الحديث عن حضارة عريقة وصلت إلى أعلى مراتب التقدم وانتهت بكارثة ليس بجديد، فقد تحدث (1) عن ذلك أفلاطون لأول مرة قبل أكثر من ألفي عام، لكن حاليا تمخض عن الأمر مجموعة لا تعد ولا تحصى من الأساطير، منها أسطورة "الكائنات الفضائية" التي زارت الأرض في الأزمان الغابرة وأهدت إلى سكانها العلوم والحكمة، وحكاية مدينة "أطلانتس" الضائعة وحضارتها المفقودة، والمذنب العملاق الذي ضرب الأرض منذ أكثر من 12 ألف عام وانتهى معه العالم القديم.

 

لكن دُرّة تلك الحكايات هو وثائقي "Ancient Apocalypse" أو "نهاية العالم القديمة" (2) الذي عُرض على منصة نتفلكس وقدّم قصة "الحضارة المفقودة" في قالب يظهر على أنه علمي حصد ملايين المشاهدات. وبضغطة زر بسيطة ستجد العشرات من مقدمي المحتوى على "يوتيوب"، يروّجون للسردية "التاريخية" ذاتها على أمل الوصول إلى نسبة من المشاهدات المليونية.

 

حضارة "العصر الجليدي" المفقودة

وفقا لهذه الفرضية، فإنه قبل قيام حضارة بلاد الرافدين والحضارة البابلية والحضارة المصرية القديمة، تقريبا في العصر الجليدي الأخير، ازدهرت حضارة قديمة متطورة لم يعرف الإنسان لها مثيلا، عرف شعبها العلوم، ونبغوا في الفلك والفنون والعمارة، وقد استمر تقدمهم هذا حتى جاءت الكارثة (3) عندما ارتطم مذنب عملاق بكوكب الأرض، في حادثة تشبه تلك التي تسببت في انقراض الديناصورات، لكنها هذه المرة تسببت في فيضانات عنيفة قضت على حضارة العصر الجليدي العريقة، ومحت أي أثر لمدن العالم القديم.

 

لكن لحسن الحظ، كان هناك عدد قليل ممن استطاعوا النجاة من الكارثة المحققة، إذ نزحوا بعدها منتشرين في جميع أنحاء العالم، الذي كان يسكنه وقتها بشر "بدائيون" يعيشون في مجموعات من الصيادين وجامعي الثمار. أتى الناجون إلى تلك المجتمعات الصغيرة ومعهم علومهم القديمة، وعلموا أسلافنا الزراعة وأصول الهندسة المعمارية الضخمة، وعلم الفلك والتكنولوجيا، ولهذا نحن -بحسب هذه الرؤية- مدينون لهم بكل ما توصلنا إليه من حضارة.

 

تلك هي الفرضية التي تبناها الكاتب والباحث البريطاني "غراهام هانكوك" في العديد من كتبه، وروّج لها مؤخرا في مسلسل "Ancient Apocalypse" الذي عرض في نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، وتصدر أعلى نسب مشاهدة (4) على منصة "نتفلكس". وللفرضية صور أخرى كثيرة تختلف بحسب الثقافة والدين موزعة في كل مكان تقريبا في العالم، لكن جوهرها جميعا هو الكارثة.

(الإعلان الرسمي لمسلسل "نهاية العالم القديمة" على منصة نتفلكس)

ومن أجل إثبات نظريته، زار "هانكوك" العديد من المواقع الأثرية، بداية من تلال أميركا الشمالية إلى أهرامات المكسيك ومواقع ممتدة بين مالطا وإندونيسيا، وهي مواقع سبق أن تناولها (5) بالبحث علماء الآثار، رغم ذلك يرى "هانكوك" فيها دليلا على وجود حضارة متقدمة منذ أكثر من 12 ألف سنة، قائلا: "أخطأ علماء الآثار من قبل، ويمكن أن يكونوا مخطئين هذه المرة".

 

وفقا لرؤية "هانكوك"، أدت الكارثة القديمة (6) إلى ذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع منسوب سطح البحر، وهو ما نتج عنه تغير قاسٍ في المناخ، دُفنت على إثره مدن العالم القديم في أعماق البحار، ولهذا يبرر الكاتب البريطاني عدم وجود أدلة كافية تدعم قيام هذه الحضارة، كل هذا يجعلنا نتساءل عن الحقيقة وراء فرضية "هانكوك" هذه والسر وراء انتشارها، ولهذا دعونا نتناول أولا بالبحث والتدقيق حقيقة المواقع التي ذُكرت في الوثائقي بكونها دلائل على وجود أطلانتس.

 

حقيقة الحضارة المفقودة

في بداية المسلسل الوثائقي، يأخذنا "غراهام هانكوك" إلى موقع في إندونيسيا، يُشاع أن عمره أكثر من 25 ألف سنة، وهناك نطالع "غونونغ بادانغ"، وهو هيكل صخري ضخم ومثير للإعجاب مقام فوق قمة تل في إندونيسيا، يقال إنه أقدم هرم في العالم، لكنه ليس هرما تقليديا مثل الأهرامات الموجودة في مصر، فهو تل تعلوه مدرجات حجرية كبيرة. ويعود تاريخ (7) الطبقة الأولى منها -في أرجح الأقوال- إلى حوالي عام 2,500 عام قبل الميلاد، ومن ثم فهي قديمة قِدَم الهرم المصري الأكبر في محافظة الجيزة.

(هرم غونونغ بادانغ – إندونيسيا) (شترستوك)

يعود الجدل المثار حول هرم "غونونغ بادانغ" إلى عمل الدكتور "داني هيلمان"، الجيولوجي بالمعهد الإندونيسي للعلوم، إذ استخدم هو وفريقه رادارا متطورا تمكنوا بواسطته من تحديد الطبقات الطبيعية المدفونة تحت سطح الهرم، وهي طبقات يمكنها أن تحدد تاريخ الاستيطان لهذا الموقع، وما كشفوا عنه كان مفاجأة، إذ يصل عمر أقدم هذه الطبقات بين 20 ألف إلى 25 ألف عام، وهذا هو السبب الرئيسي وراء الشائعات التي تَطُول عمر الهرم حتى اليوم.

 

هذا الكشف هو ما استخدمه "غراهام هانكوك" في مسلسله الوثائقي، لكن ما لم يخبرنا به هو أن تلك الطبقات الطبيعية تحت السطح قد تكون دليلا فعليا على وجود استيطان لتلك المنطقة من إندونيسيا، وأنها استُخدمت من قبل البشر القدامى، لكنها ليست دليلا كافيا لتأريخ البناء الحجري ذاته الذي أقيم فوقها، والذي يرجع إلى 2,500 سنة فقط قبل الميلاد، إذ كان التأريخ الكربوني على المواد العضوية الموجودة داخل الهيكل الحجري، ومن ثم هي لا تحدد بشكل قاطع عمر الهيكل نفسه.

(عالم الآثار "مايلو روسي" يشرح كيفية التأريخ في الجزء الأول من سلسلته ضد الحضارة المفقودة)

كان الدليل الثاني (8) الذي استخدمه "هانكوك" لإثبات وجهة نظره هو ما أشارت إليه الرسوم البيانية الناتجة عن استخدام الرادار من وجود فراغات يمكن أن تكون غرفا سرية لا نعرف عنها شيئا لقلة البحث في هذه المنطقة وتعنت الأكاديميين بحسب ادعائه، لكن ما لم يخبرنا به أيضا في الوثائقي هو أن "غونونغ بادانغ" هو بناء حجري أقيم فوق تل بركاني، ما يعني وجود أنابيب حمم بركانية على شكل فراغات وشقوق، وهو أمر معروف للجيولوجيين، لكنها بالتأكيد ليست غرف سرية من العصر الجليدي الأخير بناها المعلمين العظماء الذين نجوا من تدمير أطلانتس.

