عندما تحرق الكتب من أجل رغيف الخبز!
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
«منذ الأيام الأولى مِن الحربِ وأنا أكره سؤال: كيفَ الحال؟ لأنَّ الحالَ يزدادُ سوءًا، والأمور تتدحرجُ إلى الموت، وبعد أشهر طالَتني انعكاساتٌ ثقيلة، فنضجتُ بشكلٍ قسري، وتحولَتْ اللحظة التي أشعرُ فيها بأهميةِ سردِ آلامي وشرحِ أحوالي للآخرين، لأكثرِ لحظةٍ يَتحتّمُ عليّ فيها الصّمت. فكان صمتي أعلى من صوتي».
وإذا كان اسم د. محمود عساف معروفًا بسبب مؤلفاته الكثيرة والمتنوعة، وبسبب الجوائز التي نالتها تلك المؤلفات، إلا أنّ اسمه قفز إلى (ترند)، بسبب منشوره بتاريخ 16 نوفمبر 2024، الذي أعلن فيه أنّ شخصًا لديه فرن، عرض عليه شراء ما تبقى من المكتبة لأغراض الخَبز على النار، واشترط أن يكون الدفع (تطبيقًا بنكيًّا) وحتى ليس نقدًا، يقول: «ومنذ تلك اللحظة وكأني أقيم كلّ المآتم في قلبي، لكن يبدو أني سأضطر للموافقة لضيق الحال.. ليتني متُّ قبل هذا».
يبدو أنّ صاحب الفرن بحث بديلًا عن الغاز والحطب، فلم يجد إلا فكرة شراء مكتبة عساف لتكون الكتب المتبقية فيها وقودًا للنار؛ إذ إنّ أهل غزة لجأوا أمام التحديات إلى حلول مبتكرة ليواجهوا بها متطلبات الحياة اليومية، وهذا ما أشار إليه الإعلامي الفلسطيني محمود العمودي أبو صلاح صاحب مقاطع الفيديو التي تبث الأمل في أهل غزة، الذي صوّر في إحدى مقاطعه أهل غزة وقد عادوا إلى استخدام أفران الطين في الخَبر والطبخ وحفظ ماء الشرب، وفي استخدام الفخاريات في الإنارة بديلًا عن الكهرباء والوقود، في شرح دقيق لمعنى «الحاجة أم الاختراع».
بالتأكيد إنّ كلَّ ما يحدث في غزة مؤلم، ويترك بصماته على كلّ تفاصيل الحياة، فلا أصعب للمرء أن يفقد أهله وذويه وبيته وكلّ شيء، ولكن أن يصل الأمر إلى عرض شراء ما بقي من الكتب لتكون وقودًا للخَبر والطبخ، فالأمر مؤلم أكثر؛ وعشاقُ الكتب يعرفون حقيقة مشاعر د. عساف، الذي ذكر للزميل سليمان المعمري في برنامج «نوافذ ثقافية» يوم الثلاثاء 26 نوفمبر 2024، أنه قضى في هذه المكتبة وبين تلك الكتب أجمل أيام عمره، لذا كان عرض البيع «كأنه يذهب إلى الانتحار»؛ فالمكتبة - كما قال - «ساهمت كلها أو بعضٌ منها في صناعة شخصياتنا وتفكيرنا وفي تغذيتنا الفكرية، فلنا معها ذكريات كالأهل».
وأتصور أنّ الزميل سليمان المعمري وفِّق في استضافته للباحث والكاتب الفلسطيني د. محمود عساف، الذي تحدّث عن يومياته في غزة وعن قصة عرض بيع المكتبة، وعن الجوائز التي نالها الكاتب وعن كثير من الأمور، في دلالة واضحة على الإعداد الجيد للحلقة، وهو ما تناوله سليمان في مقاله بجريدة عُمان تحت عنوان «البث المباشر وتوقف المصعد»، عن أهمية الإعداد الجيد للحلقات، نُشر يوم الأحد الأول من ديسمبر 2024؛ فاختيار الضيف والتوقيت والإعداد الجيد أعطت قيمة للحلقة بما حوته من معلومات عن الكاتب ومؤلفاته وعن المأساة اليومية التي يعيشها أهل غزة، ويكفي أنّ سليمان أحس بوجع الكاتب في منشور بيع المكتبة.
