بوب ديلان: الصوت الذى شكّل ثقافة الستينيات
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
أثناء دراستى للأدب فى كندا، قدّم لى زملائى أغانى بوب ديلان. فى البداية، كانت موسيقى وكلمات ديلان بعيدة عن ذهنى، ولكن بعد سنوات من الاستماع والتأمل، بدأت أستمتع بالرسائل الاجتماعية والسياسية التى كانت تلتف حول أغانيه، فتبين لى أنها كانت أكثر من مجرد موسيقى؛ كانت أشكالًا من الاحتجاج والأمل والتغيير.
بدأت مسيرة بوب ديلان الفنية فى أوائل الستينيات، حيث كانت أغانيه بمثابة صرخة ضد الظلم، وشهدت انطلاقته تزامنًا مع الحركات المناهضة لحرب فيتنام، إلى جانب مطالبات الحقوق المدنية فى أمريكا.
وفى عام 1964، شهدت مسيرته تحولًا جذريًا، إذ بدأ فى استخدام القيثارة الكهربائية، مما دفعه للانتقال من موسيقى الفولك إلى الروك التى أصبحت تعبيرًا مباشرًا عن مشاعر الشباب الأمريكى وأحلامهم فى ذلك الوقت. هذه النقلة جعلت موسيقاه تنبض بالحياة، وتزيد من تأثيرها على الشارع الأمريكى والعالمى.
اليوم، وفى 25 ديسمبر الحالى، يعرض فى الولايات المتحدة فيلم «مجهول تمامًا» للمخرج جيمس مانغولد، الذى يتناول قصة بوب ديلان استنادًا إلى كتاب «قيثارة ديلان الكهربائية والليلة التى غيرت تاريخ الستينيات» للمؤلف إى. والد. يعرض الفيلم حياة ديلان منذ وصوله إلى نيويورك عام 1961 حتى العرض الشهير فى مهرجان نيو بورت الشعبى عام 1965.
ربما يكون من الصعب تجسيد شخصية مثل ديلان، الذى ظلت طوال مسيرته تتحدّى التعريف والتصنيف والتحديد، وهذا ما أكده ريتشارد ف. توماس، أستاذ الكلاسيكيات فى حديثه مع مجلة «هارفارد غازيت»: «من الصعب تقييم صوت ديلان بشكل دقيق، فموسيقاه تتغير فى كل عرض، وهو يهتم بتقديم الأغنية بشكل حى وجديد، مما يبدد توقعات الجمهور». وأضاف: «ما يميز ديلان هو استمراريته وتجدده، فهو لا يتوقف عن إبداع أعمال جديدة، ومهما مضت الأعوام، تبقى موسيقاه حية وقادرة على لمس أعماق الناس».
أعتقد أنّ قيمة أغانى بوب ديلان تكمن فى أن كلماته صرخة فى وجه الظلم، وألحانه رسائل من مناهضة الحروب والكفاح من أجل تحقيق الحرية والعدالة. كانت موسيقاه ولا تزال مرشدًا للأجيال فى فترات الاضطراب، ويظل تأثيره حيويًا فى توجيه الفنانين نحو التعبير الصادق والحر. وبالنظر إلى إرثه، يمكننا القول إن بوب ديلان سيظل جزءًا من الروح الثقافية الأمريكية التى ما زالت حية فى وجدان كل من يسعى للتغيير.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: بوب دیلان
إقرأ أيضاً:
سيرة أمير العمرى المُدهشة (1-3)
أنا واحد مَمن يُفضلون قراءة التاريخ من مسارات مُغايرة للمسار السياسى التقليدي، لذا فإن كُتب السير الذاتية للمُثقفين تُعد فى رأيى رافدا مُهما وحياديا للاطلال على تاريخنا المُعاصر. ومما كان لافتا ومشوقا فى الأيام الأخيرة، تلك السيرة العجيبة للناقد السينمائى الكبير أمير العمري، والتى صدرت مؤخرا عن دار نظر للمعارف بالقاهرة وحملت عنوان « الحياة كما عشتها».
وأمير العمرى واحد من أفضل النقاد السينمائيين العرب، إذ قضى نحو خمسة عقود مُتنقلا بين مهرجانات السينما العالمية، مُحللا، ومفككا، ومُطلعا، ومتابعا لحركات الفن العالمية، مُتخذا من العاصمة البريطانية لندن مستقرا.
