ثورة الشباب العربى بين المسارين الأصلى والمصطنع ومحاولات إجهاضها بين الإسقاط العنيف والهبوط الناعم
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
د.صبرى محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الإسلامية فى جامعة الخرطوم
أولا: ملخص المقال: إن الموقف السليم، من ثورة الشباب العربى، يتجاوز موقفى الرفض أو القبول المطلقين، إلى موقف تقويمى يميز بين مسارين لها .الأول: أصلى "سلمى- جماهيري". والثاني مصطنع " عنيف أو فوضوى أو تابع للخارج"، وهو محصلة تحريف القوى التى تقف خلف مشروع الشرق الأوسط الجديد " الإمبريالى - الصهيونى " لمسارها الاصلى- مستغله كونه تلقائي - وبهدف إجهاضها.
......
ثانيا: المتن التفصيلى للمقال:
الموقف الصحيح : إن الموقف الصحيح من ثورة الشباب العربى- وغيرها من ظواهر وتجارب إنسانية - يتجاوز موقفى الرفض او القبول المطلقين- وكلاهما من خصائص التفكير الأسطورى- إلى موقف تقويمى- يتسق مع التفكير العقلانى - يتضمن التمييز بين مساراتها المتعددة.
مسارين: ويمكن الإشاره الى مسارين أساسيين لها هما:
أولا : مسار أصلى: جماهيري - سلمى ، يمكن إعتباره إمتداد طبيعى - تلقائي - لمرحلة تفعيل إرادة الأمة على المستوى الشعبى، التى اتاح المجال أمامها، محاولات إلغائها على مستوى الرسمى، خلال مرحلة التعطيل الإرتدادى للنظام الرسمى العربى- على المستوى المحلى- وتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد " الإمبريالى - الصهيونى"- على المستوى الإقليمى والدولى- منذ العقد السابع من القرن الماضى.
ثانيا : مسار مصطنع: عنيف أو فوضوى أو تابع للخارج، وهو تحريف القوى" المحلية والإقليمية والدولية"، التى تقف خلف هذا المشروع، لمسارها الأصلى، مستغلة انه إتخذ شكل تلقائي" غير مخطط ".
أسلوبين : وهدف هذا التحريف هو محاوله اجهاضها، بإستخدام العديد من الأساليب، وأهمها أسلوبين هما:
أولا : الإسقاط العنيف: بتحريف مسارها إلى مسار عنيف "، يحولها الى صراع مسلح " طائفى- قبلى ". وقد إستخدم هذا الأسلوب- بصورة أساسية- فى الموجة الأولى من موجات ثورة الشباب العربى ، خاصة فى أجزاء النظام الرسمى العربى التى تسود فيها النزعات الطائفية والقبلية"على سبيل المثال فى مواجهة الإنتفاضات الشعبية فى ليبيا، سوريا، اليمن بدايه العقد الثانى من القرن الحالى".
تاثير سالب لظواهر سالبة: لكن هذا الأسلوب ،افرز العديد من الظواهر السالبة، التى تجاوز تأثيرها السالب ، الواقع السياسى العربى، الى ذات القوى التى تقف خلف هذا المشروع ومنها:
اولا: الإرهاب: الذى ساهمت هذه القوه فى إنشاء تنظيماته - أوعلى الأقل تغاضت عن نشؤها - بغرض توظيفها لتحقيق اهداف المشروع، فى التفتيت الطائفى للمنطقه، لكن تأثيرها عليها تضاءل ،عندما قويت شوكتها، وأصبحت مهدد لمصالحها ووجودها، فإضطرت إلى محاربتها ، بهدف تحجيمها ، وليس القضاء النهائى عليها، حتى يتاح لها استخدامها- كلها أو بعضها- لاحقا، لتحقيق اهداف اخرى ، لا تتعارض مع اهداف المشروع فى المنطقة.
ثانيا: اللاجئين : وكلفتهم الاقتصاديه، واثارتهم لمخاوف تغيير التركيبة السكانية للدول الغربية، وتنامي النزعات العنصرية المعادية لهم.
ثالثا: عدم الإستقرار السياسى : وما يلزم منه من اضعاف مقدره هذه القوى ،على فرض ارادتها ،على النظام الرسمى العربى، فى أجزاء عديده منه.
