جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-22@22:15:26 GMT

الوقف في ظفار

تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT

الوقف في ظفار

 

د. عبدالله باحجاج

يقف وراء فتحنا لهذا الملف ما علمناه عن حالات مُهددة بقطع خدمتي الكهرباء والمياه، واتصالنا بالأخ أحمد بن سالم كشوب رئيس فريق صلالة الخيري للاستفسار عن دور الفريق الخيري في مُساعدة مثل هذه الحالات، وكم تفاجأت بأنَّ لديهم قائمة من هذه الحالات لن يتمكنوا من تغطيتها كاملة.

قضيت ليلتي تلك، أحمل هَمَّ هذه القضية من حيث مآلاتها التراجيدية والبحث عن حلول مُستدامة لها من خارج التفكير الاعتيادي؛ إذ لا بُد من إيجاد حلول لتأمين مثل هذه الخدمات الأساسية.

وقد أنصب تفكيرنا في البحث عن بديل من خارج دور الحكومة في التأمين، رغم ما قد يتحجج البعض بمسؤوليتها فيه، وهذا ليس مختلفاً عليه، لكن لا ينبغي أن نترك هذه الحالات في تراجيديتها لوحدها، ومن الضروري المسارعة إلى إيجاد حلول فورية.

اهتدى التفكير إلى الوقف؛ كحلٍ مُؤقَّتٍ ينبغي الرهان عليه، على الأقل حتى تنتهي المبررات التي تجعل الحكومة منذ عام 2020 تتخذ سياسات مالية مؤثرة على المجتمع لمواجهة العجز المالي للبلاد. وبمجرد أن أدرنا محرك البحث "جوجل" حتى عثرنا فورًا على تصريحات مسؤول كبير بشأن الوقف في ظفار، تجعلنا ندعم بها فكرة المقال الأساسية. في هذا التصريح وجدنا أنَّ هناك 315 وقفًا في صلالة مُتعدد الفئات، من عقارات ومبانٍ ومزارع ومحال تجارية (باستثناء المحال التجارية التابعة للمساجد) وأراضٍ بيضاء.

وتضمَّنت هذه التصريحات حجم إيرادات بعض مشاريع الوقف، مثلًا عن إيراد بنايتين، الأولى على مساحة 11 ألف متربع مربع، عائدها السنوي 12 ألف ريال، والأخرى على مساحة 1500 متر مربع عائدها في المرحلة الأولى 5 آلاف ريال، دون تحديد مدتها الزمنية، والمرحلة الأخيرة سيرتفع الإيراد إلى 33 ألف ريال؛ وهذه قفزة سعرية مكوكية. فيما علمت من الأخ أحمد كشوب عن إيراد بناية بعائد 65 ألف ريال. هذه مجرد 3 نماذج أو نموذجين فقط من إيرادات الأوقاف في ظفار، تُدلِّل على وجود مصادر محلية يُمكن أن يُحل بها الكثير من المشاكل الاجتماعية القديمة والجديدة، من بينها ضمانة خدمات أساسية كالكهرباء والمياه والتعليم.. إلخ.

فما نصيب المؤسسات الخيرية في صلالة من هذه الأموال؟ خاصة بعدما علمنا أن الوقف في حالات يكون مُقيدًا بأوجه إنفاق مُحدَّدة، كإحدى البنيات الكبيرة والتي قُيِّد توزيع ريعها بشرطين هما: توزيعه على الفقراء وطلاب الجامعات، وكذلك على من يثبُت عجزه عن دفع فاتورتي المياه والكهرباء، وأي أسرة لا تتمكن من تعليم أبنائها بعد الدبلوم العام هي كذلك. وبالتالي فإنَّ التفكير ينبغي أن يذهب نحو استفادة المؤسسات الخيرية من ريوع الوقف، وأن تكون هناك معايير حاكمة لها بإشراف اللجنة الاجتماعية التابعة لمكتب سعادة والي صلالة وشركاء الوقف في ظفار.

