الشاعر فتحي عبد السميع يردم حفرة الدم في كتابه "القربان البديل" الصادر مؤخرا
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
لفت كتاب "القربان البديل.. طقوس المصالحات الثأرية في صعيد مصر" الصادر مؤخرا عن سلسلة الدراسات الشعبية الهيئة العامة لقصور الثقافة للكاتب فتحي عبد السميع الانتباه منذ صدوره، واعتبرته مؤسسة جائزة الشيخ زايد للكتاب من أفضل ثلاثة كتب في العالم العربي في مجال الأنثربولوجيا، وتم منح المؤلف جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية دون أن يتقدم للجائزة.
أما أهمية الكتاب فبلغت حدا غير مسبوق في مجال تأثيره على الواقع، فمنذ صدوره يعتبر المرجع الأساسي لرجال المصالحات الثأرية في جنوب الصعيد، وبعضهم يحمله في سيارته بشكل دائم ـ في صعيد مصر ـ، لأنه يحتوي على خبرات كبيرة قام الكاتب بجمعها من أفواه كبار قضاة الدم على مدار سنوات طويلة، كما قام بتحليلها، وبيان أبعادها الرمزية و قيمة كل خطوة من خطوات المصالحات الثأرية، وأهميتها، ومعناها.
والكتاب يقوم برصد وتحليل منهج اللاعنف فى الثقافة الشعبية، كما يتجلى فى فض الخصومات الثأرية في صعيد مصر، والذى يَشتهر باتخاذِ العنف المضاد كوسيلة وحيدةٍ للتصدي لمشكلة العنف، تلك الشهرة التي تتجاهل منهجا آخرَ يقوم على التصدي للعنف مِن خلال اللاعنف، وهو منهج فعّال، يعبِّر عن الحِكمة والعقلانية، وقد تحققتْ مِن خلاله إنجازاتٌ ضخمة جدا، لأنها فَضَّتْ خصوماتٍ وتناحرات كثيرةً، حافظتْ علي أرواح، وأوقفتْ سيلانَ دماء غزيرة.
ويُطلَق على ذلك المنهج اسم "ردم حفرة الدم"، أو "القودة" ، وقام المؤلف بدراسة المنهج باعتباره طقسا، وهو المدخل الذي يراه المؤلف بالغ الأهمية لفهم السلوك الشعبي وقوته ورسوخه وأعماقه الحضارية الكبيرة. ويَكتسب طقس "القودة" أهميةً مِن خلال ترسيخ منهج " اللاعنف" في التصدي لمشكلة العنف، وتأكيد قدرته على حلها بدون سفك الدماء، فالحِكمة الشعبية في الطقس تُعلي مِن شأن الحفاظ على الحياة مهما كانت المبررات، وتَرفع مِن قِيَم العفو، والتسامح، والحوار إلى أعلى درجة ، تلك القيم التي تُعَد الشغلَ الشاغل لدعاة الإصلاح في وقتنا الحالي، في ظل ما نعانيه مِن شيوع النوازع الانتقامية، وانهيارِ جسور الحوار العقلاني فى كثير من الأماكن.
وطقس القودة يقدم لنا ملامح مهمة لهذا المنهج، فهو لا يتم بشكل عشوائي، بل يعتمد على استخدام العقل والوجدان معا بفاعلية كبيرة، فالأسلوب العلمي في الطقس بالغ الأهمية، رغم ظهوره بشكل تلقائي، فكل حالة ثأرية تُدرَس جيدا، كما تُجمَع المعلومات حول أطرافها بشكل دقيق، ويتم تحديد العناصر التي يمكن أن تشكل صعوبة في إجراء المصالحات الثأرية، واختيار المداخل المناسبة لها، والشخصيات التي تستطيع التأثير فيها، إلى آخره.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الثار
إقرأ أيضاً:
نجم الزُبَانَى
لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.
