*لديَّ إحساس دائم بأنني لم أقل كلمتي الحُرَّة بعد

*الشعر يضع إصبعه في عين العالم لكنه يرعاه في آخر الليل من الذئاب والقتلة

*لم أفكر في أن اللغة الإيطالية التي تُرجم لها ديواني هي لغة مستعمر

*أمسك بأذني المجاز وأغامر معه بلا نهاية

*الترجمة تمنحك الكثير من فرص الانتشار

*قصيدة النثر خلخلت جسد الشعر العربي بعد أن أنهكته التقليدية وجمود الخيال

*لا بد أن أكون متباهية بهبة الشعر مهما كان إحساسي بالخذلان

ترى الشاعرة الليبية سميرة البوزيدي أنها لا يمكن أن تكتب قصيدة مرحة وسعيدة بينما تشعر بالخوف على الأطفال من الحرب، ففي لهيبها لا مكان سوى لمفردات الذعر والخوف والوحل والأمراض.

تكتب بواقعية لكنها تعرف كيف تصطاد الشعر من كل مكان حولها، تغافل الرقيب الذاتي الذي يحاصرها في مجتمع محافظ لتلتقط ما تهبه لها الحياة من قصائد جميلة. برغم قتامة الصورة إلا أن الشاعرة - التي تعدُّ واحدة من أبرز شعراء قصيدة النثر في ليبيا – تشعر بالرضا لأن الشعر منحها هبته العظيمة.

ولدت سميرة البوزيدي بمدينة طرابلس عام 1969، وحصلت على ليسانس التاريخ. أصدرت عدداً من الأعمال الشعرية المهمة مثل "جدوى المواربة"، "أخلاط الوحشة"، "السير في توقع"، "يضيء نفسه"، "معابر زلقة"، "خشب يدخن في العراء"، "تحت القصف"، كما نشرت على الإنترنت ديواناً كاملاً بعنوان "ديوان الحرب/ عندما تشعر البيوت المهدمة بالوحدة"، كما أصدرت كذلك كتباً نقدية منها "بوابة الحلم". هذا الحوار هو محاولة لرسم صورة لعقل سميرة البوزيدي الشاعرة والإنسانة.

أبدأ من ديوانك المترجم إلى الإيطالية "من سيرة الأيام الضائعة".. هل يمكن القول إن أسئلتك في هذا الديوان هي عن الرغبة في التحرر، والطيران، وكذلك التحطم على صخور الواقع الصعب في النهاية؟

نعم. في الغالب سؤال الحرية يطغى على نصوصي. أحياناً يأتي مباشراً وواضحاً، وأحياناً يمكن تلمُّسه من سياق النص. هو سؤال ضروري يحمل إجابته داخله. هو سؤال لا يشبه أي سؤال آخر لأنه مرهون بشكل أبدي بعدم التفسير، ربما لأن الشعر لا يهتم بالتفسير، يضع أسئلته ويمضي تاركاً حيرة ما! لذلك هو غير مسؤول، وجماله أنه كذلك مع عمقه وقوته وقدرته على جلب كل التناقصات والتعابير التي لايمكن أن يتضح نزقها ومغامرتها وجنونها إلا به.

تقولين في قصيدة: "أفكر بطريقة ما، تجعل كل ما كتبته يتبخر، لتبقى عظام الشعر في قعر الروح"، وتقولين في قصيدة أخرى: "أنظر إلى تركة القصائد الحرة التي تركتها، تلك المنفلتة من الجهامة والوصاية البشعة، وأقول ربما في يوم ما، أكتب قصيدتي الحرة".. هل تكشف هذه الكلمات عن رؤيتك للشعر؟ هل أنت لا تكتبين حتى الآن القصيدة التي تمثلك وتحلمين بها؟

هناك دائماً نص محلوم به، يكون حراً ووحشياً وميالاً إلى الانعزال والانفتاح، مزاجياً ولا يخجل من أخطائه وعيوبه وتناقضاته، لا يخاف من التأويل السيئ ولؤم القارئ، نص عاطفة وجسد، نص فيه الضعف والخوف والشجاعة أيضاً، نص لا ينظر إلى الوراء عابث وطفولي، نص صريح إزاء الحياة والحب والرغبة والتوحد، إزاء كل مخفي لا بد أن يظهر، غير معني بالأخلاقيات الجامدة والطرق الواضحة، نص يعوي ويخون ويكذب.. لا بأس، أيضاً نص إنساني معني بالقتلى والمظلومين ومن كسرت الحياة أرواحهم، لا بد من أن يضع الشعر إصبعه في عين هذا العالم وفي نفس الوقت لا بد أن يحضنه ويرعاه في آخر الليل من الذئاب والقتلة.

ما الذي منحته الترجمة إلى اللغة الإيطالية - على وجه التحديد - لقصيدتك؟ أقصد لغة كانت تخص محتلاً لبلدك في الماضي؟ هل فكرت في ذلك؟

لم يكن في حسباني وأنا أدفع بكتابي إلى جهة الترجمة مسألة أن اللغة الإيطالية هي لغة مستعمر ولم أفكر فيها حتى، أولاً الترجمة من أيام الدولة العباسية وإلى الآن لا أظنها تأخذ في الحسبان مسألة الاستعمار، لأن مفهومنا عن الترجمة أنها التواصل والانفتاح على آداب الشعوب، فليس منطقياً تأويل الترجمة حسب المستعمر وإلا لكانت كل دول الوطن العربي تمتنع عنها، لأنها كلها كانت مُستعمَرة!

أعود إلى الشقِّ الأول من سؤالك، الترجمة تمنحك الكثير مما لم تمنحه لك بلادك من فرص النشر والانتشار والاهتمام الحقيقي بكونك شاعراً أو شاعرة استحقت نصوصهم أن تُترجم إلى لغات تهتم شعوبها بالشعر والفن والجمال، مثلاً ديواني "من سيرة الأيام الضائعة" الذي ترجمته السيدة سناء درغموني لم يقف الأمر عند حدود ترجمته، بل تم عمل ندوة له حضرها نقاد مهمون وجمهور يهتم، ونُقلت الندوة عبر تطبيق "زوم"، وأثيرت الكثير من الأسئلة التي تنمُّ عن اهتمام حقيقي بتجربتي، وتؤكد أنهم وجدوا اختلافاً وصوتاً شعرياً لفت انتباههم، أيضا سيتم الاستعانة بالديوان في التدريس الأكاديمي بجامعات إيطاليا. فأين نقادنا وقراؤنا؟ هذا لو لدينا نقاد فعلاً ولو لدينا قراء!

لا بد هنا أن تصطبغ اجابتي بالمرارة رغماً عني، الشعر يعامل كترفٍ زائد، ويتم استدعاؤه إلى أمسيات ومنابر تختلط فيها التجارب ويتحول الأمر إلى محافل للتفاهة وترويجها.

ما الذي تضيفه الترجمة إلى الشعر وما الذي تأخذه منه بشكل عام؟

أظن أنها تضيف الكثير، لأن الشاعر لا يجب أن يكون منعزلاً، وهو أيضاً يحب أن يقرأ الجميع نصه بالطبع، والترجمة وسيلة انتشار وفيها فائدة للشاعر والقارئ.

كبرنا ونحن نقرأ ترجمات بهية جلبت أدب العالم إلينا نحن الشعوب التي منع حكامها لغات أخرى عليها كليبيا مثلاً في العهد السابق، أما ما تأخذه الترجمة فهو قليل مقارنة بما تعطيه وهذا يتعلق أكثر ما يتعلق بجودة الترجمة وقدرتها على القبض على حرارة المعاني ودلالاتها أيضاً.

من عناوين دواوينك "جدوى المواربة"، "أخلاط الوحشة"، "السير في توقع"، "يضيء نفسه"، "معابر زلقة"، "خشب يدخن في العراء" وكذلك يبدو من قصائدك أن هناك ولعاً ما بالمجاز.. ما رؤيتك للمجاز بشكل عام؟

أنت هنا تتحدث عن المجاز في جانب الكتابة التي بها بلاغة كلاسيكية وتحمل الكثير من التشبيهات والمضاف والمضاف إليه. رؤيتي للمجاز في حيزه الإبداعي أنه ربما تتعثر بدايات أي شاعر في جانبه العادي والتقليدي، ولكنه لابد أن يأخذ مساره الآخر لاحقاً، معتمداً على تفجير نفسه من الداخل، ذاهباً نحو التراكيب والصياغات والرؤى المختلفة.