وما يستوجب التشديد عليه هنا أنَّ العائد الاستثماري لبعض المزارع والأراضي الوقفية تتحتم إعادة النظر فيه؛ فهي قد مُنِحَتْ منذ عقود وبسعر زهيد جدًا، ولم يطرأ عليها التعديل الذي يخدم أغراض الوقف في زمنه المعاصر واحتياجاته الاجتماعية المتزايدة. وكل من يطَّلع على بعضها ستصيبه الصدمة برسوم استثماراتها الضعيفة، وقد بدا وضعها وكأنها قد أصبحت بمثابة مُلك خاص لمستثمريها من أفراد ونخب وشركات؛ ولذلك أصبحت القضية الآن كيفية تعظيم موارد رسوم الاستثمار للأوقاف القديمة.

لقد عرفت بلادنا الوقف عبر تاريخها الطويل، منذ زمن الدولة الإسلامية، وُوظِّفَت لصالح المجتمع، وكانت هناك أوقاف عامة للفقراء، وأخرى نوعية مثل التعليم والاعتناء بالمؤسسات الدينية والمعالم التاريخية والبيئة وحتى إطعام الطيور. ومن هنا، نُراهِن على مستقبل الوقف وبيت المال في خدمة كل الاحتياجات الاجتماعية بعد التحولات البنيوية في دور الحكومة الجديد، وينبغي كذلك فتح النقاش حول مستقبل الوقف في كل محافظة، وظفار نموذجًا، بعد إنشاء مؤسسة وقفية وطنية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي.

وهنا يتوَّلد تساؤلٌ توضيحي وهو: هل ستُدار هذه المؤسسة مركزيًا أم لا مركزيًا؟

إنَّ نظرتنا لهذه المؤسسة الوطنية أنها ينبغي أن تَصنع إطارًا تكافليًا مُستدامًا بين الحكومة والمجتمع، ومن منظور كل محافظة، وبتعاون شركاء إدارة الوقف الحكومية والرسمية؛ كالمؤسسات الوقفية ووكلاء الأوقاف ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية عبر مديرياتها في المحافظات.

وهذه اللامركزية هي التي ستُشجِّع على تدفق الأموال من المجتمعات المحلية واستثمارها، ومن ثم توزيعها، في إطار التراب لكل محافظة؛ لدواعي الأبعاد السيكولوجية لأصحاب العقارات والأموال السائلة، الذين تغلب عليهم ثقافة رؤية أموالهم تُنفَق أمام أبصارهم. والأهم هنا أن هناك أموالًا وقفية ينبغي التفكير في مدى انفتاحها على حل المشاكل الاجتماعية الجديدة وغير التقليدية واستثمارها في مشاريع إنتاجية، تُوفِّر فرص عمل ومن منظور اللامركزية وفي إطار التكاملية. ونقترح على مكتب الوالي الدعوة إلى تنظيم ملتقى لشركاء الوقف في ظفار، في ضوء توجهات الدولة لتحقيق الاستدامة المالية للأوقاف وبيت المال، ولدواعي انعكاساتها الاجتماعية المتعددة؛ بما فيها توفير فرص عمل دائمة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مبادرة توطين 40 ألف زريعة من الصفيلح في محافظة ظفار

العُمانية: يُنفذ مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار التابع للمديرية العامة للبحوث السمكية بوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، مبادرة توطين 40 ألف زريعة من أذن البحر "الصفيلح"؛ ضمن أعمال البرنامج الدوري لتعزيز المخزون الطبيعي للصفيلح العُماني، والحفاظ على الموارد البحرية وتحقيق استدامة المصائد السمكية، إذ تشمل المبادرة المناطق الرئيسة للصيد في مرباط وسدح وحدبين وحاسك، بعد انتهاء موسم صيد الصفيلح مباشرةً للعام 2024م.

وقال المهندس سالم بن أحمد الغساني مدير مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار في حديث لوكالة الأنباء العُمانية: تعكس هذه المبادرة إدراك الوزارة أهمية أذن البحر كونه عنصرًا أساسيًّا في النظام البيئي البحري وموردًا اقتصاديًّا وثقافيًّا، إذ يُسهم تعزيز المخزون الطبيعي في معالجة مشكلات انخفاض أعداد أذن البحر الناجمة عن الصيد الجائر وتدهور الموائل الطبيعية، مما يعزز استدامة هذا المورد للأجيال القادمة.

