قال محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، في خطبة الجمعة بمسجد الإمام الحسين رضي الله عنه، إن الأديان كلها قائمة على الرحمة ومبنية عليها، والإنسانية اليوم في أمس الحاجة إلى التراحم بين أبنائها جميعًا، دون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق، ولا شك أن الدين أحد أهم ركائز صمام الأمان وإحياء الحس الإنساني.

التراحم الأسري

وأكد وزير الأوقاف، أننا نحتاج إلى التراحم الأسري، وتراحم الأب بأبنائه والأبناء بآبائهم والأزواج فيما بينهم، ونحتاج إلى رحمة الطبيب بمرضاه، والمعلم بطلابه، ورب العمل بعماله، والناس جميعًا فيما بينهم، موضحا أنه إن لم نتراحم وقت الشدائد فمتى نتراحم؟ لأن الرحمة تقتضي الإيثار لا الأثرة والسخاء لا البخل ولا الأنانية.

وأشار «جمعة»، إلى أننا نحتاج إلى التراحم على المستوى الأسري والمجتمعي والدولي، إن الرحمة لا تنزع إلا من شقى ومن لا رحمة في قلبه فلا دين ولا إنسانية له، وإن الإنسان السوي لا يمكن إلا أن يكون رحيمًا لأنه فطرة الله التي فطر الناس عليها.

القيم الإيمانية والوطنية الصحيحة

جاء ذلك في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري والتثقيفي، وغرس القيم الإيمانية والوطنية الصحيحة، وفي ضوء اهتمام وزارة الأوقاف بعمارة بيوت الله «عز وجل» مبنى ومعنى، إذ ألقى وزير الأوقاف اليوم، خطبة الجمعة بمسجد الإمام الحسين «رضي الله عنه» بالقاهرة، تحت عنوان: «اسم الله الرحيم .. ودعوة للتراحم»، بحضور الأستاذ الدكتور محمد أبو هاشم أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، والدكتور خالد صلاح الدين مدير مديرية أوقاف القاهرة، والدكتور محمود خليل وكيل مديرية أوقاف القاهرة، والشيخ أحمد محمد مدير إدارة أوقاف وسط القاهرة، وجمع غفير من رواد المسجد.

وفي خطبته، أكد أن من أسماء الله «عز وجل» الحسنى الرحيم، سمى نفسه الرحمن وسمى نفسه الرحيم، فهو الرحمن الرحيم، وهو البر وهو الودود وهو الغفار وهو المنان وهو الرؤوف الرحيم بخلقه وعباده، يقول سبحانه: «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ»، وقد جمع الله سبحانه اسمي «الرحمن»، و«الرحيم» في سورة الفاتحة، التي يقرؤها المسلم سبع عشرة مرة كل يوم وليلة في صلاة الفريضة وحدها، حيث يقول سبحانه: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فربنا رب رحيم، ونبينا هو نبي الرحمة، حيث يقول سبحانه: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، ويقول سبحانه: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ».

ويقول سبحانه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ»، فيجب علينا أن نقتبس وأن نهتدي من آيات الرحمة وأحاديث الرحمة، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «الرَّاحمون يرحَمُهمُ الرحمنُ، ارحموا أهلَ الأرضِ، يرحمْكم مَن في السماءِ»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «لا تُنزَعُ الرَّحمةُ إلَّا من شقيٍّ»، فالأديان كلها قائمة على الرحمة، ومبنية عليها، فإذا وجدت إنسانًا بلا رحمة فلا دين له ولا خلق له ولا إنسانية له، لأن الرحمة من الصفات الفطرية التي فطر الله الناس عليها.

يقول الحق سبحانه: «فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ»، فإذا رأيت إنسانًا فظًا غليظًا قاسيًا لا يرحم أحدًا تعلوه الأنانية، فليس هذا من الأديان ولا من الإنسانية في شيء، فقد جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ «صلَّى اللهُ عليه وسلَّم» فوجده يقبِّل الحسن والحسين «رضي الله عنهما»، فقال: أتُقبِّلونَ الصِّبيانَ؟ فما نُقبِّلُهم فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وما أملِكُ لك أنْ نزَع اللهُ الرَّحمةَ مِن قلبِك»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه».

وأكد أن رحمة النبي «صلى الله عليه وسلم» تعدت الإنسان إلى الحيوان وإلى الجماد أيضًا، فنهى «صلى الله عليه وسلم» أصحابه أن يقطعوا شجرًا أو يحرقوا ثمرًا، ودخل يومًا حائطًا «بستانًا» من حيطان الأنصار، فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه، فلما رأى النبيَّ «صلى الله عليه وسلم» حَنَّ وذرفت عيناه، فقال: من صاحب الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال «صلى الله عليه وسلم»: أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله، إنه شكا إلىَّ أنك تجيعه وتدئبه، فمن كان تحت يده عامل أو خادم أو أجير فليرحمه، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «هُم إخوانُكم خَوَلُكم، جَعَلَهم اللهُ تحت أيْديكم، فمَن كان أخُوه تحت يَدِه فلْيُطعِمْه ممَّا يَأكُلُ، ويُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كَلَّفتُموهم فأعينُوهم، ومَن لم يُلائِمْكم منهم فبِيعوهم، ولا تُعذِّبوا خَلْقَ اللهِ».

