سودانايل:
2025-04-10@21:47:02 GMT

من سوريا للسودان وبالعكس

تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT

منذ أسابيع وكل الأنظار العربية تتجه نحو سوريا، فرحة ومشجعة ومرحبة في أغلب الحالات، ومشفقة ومتحيرة وحذرة في بعض الأحايين، ولكل ذلك أسباب قوية. من المؤكد أن هناك تعاطفاً كبيراً مع الشعب السوري بعد معاناته الطويلة، وفرحة حقيقية بأنه تخلص من نير الظلم والديكتاتورية وانفتحت أمامه آفاق جديدة، وطبيعي أيضاً أن يخالط ذلك بعض الحذر والإشفاق من أن تخفق التجربة السورية في منتصف الطريق كما حدث لتجارب ثورات «الربيع العربي» وما بعدها.



الناظر لمآلات هذه الثورات سيجد أن الحذر واجب ومبرر، فلم تنجُ أي من التجارب من انتكاسات حادة، أودت ببعضها تماماً، وجعلت بعضها الآخر يتأرجح. بل الأكثر إيلاماً أن بعض بلاد ثورات الربيع العربي انزلقت إلى مرحلة الحروب الأهلية والتمزق والانقسام. وبين هذا وذاك انقسم الناس، أقصد الذين كانوا يؤملون في هذه الثورات وليس أعداءها، في موقفهم اللاحق. قسم من الناس تعرَّض لانتكاسة حادة وأبدى ندماً على انخراطه في صفوف الثورة، ولو بالتشجيع من منازلهم، وبدا لهم أن حالة الاستقرار تحت الحكم الديكتاتوري ربما كانت أفضل حالاً من هذه الحالة، بينما انخرط قسم آخر في تحليل أسباب الانتكاسات وتنوعت مضاربه واتجاهاته.

في معظم تجارب «الربيع العربي» نجحت الحركة الجماهيرية في توحيد الشعوب حول مطلب إسقاط النظام، ثم واجهت بعد ذلك تحديات ما بعد مرحلة السقوط خالية الوفاض من النظرة العملية لمواجهة التحديات، أو بأسلحة أقل قدرة مما تتطلبه المرحلة ومواجهاتها. والأسلحة المقصودة هنا هي الفكر السياسي القادر على قراءة واقع البلاد وطبيعة التحديات والمنهج السليم للوصول للحلول وطرح برنامج عمل واقعي وممكن التحقيق في ظل الإمكانات المتاحة.

بعض التجارب افتقدت القيادة السياسية للحركة الجماهيرية لضعف الأحزاب والتنظيمات وغيابها الطويل عن الساحة نتيجة لعنف الأنظمة، وغياب تنظيمات المجتمع المدني والحركة النقابية فظهرت ملامح ضعفها منذ اللحظة الأولى وعجزها عن الوقوف في وجه الثورة المضادة ومراكز قوى النظام الذي سقط. وقد لا ينطبق هذا التوصيف على تجارب دول مثل تونس والسودان، في الأولى هناك مجتمع مدني قوي ومنظم وحركة نقابية فاعلة، مع طبقة وسطى قائدة ومستوى عالٍ من التعليم والثقافة، وفي حالة السودان هناك أحزاب تاريخية وحركة جماهيرية وتنظيمات نقابية صاحبة خبرات وتجارب طويلة في مقاومة الأنظمة الديكتاتورية.

في الحالتين، تونس والسودان، يبدو أن الخلافات بين القوى السياسية التي ساهمت في الثورة كانت هي نقطة الضعف الأساسية و«كعب أخيل» الذي استغلته القوى المتربصة بالتجربة. في حالة السودان كان المكون العسكري الذي صار شريكاً في مرحلة الانتقال، هو الخصم الذي يعمل على خلخلة السلطة المدنية لتسقط وينفرد بالحكم، وهو ما نجح فيه رغم حركة المقاومة الجماهيرية. لكن في تجربة تونس لا يبدو الأمر بهذا الوضوح؛ إذ إن المؤسسة العسكرية اتخذت موقف الحياد، ووصلت البلاد لمرحلة الانتخابات الحرة والمفتوحة، ثم حدث الانقلاب من داخل الصف المدني.

واحدة من النقاط التي تستحق الوقوف عندها هي أن هذه التجارب العربية لم تنظر لتجارب الدول القريبة منها، بل اكتفت بالنظر تحت قدميها، أو النظر بعيداً جداً؛ لهذا تكررت بعض الأخطاء بصورة كربونية من تجربة لأخرى. في متابعة لتجربة إحدى الدول العربية قرأت أنها أرسلت وفوداً إلى أميركا اللاتينية ودول البلقان لتتعلم منها تجربة الانتقال، ولا بأس من طلب العلم ولو في الصين أو أميركا اللاتينية، لكنها كررت أخطاء دولة مجاورة وبالمسطرة كما يقولون... حتى تم إجهاض مرحلة الانتقال.

