بسبب العلاقة المتوترة بين طهران وأغلبية الدول العربية، استغلت بعض الردود حالة العداء بين المعسكرين، وحاولت الربط بين الجمهورية الإسلامية ومذهب المهاجم الذي يقولون إنه من القطيف شرق السعودية أي حيث تسكن الأقلية الشيعية وقال أحدهم إن في قلب طالب عبد المحسن "خميني صغير"

اعلان

 ردود فعل عربية واسعة أثارها الهجوم على سوق الميلاد في مدينة ماغديبورغ الألمانية بعد الكشف عن هوية المشتبه به في تنفيذ العملية وهو طالب عبد المحسن الذي وصل ألمانيا عام 2006 كلاجئ.

وقد سارعت دول عربية عدة منها السعودية وقطر لإدانة الاعتداء الذي أسفر حتى الآن عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل وإصابة 80 آخرين.

وإلى جانب المواقف الرسمية المستنكرة لما حدث، ضجت مواقع التواصل بردود أفعال متناقضة، حيث وجد كل طرف ضالته لتسجيل النقاط، كلّ حسب انتمائه واتجاهه الأيديولوجي والسياسي.  

فقد عكست تلك الردود حالة الاستقطاب الطائفي والعرقي والسياسي السائدة في العالم العربي خصوصا في ظل التطورات الجيوسياسية الحالية مثل الوضع في سوريا والحرب في غزة إضافة إلى حالة الكباش بينإيران والدول العربية.  

بين غزة وماغديبورغ

من الردود التي زخرت بها منصات التواصل، تلك المقارنة بين تناول حادثة ماغديبورغ والحرب الدائرة في غزة. فتساءلوا عن أسباب التفاعل العربي تجاه الواقعة في ألمانيا فيما تُركت غزة لمصيرها وهي تحصي ضحاياها الذين جاوزوا 45 ألفا ناهيك عن عشرات الآلاف من الجرحى.

"المهاجم ملحد"

سلط كثيرون من رواد مواقع التواصل الضوء على المعتقدات الدينية للطبيب المهاجم وأنه ترك الإسلام وأصبح ملحدا. وفي هذه محاولة لدرء صفة الإرهاب باسم الدين والتي طالما كانت لصيقة بأغلب من نفذوا اعتداءات في أوروبا باسم هذه الديانة. 

كما انتقدوا طريقة تعاطي الإعلام الغربي مع الهجوم وقالوا إن الحادثة لم تلق الاهتمام الذي تستحق وأنهم لم يروا تهويلا لما جرى حسب رأيهم، وتساءلوا إن كان إلحادُ المشتبه به هو السبب في إشارة إلى أن الأنظار تتجه فقط حين يكون الجاني مسلما.

جنسية المهاجم

في السعودية مثلا وكل من يؤيدها، كانت هناك محاولة لإبعاد أية شبهة قد تطال هذا البلد بالنظر لمأساة اعتداءات 11 سبتمبر وكون بعض المهاجمين وقتها كانوا يحملون جواز سفر سعوديا. كما ركزوا على أن طالب عبد المحسن كان معارضا للنظام في المملكة وأن الرياض قد سحبت منه الجنسية وطلبت من برلين تسليمه لكن ألمانيا رفضت بدعوى حماية حرية التعبير وحقوق الإنسان.  

وذهب بعضهم إلى حد القول إن السعودية قد حذرت السلطات في هذا البلد من خطر المشتبه به. كما تم نشر محتوى لم يتم التحقق من صحته، يكشف عن محادثة على واتساب بين فتاة سعودية ومصالح أمنية ألمانية تحذر فيها من احتمال إقدام طالب عبد المحسن على تنفيذ اعتداء في ألمانيا ويعود تاريخ المحادثة لأكثر من سنة. 

كما انتقد كثيرون تعامل الدول الغربية مع المعارضين العرب بدعوى حماية حقوق الإنسان وحرية التعبير، وقال بعضهم إن ألمانيا تتحمل وزر مقاربتها تلك وأن الغرب عامة يدفع ثمن مواقفه. 

إيران والشيعة

وبسبب العلاقة المتوترة بين طهران وأغلبية الدول العربية، استغلت بعض الردود حالة العداء المستفحل بين المعسكرين، وحاولت الربط بين الجمهورية الإسلامية ومذهب المهاجم الذي يقولون إنه من القطيف شرق السعودية أي حيث تسكن الأقلية الشيعية وقال أحدهم إن في قلب طالب عبد المحسن "خميني صغير" حسب ما كتب في منشور على منصة إكس.