رابعا : تفاقم التنافس بين القوى الدوليه والاقليميه: نتيجه تعدد السلطات داخل الدوله الواحده ، ولجوء كل سلطه لأحد هذه القوى،لدعمها فى صراعها ضد الأخرى.
ثانيا: الهبوط الناعم: اجراء تغييرات شكليه، يشمل تغيير الأشخاص، دون اى تغيير حقيقى للسياسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... التى تتعارض مع اهداف الإرادة الشعبية للامة. وهو الأسلوب الذى تم إستخدامه- بصورة أساسية- فى الموجة الثانية لثورة الشباب العربى، فى محاولة لتجاوز التأثيرات السالبة للأسلوب الأول" الإسقاط العنيف"."على سبيل المثال فى مواجهة ثوره ديسمبر ٢.١٨ فى السودان، والحراك الشعبى الجزائرى ضد ترشح الرئيس بوتفليقه لولاية خامسة، والحراك الشعبى السلمى المطلبى فى العديد من الدول العربيه كالمغرب ولبنان والعراق... ".
الجمع بين الاسلوبين : وفى المرحلة الحالية ، لجأت القوى التى تقف خلف هذا المشروع - وفى سياق محاولتها إكمال عملية اجهاض ثورة الشباب العربى، والحيلولة دون تفجر موجات جديده لها، ومن ثم استئناف تنفيذ اهداف المشروع، فى التفتيت الطائفى- القبلى للمنطقة- إلى الجمع بين اسلوبى الإسقاط العنيف والهبوط الناعم ، بكيفيات مختلفه ، باستخدام آليات تندرج تحت اطار الاسلوب الاول ،وأخرى تحت إطار الثانى، فى محاولة لتجاوز التاثير السلبى ، للإفرازات السالبة، التى تلزم من تطبيق كل أسلوب على حدى، على هذه القوى.
نماذج:
حرب السودان وإستئناف تفتيت الدوله وإتمام إجهاض الثورة :
استئناف واتمام: فالحرب فى السودان ، والتى اندلعت فى ١٥ ابريل ٢٠٢٣ ، كانت فى مرحلتها الاولى ، محاولة من القوى" المحلية و الإقليمية والدولية"، التى تقف خلف مشروع الشرق الأوسط الجديد " الإمبريالى - الصهيونى "، لتحقيق هدفين اساسيين:
الأول: إستئناف تفتيت الدولة السودانية ، بعد فصل جنوب السودان ٢٠١٣، وتشجيع النزعات الإنفصالية فى مناطق اخرى، بالجمع بين اسلوبى الإسقاط العنيف والهبوط الناعم.
الثانى: إتمام عملية إجهاض ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ، التى تمت فى مرحله سابقه،بالقضاء على موجاتها الاساسية الأولى، بمحاولة الحيلولة دون ظهور موجات اخرى لها ، بإستخدام الأسلوب الثانى" الهبوط الناعم"، من خلال توظيف صراع النخب السياسيه السودانية" المدنية والعسكرية على السواء "، على السلطة،بعد سقوط النظام السابق، وإستعانتها بقوى خارجية فى هذا الصراع .
مرحلة التفكيك المسلح من الداخل والجمع بين الأسلوبين : وقد تمثل هذا الجمع بين الاسلوبين ، فى محاولة تفكيك الدولة السودانية، من داخل النظام ، فى المرحلة الأولى للحرب، من خلال الاعداد والتخطيط ثم تنفيذ إنقلاب عسكرى، تقوده قوه مسلحه،كانت تعتبر بحكم القانون- الذى وضعه النظام السابق - جزء من المؤسسة العسكرية " قوات الدعم السريع، كمليشيا شبه نظامية، شبه قبلية "، وكان قادتها جزء من النظام ، وذلك بالتحالف مع النخب المدنيه، التى فقدت نصيبها من السلطه، فى هذا الصراع، والتى وظفت كواجهه مدنيه فى هذه المرحلة.
فشل الجمع والإنتقال لمرحلة التفكيك المسلح من الخارج : بعد فشل هذه المحاولة - الذى يعتبر أيضا مؤشر على فشل الجمع بين الأسلوببن - تم الإنتقال إلى مرحلة الإستمرار فى محاولة تفكيك الدولة ، من خارج النظام، بواسطه ذات القوة المسلحة - المتحالفة مع ذات النخب المدنية - لكن بعد أن أعتبرت قوة متمردة على المؤسسة العسكرية، وفقد قادتها مناصبهم فى النظام .
