يمانيون ـ بقلم ـ عبدالرحمن الشيباني
لا يمكن أن تكون إسرائيل دولة متحضرة مهما روَّج الغرب لذلك، واستخدم نفوذة المالي والسياسي والإعلامي من أجل هذا الأمر؛ فخلفيتها الدينية التلمودية التي تدعو إليها في أحقيتها في فلسطين تجافي المنطق والحق والتاريخ، كما أن سلوكها العنصري وفوقيتها تجافي القِيَم الإنسانية وتنسف مبدأ التعايش، في أن يرى شعب ما أو جماعة أو ديانة أنها شعب اختاره الله وفضَّله على خلقه أجمعين، لذلك تتصرف إسرائيل اليوم على هذا الأساس؛ فالجرائم والمجازر المروعة التي فاقت التصور والتي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني واللبناني، لا يمكن أن تخفي تلك الأيديولوجية المتوحشة المتعطشة للدم، يدعمها اليمين المسيحي المتطرف في أمريكا.
لقد صحا العالم اليوم على حقيقة مطلقة أن إسرائيل دولة فوق القانون الدولي وأن ما ترتكبه من فظائع أصبح مُشرعاً له من قِبَل الإمبريالية الأمريكية وحلفائها الغربيين تحت دعاوى “الحق في أن تحمي إسرائيل نفسها”، وتريد هذه الدول أن تقتع العالم بذلك، حتى عندما أصدرت محكمة الجنايات الدولية قرارها التاريخي بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه جالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية انبرت أمريكا تدافع عنهما وتقول إنه قرار مُشين، وقال بايدن أيضاً إنه يرفض القرار رفضاً قاطعاً والمحكمة لا تتمتع بولاية قضائية، والتحقيق الجنائي شابه أخطاء مقلقة..
لكن الأمر كان مُختلفاً بخصوص الرئيس السوداني السابق عمر البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قالت أمريكا “إن القرار كان نقطة قوية للمحكمة ونرحّب به وندعمه”، في حين قالت “إنها ستفي بالتزاماتها القانونية” حيال المحكمة، بينما رفضت فرنسا تطبيق قرار المحكمة الجنائية الدولية، وقال وزير خارجيتها إن نتنياهو محصن، يجب أخذ ذلك بعين الاعتبار (أليست فرنسا عضواً في الاتحاد الأوروبي، والذي قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل القرار ملزم لكل أعضاء الاتحاد) ويجب دعم المحكمة الجنائية الدولية وتجنُّب تقويضها، وذلك في نداء وجَّهه مؤخراً..
هذا يذكّرنا بالتاريخ الفرنسي المخزي تجاه القضية الفلسطينية فقد تخلت فرنسا عن موقفها الذي كان يعتبر الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م شرطاً لقيام السلام في الشرق الأوسط، أما فيما يتعلق بالاستيطان فقد كانت الأخيرة تعارضه باعتباره خرقاً للمواثيق والقرارات الدولية، لكنها تسمح لشركاتها المتخصصة بالبناء للعمل في الأراضي المحتلة، ناهيك عن الدعم الكبير في بناء مفاعل ديمونة النووي الذي كان لفرنسا الدور الأبرز في إنشائه كقوة ردع لإسرائيل أمام محيطها العربي الذي يتربص بها كما تقول، أما ألمانيا النازية فذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك عندما علَّقت وزيرة خارجيتها أنالينا بيربوك بأن من حق إسرائيل قصف المدنيين، وأنها أي ألمانيا ستدرس أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ووزير دفاعه، لكن على ما يبدو أن الأخيرة تريد الظهور بأنها تمسك العصا من الوسط، غير أن قول أحد الساسة الألمان إن أمن إسرائيل هو جوهر السياسة الخارجية الألمانية ينسف ما تقوله بأنها “تدرس قرار المحكمة الدولية”.. إنها مراوغة مكشوفة وعُقدة التاريخ المزيفة التي لا تستطيع ألمانيا التخلص منها..