 

الموقع الوحيد (9) الذي زاره "هانكوك" ويعود تاريخه إلى قرب نهاية العصر الجليدي كان "غوبلكي تبه" في تركيا، وهو الموقع الذي يجادل "هانكوك" بأنه من المستحيل أن يعود بناؤه إلى البشر البدائيين ممن كانوا يعيشون -بحسبه- في مجموعات من الصيادين وجامعي الثمار، والحقيقة أن علم الآثار الحديث لا يرى البشر الذين عاشوا في تلك الحقبة الزمنية بدائيين (10) على الإطلاق.

 

امتلك هؤلاء البشر أدوات معقدة للصيد، وكان هناك قواعد لتقسيم العمل في تلك المجتمعات اعتمدت على مستوى عالٍ من التنظيم، بل وشاركت المرأة (11) الرجل في العمل، ولم تقتصر ممارسة الصيد على الرجال، هذا بخلاف ما عُرف عن طقوسهم وطريقة حياتهم، الأمر الذي يجعلنا نعيد النظر في مسألة حياة "رجل الكهف" البسيطة والبدائية. هذا بخلاف أن الموقع في حد ذاته من المرجح أنه استُخدم في الطقوس الدينية والاحتفالات، وتشير الدراسات (12) الحديثة على الموقع إلى أن روّاده استخدموا الرحى الحجرية في إعداد الطعام النباتي ومارسوا صيد الغزلان على نطاق واسع خاصة في فصلَي الخريف والصيف.

(غوبيكلي تبه – أقدم معابد العالم) (شترستوك)

أما المواقع الأخرى التي زارها "هانكوك" مثل هرم "تشولولا" (13)، الذي يُعَد من أكبر وأقدم الأبنية في المكسيك، فتشير الدراسات إلى أن فترة بنائه تعود إلى حوالي 200 عام قبل الميلاد (14)، أي أن هناك فارقا زمنيا كبيرا بين تاريخ بناء هذا الهرم وما يدعيه الكاتب البريطاني.

 

عرض المسلسل الوثائقي لـ"غراهام هانكوك" معابد مالطا هي الأخرى على أنها أقدم بآلاف السنين من تاريخ إنشائها الحقيقي، حيث يشير "هانكوك" إلى أن معبد "Ggantija"، الذي يعود إنشاؤه وفقا لعلماء الآثار إلى ما بين عامَي 3,600 و2,500 قبل الميلاد، يعود تاريخه في حقيقة الأمر إلى أواخر العصر الجليدي عندما كانت مالطا لا تزال متصلة جغرافيّا بأوروبا القارية، مجادلا بأنه من المستحيل على السكان الأصليين للموقع بناء صرح كهذا، قائلا: "فكِّر في الأمر: هل يستطيع هؤلاء المزارعون حقا تحقيق ذلك؟".

(معبد "Ggantija" – مالطا) (شترستوك)

الدليل الذي استخدمه "هانكوك" على فرضيته كان بعض الأسنان التي عُثِر عليها في منطقة "Għar Dalam"، والتي حُدِّدت على أنها لـ"إنسان النياندرتال". والحقيقة أن علماء الآثار (14) والباحثين لا يستنكرون وصول "إنسان النياندرتال" إلى تلك المنطقة، لكنهم يستنكرون تحريف تاريخ بلادهم ليتناسب مع ادعاءات "هانكوك" بأن تلك المعابد بُنِيت قبل 11 ألف عام. عن ذلك أشارت عالمة الآثار "إيزابيل جريجوري" إلى أن الآثار الأولى للاستيطان البشري في مالطا تعود إلى 5 آلاف سنة قبل الميلاد، وقد بدأ بناء مجتمع مستقر عن طريق الزراعة وتربية الحيوانات المستأنسة، بعدها ظهرت المعابد الصخرية الكبيرة نتيجة لسنوات عديدة من النشاط البشري في المنطقة، وبمجرد ظهورها حافظوا عليها ووسّعوها واستخدموها باستمرار لآلاف السنين التي تلت ذلك.

