سول- في قلب العاصمة الكورية الجنوبية سول، وعلى بعد مئات الأمتار، وقف مشهدان متناقضان يعكسان حالة الانقسام العميق الذي تعيشه البلاد.

أمام القصر الرئاسي، تجمع عشرات الآلاف من الشباب والفتيات، يحملون شعارات تطالب برحيل الرئيس يون سوك يول. تحلّق حولهم الفنانون والمثقفون، محاولين دعم مطالب هؤلاء الشباب باستعادة الديمقراطية، ووسط هتافاتهم التي ملأت المكان، كانت العبارة الأبرز "أوقفوا يون".

على الطرف الآخر، بالقرب من السفارة الأميركية، اصطف أنصار الرئيس حاملين الأعلام الكورية والأميركية، متحدثين عن "مؤامرة خارجية" تُحاك ضد بلادهم. هؤلاء اعتبروا أن قرار البرلمان بتعليق سلطات الرئيس يمثل خيانة للديمقراطية، مطالبين بمراجعته بشكل عاجل.

وبين هذين المشهدين، بدت سول كمدينة تعيش لحظة مفصلية، يتجاذبها صراع بين من ينشد العدالة ومن يسعى إلى الاستقرار.

أسئلة قانونية معلّقة

هذا الانقسام السياسي أفرز تساؤلات قانونية عن الموقع الدستوري للرئيس يون بعد قرار البرلمان بتعليق سلطاته، خاصة مع رفضه التعاون مع التحقيقات الجارية. فبحسب المادة 85 من الدستور الكوري، يتمتع الرئيس بحصانة من الملاحقة القضائية أثناء توليه المنصب، باستثناء حالات التمرد أو التورط في جرائم عدوان خارجي.

إعلان

في هذا الصدد، أوضح البروفيسور ليم جي-بونغ، أستاذ القانون الدستوري في جامعة سوغانع في سول، أن "الرئيس يون فقد حقه في ممارسة السلطة، ورغم ذلك يدّعي الاحتفاظ بحصانته الدستورية، وهو موقف يفتقر إلى أي أساس قانوني". وأضاف "رفض يون الامتثال لاستدعاءات التحقيق مرتين يشكل تحديا خطيرا لسيادة القانون، وقد يدفع النيابة العامة إلى إصدار مذكرة توقيف ضده".

وأشار ليم -للجزيرة نت- إلى أن التهم الموجهة إلى الرئيس، إذا ثبتت، خاصة المتعلقة بالتمرد الداخلي، قد تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد. "مصير الرئيس أصبح بيد القضاء"، يؤكد البروفيسور، مشيرا إلى أن التحقيقات الجارية قد تغيّر المشهد السياسي والقانوني في البلاد.

وفي ظل غياب الرئيس يون، تواجه المحكمة الدستورية قرارا مصيريا قد يحدد مستقبل البلاد. وإذا قررت المحكمة عزله، فسيُمنع من تولي أي منصب حكومي مدة 5 سنوات. لكن ليم يؤكد أن هذا القرار لن يعفي يون من المحاسبة الجنائية والمدنية، مشيرا إلى أن التحقيقات والمحاكمات ستستمر حتى بعد إقالته.

وأضاف "قرار المحكمة لن يهدّئ الأزمة بالكامل. فالتهم المتعلقة بالتمرد الداخلي تحمل وزنا قانونيا وسياسيا هائلا، وقد تحدد مستقبل الديمقراطية الكورية".

محتج كوري جنوبي يرتدي لافتة كتب عليها "اعزلوا يون سوك يول" (رويترز) ذكريات وتحديات

بلغت الأزمة السياسية ذروتها في أروقة البرلمان. فقد قالت النائبة باك أون-جونغ، التي كانت من بين النواب الذين تحدوا القوانين العرفية ودخلوا البرلمان لمنع الجيش من السيطرة عليه، للجزيرة نت "تمكنّا من التصويت وإلغاء الأحكام العرفية التي أعلنها يون سوك يول في غضون ساعتين فقط".