واليوم نتحدث عن نجم الزُبَانَى الذي يعتبر أحد نجوم الأنواء عند العرب، ويقع في كوكبة الدّلو، وهو من النجوم التي يمكن رؤيتها بسهولة في السماء، يُطلق عليه أيضًا اسم «ألفا الدّلو»، ويُعدّ أحد ألمع النجوم في هذه الكوكبة، ويتميز بلونه الأبيض الذي يميل إلى الزرقة، يقع ضمن الأنواء التي كان يُعتمد عليها في تحديد بعض الفترات الزراعية أو الفصول السنوية، وقد أُطلق عليه هذا الاسم من قبل الفلكيين العرب، ويعني «الزبانة» في اللغة العربية «المشرف» أو «الذي يُوجه»، وذلك بسبب موقعه في السماء بالقرب من نهر الفلك. وقد ذكره المرزوقي في كتابه الأزمنة والأمكنة فقال: «الزباني، وسمّي زباني العقرب وهما قرناها، كوكبان وهو مأخوذ من الزّبن وهو الدّفع، وكلّ واحد منهما عن صاحبه غير مقارن لها ونوؤها ثلاث ليال وتهبّ معه البوارح. وفضل وقت لرؤية الزُبَانَى هو في شهر أغسطس تقريبًا عندما تكون الكوكبة في أعلى نقطة لها في السماء، وقد أثبتت الدراسات الفلكية أن هذا النجم يبعد حوالي 36 سنة ضوئية عن الأرض، مما يجعله قريبًا نسبيًا من كوكبنا في المقاييس الفلكية، وتبلغ درجة حرارته حوالي 12,000 درجة مئوية، وهي حرارة مرتفعة جدًا مقارنةً بشمسنا، وهو أكثر سطوعًا من شمسنا بنحو 30 مرة، وأكبر من قطر الشمس بنحو 4 مرات. وقد ذكر هذا النجم كثيرًا في أشعار العرب قديمها وحديثها، ونجد كذلك أن البحار العماني أحمد بن ماجد ذكره في منظومته الفلكية فقال:
وَيَعتدِل يا صاحبي الزُباني
مَعَ السهيلِ فافهَمِ المَعَاني
في ذلكَ الموسمِ غيرَ خافي
وهُم براسِ الحدِّ ستَّه وافي
وأشهر الشعراء الأمويين الذين ذكروا هذا النجم منهم ذو الرمة الذي ذكر هذا النجم في أكثر من قصيدة في ديوانه، ومنها قوله:
وَرَفْرَفَتْ لِلزُّبَانَى مِنْ بَوَارِحِهَا
هَيْفٌ أَنَشَّتْ بِهَا الأَصْنَاعَ وَالخَبِرَا
رَدُّوا لِأَحْدَاجِهِمْ بُزْلاً مُخَيَّسةً
قَدْ هَرْمَلَ الصَّيْفُ عَنْ أَكْتَافِهَا الوَبَرَا
ففي قصيدة أخرى نجد ذو الرمة يذكر نوء الزبانى وبعض التغيرات المقونة بهذا النوء فيقول:
فَلَمَّا مَضى نَوْءُ الزُّبَانَى وَأَخْلَفَتْ
هَوَادٍ مِنَ الجَوْزَاءِ وَانْغَمَسَ الغَفْرُ
رَمَى أُمَّهَاتِ القُرْدِ لَذْعٌ مِنَ السَّفَا
وَأَحْصدَ مِنْ قُرْيَانِهِ الزَّهَرُ النَّضْرُ
وهذا الشاعر الأموي الأخر الكميت بن زيد الأسدي يذكر هذا النوء فيقول:
وَلَمْ يَكُ نَشؤُكَ لِي إِذْ نَشَأْتَ
كَنَوْءِ الزَّبَانِي عَجَاجاً وَمُورَا
وَلِكِنَّ نَجْمَكَ سعْدُ السعُو
دِ طَبَّقْتَ أَرْضيَ غَيْثًا دَرُورَا
وفي العصر العباسي نجد الشاعر الشهير ابن المعتز يذكر هذا النجم في قصيدة له فيقول فيها:
إِذا شدَّ خِلتَ الأَرضَ تَرمي بِشَخصِهِ
إِلَيها وَيَدعوها لَهُ فَتُجيبُ
مُعِدٌّ لِأَخيارِ الرِياحِ طَليعَةً
يُراقِبُ زَبّانينَ حينَ يَأوبُ
وكذلك الشاعر محمد بن يزيد الحصني المسلمي الذي عاش في العصر العباسي يقول:
إلا وغفرُ الزبانى
يلوحُ فيه العمود
كأنه قُرَشيٌّ
تهفو عليه البنود
ونجد شاعر إشبيلية المتصوف الأعمى التطيلي يذكر هذا النجم في قصائده فيقول:
ولو أنّهُ هزَّ يُمناكَ رمحًا
وركّبَ بأْسََ فيه سنانا
لقامَ فَبَدَّدَ شمْلَ الثريّا
ولو أنّها زَبَنَتْ بالزُّبَانى
وكذلك نجد الشاعر الأندلسي ابن دراج القسطلي يذكر هذا النجم بقوله:
سليبَ المُلْكِ مُنْبَتَّ الأَمانِي
وفَقْدُ العِزِّ إِحْدى المِيتَتَيْنِ
طريدَ الرَّوْعِ لَوْ حَسِبَ الزُّبانى
تلاحِظُهُ لَغارَ مع البُطَيْنِ
كما نجد الشاعر ابن عُنَيْن الذي عاش في الدولة الأيوبية يفصل في ذكر هذا النجم فيقول:
وَأَهدى لَها الوَسمِيُّ سبعًا وَسَبعَةً
طُلوع الزُبانى قَبل ذاكَ مَع الفَجرِ
فَما بَسطت كَفُّ الخَضيبِ بِنانَها
عَلى الأَرضِ إِلّا وَهيَ مَوشيَّةُ الأُزرِ