 

أما بخصوص مدينة "ديرنكويو" (15) المكتشفة في وسط الأناضول بتركيا، والتي أشار هانكوك إلى أنها بُنِيت بدافع الخوف كملاجئ من الكارثة المحققة، نظرا لكونها مدينة ضخمة بُنيت تحت الأرض بشكل يشبه الكهوف ويمكن أن تسع أكثر من 20 ألف نسمة؛ فيشير علماء الآثار إلى أن طبيعة المنطقة كانت مناسبة بشكل فريد لهذا النمط من البناء تحت الأرض نظرا لنقص المياه في التربة وإلى صخورها التي تكونت من مواد بركانية قابلة للتشكيل بسهولة باستخدام أدوات حفر بسيطة مثل المجارف والمعاول، ويعود تاريخ حفر المستويات الأولى منها بحسب الخبراء إلى 1,200 سنة قبل الميلاد، إبان انهيار الإمبراطورية الحيثية وهجوم الفريجيين الذين حكموا آسيا الصغرى بعدهم، وكانت المدينة بحسبهم تُستخدم لتخزين الغلال إلى جانب كونها ملاذا آمنا من الغزاة.

(كهوف ديرنكويو – تركيا) (شترستوك)

كان الشيء الوحيد الذي قدّمه "هانكوك" في مسلسله واعتبره من بقايا أطلانتس المزعومة هو "طريق بيميني" (16) الغارق في المحيط الأطلسي والواقع في أقصى غرب جزر البهاما في الولايات المتحدة الأميركية، وهو عبارة عن أحجار متراصة إلى جانب بعضها، قد يظنها الرائي من صنع الإنسان، لكنها وفقا لعلماء الجيولوجيا كتل من الصخور الشاطئية تكونت بشكل طبيعي نتيجة تذبذب حركة المد والجزر، إذ يساعد التبخر والغازات المنبعثة على تحفيز ترسيب كربونات الكالسيوم، وفي غضون بضع سنوات تتشكل الصخور الشاطئية شديدة الصلابة، ونتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر تغمرها في النهاية المياه، لتصبح غارقة بالشكل الذي وجدوا عليه "صخور بيميني الشاطئية".

 

وفي الوقت الذي يعتبر فيه "هانكوك" أن قلة الأدلة على نظريته عائد إلى أن تلك الحضارة برمّتها إما مدفونة تحت سطح البحر وإما دمّرتها الكارثة، تشير مجلة العلوم الأميركية (Scientific American) إلى أن تلك الحادثة المأساوية عن مذنب يرتطم بالأرض، بكل بساطة لم تحدث، خاصة مع عدم وجود أي فوهات ناتجة عن أحداث ارتطام في أي مكان بالعالم خلال الوقت المشار إليه (17).

 

بالإضافة لذلك، وبينما يتهم "هانكوك" الفيضانات الجليدية (18) بأنها سبب غرق مدينة "أطلانتس" التي كانت -بحسبه- جزءا من الولايات المتحدة الأميركية، يشير الباحثون إلى أن الصفائح الجليدية الشاسعة التي غطت حينذاك معظم أميركا الشمالية بدأت بالفعل في الذوبان قبل أكثر من 20 ألف سنة، ما أدى إلى حدوث فيضان جليدي، لكنهم يعتقدون، وفقا لدراسة (19) نُشرت في الأكاديمية الوطنية للعلوم، أن هذه العملية تكررت ببساطة عشرات المرات على مدى آلاف السنين، ولم تحدث دفعة واحدة كما يشير "هانكوك".

 

في النهاية، تشير مجلة العلوم الأميركية (20) إلى أن "هانكوك" قد أسس نظريته بالكامل على مغالطة الاحتكام للجهل، بمعنى أنه إن لم يستطع العلماء إثبات الأمر (X)، فإن النظرية (Y) تعد صحيحة، وهو منطق غير علمي بالمرة ويعتمد على الثغرات، هذا فضلا عن وجود العديد من الأدلة العلمية التي تدعم بالفعل النظرية السائدة.