ترجيح كفة الأسلوب الاول :وهذه المرحله هى مؤشر على ترجيح كفه الأسلوب الأول " الإسقاط العنيف"- بعد فشل الجمع بين الاسلوبين - ومن ثم استمرار تضرر القوى " المحلية والاقليمية والدولية"، التى تقف خلف المشروع ، من التاثير السلبى للظواهر السلبيه ، التى تلزم من هذا الاسلوب، والتى اشرنا اليها سابقا.
محاوله استعاده التوازن : لكن لاتزال محاولة الجمع بين الأسلوبين مستمرة، من خلال محاوله تحقيق قدر من التوازن فى استخدامهما. وذلك بتطبيق سياسات متعددة منها :
* الإستمرار فى دعم هذه القوة المسلحة ، وتأمين غطاء لإستمرار ممارساتها ، التى تتعارض مع القانون الإنسانى والدولى فى حالة الحرب ، لأنها اصلا قوه غير نظامية، من خلال تبرير هذه النخب المدنية لها، وتغاضى القوى الدولية عنها .
* السعى لتدويل القضية السودانية" تحت شعارات كتدخل قوات دولية لحماية المدنيين، أو انشاء مناطق أمنه بحماية دوليه...".
* الضغط " العسكرى والإقتصادى والسياسى..." على النظام القائم، وتحييد القوى " المحلية أو الإقليمية أو الدولية" الداعمة له، بهدف تفكيكه، أو دفعه لتقديم تنازلات، تكرس او تؤدى أو تمهد لتفتيت الدوله .
* الترويج - بالتنسيق مع النخب المدنيه- لأى سياسات او قرارات تكرس أو تؤدى أو تمهد لتفتيت الدولةوتفكيكها، كالدعوه لتشكيل حكومة منفى، أو سلطة اخرى داخل حدود الدوله السودانيه.
إسقاط النظام السورى و إستئناف تفتيت الدولة واتمام اجهاض للثوره : كما أن إسقاط النظام السورى ، بواسطة المعارضة المسلحة، التى تتكون من مليشيات عسكرية طائفية ، مدعومة من قوى" محلية و اقليمية ودولية" متعددة، هو محاولة من ذات القوى، التى تقف خلف ذات المشروع، لتحقيق هدفين أساسيين هما :
اولا: محاولة إستئناف تفتيت الدولة السورية، بعد تأسيس هذه المليشيات العسكرية لسلطات " طائفية" متعدده ، تحظى بدعم وحماية هذه القوى ، من خلال إتخاذ اى خطوات ممكنه، إتجاه تحويلها إلى دويلات" طائفية "، تجت ذريعة حماية الأقليات.
الثانى : اتمام عمليه اجهاض الثوره الشعبية السورية، التى إندلعت بدايه العقد الثانى من القرن الحالى، التى تمت فى مرحله سابقه، بالقضاء على موجاتها الأولى الاساسية، بتحويلها إلى صراع طائفى مسلح، اى بإستخدام الأسلوب الاول" الإسقاط العنيف"، وذلك بمحاوله الحيلوله دون ظهور موجات أخرى لها، بالجمع بين الاسلوبين.
الجمع بين الاسلوبين : ومحاوله تحقيق هذه الاهداف تم بالجمع بين اسلوبى الإسقاط العنيف والهبوط، من خلال العمل على تفكيك النظام ، من خلال:
* تحييد القوى " المحليةو الإقليمية والدولية " الداعمة له.
* إطلاق يد القوى " المحلية والإقليمية" المناهضة له.
* استغلال قوى " محلية وإقليمية ودولية " للهدنة بين الحكومة المركزية وبين المعارضة العسكرية ، لإعدادها وتاهيلها وتنظيمها،وامدادها بأحدث الاسلحه والتقنيات العسكرية واستخدامها لعنصر المفاجأة فى تحركها العسكرى لاسقاط النظام
* إختراق النظام السورى والمؤسسة العسكرية السورية من الداخل.