وأضافت باك "الشعب الكوري، الذي استحضر ذكريات الأحكام العرفية غير الدستورية التي فرضت في غوانغجو عام 1980، أنقذ البلاد في عام 2024. رغم الصدمة الأولية، تمكنت الجمعية الوطنية خلال 11 يوما من تمرير قرار لعزل الرئيس الذي ارتكب التمرد. إنها لحظة انتصار للديمقراطية الكورية".

إعلان

وأكدت النائبة أن البرلمان يعمل بسرعة لمعالجة فراغ القيادة، مشيرة إلى أن الجمعية الوطنية تسعى لطمأنة المستثمرين الأجانب وتشجيعهم على العودة، بهدف إنعاش الاقتصاد الكوري واستعادة الثقة الدولية.

على صعيد آخر، ذكرت صحيفة كوريا تايمز أن الرئيس المؤقت هان دوك سو يواجه ضغوطا هائلة لاتخاذ قرارات حاسمة. حيث يُطالب هان بالتعامل مع مشروعَي قانونين مثيرين للجدل: الأول يطالب بالتحقيق مع السيدة الأولى كيم كون هي، والثاني يتعلق بإعلان الأحكام العرفية الفاشل للرئيس يون.

وأصدر الحزب الديمقراطي الكوري، الذي يملك الأغلبية البرلمانية، إنذارا نهائيا لهان، مؤكدا أنه "سيتحمل المسؤولية" إذا لم يوافق على مشروعي القانونين بحلول عشية عيد الميلاد. ورغم ذلك، تبقى خيارات الحزب محفوفة بالمخاطر، خاصة أن هان يمتلك سلطة تعيين قضاة المحكمة الدستورية، مما يجعل الأزمة أكثر تعقيدا.

ومع اقتراب عيد الميلاد في 25 ديسمبر/كانون الأول، ينتظر الكوريون الجنوبيون بفارغ الصبر ما ستؤول إليه الأمور. هل ستكون هذه المهلة بداية النهاية للرئيس يون، أم أنها ستشعل شرارة صراع جديد؟ المؤكد أن ما يحدث اليوم سيُسجل في تاريخ كوريا الجنوبية كأحد أكثر الفترات اضطرابا وتحولا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات إلى أن

إقرأ أيضاً:

اعضاء في الكنيست يوقعون عريضة لإقصاء أيمن عودة من البرلمان الإسرائيلي

وقع 66 عضوًا في الكنيست الإسرائيلي على عريضة تطالب بإخراج رئيس قائمة الجبهة والعربية للتغيير، النائب أيمن عودة، من الكنيست نهائيًا، وقد وقع على العريضة عدد من أعضاء الكنيست من مختلف الأحزاب الإسرائيلية، بما في ذلك أحزاب من الائتلاف الحكومي مثل "يسرائيل بيتنا" برئاسة أفيجدور ليبرمان و"قوة يهودية" برئاسة إيتمار بن غفير. 

 

ويعود سبب العريضة إلى منشور نشره النائب عودة على منصة "إكس" عند بدء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وقد اعتبر الموقعون على العريضة أن منشور عودة يعبر عن مواقف تتناقض مع مصلحة الدولة.

 

وفي حال تمكن اليمين المتطرف من تجنيد 70 عضو كنيست لدعم العريضة، ستبدأ الإجراءات القانونية لإقصاء عودة، وفقًا للخطوات القانونية المعتمدة، سيُستدعى النائب عودة إلى لجنة الكنيست للاستماع إلى دفاعه، ثم ستعرض القضية على الهيئة العامة للكنيست لمناقشتها، إذا وصل عدد الأعضاء الذين يدعمون الإقصاء إلى 90، سينتقل الأمر إلى المحكمة العليا الإسرائيلية التي ستتخذ القرار النهائي بشأن القضية.

 

من جانبه، قال النائب أيمن عودة إن "المؤسسة الحاكمة في إسرائيل ترى في الشعب اليهودي شعبًا مميزًا عن غيره من الشعوب، وهذه هي العنصرية بعينها"، وأضاف أنه ضد المساس بأي مدني بريء، مؤكدًا أن الاحتلال هو "أصل الشرور" في المنطقة.

 

من جهتها، أصدرت كتلة الجبهة العربية للتغيير بيانًا أكدت فيه أن موقف النائب عودة يمثل "موقفًا وطنيًا وإنسانيًا من الدرجة الأولى"، ودعت الكتلة إلى التصدي لما وصفته بالفاشية التي تسعى إلى نزع الشرعية عن فلسطينيي الـ1948، معتبرة أن الهدف من هذه الإجراءات هو تمكين اليمين المتطرف من السيطرة على الحكم في إسرائيل ومواصلة تنفيذ خطط الانقلاب القضائي.

 

وتستمر حالة التوتر السياسي في إسرائيل بشأن هذه القضية، حيث يتزايد الجدل حول حرية التعبير والمواقف السياسية في البرلمان الإسرائيلي.

 

الصحافة الأمريكية تكشف عن عدم وجود خطط عسكرية أمريكية بشأن دخول غزة

 

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن قيادة القوات المركزية في الولايات المتحدة (سنتكوم) لم تعد أي خطط عسكرية بشأن دخول قطاع غزة، وذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه على فرض السيطرة على القطاع وتهجير سكانه، وأوضحت الصحيفة، في تقرير لها، أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين لم يتلقوا أي طلب رسمي من هيئة الأركان المشتركة لإعداد خطة تدخل في غزة، رغم تصريحات ترامب المثيرة للجدل.

 

وقال المسؤولون الدفاعيون الذين نقلت عنهم الصحيفة، إنهم علموا بهذا الاقتراح لأول مرة خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب يوم الثلاثاء في البيت الأبيض، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث تحدث الرئيس الأمريكي عن خطط لفرض سيطرة الولايات المتحدة على غزة وتهجير الفلسطينيين منها، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من دول عربية ومنظمات دولية.

 

وأضاف المسؤولون أن "لا أحد يعرف ما الذي يحدث"، في إشارة إلى غموض خطة ترامب وعدم وجود تنسيق رسمي مع القيادة العسكرية الأمريكية بشأن هذه التصريحات.

 

في سياق متصل، تحدث ترامب خلال المؤتمر الصحافي عن احتمال نشر قوات أمريكية لدعم إعادة إعمار غزة، معتبراً أن الولايات المتحدة قد تملك "سيطرة طويلة الأمد" على القطاع الفلسطيني بعد عمليات إعادة الإعمار، وأكد ترامب أن هذا المقترح يتضمن نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو ما رفضته الدولتين، ولاقى معارضة واسعة في الأوساط العربية والإقليمية.

 

من جانبها، عبرت العديد من الدول والمنظمات الدولية عن رفضها لهذه الخطة، معتبرة إياها تهديداً لحقوق الفلسطينيين في أرضهم وتهجيراً قسرياً يتناقض مع القوانين الدولية.

مقالات مشابهة

  • إعلام العدو: مصير خطة ترامب بشأن غزة هو سلة المهملات
  • اعضاء في الكنيست يوقعون عريضة لإقصاء أيمن عودة من البرلمان الإسرائيلي
  • الصيغة الوزارية التي اقترحها الرئيس المكلّف( بالاسماء)
  • بعد تصريحات ترامب بشأن غزة.. سفير السعودية السابق بأمريكا يكشف مصير التطبيع
  • زيلينسكي يمدد الأحكام العرفية والتعبئة العامة بأوكرانيا حتى 9 مايو
  • زيلينسكي يوقع قانونا بتمديد الأحكام العرفية والتعبئة العامة في أوكرانيا حتى 9 مايو القادم
  • العنف الأسري: جرح عميق في قلب المجتمع
  • نتفليكس تكشف عن تفاصيل مسلسل الدراما الكورية Can this love be translated
  • مثول الرئيس الكوري الجنوبي أمام المحكمة في إطار قضية عزله
  • الرئيس الكوري الجنوبي «المعزول» يطلب إخلاء سبيله