 

صراع هانكوك وعلماء الآثار الفيلم الوثائقي التلفزيوني "البحث عن الحضارة المفقودة"، غراهام هانكوك، كاتب ومغامر. (شترستوك)

شن "هانكوك" حربا على "علم الآثار الأكاديمي"، مجادلا بأن علماء الآثار (21) الحاليين يرفضون "الأفكار الحرة" التي تعارض السردية الأكاديمية للتاريخ، ولهذا يعتبرونه عدوهم الأول، لأنه يملك جرأة الحديث عن السردية الجديدة. والأكثر من ذلك أنه اتهمهم مباشرة بمحاولة التستر على حقيقة وجود حضارة إنسانية قديمة بدأت قبل وقت طويل من تعلم الإنسان الزراعة بحسب السجلات المعروفة، بل وإخفاء الأدلة التي تدعم وجود تلك الحضارة عمدا، واصفا موقفهم هذا بالتعالي والغطرسة، ومبررا ذلك بالتعنت الأكاديمي خوفا من خسارة السردية الأكاديمية للتاريخ، والتي يمكن أن تسبب -بحسبه- هزة عنيفة لتلك المؤسسات.

 

لمناهضة تلك الادعاءات، اتخذت جمعية علم الآثار الأميركية (SAA) الخطوة الأولى في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، عندما أرسلت خطابا مفتوحا (22) إلى المديرين التنفيذيين في منصة نتفلكس، حثت فيه المنصة على استبدال تصنيف المسلسل من "الوثائقي" إلى "الخيال العلمي". كما ناشدت الجمعية نتفلكس بإضافة مقطع وصفي يوضح للجمهور أن محتوى المسلسل "لا أساس له من الصحة"، وذلك بسبب ما يترتب عليه من الاستخفاف بعلم الآثار والتقليل من مصداقيته، بهدف التأثير على الجمهور واستقطابه.

 

هذا ما أكدت عليه "ستيفاني هالمهوفر" (23)، عالمة آثار متخصصة في علم الآثار البيولوجي، والتي تناولت في دراساتها استخدام علم الآثار الزائف من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة لمحو التراث الثقافي للسكان الأصليين في أميركا الشمالية. تعتبر "هالمهوفر" (24) أن توجيه الجمهور لعدم الثقة في "علم الآثار السائد" أمر ضروري لأمثال "غراهام هانكوك"، إذ يُعَد التشكيك في السردية الأكاديمية بالنسبة إليهم سبيلا لإضفاء المصداقية على الفرضية البديلة، خاصة مع عدم وجود أدلة قاطعة تدعمها.

 

استطاعت قصص مثل حضارة العصر الجليدي المفقودة وأسطورة مدينة "أطلانتس" أن تحافظ على شعبيتها لقرون من الزمن، بل وبدأت إعادة تدويرها في وقتنا الحالي واكتسبت جمهورا جديدا، قد تظن أنه أمر ليس ذا صلة، لكن "العرق" له (25) دخل في ذلك، فقد سعت تلك النظريات طوال تاريخها إلى تعزيز أفكار تفوق العرق الأبيض، وذلك من خلال تجريد السكان الأصليين للمدن من تراثهم الثقافي، ومنح الفضل فيه إما إلى كائنات غريبة زارت الأرض (الكائنات الفضائية) وإما إلى "الرجل الأبيض"، وهو السبب الذي من أجله اختُرعت خرافة "مدينة أطلانتس"، وفقا لعالم الآثار "فلينت ديبل".

 

الدليل على ذلك تجده مدونا في كتاب (26) رجل الكونغرس الأميركي الأسبق "إجناتيوس دونللي"، المنشور عام 1882، والذي حكى فيه عن أسرار مدينة "أطلانتس" الأميركية وحضارتها الضائعة. في الكتاب قسّم "دونللي" البشر إلى مجموعتين، إما قبائل بدائية (بربريون)، وإما أعراق متحضرة من سكان تلك المدينة المزعومة (وهم رجال بيض ملتحون)، وإليهم يعود الفضل في تعليم المكسيكيين أصول الحضارة والفنون. وقد أشار "ديبل" في مقالته (27) إلى أن اقتباس "هانكوك" من "دونللي" مباشرة في كتابه الصادر عام 1995 تحت عنوان "بصمات الآلهة" لهو أكبر دليل على أن تلك النظريات تدعم "علم الأعراق"، الذي هو في الأساس علم زائف.