إذا كلّ هذا الدم المسفوح، وأمريكا والغرب عموماً يرونه طبيعياً طالما كانت إسرائيل تقف خلفه، أليس ذلك يمثل انحطاطاً للحضارة الغربية التي تدَّعي القِيَم؟.. إنه تاريخ طويل من بؤس هذه الحضارة المتشظّية المنهَكة بتغذية الحروب في دول شتى من العالم، لم يكن من المستغرب إذن أن يبشر للرئيس الأمريكي “المنتخب” ترامب عهده الجديد بمواصلة ما قدمه بايدن المنتهية ولايته قريباً من خلال التعيينات التي سيصدرها فريق إدارته في البيت الأبيض؛ وجُل هذه القرارات المرتقَبة تأتي لشخصيات يهودية متصهينة حتى النخاع، وهو تقليد سبقه بايدن فيه أيضاً الذي يقول إن دعم بايدن لم يكن كافياً، كما توعد بتوسعة مساحة إسرائيل الذي قال إنها صغيرة..
ولعل بيت هيجسيث، الذي اختاره ترامب لوزير الدفاع، دليل على أن إدارة البيت الأبيض الجديدة ماضية في عِدائها للعرب وحقوقهم المشروعة.. هيجسيث معروف بعِدائه للعرب، ويؤكد مراراً على دعمه الثابت لإسرائيل، ويقارن المناخ الجيوسياسي الحالي بالحروب الصليبية في القرن الحادي عشر في كتابه، الحملة الصليبية الأمريكية: معركتنا من أجل الحرية، بل ويدعو إلى “حملة صليبية” ضد هجرة المسلمين، بحجة أنها تهدد القِيَم “اليهودية المسيحية”، ويصف تزايد عدد السكان المسلمين بأنه غزو ثقافي، ويصف هيجسيث الإسلام بأنه غير متوافق مع السلام، ويصف الدول ذات الأغلبية المسلمة بأنها معادية للمسيحيين واليهود، وألمح إلى الاستعداد للصراع قائلاً: «نحن لا نقاتل بالسلاح في الوقت الراهن”..
ويعتبر هيجسيث إسرائيل “طليعة” الحضارة الغربية، معتبراً أنها “ضرورية لفهم أمريكا والتقاليد اليهودية المسيحية الأوسع”، كما أنه يعارض الالتزام باتفاقيات جنيف، بحجة أنها تضعف فعالية الجيش الأمريكي.. هكذا يعبّر “هيجسيث” عن الذات الغربية بكل صفاقة..
من المستغرب حقاً أن يأتي شخص ليقول لماذا يكرهوننا ؟
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
كاتبة تحذر من التطبيع مع جرائم الاحتلال في غزة.. غضبنا الأخلاقي لن يسمح بذلك
شددت الكاتبة في صحيفة "الغارديان" البريطانية، نسرين مالك، على أن السياسيون يعملون على تطبيع ما يحدث في قطاع غزة من جرائم على يد الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة إلى أن "غضبنا الأخلاقي لن يسمح بحدوث ذلك".
وقالت مالك في مقال نشرته الصحيفة المشار إليها وترجمته "عربي21"، إنه "كلما ازدادت المذبحة فظاعة، ازدادت معاقبة الناس على التعبير عن آرائهم. وهذا يوضح حجم المخاطر".
وأضافت أن "صور صادمة ولقطات مؤلمة ومنشورات عليها تشويش لا يكشفها إلا الموافقة على المشاهدة. منذ عام ونصف، تُخيم على ما يراه العالم من غزة عبارات التنويه [ببشاعة المحتوى]. أحيانا، تُوقفني المشاهد عن متابعة الأحداث إذ أستعيدها فجأة، ككابوس نُسي ثم استعاد ذاكرته بوضوح. مع غياب الشعور بالراحة لأن كل ذلك كان حلما".
وتابعت أنه "في الأسبوع الماضي، شاهدت لقطات تُظهر ما بدا أنه جثة رضيع ممزقة مقطوعة الرأس. رأيت أشلاء ممزقة مُجمعة في أكياس بلاستيكية. سمعت صراخ المحتضرين وصمت الموتى، بينما تلتقطهم الكاميرات متراكمين، بعضهم في عائلات بأكملها. إن هجوم إسرائيل على غزة يتحدى كل التوقعات. مع مرور الوقت، ومع تزايد عتبة ما يُعتبر لا يُطاق، تستمر أشكال القتل المُرعبة والمتنوعة في اجتياز حاجز الخدر".
وأشارت إلى أنه "في الوقت نفسه، تفعل السياسة أحد أمرين: إما أن تُخفف وطأة هذه الكارثة التاريخية، باللجوء إلى لغة مُملة تُشجع على العودة إلى طاولة المفاوضات، كما لو كانت مجرد خلاف مؤسف يُمكن حله بتهدئة النفوس قليلا، أو أن تُعكس الكارثة. إن الدعوة إلى وقفها، بدلا من أن تكون غريزة إنسانية طبيعية، أصبحت الآن دافعا يُعادل في بعض البلدان حد الاعتقال أو الترحيل".
وشدد على أن "هذه الرواية تجعل أهل غزة، الحاضرين دائما على شاشاتنا وجداولنا الزمنية في مجازرهم اليومية، بعيدين ومنعزلين. لقد رُحِّلت غزة إلى بُعد آخر لا تُطبَّق فيه أي قواعد. جغرافيا، عُزلت وانتُزعت من الأرض. لا يُسمح للصحفيين والسياسيين الأجانب بالدخول. يُقتل الصحفيون المحليون. تُمنع المساعدات الأجنبية. يُقتل عمال الإغاثة المحليون. تتحدث المحاكم الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بصوت واحد عن إجرام ما يحدث. وتتجاهلها أو تهاجمها الجهات الراعية الإسرائيلية دون اكتراث".
وقالت الكاتبة إنه "مع ذلك، ورغم جهود حجب الغرباء وإسكات من في الداخل، تتزايد الأدلة على عدم قانونية الحملة الإسرائيلية على غزة وعدم تناسبها. في الشهر الماضي، قتلت القوات الإسرائيلية عاملين في الهلال الأحمر ودفنتهم مع مركباتهم. وتُظهر لقطات من هاتف محمول أن ادعاء إسرائيل بأن أنشطة الفريق مشبوهة كان كاذبا. وُجد العامل الذي صوّر الفيديو مصابا برصاصة في الرأس. قبل وفاته، طلب من والدته المغفرة على موته، لاختياره مهنة خطيرة كهذه. كم من هذه الجرائم، التي ارتُكبت ودُفنت تحت جنح الظلام في غزة، دون تسجيلات تُناقض ادعاءات إسرائيل، قد وقعت؟".
ووفقا للمقال، فقد يبدو الأمر "كما لو أن إسرائيل نجحت في لعب دور القاضي والمحلف والجلاد، وأنها تنجح، برعاية أمريكية وغربية، في عزل الفلسطينيين عن بقية البشرية. لكنها مهمة تتطلب الآن إكراها. تتصاعد الحرب وتُحبط أي مبرر، لذا يجب تطبيعها بالقوة. وقد تكون هذه القوة قمعية على المدى القصير، لكنها مُهينة على المدى الطويل. إنها تتطلب موارد ومواجهات وتقلّب. باستهداف الطلاب الذين يتحدثون ضد ما يحدث في غزة، تخوض الحكومة الأمريكية حربا مع جامعاتها، وأثارت صراعا داخلها. وبتحركها لترحيل الطلاب والأكاديميين، تورطت إدارة ترامب في صراع مع نظامها القانوني. إن جهود ألمانيا لترحيل المشاركين في الاحتجاجات المؤيدة لغزة توسع الاستبداد المقلق إلى أبعد من ذلك. إن تعبئة آلية الدولة ضرورية لأنه لم يعد من الممكن إسكات القلق بشأن حجم الأزمة في غزة بالتوبيخ وحده".