الدين صمام الأمان للبشرية جمعاء

كما أكد وزير الأوقاف، أن الدين صمام الأمان للبشرية جمعاء، ففهم صحيح الدين والعمل به صمام أمان للبشرية جمعاء، فشتان بين من يخاف الله ويتقي الله «عز وجل» في خلقه، وبين من غرته الحياة الدنيا، فغلبته النفعية والأنانية والأثرة، فالرحمة تقتضي الإيثار لا الأثرة.. والسخاء لا البخل ولا الأنانية، فديننا دين الرحمة، نحتاج إلى التراحم بين الآباء والأبناء، خاصة إذا بلغ الآباء من الكبر عتيًا، والرحمة بين الأزواج، نحتاج إلى رحمة الطبيب بمرضاه، ورحمة المعلم بطلابه، ورحمة الاغنياء بالفقراء، ورحمة أرباب الأعمال بالعمال.

يقول «صلى الله عليه وسلم»: «مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ»، وإياك أن تنظر إلى الضعيف من زاوية ضعفه، فالضعيف وليه الله، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم، يقول رب العزة في الحديث القدسي: إنَّ اللَّهَ «عزَّ وجلَّ» يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ، وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أسْقِيكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أمَا إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي.

نحتاج إلى تحقيق الرحمة على المستوى الأسري والمستوى المجتمعي وعلى المستوى الدولي، وأن نتعامل من منطلق الإنسان الذي كرمه الله، حيث يقول سبحانه: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»، بغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه، فإذا كانت الرحمة مستوجبة للحيوان والجماد، فهي أوجب للإنسان، أيًا كان دينه أو جنسه أو لونه، نحتاج إلى العودة الصادقة إلى دين الله «عز وجل»، وإلى الإيمان بالله «عز وجل»، فهو الركن الركين والصمام الأمين والحارس الأمين على سلوكيات الناس وأخلاقهم، إن لم نتراحم وقت الشدائد والأزمات فمتى يكون التراحم: جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍعرفتُ بها عدوّي من صديقي.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: وزير الاوقاف وزير الأوقاف وزارة الأوقاف صلى الله علیه وسلم وزیر الأوقاف یقول سبحانه نحتاج إلى

إقرأ أيضاً:

أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

أنوار الصلاة هذا ربيعك يا محمد غرداً.. فترى الوجود مغرداً ومردداً

ما أن أطل على الوجود ضياؤه.. حتى أنار العالمين إلى الهدى

أراد ربك أن يجلي رحمة.. في الكون فاختار النبي محمداً

قد زينته شمائل محمودة.. فغدا على كل العوالم سيداً

ملأت الكون يا طه سروراً.. وفاحت ذاتك المثلى حبوراً

لقد زنت الدنا عطراً ونوراً.. وقد أسقيتها ماء طهوراً

اللهم صَلِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَصْلِ الأُصُول، نُورِ الْجَمَالِ، وَسِرِّ الْقَبُول، أَصْلِ الْكَمَالِ، وَبَابِ الْوُصُول، صلاةً تَدُومُ وَلا تَزُول، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمِّدٍ أَكْرَمِ نَبِيٍّ، وَأَعْظَمِ رَسُول مَنْ جَاهُهُ مَقْبُول، وَمُحِبُّهُ مَوْصُول، الْمُكَرَّمُ بِالصِّدْقِ فِي الْخُرُوجِ وَالدُّخُول، صلاةً تَشْفِي مِنَ الأَسْقَامِ وَالنُّحُول وَالأَمْرَاضِ وَالذُّبُول، وَنَنْجُو بِهَا يَوْمَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ مِنَ الذُّهُول، صلاةً تَشْمَلُ آلَ بَيْتِ الرَّسُول وَالأَزْوَاجَ وَالأَصْحَابَ، وَتَعُمُّ الْجَمِيعَ بِالْقَبُول، الشَّبَابَ فِيهِمْ وَالْكُهُول، وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِه أجمعين، آمِين.

مقالات مشابهة

  • وزير الأوقاف: جاء "نبينا ﷺ" بالعمران ونهى نهيا شديداعن الفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل
  • نص كلمة وزير الأوقاف في احتفالية المولد النبوي الشريف
  • الشؤون الإسلامية توجه بتخصيص خطبة الجمعة عن نعمة الأمن في المملكة وجه وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، اليوم الاثنين، خطباء الجوامع بعموم مناطق المملكة، بتخصيص خطبة الجمعة المقبلة يوم 17 ربيع الأول 144
  • وزير الشؤون الإسلامية يوجه بتخصيص خطبة الجمعة عن الأمن والرخاء ووحدة الصف
  • وزير الأوقاف: النبي محمد نهى بشدة عن الفساد في الأرض
  • وزير الأوقاف: ندعو أشقاءنا في غزة للتمسك التام بأرض وطنهم مهما كانت التضحيات
  • شيخ الأزهر: القتال في شريعة الإسلام لا يباح للمسلمين إلا إذا كان لرد العدوان
  • وزير الأوقاف يهنئ رئيس الجمهورية بذكرى المولد النبوي الشريف
  • وزير الأوقاف: نبذل كمصريين كل جهودنا لإطفاء نيران الحرب في غزة
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم