قال الجنود السوريون إن ضباطهم لم يطلعوهم على التقدم السريع للمتمردين، وأشاروا إلى أن النظام -الذي لم يتماسك إلا بفضل الدعم الإيراني والروسي- كان يعتمد على مجندين قسريا تلقوا تدريبا سيئا.
من هذه الملاحظات انطلقت صحيفة لوموند في عرض ما رواه بعض الجنود عن هزيمة الجيش النظامي السوري في الساعات الأخيرة من معركة سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وكيف كانت الحالة العامة والنفسية للمدافعين عن النظام.
وبدأت الصحيفة -في تقرير بقلم مراسلها الخاص في دمشق إليوت براشيه- بقصة الجندي السابق حسن الذي تم تجنيده عام 2012، وعمل لمدة 12 عاما سائقا وحارسا شخصيا لضابط بأمن الدولة.
وفجر يوم الأحد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وبعدما "أُعلن عن فرار الدكتاتور"، يقول حسن إنه خلع زيه العسكري وعاد إلى منزله، في حي علوي بمنطقة "عش الورور"، شمالي العاصمة دمشق.
يقول حسن (32 عاما) وهو يجد صعوبة في تصديق ما يحصل "حدث كل شيء بسرعة كبيرة. منذ يوم السبت كانت هناك أجواء غريبة. لقد انسحب فرع كامل من خدمتنا من الغوطة، وفي الخامسة مساءً تم تجميعنا من جديد داخل مقرنا في كفر سوسة، وقال لنا قادتنا: أول من يهرب سنحرقه. وعند الثانية فجرا ركب كل ضابط سيارته، وقالوا لنا: لا تبرحوا مكانكم، التعزيزات تصل إلى محيط العاصمة".
إعلان
رياح الهزيمة
في هذه الأثناء -كما يقول المراسل- فر بشار الأسد من دون إبلاغ أحد، باتجاه قاعدة حميميم الروسية حيث تنتظره طائرة متجهة إلى موسكو للجوء مع زوجته وأطفاله الثلاثة، هناك حيث تمتلك العائلة نحو 20 شقة فاخرة.
في الأيام التي سبقت هروب الأسد المثير للشفقة، اجتاحت موجة من الذعر قواته، وفي أقل من أسبوعين انهار الجيش السوري في مواجهة الهجوم الخاطف الذي شنه تحالف المتمردين بقيادة "هيئة تحرير الشام"، وبعد أسبوع من سقوط حلب، وصل المتمردون إلى أبواب دمشق وهزيمة آخر دفاعات النظام، وإنهاء 54 عاما من حكم آل الأسد.
كان من المفترض أن يجد هشام (21 عاما)، الذي تم تجنيده قسرا عام 2022 بعد أن فر شقيقه الأكبر إلى المتمردين، نفسه على خط المواجهة في قتال المتمردين المتقدمين، ولكنه مثل الآلاف من المجندين في الجيش النظامي قام برشوة أحد ضباط كتيبته للحصول على إجازة والعودة إلى المنزل في الغوطة الشرقية المحاصرة منذ نحو 5 سنوات.
يقول هشام الذي كان على جبهة إدلب "كنت مسؤولا عن بطارية مدفعية ثقيلة. تلقينا أوامر بإطلاق النار على البلدة التي يسيطر عليها المتمردون. كنا نعلم أن هناك ضحايا من المدنيين، لكن رفض الأوامر يعني المخاطرة بعقوبة الإعدام، أو ما هو أسوأ: السجن في صيدنايا"، في إشارة إلى المسلخ البشري، حيث كان النظام يعتقل ويعذب ويعدم عشرات الآلاف من المعتقلين.
ومع أن الخدمة العسكرية من المفترض أن تستمر 18 شهرا، فقد تم تمديدها إلى أجل غير مسمى، يقول عمار حسين وهو مجند من حي برزة شمالي دمشق "لقد عاملنا الضباط مثل الكلاب"، وقد رتب مع رئيسه للهروب من الجبهة "مقابل ما يعادل 100 دولار، يمكنك العودة إلى المنزل لمدة شهر".
فساد واسع النطاق
كان عمار حسين في البادية شمال حمص، ويقول: "لمدة 5 سنوات، لم يكن هناك شيء للقيام به. كان علينا أن نحافظ على موقع دفاعي، لكن لم يكن أحد من رفاقي يعرف كيفية استخدام السلاح"، وعندما شنت هيئة تحرير الشام هجومها، لم يكن أحد من كل جنود الجيش النظامي في موقعه.
إعلانفي جميع أنحاء البلاد، كانت قيادة الجيش السوري متصلبة لعدة سنوات، وعلى الجبهات الإستراتيجية، غالبا ما يتم اتخاذ القرارات من قبل ضباط روس أو إيرانيين يتمتعون بسلطة أكبر من نظرائهم السوريين، و"في الوحدات التي يشرف عليها الروس أو الإيرانيون أو حزب الله، كانت الرواتب أفضل، لكننا لم نتمكن من رؤية هذه الأموال. وانتهت في جيوب ضباطنا" كما يقول عمار حسين.
"بصراحة كان ينبغي للنظام أن يسقط منذ وقت طويل، لكن الإيرانيين والمليشيات الشيعية أنقذوه في اللحظة الأخيرة عام 2011، ثم أنقذه الروس عام 2015″، حسب حسين.
وكما يوضح ضابط في مطعم أن "السبب الأول لسقوط النظام هو انهيار جيشه، إذ تم تجنيد مجموعات من الشباب المحبطين الذين رشوا ضباطهم حتى يتمكنوا من ترك مواقعهم، والسبب الثاني وهو الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية ودوائر السلطة، أما السبب الثالث، فهو اعتماد النظام على حلفائه الخارجيين".
ومنذ عام 2011، أصبحت قيادة قوات النظام تعتمد على القوات الإيرانية الحليفة ومليشيات عسكرية من لبنان والعراق لتوفير أفضل الوحدات القتالية، ولكن كثيرا من المستشارين العسكريين الإيرانيين غادروا الأشهر الماضية، وغادر الباقون الأسبوع الماضي، حسب قادة مجموعات عراقية.
ومع انطلاق الهجوم على حلب، لم تُمنح وحدات الجيش خطة واضحة، ولكن طُلب منها أن تعمل على حل الأمر بنفسها أو التراجع إلى مدينة حمص لإعادة التجمع، وحينما سيطرت قوات المعارضة على حلب دون قتال كبير، استشرت حالة من الصدمة بين صفوف الجيش الذي يفتقر إلى التماسك والعدد.
إضافة إلى ذلك، قال ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية إن الغضب كان يتراكم على مدار الأعوام الماضية نتيجة سوء الأحوال المعيشية إذ لم يكن راتب العسكري يتجاوز 40 دولارا، مضيفا أن هناك "استياء متزايدا ضد الأسد"، بما في ذلك بين أنصاره من العلويين.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات لم یکن
إقرأ أيضاً:
طلاب المرحلة التمهيدية بالجامعة الأمريكية يروون مأساة إيقاف المنحة
قالت نورهان هشام، إحدى طالبات الجامعة الأمريكية بالقاهرة، تعليقا على وقف المنحة الأمريكية: "سعينا للحصول على هذه المنحة بكل الوسائل على مدار سنوات طويلة، وبعد اجتياز جميع الاختبارات بدأنا الدراسة، لكن ليس من السهل أن نقضي 12 عامًا من أجل الحصول عليها. لقد حصلت على منحتين أخريين بخلاف الجامعة الأمريكية، إحداهما خارج مصر والأخرى داخلها، لكنني اخترت الجامعة الأمريكية."