الدرس المستفاد في كل هذه التجارب هو أن مرحلة الانتقال، طالت أو قصرت، هي مرحلة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم بها حزب أو تيار منفرد، أو أن يفرض عليها برنامجه السياسي مهما ظن أن لديه قوة جماهيرية أو أنه صاحب الفضل في صناعة الثورة، وأنها لا يمكن أن تمر بسلام إلا بتنازلات متبادلة. قد يكون مفهوماً، بل ومطلوباً، في كثير من التجارب، إبعاد تنظيم أو حزب النظام الذي تم إسقاطه من المساهمة في مرحلة الانتقال، لكن أي إبعاد لأي مجموعات سياسية أو اجتماعية أخرى سيعني السير في طريق الفشل.

لسنا في موقع الناصح لغيره، ونحن أبناء تجربة منتكسة، لكننا نأمل في أن تتجنب سوريا أخطاءنا وأخطاء غيرنا... لعل وعسى.

فيصل محمد صالح
وزير الإعلام السوداني السابق

نقلا عن الشرق الأوسط:  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مرحلة الانتقال

إقرأ أيضاً:

عروض تفاعلية في «الشارقة القرائي للطفل»

الشارقة (الاتحاد)

أخبار ذات صلة 827.4 مليار درهم إجمالي الودائع النقدية في الإمارات مشاركون لـ«الاتحاد»: «قمة AIM» منصة دولية لتعزيز الاستثمارات

يقدّم «مهرجان الشارقة القرائي للطفل 2025» برنامجاً متكاملاً من الفعاليات، يزخر بأكثر من 600 ورشة عمل تفاعلية، ومجموعة من الجلسات الحوارية والنقاشية، التي تجمع نخبة من المبدعين والمختصين في مجالات أدب الطفل والثقافة والمعرفة، إلى جانب 85 عرضاً مسرحياً وجوالاً، ومجموعة واسعة من العروض الموسيقية والعلمية التي تثري تجربة الزوار من مختلف الأعمار.
وتحتفي الدورة السادسة عشرة من المهرجان، التي تنظمها «هيئة الشارقة للكتاب» في مركز إكسبو الشارقة خلال الفترة من 23 أبريل وحتى 4 مايو المقبل تحت شعار «لتغمرك الكتب»، بمجموعة من الفعاليات الفنية المتميزة، من بينها: «أمسية موسيقية مع كورال روح الشرق» و«عرض شارع العلوم»، يقدمان مزيجاً من الإبداع والمعرفة في إطار ترفيهي تفاعلي.
يصحب المهرجان الزوار في رحلة موسيقية مع كورال «روح الشرق»، الذي أسّسه المايسترو محمود محسن في عام 2020، خلال عمله في «جامعة عين شمس» بالقاهرة، مع ثلاثين شابة وشاباً موهوبين. وتقام الأمسية في قاعة الاحتفالات رقم 5، في 25 أبريل.
ويوفّر المهرجان تجربة عائلية فردية من خلال عرض «شارع العلوم»، الذي يتيح للزوار فرصة لاكتشاف التجارب العلمية مع عبد الله عنان، الذي وصل عدد معجبيه إلى 18 مليون متابع، ويستعرض العديد من التجارب العلمية، كانفجار بالونات الهيدروجين وسُحُب النيتروجين العملاقة، في واحد من أعظم الأحداث العلمية العربية. وتشهد قاعة الاحتفالات رقم 5 في «مركز إكسبو الشارقة» استضافة هذا العرض العلمي التفاعلي العائلي في 26 أبريل الجاري.

مقالات مشابهة

  • عروض تفاعلية في «الشارقة القرائي للطفل»
  • في ظل الحكم الجديد في سوريا.. هل تولد نسخةٌ مطورة من “داعش”..!
  • أبرز التعديلات في قوانين الفورمولا1 لعام 2025
  • الجمعية الطبية السورية الألمانية تنظم لقاءً علمياً مع طلاب كلية الطب البشري في جامعة إدلب حول النظام الصحي في سوريا، وبعض الحالات الإسعافية والطبية الحرجة، وذلك على مدرج مستشفى إدلب الجامعي
  • وداعة- مسرحية الثوري.. من صفقة الشقة السرية إلى وشاية إسرائيل!
  • سوريا: تحديد مكان رأس خلية لفلول النظام مسؤولة عن اغتيال عناصر أمنية
  • حتحوت يوضح سبب رفض نجم الزمالك الانتقال لـ الخليج
  • مغردون: هل يعود بشار الجعفري سفير سوريا بروسيا إلى دمشق بعد استدعائه؟
  • نبيل الشحمة… بين الرياضة والثورة على النظام البائد مسيرة طويلة تكللت بالإنجاز والنصر
  • في يومه الثاني مؤتمر “تعافي حمص” يناقش حالة القطاع الصحي في سوريا