وأضاف أن الصفيلح مصدر مهمٌّ للتنوع البيولوجي، ويقوم بدور في دعم التوازن البيئي للشعاب المرجانية، إلى جانب قيمته الاقتصادية العالية، خاصةً في الأسواق الآسيوية، ما يجعل استدامته ضرورة لدعم مصادر الدخل للصيادين المحليين والمجتمعات المرتبطة بهذا القطاع.

وحول أهداف مبادرة برنامج تعزيز المخزون الطبيعي وتوطين زريعة الصفيلح العُماني، وضح مدير مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار أنّ البرنامج يهدف إلى الإسهام في استدامة المخزون الطبيعي للصفيلح في المناطق المستهدفة من خلال توطين زريعة صفيلح مُنتجة في محطة الاستزراع السمكي بولاية مرباط وتوزيعها على مناطق الصيد في محافظة ظفار، مبيّنًا أن هذه الزريعة تُنتج عن طريق تحفيز أمهات الصفيلح للتكاثر في الأحواض، ثَمَ تربية الصغار المُنتجة لمدة تصل إلى 8 أشهر قبل استخدامها في أنشطة التوطين.

وتابع أنّ الزريعة المُنتجة تخضع للفحص المخبري للتأكد من خلوّها من مسببات الأمراض قبل توطينها في الطبيعة، ومن المتوقع أنّ تعود هذه الجهود بالفائدة على الصيادين المحليين من خلال زيادة الإنتاجية في المستقبل، إلى جانب دعم الصناعات المتعلقة بتجهيز وتصدير أذن البحر.

ووضّح أنّ هذه المبادرة تُسهم في وعي المجتمع المحلي بأهمية الممارسات المستدامة، مما يعزز روح الشراكة مع الصيادين للحفاظ على الموارد البحرية، بالإضافة إلى توفير الفرصة لجمع البيانات اللازمة لتحسين استراتيجيات إدارة المصائد البحرية في المستقبل.

وعن التحديات التي تواجهها المبادرة بيّن مدير مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار أنه رغم النجاح الأولي للمبادرة، لا تزال هناك تحديات تتعلق بمعدلات بقاء أذن البحر المزروع ما يتطلب تعزيز الجهود لحمايته من المفترسات والضغوط البيئية، إلى جانب استعادة وحماية الموائل الطبيعية التي تعد أساسية لنجاح توطين أذن البحر، مؤكدًا على أنّ تطبيق اللوائح المنظمة للصيد، المتمثلة في تحديد المواسم والأحجام المسموح بصيدها، يعد أمرًا بالغ الأهمية لضمان استدامة هذا المورد، لافتًا إلى أهمية إشراك المجتمعات المحلية في هذه الجهود من أجل تحقيق نجاح مستدام للمبادرة.

وأكد مدير مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار على أنّ توطين زريعة أذن البحر وتعزيز مخزونه الطبيعي يمثل خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية لمصائد في ظفار، خاصةً إذا تزامنت هذه الجهود مع استراتيجيات فعّالة للرصد والحماية، كما يمكن أنّ تصبح المبادرة نموذجًا يُحتذى به في إدارة الموارد البحرية على المستويين الإقليمي والعالمي.

مقالات مشابهة

  • ماذا يفعل القرين عندما تحزن؟.. 7 حقائق ينبغي معرفتها تقيك شروره
  • سوق شاطئ الحافة التراثي.. تجسيد حي للأصالة والمعاصرة (1- 2)
  • دعت إلى التفكير في سبل جديدة.. “الصحة العالمية” تحذر من مخاطر أدوية إنقاص الوزن
  • مبادرة توطين 40 ألف زريعة من الصفيلح في محافظة ظفار
  • ترامب يهدد بالسيطرة على قناة بنما .. لا ينبغي أن تديرها الصين
  • خلافات حفارين..أمن قنا يكشف غموض الهياكل بشرية بمقابر الوقف
  • حكم استثمار أراضي الوقف ببناء وحدات سكنية عليها
  • بيربوك : ينبغي نزع سلاح الجماعات الكردية المسلحة في سوريا
  • خفر السواحل الصيني: نحث الفلبين على الوقف الفوري للانتهاكات والاستفزازات