بل إن بعضهم ربط الحادث بإيران التي دعمت النظام المخلوع في سوريا، وقال إنها محاولة للانتقام من برلين لأن ألمانيا حمت المدنيين السوريين أثناء الحرب  الأهلية التي عصفت بهذا البلد منذ عام 2011. 

في المقابل، سلط آخرون الضوء على موقف المشتبه به من إيران وأنه كان ينشر محتوى معاديا لطهران ومؤيدا لإسرائيل والصهيونية حسب قولهم، فضلا عن أنه أعاد نشر تغريدة حاكم دمشق الجديد أحمد الشرع المكنّى سابقا أبو محمد الجولاني. 

خصوم السعودية

نفس الموقف اتخذه أصحاب المعسكر الآخر. حيث تم التركيز على جنسية المهاجم ودعا بعضهم للتضييق على جواز السفر السعودي في محاولة حسب رأيهم لتجنب وقوع المزيد من العمليات الإرهابية في حسب تعبيرهم. وذهب آخر إلى حد تحميل الرياض كل ما يجري من أحداث إرهابية حسب تعبيره. 

سوريا

مواطنون عرب آخرون حاولوا ربط هجوم ماغديبورغ بالتطورات الأخيرة في سوريا وسقوط نظام في دمشق. 

اعلان

حيث اتهم أحدهم منفّذَ الهجوم بأنه كان مؤيدا للرئيس المخلوع بشار الأسد، بل ذهب لحد اتهام لشقيقه ماهر بالوقوف وراء العملية وأن هذا الشقيق الهارب إلى كردستان العراق قد عمد قبل ساعات من حادثة ماغديبورغ إلى الاتصال بخلايا نائمة في أوروبا وأمدها بالمال لشن عمليات مماثلة في عدة بلدان من القارة العجوز. 

أما المؤيدون لحكام دمشق الجدد، الذين تطغى عليهم الصبغة الإسلامية بقيادة أحمد الشرع زعيم هيئة تحرير الشام، فقد ربطوا بين أيديلولوجية المهاجم المنتقد لللإسلام ودعاة تأسيس نظام علماني في سوريا بعد رحيل الأسد.

تعليق آخر رأى أن "الإرهاب والكفر" وجهان لعملة واحدة ووصف دعوات العلمانية بالنباح وفق تعبير هؤلاء.

هجوم ماغديبورغ والمسألة الكردية

طفت المسألة الكردية على سطح بعض ردود الأفعال في المنطقة العربية.

اعلان

فهناك من المؤيدين لهذه الطائفة من حاول الربط بين توقيت الهجوم وموقف ألمانيا من أكراد سوريا ودعوتها إياهم لإلقاء السلاح وإبرام صفقة سلام مع النظام الجديد في دمشق. كما أوغل بعضهم في التحليل ونظرية المؤامرة ورأوا صلة بين قتل واشنطن لزعيم داعش أمس في سوريا وأن العملية من صنيعة أجهزة المخابرات حيب قولهم.  

أما الخصوم الذين يناصبون الأكراد العداء، فقالوا إن المهاجم مؤيد لحزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا.

 ورغم تصريح السلطات الألمانية أن الحادث هو عمل فردي، يظهر أن كل هجوم يحاول البعض إلباسه ثوبا طائفيا عرقيا أو سياسيا كما أن الواقعة تعكس مدى الاستقطاب والاحتقان في منطقة أنكهتها القلاقل والحروب والاضطرابات السياسية. 