وأضافت الكاتبة أن "هذا الحشد والصراع المصاحب له يُسلطان الضوء أكثر على ما جرّت إسرائيل إليه بقية العالم. فهو لا يُنتج سوى شخصيات بارزة من المتظاهرين، مثل محمود خليل، خريج جامعة كولومبيا وحامل البطاقة الخضراء، الذي يُملي، من خلال محاميه، تقارير مُدمرة حول ما يكشفه اعتقاله عن الحرب وعن نظام الهجرة والعدالة الأمريكي. كما يُوطّد هذا الروابط مع الفلسطينيين التي يسعى خصومهم إلى قطعها. وبرفع سقف الاحتجاج، يُظهر بوضوح أن هذه المخاطر مُلكٌ للجميع - الحق في حرية التعبير والإجراءات القانونية الواجبة، والحماية من تجاوزات الدولة، وممارسة أبسط مبادئ الإنسانية. المطلوب هو أنه لكي تكون آمنا من الاضطهاد، يجب عليك أن تقلع عينيك. فبدلا من إقصاء غزة عن السياسة الداخلية، أعاد حلفاء إسرائيل الحرب إلى الوطن".
"أضف ذلك إلى الموت والجوع اللذين يتفاقمان في غزة، وستحصل على وصفة لا للخوف، بل لزيادة الرغبة في الضغط الأخلاقي والشهادة"، حسب الكاتبة.
وشددت مالك على أنه "مع التنازل السياسي، لم ينطفئ ذلك النوع من الإدانة العاجلة ودق ناقوس الخطر الذي كان ينبغي أن يصدر عن القادة، بل انتقل. ففي الأسبوع الماضي وحده، كشفت مذكرات فيديو لجراح صدمات ومقابلة له على برنامج بي بي سي نيوزنايت عن المزيد من قتل الأبرياء، والمزيد من الأطفال الذين يستيقظون مشلولين، أو ببطون مليئة بالشظايا وهم ينادون على أمهاتهم. في لندن، أوقف احتجاج حركة المرور. وفي واشنطن العاصمة، رُفعت لافتة تحمل أسماء القتلى في احتجاج آخر. وفي جامعة كولومبيا في نيويورك، قيد الطلاب اليهود أنفسهم بالسلاسل إلى البوابات احتجاجا على احتجاز إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (آيس) لزملائهم".
وانتقلت رواية عمليات قتل الهلال الأحمر من الجثث إلى مسؤول الأمم المتحدة، إلى وسائل الإعلام. ويجري الآن تشكيل حكومة ظل للمساءلة، تتكون من أشخاص يئسوا منذ فترة طويلة من الثقة أو الأمل في المؤسسات السياسية. لقد حلّ نقيض التعب، وهو أمرٌ متوقعٌ منطقيا بعد عام ونصف، وفقا للمقال.
وقالت الكاتبة إنه "قد يبدو أن الحياة مستمرة، كما تستمر الحرب على غزة. قد يبدو أن الهزيمة قد حلّت، حيث تتصارع إسرائيل وحلفاؤها مع الناس والنظام العالمي بأسره لإجبار الحرب على الصمود. وقد أغرقت رئاسة دونالد ترامب المنطقة بصدمات متعددة، من الاقتصادية إلى السياسية. لكن الوضع الراهن مضطربٌ وهائج، لأن ما يحدث للكثيرين لا يُطاق، ولو أن الاحتجاج والإدلاء بالشهادة والمواجهة قد تُنقذ حياة واحدة أو تُعجّل نهاية الحرب ولو دقيقة واحدة، فإنها ستستمر".
وشددت على أنه "كل جثة، وكل مدينة تُسحق وتُصبح أنقاضا، وكل طفل مُدمى، لا وجود له في أرض بعيدة ميؤوس منها، بل في أعماق الناس. لأنه من المستحيل أن يُرى العالمُ الدمارَ اليوميَّ الذي يُصيبُ شعبا ويُرهَب أو يُرهَق حتى يعتاد عليه. قد يختار البعض تجاهله، أو تبريره، أو حتى دعمه، لكنهم لن يستطيعوا أبدا تطبيعه".