وإذا أخذنا جولة في المكتبة فإنّ عمرها الآن 35 سنة، تحوي ثلاثين ألف عنوان، وآخر تحديث لها - حسب عساف - كان في يناير 2023، حيث أضيف لها 250 كتابًا جديدًا من معرض القاهرة الدولي للكتاب. ويتذكر عساف أنّ أول كتاب كان هدية من أمه رحمها الله، حين حصل على المرتبة الثانية على قطاع غزة في امتحان السادس الابتدائي، وكان 4 مجلدات من كتاب «إحياء علوم الدين» للإمام أبي حامد الغزالي، لإيمانها العميق بأنّه «ليس من الأحياء من لم يقرأ الإحياء» المقولة الشهيرة في توضيح أهمية هذا الكتاب. ويقول عساف إنّ ما زاد من وجعه أكثر، أنّ الحدث تزامن مع حصوله على المرتبة الثالثة ضمن أعلى عشرة مؤلفين الأكثر تأثيرًا عربيًّا في مجال العلوم التربوية، حسب التقرير السنوي لمعامل التأثير (أرسيف) للعام 2024.
تعليقًا على منشور د. عساف، تناول غيرُ واحد مصير مكتبته التي صارت وقودًا للنار، بعد أن اضطروا لحرقها جميعًا لإشعال أفران الطين، بما في ذلك شهادات التقدير والدروع التذكارية، ومن ذلك مثلًا أنّ أحدهم علق على المنشور بقوله: «لا تحزن يا دكتور ولا تبع. لقد جمعتُ خلال أربعين عامًا مكتبة تزخر بالكتب الدينية والتربوية، تضاهي مكتبة كلية، وللأسف مع الحرب الملعونة تم نسف منزلي، وأصبحت الكتب غنيمة للجهلة لحرقها في أفران الطين»، فيما أكد آخر: «لقد قمتُ بحرق كلّ الكتب الموجودة عندي منذ بداية الحرب على غزة، لأخبز الخبز لي ولعائلتي، والله المستعان»، لكن المؤسف أن يصل الحال بسبب الأوضاع المأساوية واليأس أن يطلب أحدهم من الدكتور البيع: «بيع، ولسه هنبيع أكثر من هيك، حتى لو جاؤوا يشترون الوطن بعه، لقد انتهى كلّ شيء ممكن أن يكون له قيمة في حياتنا، حتى حياتنا نفسها لم تعد لها قيمة، وليس أمامك إلا أن تبيع وتبيع وتبيع»، فيما نصحته إحدى المعلقات: «إنْ كان بالإمكان، صَوِّرْ الكتب وأرشفها ثم بعها يا دكتور؛ فحياتُكم وحياةُ أولادكم أغلى من كلِّ شيء»، وكتب معلق آخر: «لا تحزن ولا تقلق، إذا صار الإنسان في غزة يُباد بدون أن يُحرِّك ذلك ضمير الإنسانية في العالم، فما قيمة الكتب الورقية والأشياء الأخرى؟!»، وعارض أحدهم الآراء السابقة بقوله: «لا تبع كتبك، لأنّ الفران سيحرقها ليصنع بها الخبز وتتغدى بها البطون عدة أيام.. ولكن لو أبقيتها ستتغدى بها العقول سنوات وسنوات». وتعكس هذه التعليقات والقصص واقعًا مريرًا يعيشه أهل غزة، بدءًا من الفكر والإبداع وصولًا إلى أبسط ضروريات الحياة.
إنّ قصة د. محمود عساف واحدة من القصص المؤلمة ضمن ملايين القصص التي ستُروى يومًا ما عن مأساة غزة؛ فالمكتبة ليست مجرد رفوف الكتب بقدر ما هي روح ورمز وثقافة مالكها، كما أنّ مقتنيات الإنسان من الصعب الاستغناء عنها، فكيف بالكتب؟!؛ ومأساة غزة جعلت كلّ شخص هناك مشروع رواية مؤلمة، وكلّ بيت هو الآخر قصة مأساوية. ونحن نعيش قصة أخرى ستُروى يومًا ما عن خذلان الأنظمة العربية لإخواننا في فلسطين وعجزنا نحن عن المناصرة، حتى أصبحنا نخجل من طلب السماح من إخواننا هناك، وهم الفئة التي اصطفاها الله واختارها بين الأمم، وإن تعجب فإنك تعجب من ثبات أغلبهم ومن قوة إيمانهم، رغم كلّ ما أصابهم من بلاء، لدرجة أننا أصبحنا نشك في صحة إيماننا. ويبقى أنه حتى في وسط هذا الظلام، سيبقى العقل الفلسطيني متوقدًا، حتى لو أحرقت ملايين الكتب، وستبقى جذوة المقاومة مشتعلة، طالما هناك جيل تربى على الإيمان ودفع ثمن التضحيات، وهذا ما يؤكده التاريخ.
حقيقة أنا لا أدري هل قادة الحكومات العربية على علم بما يجري في غزة؟! وهل لم تصلهم صيحة «وامعتصماه» التي انطلقت من هناك؟ فها نحن نذكّرهم ببيتي شعر قالهما الشاعر عمر أبو ريشة، لعل وعسى:
رب وامعتصماه انطلقت / ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها / لم تلامس نخوة المعتصم
والحقيقةُ أنّ حال غزة وأهلها لا يحتاج إلى سؤال، فهذا هو الحال.!
زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أهل غزة فی غزة د عساف
إقرأ أيضاً:
توفير الكتب والمناهج الإلكترونية| كيف استعدت التعليم لبدء الترم الثاني غدا ؟
كيف استعدت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني لبدء الترم الثاني في المدارس غدا ؟ .. سؤال يشغل بال الكثير من الطلاب وأولياء الامور الان.
من جانبها كشفت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني عن تفاصيل استعدادات بدء الترم الثاني 2025 في المدارس غدا والتي تمثلت في :
- الانتهاء من جميع أعمال الصيانة البسيطة في المدارس وجاهزيتها لإستقبال الطلاب وخلوها من أي مشكلات قد تهدد أمنهم وسلامتهم
- صيانة المعامل والورش وكافة التجهيزات والمعدات الفنية والتأكد من صلاحيتها لتدريب الطلاب وتوفير الخامات اللازمة لتدريب الطلاب من خلال البنود المالية المخصصة لها
- نظافة المدارس من الداخل والخارج ومكافحة الباعة الجائلين والتأكد من سلامة أغطية الصرف حال تواجدها بمحيط المدرسة ورفع أي مخلفات توجد في محيطها
- التأكد من وصول الكتب المدرسي للمدارس في جميع المراحل التعليمية
- إعداد خطط المتابعات الميدانية للقيادات الإدارية والتوجيه الفني بالإدارات التعليمية والمديرية داخل المدارس حرصا على انتظام سير العملية التعليمية بالمدارس
- إلزام المدارس بتفعيل جداول الاشراف اليومي وخاصة عند بدء اليوم الدراسي والفسحة المدرسية وموعد انصراف الطلاب من المدرسة حفاظا على تأمين الطلاب وسلامتهم ولا يسمح بخروج أي من العاملين بالمدرسة إلا من خلال تصريح كتابي
- تفعيل دور وحدات التواصل والدعم للمعلمين بالمديرية
- التواصل والتنسيق مع الإدارة العامة للأمن والإدارة العامة لإدارة الأزمات والكوارث والحد من المخاطر بالوزارة والابلاغ عن أي مخالفات أخلاقية لضمان استمرارية المؤسسة في تنفيذ اعمالها بكفاءة وفعالية دون حدوث اضرار او اعطال
- تنفيذ تعليمات الأمن المستدامة بما يضمن الحفاظ على سلامة أبنائنا الطلاب وكافة العاملين بها والتواصل مع فروع الهيئة العامة للأبنية التعليمية بشكل دائم
- الاطمئنان على استعدادات وتجهيزات المدارس الثانوية والتأكد من تزويدها بالشبكات السلكية و اللاسلكية مع التوظيف الفعال لاستخدام السبورات والشاشات الذكية بجميع المدارس المجهزة بها
- تحميل جميع المناهج الالكترونية والتفاعلية الخاصة بالفصل الدراسي الثاني من الموقع الرسمي الخاص بالوزارة على الموقع الالكتروني لكل مديرية تعليمية لإتاحتها لجميع الطلاب
تفاصيل الخريطة الزمنية لـ الترم الثاني 2025 في المدارس يبدأ الترم الثاني 2025 في المدارس السبت 8 فبراير 2025 تعقد امتحانات شهر مارس 2025 بدءا من الأحد 9 مارس وحتى الأحد 16 مارس 2025 تعقد امتحانات شهر ابريل 2025 بدءا من الثلاثاء 22 ابريل حتى الأربعاء 30 ابريل 2025امتحانات الترم الثاني 2025 لصفوف النقل بدءا من الصف الثالث الابتدائي وحتى الصف الثاني الثانوي العام بدءا من السبت 24 مايو حتى الخميس 29 مايو 2025.امتحانات الترم الثاني 2025 لطلاب الشهادة الإعدادية بدءا من السبت 31 مايو حتى الأربعاء 4 يونيو 2025.امتحانات الدبلومات الفنية 2025 تبدأ يوم السبت الموافق 31 مايو 2025امتحانات الثانوية العامة 2025 تبدأ يوم السبت الموافق 14 يونيو 2025.جدير بالذكر أنه كانت قد انتهت أمس الخميس 6 فبراير 2025 إجازة نصف العام 2025 لطلاب المدارس الحكومية والرسمية والرسمية للغات والخاصة والخاصة للغات الموجودة على مستوى الجمهورية ، ومن المقرّر رسميًا أن يكون موعد بداية الترم الثاني 2025 في مصر لطلاب المدارس سيكون غدا السبت الموافق 8 فبراير 2025.
وأصدرت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني ، قرارات عاجلة يتم تنفيذها في المدارس خلال الترم الثاني 2025 المقرر انطلاقه من السبت القادم.