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية "نحفر للعثور على بلاط المنزل".. سوريون يعودون إلى منازلهم المدمرة بعد سنوات من النزوح بعد تشكيل الحكومة الجديدة..آيسلندا تطرح استفتاء حول عضوية الاتحاد الأوروبي بحلول 2027 دراسة تكشف سرًا عمره 5700 عام.. ما السبب وراء تقويم قرون الأغنام في مصر القديمة؟ بشار الأسدألمانياإيرانالسعوديةأبو محمد الجولاني الأكراداعلاناخترنا لك يعرض الآن Next الحرب في يومها الـ 443: الجيش يطلب إخلاء مستشفى كمال عدوان ويواصل سياسة التهجير القسري شمال القطاع يعرض الآن Next خامنئي يتهم أمريكا وإسرائيل بنشر الفوضى في سوريا ويؤكد: "الشباب سيواصلون معارضتهم لحكام دمشق الجدد" يعرض الآن Next حادثة بـ"نيران صديقة" تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحمر يعرض الآن Next "نحفر للعثور على بلاط المنزل".. سوريون يعودون إلى منازلهم المدمرة بعد سنوات من النزوح يعرض الآن Next نصائح للتوفير في عيد الميلاد.. كيف تحتفل بالأعياد من دون أن تفلس؟ اعلانالاكثر قراءة القيادة المركزية الأمريكية تعلن عن تصفية "أبو يوسف" زعيم داعش في سوريا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل ألمانيا: 5 قتلى على الأقل وإصابة 200 شخص بعملية دهس بسوق عيد الميلاد واعتقال مشتبه به سعودي الجنسية صاروخ باليستي من اليمن يسقط في تل أبيب ويصيب 16 شخصاً بجروح طفيفة إصابة شاب بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا السورية اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومبشار الأسدعيد الميلادالحرب في سورياهيئة تحرير الشام كوارث طبيعيةإعصارضحاياالبرازيلالصراع الإسرائيلي الفلسطيني الغذاءاعتداء إسرائيلأوروباالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

المصدر: euronews

كلمات دلالية: بشار الأسد عيد الميلاد الحرب في سوريا هيئة تحرير الشام ضحايا البرازيل بشار الأسد عيد الميلاد الحرب في سوريا هيئة تحرير الشام ضحايا البرازيل بشار الأسد ألمانيا إيران السعودية أبو محمد الجولاني الأكراد بشار الأسد عيد الميلاد الحرب في سوريا هيئة تحرير الشام كوارث طبيعية إعصار ضحايا البرازيل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الغذاء اعتداء إسرائيل أوروبا یعرض الآن Next فی سوریا

إقرأ أيضاً:

العلاقة بين الديني والسياسي وما بينهما المدني.. مشاتل التغيير (11)

من الأهمية بما كان أن نؤكد على فكرة المجالات الرحبة التي يفعل فيها النشاط الإنساني، ذلك أن الإنسان باعتباره كائنا معقدا إنما يمثل حقيقة "اجتماعية" درج المفكرون على التأكيد عليها بمقولة شهيرة وهي "الإنسان مدني بطبعه"، فصارت كلمة "المدني" في جذورها التاريخية تعبيرا عن كل ما يتعلق بالشأن الاجتماعي وفاعلياته وأصول علاقاته وسنن آلياته ومآلاته.

وفي هذا السياق تكون هذه التفاعلات باعتبار الإنسان "فاعلا اجتماعيا" و"مدنيا بطبعه" إنما تعبر عن جملة من العلاقات والأبنية والمؤسسات فضلا عن منظومة من الفاعليات تتحرك في بناء المجالات المختلفة. ومن هنا يبدو لنا الإنسان وهو يتحرك ضمن هذه الأنشطة المتنوعة، أنه ضمن مسيرة تاريخية متراكمة تؤثر في معنى الاجتماعي والمدني وتميز فيما بينها وبين مجالات أخرى تحيط بالإنسان أو يحيط هو بها.

وفي هذا المقام يأتي الجانب الشخصي الذي يتعلق بكيان الإنسان الفرد (الذات الإنسانية) من دون أن يدخل في علاقات، ولكن في هذا السياق فإنه يتحرك في علاقاته وفاعلياته لحفظ كيانه الذاتي ثم تحرك الإنسان ليمد فاعلياته إلى مجال متميز عن مجاله الشخصي يمكن تسميته بالمجال الخاص، وهو في هذا كوّن دائرة من الخصوصية تتأصل فيها معاني الفاعلية ضمن هذه الدائرة التي تحدد دائرة الخاص، والمخصوص، والاختصاص والخصوصية.

بدا له يتحرك وفق أصول تعتمد "المدني" في مواجهة "الديني" في قياس غير بريء على خبرة غربية استطاعت أن تجعل من الخبرة العلمانية قاعدة لكل نهوض وتنوير غربي، واستخرجت من رحم ذلك مجموعة من المعايير الكلية التي تستند إلى عناصر الخبرة العلمانية، سواء كانت تشير إلى علمانية جزئية أو علمانية شاملة، وبدا هذا العراك شديدا ومتصاعدا يتحرك صوب أن المد المدني ليس إلا خصما من الديني وأن المد الديني ليس إلا خصما من دائرة المدني
وفي هذا السياق تتكون علاقات أقرب ما تكون إلى شكل العلاقات المباشرة التي ترتبط بقواعد عرفية ومجتمعية غير مكتوبة من قبل الأسرة وجماعة الأصدقاء والزملاء وصلات الرحم، فضلا عن أمور تتعلق بالجيرة والجوار وغير ذلك من أنشطة تتعلق بمجال الخاص وتتحرك في دائرته؛ ومع وجود حالة من الحركة الاجتماعية الدائبة بدا في حياة الإنسان مجال ثالث يتعلق بالمجال العام، ذلك المجال الذي يرتبط بشئون المجتمع والجماعة والمجموع والجميع، إذ يتطرق ذلك إلى فاعليات وعلاقات تتحرك ضمن هذا الاطار وتغذي عناصر حركة التكوينات الاجتماعية والجماعية والمؤسسية التي تلقي بنفسها في مجال العام والعموم.