وكشفت، خلال مداخلة عبر تطبيق "زووم" في برنامج "كلمة أخيرة"، الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي على شاشة ON: "أنا من القليوبية، وكان من المفترض أن أبدأ الدراسة يوم الأحد الماضي، لكنني أضطر للذهاب يوميًا إلى الجامعة والعودة، وأمامي فرصة حتى يوم الخميس. وفي حال عدم وجود أي تبرعات أو تمويل للمنحة، سنضطر إلى الانسحاب من الفصل الدراسي."
وأضافت: “حرصت على الحضور منذ يوم الأحد، على أمل إيجاد حل لأزمتنا قبل نهاية الأسبوع، لكنني أضطر إلى التنقل يوميًا لما يقارب ثلاث ساعات ذهابًا ومثلها إيابًا، حيث أعيش في القناطر الخيرية.”
بدوره، التقط محمود مؤمن، أحد الطلاب المتضررين، أطراف الحديث، مؤكدًا: "المنحة كانت أملًا حقيقيًا لي لتحقيق أحلامي وطموحاتي، وهي ثمرة عمل دؤوب استمر لسنوات، وليست وليدة اللحظة. لقد أتاحت لي فرصة الدراسة في المجال الذي أحبه، وفي واحدة من أفضل الجامعات في العالم."
وتابع: "بعد اجتياز العديد من الدورات والكورسات، قُبلت في الجامعة الأمريكية وحققت الدرجة المطلوبة في اختبار اللغة الإنجليزية، وبدأت في بناء أحلامي على هذه الخطوة. لكن فجأة، وبسبب قرارات لم يكن لي دخل فيها، وجدت نفسي مهددًا بفقدان كل شيء."
وأكمل: "كل الإنجازات التي حققتها بمساعدة عائلتي طوال السنوات الماضية ضاعت في لحظة، حتى الخطط التي بنيتها للمستقبل دُمّرت بالكامل. هذه ليست قصتي وحدي، بل هي قصة 125 طالبًا، أي 125 أسرة تعاني الآن."
واستطرد: "أنا من محافظة الإسماعيلية، ودرست جميع المراحل التعليمية في مدرستي، وكنت من الطلاب المتفوقين. طورت نفسي بشكل منفصل من خلال الدورات والكورسات التي قدمتها جهات مثل جوجل، حتى أتمكن من الحصول على هذه المنحة."
أما عمر أيمن، أحد طلاب المرحلة التمهيدية بالجامعة الأمريكية، فقال:"وضعت خططًا كثيرة لتحقيق طموحاتي، واجتزت اختبار اللغة الإنجليزية بنجاح. هذه ليست المنحة الأولى لي، فقد كنت مستفيدًا من منحة خلال المرحلة الثانوية."
وتابع أن كل ما مررت به كان صعبًا، لكن الأصعب هو رؤية والدتي حزينة ومقهورة بسبب ما يحدث لي، دون أن أملك أي وسيلة لمساعدتها أو تعويضها عن تعبها معي. لم أقصّر في أي شيء، ونجحت في الفصل الدراسي الأول، لكنني اليوم مهدد بفقدان حلمي."
وأكمل: “أنا من محافظة البحيرة، تحديدًا من مدرسة دمنهور الثانوية بنين، وحققت مجموعًا يتجاوز 93%.”
من جانبه، علّق معتز مصطفى، وهو أحد الطلاب المتضررين من إيقاف المنحة، قائلًا: "طوال سنوات كنت أحلم بالحصول على هذه المنحة في الجامعة الأمريكية، ومن أجل تحقيق هذا الحلم، انتقلت من الأقصر إلى القاهرة، وضحّت عائلتي بكل شيء لمساعدتي على تحقيق حلمي."
وتابع: "على مدار ثماني سنوات، كنت أطمح للدراسة في الجامعة الأمريكية، وعندما أوشكت على تحقيق حلمي، واجتزت اختبار اللغة الإنجليزية، فوجئت فجأة، وبدون أي سابق إنذار، بإيقاف المنحة. عند تسجيل المواد، قيل لنا إننا لن نستطيع الاستمرار، فعدت إلى المنزل محطمًا، ورأيت للمرة الأولى أبي مكسورًا ويبكي."