يبدو في دواوينك الأحدث أنك لم تتركي المجاز بشكل كامل وإن أخذ صيغاً مختلفة.. فما تعليقك؟

أنا دائماً أنظر إلى المجاز باعتباره عمود الخيال التي يتكئ عليه الشعر، وفي رأيي لا يستقيم الشعر بغير مجاز، لكن بدون أن يكون بلاغياً أو تقليدياً، ولأنني أمقت النمط والإطارات فلهذا تراني أمسك بأذني المجاز وأغامر معه بلا نهاية، طبعاً المجاز في معناه غير التقليدي والنمطي.

حينما تنظرين إلى أول وآخر ديوان لديك ما الذي تجدينه قد تغير في صوتك؟

الكثير والكثير جداً، لأن مواصلة الكتابة لا بد أن تخلق النضج والمسؤولية، أيضاً تخلق الدربة وسهولة التعبير والرغبة المتواصلة في تحطيم الأطر والمعتاد من الرؤى والتعابير، أقف بين زمنين وأنظر إلى قصائدي الأولى بإشفاق - ربما - ولكن أيضاً باحترام شديد كونها خطواتي الشجاعة الأولى في وقت كان صعباً وتتهيب فيه الفتاة والمرأة هنا من الكتابة والنشر.

قصيدة النثر لدى جيل التسعينيات في العالم العربي قامت على فكرة المفردات اليومية البسيطة.. ما رؤيتك أنت لقصيدة النثر؟

قصيدة النثر عالم لوحدها، لا يمكن إنكار الخلخلة العظيمة لها في جسد الشعر العربي بعد أن أنهكته التقليدية وجمود الخيال والصياغات القديمة لفترة طويلة، عندما نذكر قصيدة النثر تحضر المغامرة في الكتابة وكسر المعتاد، يحضر الخيال اللامحدود والتراكيب والاستعارات الغريبة، وفي هذه المرحلة التاريخية من عمرها شرف لنا أننا نعاصر ونشهد ذروة نضجها وتجددها.

لماذا يسيطر التشتت والوحدة واليأس بصورة ما على الذات في معظم دواوينك؟

الوقت لم يكن سهلاً ولا متسامحاً معي فكان لا بد أن يتسرَّب هذا إلى نصي، فلا يمكن أن أكتب نصاً مرحاً وسعيداً وأنا خائفة من الحرب التي تندلع فجأة أو الموت والمرض، خائفة على أطفالي وهم يكبرون داخل هذا الذعر والوحل، خائفة على أحبائي من المرض والألم والفقر، خائفة على نفسي وهي تواصل السير بصعوبة.

الشاعر لسان حاله قبل أن يكون معبِّراً عن غيره، لأن هذه الذاتية هي المعبِّرة عن الذات الجمعية في النهاية، فلا يمكن أن يحكي الشاعر عن كل شيء ولا يبدأ بنفسه. أعترف أن نصي موسوم بي، بخوفي وحزني وتشتتي فمن سيعبر عني لو لم أفعل؟! لكن نصوصي بقدر ذاتيتها تطلُّ على الآخر، وقد وثقت عبرها يوميات الحرب من بداية الثورة إلى الآن في ديوان نشر إلكترونياً بموقع "بلد الطيوب" ولا أحسب أن هناك ديواناً كاملاً عن الحرب قبله، أسميته "ديوان الحرب/ عندما تشعر البيوت المهدمة بالوحدة".

من أين ينبع الشعر لديك؟ أين تجدينه؟

من كل مكان حيث تتحول الأمكنة والأزمنة والأحداث إلى قصائد. أنا مهمومة بالشعر والكتابة ولا مجد لديَّ بدونه! أراه سمتي وطابعي الخاص الذي منحني بركة لعنته. أضعه بداخلي وعلى رأسي وبين عيوني ولا بد أن أكون متباهية هنا بهذه اللقيا والهبة الرائعة مهما كانت درجة إحساسي بالخذلان من الحياة، وأظن أن روحي شعرية خالصة من غير أن تكون شاعرية تماماً، فبقدر شعريتي أنطوي على الكثير من المنطق، مع أن الشعر ضد (المنطق والحكمة) فهما كما يبدو نهاية الطريق.