وقد عرفناه صحفيا عتيدا فى كبرى وسائل الإعلام بدءا من هيئة الإذاعة البريطانية «بى. بى. سي» مرورا بالحياة اللندنية، والقدس العربي، وصحيفة العرب، وغيرها، فضلا عن رئاسة مهرجان القاهرة السينمائى.
والمثير أن سيرته تتجاوز سيرة ناقد سينمائى لترصد تحولات كبرى فى عالم الصحافة والاعلام العربي، وتقدم حكايات مشوقة وحصرية عن شخصيات سياسية، وفنية، وإعلامية معروفة، تتسم بنبرة الصراحة التامة.
إن أول ما يلفت نظرنا فى حكاية الناقد المولود فى 1950 بمدينة المنصورة، هو ذلك التنوع العجيب الذى شكل شخصيته، بدءا من والده مهندس المساحة الوفدي، الذى تنقل من مدينة إلى مدينة ليتعرف على محيطات مجتمعية مختلفة، ودراسته العميقة للطب وتفوقه فيه ثم تعيينه طبيبا فى أقاصى الصعيد، وانتقاله لاحقا من قرية إلى قرية، وصولا إلى صداقاته وعلاقاته الوطيدة بالمثقفين والمبدعين ومجانين الكتابة فى مصر الستينات والسبعينات.
كانت المنصورة وقتها مميزة بوجود جالية أجنبية كبيرة يغلب عليها الطليان، الذين أسسوا دور سينما عديدة واهتموا بعرض أحدث الأفلام. وهُنا أحب الفتى الصغير، السينما وارتبط بها، وسعى للالتحاق بمعهد السينما بعد إتمامه الثانوية، لكن رضخ لرغبة والده وإلحاحه بدراسة الطب. كان يشعر بأنه يُسدد دينا لوالديه، وظل طوال سنوات الدراسة متعلقا بالسينما ومديرا لنادى ثقافى أسسه مع بعض الشباب لمتابعتها. وبعد أن جرب حظه فى العمل طبيبا فى أسيوط والقاهرة، ثم عمل طبيبا فى الجزائر بمدينة بسكرة، وجد أن مهنة الطب لا تُرضى طموحه، فغادرها تماما بعد وفاة والديه حيث رحلت أمه فى 1971، ووالده فى مطلع الثمانينات، وأنهى عمله بالجزائر وسافر إلى لندن ليبدأ حياة جديدة.
فى لندن كان هناك عالم جديد للصحافة والاعلام يتشكل مع تحولات السياسة العربية فى ذلك الوقت. كان ألمع عقول العالم العربى الفكرية يعملون فى صحف ممولة من العراق وليبيا والسعودية وغيرها، وتعرف أمير بكثير من النجوم اللامعين كان منهم عماد أديب، هالة سرحان، عمرو عبد السميع، أمجد ناصر، صبرى حافظ، عثمان عمير، منى غباشي، أحمد الهوني، مجدى نصيف، وجميل مروة، وغيرهم.
وهو يقدم لنا حكايات عجيبة جدا عن هؤلاء وغيرهم ممن شهد بداياتهم وهم مفلسون، حالمون، أنقياء، ثُم تحولوا فى زحام لندن وسحرها إلى ملوك وسماسرة ومليارديرات. يتذكر أمير جيدا وجه الشاب الطموح الذى طُرد من إحدى مجلات «الحياة اللندنية» لاتهامه بمخالفات مالية، ثُم رآه بعد سنوات معروفا بالملياردير إيهاب طلعت.
كما يتذكر كيف كان هناك صحفى فلسطينى متواضع الحال، ومتخصص فى الصحافة الرياضية واسمه عبد البارى عطوان، تعرض للبطالة فجأة بعد استغناء الشرق الأوسط عنه، وظل شهورا بلا عمل حتى عرف باعتزام منظمة التحرير الفلسطينية اصدار صحيفة فى لندن، فساق كل علاقاته توسطا ليتولى إدارتها. ثم يذكر كيف قرر الناشر الفلسطينى إقالة عبد البارى عطوان بسبب موقف الصحيفة المناصر لصدام حسين خلال احتلاله الكويت، لكن «عطوان» تمكن بفضل تهديد عدد من أنصاره بالانسحاب من العودة مرة أخرى، وظل فى موقعه حنى 2013.
وللحكايات بقية..
والله أعلم
[email protected]