وفي هذا المقام تولدت أشكال من الأنشطة النوعية كان على رأسها "المجال السياسي" يحقق بذلك رؤية تتعلق بممارسة ما يتعلق بأنساق الحقوق والواجبات السياسية، فضلا عن التكوينات المؤسسية السياسية خاصة مع بروز ظاهرة الدولة القومية ومؤسساتها المختلفة. من ثم بدا السياسي يتمدد ويتحول ويحدد لنفسه مجالا أرحب، حتى أنه ارتبط بتلك المجالات المختلفة وما يتعلق منها بالشخصي والخاص والعام.

وفي هذا السياق فإن هذه المجالات أُحبطت بوسط شكّل هذه العلاقات وأسهم في تطورها كما أضاف إلى تراكمها؛ وصارت هذه المجالات سيرة ومسيرة وسيرورة تعبر عن حالة يصعب "القرار عليها" والاستقرار على حدودها ومضامينها وأشكال تفاعلاتها وآلياتها والحدود المميزة فيما بينها، خاصة أن بين هذه المجالات علاقة اشتدت عناصر تأثيرها وتفاعلها إلى حد استطرقت فيه في التأثير وفي المزج والدمج واستدماج فيما بين بعضها البعض؛ فبرز مفهوم غاية في الأهمية مثل شفرة الحضارة الغربية وهو "مفهوم المدني"، وأحاط بجملة هذه المجالات المختلفة ما هو شخصي وما هو خاص وما هو عام وما هو سياسي، فبدت تنويعات المدني بذلك تلقي بنفسها في أتون هذه المجالات وساحاتها فتشكلها وفقا لشفرة المدني في هذا المقام؛ وعبّر المدني في ذلك عن مجموعة من القيم والأطر الثقافية والأنماط المجتمعية التي تتعلق بشان الحضارة الغربية وما أحاط بها في هذا السياق، ومن خلال شفرة المدني الذي ارتبط لديهم بالعلماني إطارا وقيما أن يأتي على علاقته بمجالات أخرى تشكل الوسط؛ كان على رأسها ما يمكن وصفه بـ"الديني".

حتى أن البعض بدا له يتحرك وفق أصول تعتمد "المدني" في مواجهة "الديني" في قياس غير بريء على خبرة غربية استطاعت أن تجعل من الخبرة العلمانية قاعدة لكل نهوض وتنوير غربي، واستخرجت من رحم ذلك مجموعة من المعايير الكلية التي تستند إلى عناصر الخبرة العلمانية، سواء كانت تشير إلى علمانية جزئية أو علمانية شاملة، وبدا هذا العراك شديدا ومتصاعدا يتحرك صوب أن المد المدني ليس إلا خصما من الديني وأن المد الديني ليس إلا خصما من دائرة المدني.

فهاهم حراس البوابات في علم المفاهيم يُقصون من المدني تكوينات جمعية ومجتمعية تحت دعوى أنها تكوينات إرثية ومنها الديني، رغم أن الخبرة الغربية واللاتينية قد حملت تعاونا وثيقا بين الكنيسة والنقابة كما في بولندا مثلا وطبعة "لاهوت التحرير" في أمريكا اللاتينية، وهو أمر لم يكن يشكل نوعا من الانتقاص من مفهوم "اجتماعية المدني" ومدنية الاجتماعي والمجتمعي"؛ ذلك المفهوم الذي شاهدناه لدى أرسطو وتناقلته الكتابات الإسلامية من كتب في الفكر الإسلامي وتراثه الممتد في مرادفة المدني بالاجتماعي والمجتمعي.