 

إن لم تستطع أن تنسب الحضارة القديمة إلى "الرجل الأبيض"، فسيكون -حتما- للفضائيين أو أي جهة أخرى، المهم ألا تنسبها لأهلها. في حقيقة الأمر هذا ما يُروَّج إليه من وراء ستار، هكذا ترى عالمة الآثار "ستيفاني هالمهوفر" محاولات إعادة تدوير (28) قصة "أطلانتس" و"الفضائيون بناة الحضارة"، والترويج لهم باعتبارهم جزءا من التاريخ تحاول الأوساط الأكاديمية كبته والتستر عليه.

———————————————————————————

المصادر:

(1) Lost city of Atlantis rises again to fuel a dangerous myth

(2) Ancient Apocalypse

(3) Lost city of Atlantis rises again to fuel a dangerous myth

(4) Graham Hancock – Twitter

(5) With Netflix’s Ancient Apocalypse, Graham Hancock has declared war on archaeologists

(6) The Ancient Absurdities of Ancient Apocalypse

(7) IS GUNUNG PADANG THE OLDEST PYRAMID IN THE WORLD?

(8) Ancient Apocalypse archaeology update 2: Are there underground chambers at Gunung Padang?

(9) No, There Wasn’t an Advanced Civilization 12,000 Years Ago

(10) Nothing Simple About Hunter-Gatherer Societies

(11) Women were successful big-game hunters, challenging beliefs about ancient gender roles

(12) Cereal processing at Early Neolithic Göbekli Tepe, southeastern Turkey

(13) Reinterpreting the Great Pyramid of Cholula, Mexico

(14) Cholula Pyramid

(15) Maltese archaeologists push back against Netflix show’s temple claims

(16) A Geologist’s Adventures with Bimini Beachrock and Atlantis True Believers

(17) No, There Wasn’t an Advanced Civilization 12,000 Years Ago

(18) Tilting of Earth’s crust governed the flow of ancient megafloods

(19) Glacial isostatic adjustment directed incision of the Channeled Scabland by Ice Age megafloods

(20) No, There Wasn’t an Advanced Civilization 12,000 Years Ago

(21) ‘Ancient Apocalypse’ Netflix series unfounded, experts say

(22) SAA letter

(23) UNCOVERING THE “LOST LAND”: THE ARCHAEOLOGY OF BROTHER XII

(24) With Netflix’s Ancient Apocalypse, Graham Hancock has declared war on archaeologists

(25) Twitter

(26) Atlantis.. The Antediluvian World

(27) With Netflix’s Ancient Apocalypse, Graham Hancock has declared war on archaeologists

(28) Did Aliens Build the Pyramids? And Other Racist Theories

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: علماء الآثار قبل المیلاد علم الآثار أکثر من إلى أن الذی ی على أن أن تلک

إقرأ أيضاً:

ما بعد الديمقراطية المعاصرة.. هل هناك أمل؟

كم استعملنا مصطلح "الانتقال الديمقراطي" في السنين الأخيرة توهّمًا أننا ننتقل بصفة حتميّة، وفي العالم أجمع، من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي، ونحن لا ننتبه أن ما نعيش في الواقع هو الانتقال الاستبدادي.

انظر كيف تعاملت السلطات في أميركا وأوروبا مع تظاهرات الطلبة؛ دعمًا لغزة المعرضة بوضوح للإبادة الجماعية. أخطر من العنف البوليسي اتضاح هيمنة الأرستقراطيات المخفية على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لخنق كل الأصوات الحرّة وفرض السردية الصهيونية.

ما برز بوضوح أثناء أشهر الحرب على غزة هو انكماش الحريات الفردية والجماعية حتى في هذه البلدان الديمقراطية، لا بإرادة أو لمصلحة حكومات فقدت منذ زمن بعيد كل سلطة حقيقية، ولكن بإرادة ولمصلحة الشركات العملاقة للإعلام والإنترنت. هل سيجعل كل هذا قريبًا – حتى في الديمقراطيات القديمة – من ترديد مقولات تمتّع الناس بالحريات الفردية والجماعية وسيادة الشعب عبر الانتخابات الحرة والنزيهة، مزحةً سخيفة يموّه بها مخادعون على مخدوعين؟

انظر ما يحصل في بلد كنا نسميه أكبر ديمقراطية في العالم. في زيارة خاطفة لجامعة برنستون تعرفت على الدكتورة كريتي كابيلا (Kriti Kapila)، وهي باحثة هندية في العلوم الاجتماعية، وتدرس حاليًا تبعات عملية بالغة الخطورة في بلدها تمت في الصين؛ أي فرض بطاقة إلكترونية على قرابة مليار هندي تحتوي على ملامح الوجه والبصمات وقرنية العين والمهنة، ولا يمكن قضاء أي حاجة تجارية أو إدارية بدونها.