هناك تأثير كبير للمكان على قصيدتك.. لماذا يأخذ المكان دوراً مهماً في قصيدتك؟

طبيعي أن يأخذ المكان الواقعي حيزه الشعري داخل النص فهو المؤثر الرئيسي ضمن مؤثرات أخرى، وهذا يشمل بيتي وطريقي ومدينتي طرابلس وبلادي ليبيا والأماكن التي سافرت إليها، بالإضافة إلى أمكنة خيالي وهي الأجمل والأكثر اتساعاً.

ما العوامل التي صنعت منك شاعرة نثر؟

القراءة كبداية وأيضاً ربما بما جُبلت عليه من حساسية خاصة تجاه الحياة والوجود ووقع وطعم الكلمات على روحي، وحب الشعر والكتابة.

من شجعك في عائلتك؟ ومتى اكتشفتِ أنك شاعرة؟

طبعاً لأبي رحمه الله الفضل الكبير في توجهي للكتابة، مكتبته كانت عامرة بالكتب والمجلات فتربيت على قراءتها منذ الطفولة المبكرة. التهمت مبكراً كل ما وقعت عليه عيوني من كتب التاريخ والشعر وكتب المغامرات والسيرة والخيال والروايات والقصص.

ما أقدم قراءاتك وكيف استطعت توفير الكتب لنفسك؟

فتنتني القصص تحديداً مبكراً، أقدم قراءاتي كان كتاب "ألف ليلة وليلة". قرأته وأنا في الصف الرابع من التعليم الابتدائي. كنت أشبَه بقارضة ورق لا أتوقف عن القراءة. أتحصل على الكتب من مكتبة أبي ومن صديقاتي. أسير مسافات لجلبها منهن، وأيضاً من المكتبات العامة على محدوديتها في تلك الفترة. حالياً أتنعم بهبات النشر الإلكتروني، ولكني صرت أكثر تدقيقاً في اختياراتي.

هل كونك امرأة في مجتمع محافظ خلق بصورة أو أخرى رقيباً ذاتياً لديك؟

نعم للأسف، ولا أزال أحياناً أكتب بهذا الرقيب ولديَّ إحساس دائم بأنني لم أقل كلمتي الحرة بعد، وأن هناك كلمة مختنقة تقبع هناك بعينين غاضبتين. ولكنني بالنظر إلى مشهدنا الشعري أواسي نفسي بأنني أكتب على الأقل رأياً وتوجهاً مختلفاً في الحياة والحب.

ما جيلك عربياً ومن أبرز الشعراء الأقرب إلى ذائقتك؟

جيلي عربياً عماد أبو صالح وإيمان مرسال. أقرب الشعراء لذائقتي محمد الماغوط، مفتاح العماري، زكريا محمد، وصلاح فائق.

ومن الشعراء الذين تعتبرينهم الأقرب إلى روحك عالمياً ولماذا؟

رامبو بغربته وغرابته، بوكوفيسكي بجنونه وحريته، فروغ فرخزاد بتوقها وحزنها.

هل قصرت وسائل التواصل الاجتماعي المسافات بين الأدباء العرب؟ وهل ترين أنك حصلتِ على الاهتمام النقدي الذي تستحقه أعمالك؟

نعم وسائل التواصل قرَّبت كثيراً بين المهتمين بالكتابة، بل إنها ساهمت في شيوع النص النثري، تعرفت عبره على جمع كبير من الشعراء الذين أفخر بصداقتهم. وفيما يخص النقد، كُتبتْ الكثير من القراءات على المستوى الليبي والعربي عن أعمالي. معظمها أخذ طابع القراءة الانطباعية، لكن بعضها دراسات أكاديمية، فهناك حالياً رسالتا ماجستير ورسالة دكتوراه عن أعمالي، وهي خطوة جيدة من جامعاتنا التي بدأت تهتم بالتجارب المعاصرة.