ومن هنا بدت صفة المدني تتخذ دورا إقصائيا واستبعاديا لكل ما يتعلق بالديني حينما انفصل مفهوم المدني عن الاجتماعي وبالتالي الديني؛ وأغفل هؤلاء أن المدني بالأساس هو في قبالة العسكري. وفي هذا المقام بدا لنا صعودا لا يمكن تجاهله في هذا الوسط، وهو ما يتعلق بالجانب العالمي والذي وصل في طبعته الأخيرة إلى الحالة العولمية.

هل الشكل الوحيد بين "المدني" و"الديني" هو الحالة التناقضية أم من الممكن أن يضطلع المدني بما هو ديني وما هو ديني أن يضطلع بما هو مدني؟ تساؤل صارت تطرحه تطورات طرأت على الأنشطة المؤسسية لحركات وتكوينات وأبنية.. ماذا يمكن أن يتركه التطور الذي يطرأ على التفكير في "السياسي" من تأثيرات على كافة المجالات الأخرى والعلاقات فيما بينها؟ السياسي بدلالاته التي تتسع وتتمدد ربما صار أقرب إلى دائرة الممارسات التي تتعلق بالعمران السياسي وحقائق المعاش اليومي وبنية السياسة التحتية.. تساؤلات صارت تفرض علينا أن نتعرض إلى جملة من المعادلات تستطبنه في داخلها جملة من تلك العلاقات، يجب أن تأخذ في اعتبارها تطورات لا يمكن إنكارها.

وضمن رؤية هذه المعادلات المختلفة، نستطيع أن نقول إن المدني مثّل مجالا ضمن تلك المجالات التي تتعلق بالمواطنة، إلا أنه من بعد تعاظم مفهوم المدني زاحفا على دوائر مختلفة بمساعدة العولمي ونهج الحياة العلماني على حد سواء، بحيث يروج لنموذج بعينه وجب التوقف على خبرته وتفحص مدلولاته والتعرف على مقالاته، وتلك المعاني التي تتعلق بقدرات الملاءمة وكفاءة المفهوم أو الصفة في الفعل والتفعيل والفاعلية.

أصول الاستطراق والظاهرة الاستطراقية في المجالات والعلاقات والبينيات والبنيات والسياقات والبيئات أمر غاية في الأهمية:

1- انسداد الموصلات بين قنوات الاستطراق.

2- اختلاف السوائل في الكثافة والضغط وعدم قابليتها للامتزاج.

3- وعي القائم بالتجارب وإدراك العناصر المانعة من توفير الوسط المناسب لإجراء تجربة الاستطراق المواطنية في قنوات الوطن وجماعته الوطنية المستندة إلى تيارها الأساسي.

4- حالة السيولة كشرط تأسيسي لتحقيق الامتزاج ومانعية التعاكس في الاستدماج الذي يصيب حالة القابلية للسوائل ضمن عمليات الامتزاج بحالة من التجمد والجمود.

في إطار تعريف السياسي في الرؤية الإسلامية، فالسياسة ليس مجالا للمدنس، بل هي سعي لإصلاح ما فسد ومن هنا كانت السياسة قياما على الأمر بما يصلحه
في هذا السياق تقوم السلطات بمنع عمليات الاستطراق وتأثيراتها بما تحدثه من انسدادات أو تأميمات، أو طغيان، واستبداد وتجمد، أو إلحاق أو تجفيف وما تحدثه من حالات تمنع الامتزاج والاستدماج وتروج لعناصر عزلة هذه الفاعليات من غير تواصل أو تفاعل أو تكامل؛ تطغى على أذهان بعض الناس خاصة من بعض المتدينين والبعض في التوجه العلماني الذين يحاولون إقصاء الدين من ساحات ومساحات العمل السياسي؛ بوصف المجال السياسي بالمدنس ويصفون المجال الديني بالمقدس، وهم في الغالب يحاولون أن يمهدوا لفصل، ولكن في هذه المرة غير علماني بين المقدس والمدنس.

والأمر ليس على هذا الوصف في إطار تعريف السياسي في الرؤية الإسلامية، فالسياسة ليس مجالا للمدنس، بل هي سعي لإصلاح ما فسد ومن هنا كانت السياسة قياما على الأمر بما يصلحه، أو على ما يقول ابن القيم ناقلا عن أساتذته أن "السياسة ما كانت من الأمور أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد"، أي أقرب إلى دائرة المقدس لا المدنس. وفي هذا السياق وجب علينا أن نعتبر العلاقة بين الدين والسياسة علاقة تفاعلية ناهضة تؤسس علاقة بين التنظير والواقع، فإذا كان الدين يشكل أصولا تنظيرية وقيمية فكيف إذن أن نصلح بمجال الواقع؟ إن ما يقوله ابن القيم ليس بعيدا عن هذا الأمر؛ حينما يؤكد أنه وجب علينا أن نعطى الواجب حقه من الواقع، وأن نعطى الواقع حقه من الواجب، تلك هي العملية التفاعلية في العلاقة بين الظاهرة السياسية والظاهرة الدينية.