مما يعني أنه سيكون بوسع السلطة معرفة كل شيء عن حياة المواطنين من تنقلاتهم إلى معاملاتهم البنكية إلى من يصوّتون، وماذا يقرؤون، ومع من يتعاملون. تخيّل كيف ستستعمل هذه المعطيات ولمصلحة مَن؟

كم يبدو اليوم مثيرًا للشفقة والسخرية الاستبدادُ القديم الذي لم يكن يملك لمراقبة المجتمع إلا جواسيس يجلسون في المقاهي يفتعلون قراءة الجرائد، ولم يكن له، للتحكم في العقول والقلوب، إلا نشرات وسائل إعلام مكتوبة ومسموعة ومرئية كان الوحيد الذي يملكها. أما الاستبداد الذي بدأت ملامحه تتشكل بسرعة رهيبة تحت أعيننا، فهو شيء غير مسبوق في تاريخ البشرية.

ففي الشرق، يُلقي المحور الاستبدادي المكوّن من الصين والهند وروسيا بظلاله على ثلث البشرية، وفي الغرب لا ينذر رجوع ترامب في أميركا والصعود المتواصل لليمين المتطرف في أوروبا بأي ضمان لتواصل الديمقراطية في أقدم معاقلها. حدّث ولا تسَلْ عن عودة الانقلابات في أفريقيا، أو عن مغزى انتخاب شخص مثل الرئيس الأرجنتيني. وفي عالمنا العربي أجهضت الثورات الديمقراطية بالثمن الرهيب الذي نعرف.

من أين لنا دخول عقول وقلوب شرائح واسعة من مجتمعاتنا ترى في الوضع الكارثي الذي تتخبط فيه بلدان ثورات 2011 مسؤولية الثورة لا جريمة الثورة المضادة، بل وفيها مَن لا يزال مصرًّا على أن الديمقراطية أيديولوجيا غربية استعمارية علينا رفضها، رغم أن شباب الغرب هو الذي تجنّد لفلسطين وليس شباب العرب؟

أليس من باب السذاجة إذن التمسّك بالمشروع الديمقراطي، وهو اليوم في انحسار في جلّ أماكن العالم، وفي أخطر وضع قد يكون عرفه طوال تاريخه؟

لمواجهة تسونامي الإحباط لنسأل المشككين في جدوى التمسك بالمشروع الديمقراطي: أليست جلّ الكوارث والمآسي التي نتخبط فيها من تبعات عاملين أساسيَين: فشل الحوكمة الرشيدة في كل بلداننا دون استثناء أي حكم الاستبداد، وفشل الدولة القُطْرية الشمولية المتخلفة، كما رسم حدودها الاستعمار الغربي في الإيفاء بالحاجيات الدنيا لمواطنيها، ناهيك عن المحافظة على الحدّ الأدنى من استقلالية القرار؟

القاعدة التي تجاهلها الوحدويون العرب أن الدكتاتوريات لا تتحد فيما بينها، وكل ديكتاتور يعتبر بلده مزرعته الخاصة، ولا يقبل بالتسليم في سلطته المطلقة عليها تحت أي سبب. الفشلان إذن مرتبطان ببعضهما البعض، ففشل الدمقرطة لم يكرّس فقط سطوة أنظمة فاسدة قمعية تابعة وغير كفؤة، وإنما منع هذه الدول من إيجاد صيغة مماثلة للاتحاد الأوروبي الذي لم يظهر للوجود إلا بعد انهيار الأنظمة الاستبدادية النازية والفاشية والشيوعية.

