رحمةِ مَن سواك).