أخيراً.. تعملين في الصحافة الثقافية.. فما ملاحظاتك عليها؟

الصحافة الثقافية أتاحت لي الاقتراب كثيراً من الوسط عبر وسائل التواصل ووفرة الاختيارات في الشعر والقصة وغيرها. العمل بها ممتع بقدر ما هو متعب. أشرف على صفحات ثقافية أسبوعية وأيضاً أشرفت على ملحق ثقافي كامل أسميته "بيت الكتابة" حاولت أن يكون مميزاً ويضيف الجديد إلى الصحافة الثقافية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکثیر من لا بد أن لا یمکن أن یکون یمکن أن ما الذی

إقرأ أيضاً:

توكل كرمان من لاهاي أمام تجمع عالمي: العالم يواجه الآن خطراً خطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية

قالت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان إن العالم يواجه الآن خطراً جديداً وخطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية، التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية، مما يؤثر على المجتمعات على مستوى العالم.

جاء في كلمة لها عن السلام والعدالة خلال تجمع عالمي بعنوان "ما بعد 125 عامًا: تأمين مستقبل عالمنا الرقمي"، في قصر السلام بمدينة لاهاي في هولندا، نظمته مدينة لاهاي ومعهد السلام السيبراني" (CyberPeace) والتحالف السيبراني العالمي.

وأضافت توكل كرمان: يشكل ارتفاع الهجمات السيبرانية خطراً كبيراً، وبعد 125 عاماً، يتعين علينا أن نواجه هذا العصر الجديد من الصراع.

وتابعت كرمان: إن الحرب السيبرانية لا يرتكبها القراصنة أو المنظمات الإجرامية فحسب؛ بل أعتقد أنه تنفذها الحكومات أيضًا. ونحن بحاجة إلى معالجة هذه التحديات بشكل جماعي وإيجاد طرق لحماية مجتمعاتنا من هذا التهديد المتطور.

وأوضحت كرمان أن أحد العوامل الرئيسية التي تدفع إلى ارتكاب الجرائم والهجمات السيبرانية هو إساءة استخدام التكنولوجيا من قبل الحكومات كجزء من سياساتها الحربية أو ضد شعوبها.

وقالت كرمان: أستطيع أن أتحدث من تجربتي الشخصية؛ فقد كنت ضحية لهجوم سيبراني حكومي في ظل دكتاتورية عبد الله صالح.

وأشارت كرمان إلى أنه غالبًا ما يستخدم الدكتاتوريون أدوات الإنترنت للتجسس على مواطنيهم، وانتهاك خصوصيتهم، وقمع المعارضة، لافتة إلى أنها واجهت مثل هذه الهجمات، وواجهها العديد من الآخرين أيضًا.

وأفادت كرمان: على سبيل المثال، نفذت سلطات الإمارات العربية المتحدة برامج مراقبة تستهدف الأفراد، بما في ذلك الناشطون والمعارضون.

وقالت كرمان: لقد تصاعد استغلال الفضاء الإلكتروني، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الافتقار إلى المساءلة والخبرة المستخدمة لإيذاء الأبرياء. وقد حدث موقف مماثل مع صديقي جمال خاشقجي، الذي استُهدف أيضًا بهذه الطريقة، مشددة على ضرورة الحاجة إلى معالجة هذه القضايا ومحاسبة المسؤولين عنها.

واعتبرت كرمان أن المشكلة الرئيسية في استخدام هجمات الجرائم الإلكترونية ضد دول أخرى هي أنه لا يوجد إعلان رسمي للحرب، وهذا يؤثر على العديد من الناس، مضيفة: كنت أحد ضحايا هجوم إلكتروني حكومي. لقد استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لمهاجمتي وتقويض خصوصيتي. كنت أحد الضحايا في ذلك الوقت.

وبيّنت كرمان أن الحكومات الأجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لديها خبرة في هذه التكتيكات الإلكترونية، مستدركة بالقول: هذه الخبرة لا تُستخدم لحماية الناس ولكن للدفاع عن النظام. نفس الشيء حدث لصديقي.

وأكدت كرمان أن الأمر لا يتعلق بمنع البلدان من استخدام هذا النوع من الحرب؛ إنه يتعلق بالاعتراف بأننا لا نريد الحرب على الإطلاق. أنا شخص يحب العالم أجمع ويؤمن بالوحدة.

وشددت كرمان على أن الحل لا يتعلق فقط باللوائح؛ بل يتضمن أيضًا ضمان احترام حقوق الأفراد. لا ينبغي فرض شروط على حقوق الأفراد في التعبير. هذا أمر بالغ الأهمية، وخاصة في مشهد الأمن السيبراني اليوم، حيث قد تستخدم الحكومات الاحتجاجات لتقويض الحقوق الخاصة. إننا بحاجة إلى التركيز على حماية هذه الحقوق مع تعزيز نهج أكثر شمولاً وسلمية.