هل كانت الأمة تعرف كل هذا الهوان، وأربعمائة مليون عربي هم اليوم كاليتامى في مأدبة اللئام، لو كان هناك اتحاد عربي بين دول ديمقراطية مثل الاتحاد الأوروبي؟

قناعتي المطلقة المستمدة من نصف قرن في المعارك النظرية والسياسية أنه لا مستقبل لشعوب أمتنا إلا ببناء دول قانون ومؤسسات على أنقاض حكم الفرد والعصابات. فهي الوحيدة القادرة من جهة على خلق شعوب من المواطنين الخلّاقين المبدعين بدل شعوب الرعايا السلبيين الذين خلّقهم الاستبداد. من جهة أخرى هي الوحيدة التي تسمح ببناء اتحاد بين شعوب حرة ودول مستقلة على شاكلة الاتحاد الأوروبي الذي لم يتأسس إلا على أنقاض الدكتاتوريات.

صفّفْ الآن للأجيال المحبطة وللأجيال الشاكة بقية الحجج للإمعان في مشروعنا الديمقراطي، وضعْ أمام أعينها الحقيقة التي لا ينكرها إلا مخادع أو مخدوع وهي أن النظام الديمقراطي هو:

الوحيد القادر على حماية المجتمع من الوقوع في قبضة زعيم غير كفؤ. معرض للخطأ كل البشر مع فارق هام أن خطأ منه يكلف حياة الملايين. الوحيد الأقدر على بناء استقرار حقيقي عبر التداول السلمي على السلطة، والصراع العنيف حولها أهم سبب في مآسي مجتمعاتنا. الوحيد القادر على أن يوفّر لأفراد المجتمع الحد الأدنى من الحماية القانونية. الوحيد القادر على مواجهة آفة الفساد المتسببة في استنزاف خيرات المجتمع لمصلحة أقلية أنانية وشريرة. الوحيد القادر على حماية الحريات الفردية والجماعية التي تضمن للأفراد والجماعة حقوقهم المشروعة، وأولها الكرامة.

لقائل أن يقول: كلام جميل، لكن لماذا نرى إذن مثل هذا النظام العبقري يترنّح ويتراجع في الأماكن التي استتب فيها، ويفشل في البقاء في الأماكن التي وفرت له الثورة فرصة ذهبية مثلما حصل في بلدان الربيع العربي، وخاصة تونس؟ قناعتي اليوم أن مصاعب الديمقراطية ليست فقط بسبب شراسة الاستبداد وعمق تجذّره في غرائزنا الحيوانية وتجدد آلياته وتزايد فاعليتها، وإنما هي في جزء كبير منها بسبب آلياتها والخيارات الفكرية والقيمية التي تسندها.

من هذا المنطلق إذا أردنا التمسك بالمشروع الديمقراطي ومواصلته بحظوظ معقولة للنجاح، فعلينا ألا نغيّر شيئًا من أهداف الديمقراطية، لكن علينا أن نغير كل شيء في وسائلها؛ لأنها اليوم من أهم أسباب أزمتها الخانقة، بل هي من تفرش البساط الأحمر لعودة الاستبداد وهلاكها.

الحلقة المقبلة: المراجعات الضرورية

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • تفاصيل استرداد مليون قطعة أثرية مصرية في 40 متحف حول العالم (فيديو)
  • الأسطورة ومساءلة الوعي
  • شيخ الأزهر: لا نعلم حضارة بقيت على ‏وجه الزمان 14 قرنًا غير الحضارة الإسلامية
  • اليمن وعُمان: حضارة الجيران عبر التاريخ وقصة السلام والمحبة
  • اعترافات جنود صهاينة .. قتلنا الفلسطينيين ودمرنا البيوت لأننا شعرنا بالملل
  • ما بعد الديمقراطية المعاصرة.. هل هناك أمل؟
  • قبل أكثر من قرن.. «وحي القلم» من الرافعي يتنبأ بأحداث غزة
  • الحرب وغياب دور الأحزاب
  • أمريكا ليست قدراً
  • تخلص من آلام أسفل الظهر بالتمارين التالية