وفي كلا الأمرين في الممارسات وجب علينا ألا نحيل أخطاء ممارسات البشر على أديانهم، وإلا كان ذلك تضييعا للأصل والموصول، أو للوصل والموصول. في هذا الإطار يمكننا أن نفهم تلك المقولة التي اشتهرت عن الإمام محمد عبده حينما لعن السياسة، فإنه الإمام لم يكن يلعن مفهوم السياسة في رؤيته الصافية، ولكنه لعن السياسة في ممارستها المتدنية، ومن هنا لعن ساس ويسوس وكل "فعل" يكون من أفعال السياسة، ذلك أن الفعل وتدنيسه ليس حجة على معنى السياسة التأسيسية؛ والبشر ليسوا حجة بأفعالهم على دينهم، فكثيرا ما يمثل البشر المعتنقين لدينهم عبئا عليه إسلاما كان أو غير إسلام.

إن جوهر المشكلة في العلاقة بين الديني والسياسي هو النظر إلى هذه العلاقة وفق طبيعة آنية مؤقتة أو أنانية نفعية، أو انتقائية مجتزأة، ومن هنا تبدو لنا الممارسات توظيفية تبريرية أكثر من كونها تسير في مساق العلاقة الصحية والسوية. إن هذا الذي يصبح فيمنع الدين من الفعل، ويمسى فيدخل الدين إلى دائرة الفعل في المساء، ويتحدث عن أن الذهاب إلى الانتخاب شهادة لا يجوز كتمانها ولا يتحدث عن عنفوان السلطة السياسية وتغلغلها وتقولها عليها واستبدادها بها في الحياة كافة؛ إنما يتحدث عن لغة انتقائية لا تحترم فيها السياسة الدين ولا يحترم فيها الدين السياسة.

يبدو للبعض أن هناك تناقضا حتميا بين المصلحة والقيم في السياسة؛ وهو أمر يتجاهل معنى المصالح المعتبرة المسكونة بالقيم، فمن الممكن أن تكون قادرا على أن تجعل من مصالحك مرتبطة بقيمك وتحول قيمك في مسار مصالحك الحقيقية والمعتبرة.

هذه العلاقة غير المشروعة بين الدين والسياسة، هي التي تفرز أبناء لقطاء لا يعرف لهم أصل ولا فصل، إلا أن هؤلاء قد يسعون بالفساد في الأرض وإفساد الناس وعلاقاتهم. وفي هذا وجب علينا أن ننظر إلى طبيعة العلاقة المتكاملة والمتفاعلة بين الدين والسياسة لينهض كلا طرفي العلاقة بالآخر وليشكل رافعة بجامعية الأمة واجتماعها وجماعتها الوطنية؛ ومن هنا وجب علينا أن نبحث من كل طريق عن مسارات العلاقة بين السياسة والدين في كل عمل يصب في مصلحة الإنسان وترقيته وعمرانه.

x.com/Saif_abdelfatah

مقالات مشابهة

  • أنقرة: أردوغان أكد هاتفيا لبوتين أهمية العمل معا لوقف الأعمال التي تغذي العنف الطائفي في سوريا
  • تياترو الحكايات| فرقة الكوميدي العربي.. حلم عزيز عيد الذي لم يكتمل
  • سوريا.. العنف الطائفي ضد العلويين يصل إلى دمشق قرب القصر الرئاسي
  • إبراهيم هنانو.. قصة الثائر الذي أحرق أثاثه من أجل سوريا
  • في آخر لحظة.. إلغاء زيارة وزيري داخلية ألمانيا والنمسا إلى سوريا بسبب هجوم محتمل
  • «تهديد إرهابي».. إلغاء زيارة وزيرة داخلية ألمانيا ونظيرها النمساوي إلى سوريا
  • فرصة جديدة..ألمانيا تطالب بإمهال حكام سوريا الجدد
  • البرلمان العربي يدين قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة كويا في سوريا
  • البرلمان العربي: الصمت الدولي يشجع كيان الاحتلال الإسرائيلي على التمادي في اعتداءاته على سوريا
  • العلاقة بين الديني والسياسي وما بينهما المدني.. مشاتل التغيير (11)