وقالت توكل كرمان: يمكن اعتبار معاهدة الجرائم الإلكترونية بمثابة سيف ذو حدين. فمن ناحية، قد تنتهك الحقوق الحصرية والابتكارات؛ ومن ناحية أخرى، تقدم فرصة للتغيير الإيجابي. ونحن بحاجة إلى التركيز على استخدام التكنولوجيا ليس فقط كتهديد، بل كوسيلة لتعزيز السلام.

وأعربت كرمان عن اعتقادها بأن المستقبل يمكن أن يكون مشرقًا، وخاصة مع الأفراد المخلصين الذين يتحملون مسؤولية خلق عالم أفضل. يجب ألا نغفل عن وطننا وقيمنا وقيادتنا. من الأهمية بمكان تعزيز التعاون وضمان خدمة بعضنا البعض بمسؤولية.

وتابعت كرمان: تقع علينا مسؤولية كبيرة لوقف الحروب وتعزيز السلام في عالم يتأثر بشكل متزايد بقضايا الإنترنت. يجب أن تكون حماية الخصوصية ومنع الصراع في طليعة جهودنا. ومع ذلك، فإن معالجة هذه التحديات من خلال المعاهدات والإجراءات الصحيحة هي قضية معقدة نواجهها جميعًا معًا.

وشددت كرمان على الحاجة إلى إصلاحات جوهرية توضح من هو المسؤول عن خدمة الصالح العام. وهذا أمر ضروري لتقدمنا الجماعي. وبالإضافة إلى ذلك، تقع علينا مسؤوليات كبيرة، وخاصة في منع الصراعات. ولا ينبغي النظر إلى وقف الحروب باعتباره عملاً تقليدياً فحسب؛ بل يتطلب الأمر اتباع نهج مبتكر لحماية الخصوصية ومعالجة التهديدات السيبرانية مع السعي أيضاً إلى منع الصراعات في المستقبل.

وقالت كرمان إن مجلس الأمن نفسه يتطلب الإصلاح من أجل حماية الناس بشكل أفضل من أشكال مختلفة من انعدام الأمن. وفي الوقت الحالي، غالباً ما يخدم مجلس الأمن مصالح خمس دول أعضاء فقط، وهو ما يحد من فعاليته. ونحن بحاجة إلى تمكين المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من منظمات العدالة التي تعمل من أجل السلام والعدالة، وضمان حصولها على السلطة اللازمة للتصرف دون تدخل من الدول القوية.

وأكدت كرمان وجوب أن تكون هذه المنظمات مجهزة بالكامل للعمل بشكل مستقل، مما يسمح لها بعبور أي حواجز في مهمتها دون الحاجة إلى إذن من سلطات خارجية. إن معالجة هذه الإصلاحات تشكل تحدياً كبيراً يتعين علينا جميعاً مواجهته معاً

 

مقالات مشابهة

  • توكل كرمان من لاهاي أمام تجمع عالمي: العالم يواجه الآن خطراً خطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية
  • عن كثب.. ما هي جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل؟
  • خلال ندوة لجائزة الشيخ حمد للترجمة هل الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل المترجم؟ متخصصون يجيبون
  • "تحديات الترجمة في عالم متغير" ندوة ضمن فعاليات جائزة الشيخ حمد للتفاهم الدولي
  • الفنانة فردوس عبد الحميد: أتمنى أن أجسد شخصية عالمة الذرة سميرة موسى
  • شقيقه شهيد أيضاً.. إستشهاد عسكريّ في غارة إسرائيلية استهدفت حاجزاً للجيش
  • دعاء سيد الاستغفار كامل.. اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت
  • جراح منسية.. الصحة النفسية ليست أولوية للمؤسسات التي تُشغّل الصحفيين في غزة
  • الجاسر: عمل غويدو يشوبه الكثير من الغموض .. فيديو
  • البوزيدي: الجامعة العربية تعمل على تعزيز التعاون العربي الإفريقي لتحقيق السلام والتنمية