إستخدام جديد للحصر الثنائي"بين العلمانيين والإسلاميين" : ايضا قامت القوى التى تقف خلف هذا المشروع ، بإستخدام جديد لقانون القهر الدعائي " الحصر الثنائي بين الشعار ونقيضه "، والذى طبقته فى المنطقة ، فى مرحلة سابقة، كآليه لإجهاض ثورة الشباب العربى، والتفتيت الطائفى لدول المنطقة، من خلال من الحصر الثنائي بين ما يسمى بالعلمانيين ( انصار العلمانية كمذهب قائم على فصل الدين عن الدولة)، والإسلاميين ( انصار مذهب التفسير السياسى للدين " الإسلام السياسى"، الذى يختزل الدين فى بعده السياسى، ويجعله وسيله لغايه " السلطة"، ويتطرف فى اثبات العلاقه بين الدين والدوله - كرد فعل على العلمانيه- فيجعلها علاقة خلط وتطابق- بينما التصور الاسلامى الصحيح أنها علاقه ارتباط- من خلال مبادئ الوحى الكليه -من جهه، وتمييز- بين التشريع والإجتهاد- من جهه اخرى)، والهدف من هذا الحصر الدوران فى حلقه " إستعمارية" مفرغة، يلزم منه تفاقم الاستقطاب " الصراع" المجتمعى، ومزيد من التفتيت. ويتمثل هذا الإستخدام الجديد لهذا القانون، فى توحيد هذه القوى للمعارضه المسلحه، المكونه من اسلاميين وعلمانيين، لتحقيق الهدف المشترك، وهو إسقاط النظام.
ضرورة إرتقاء ثورة الشباب العربى من موجاتها الكمية إلى موجات كيفية: إن ارتقاء ثورة الشباب العربى من موجاتها الكمية، التى تأخذ حركتها شكل رد فعل (تلقائى، عاطفى، مؤقت )، إلى موجات كيفية، تأخذ حركتها شكل فعل( قصدى " مخطط"، عقلانى،مستمر " مؤسسى" )، هو الضمان الوحيد لنجاحها فى المستقبل فى تحقيق اهدافها، والحيلوله دون القضاء على موجاتها المستقبلية، بتحريف مسارها إلى مسار يخدم هذا المشروع، واهدافه فى التفتيت " الطائفى- القبلى" للمنطقه، كما حدث فى موجاتها السابقه...
sabri.m.khalil@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: النظام السورى اهداف المشروع إسقاط النظام فى محاولة هذا الجمع هذه القوى من موجات من خلال جزء من
إقرأ أيضاً:
شباب يتحدى البطالة بيزنس على الطريق
اقتصادى: فرصة لتعزيز الإيرادات.. وخلق بيئة اقتصادية أكثر تنظيماً واستدامةوخبير تغذية يحذر من الإهمال فى معايير الصحة والنظافة
عربات المأكولات والمشروبات السريعة أصبحت طوق نجاة لشباب مصر، وحلاً مبتكراً لمواجهة تحديات البطالة وندرة فرص العمل، فى شوارع المدن والأحياء، تحولت هذه المشروعات الصغيرة إلى محرك لأحلام الشباب الباحث عن مصدر رزق يحفظ كرامته ويمنحه فرصة لإطلاق طاقاته وإثبات ذاته، هذه العربات لم تعد مجرد مصدر دخل، بل أصبحت رمزاً لطموح جيل يرفض الاستسلام للتحديات.
وفى ظل رؤية الدولة التى تضع تمكين الشباب فى صدارة أولوياتها، جاءت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بمضاعفة الدعم للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، باعتبارها حجر الزاوية لتحقيق التنمية الشاملة، هذه المبادرات تمثل خطوة عملية لبناء اقتصاد قوى يعتمد على الشباب الواعد، وفتح آفاق جديدة أمام رواد الأعمال لبناء مستقبل أفضل يساهم فى تعزيز مسيرة بناء مصر الحديثة.
أكد الخبير الاقتصادى جون لوكا، أن مشروعات عربات الطعام المتنقلة تمثل نموذجاً رائداً للإبداع الشبابى وحلاً مبتكراً لمواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد، وشدد على أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يقود برؤية واعية دعم الشباب وتعزيز دورهم فى تحقيق التنمية المستدامة، معتبراً أن تمكين الشباب من خلال المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر لا يقل أهمية عن المشروعات القومية الكبرى، حيث تسهم هذه المشروعات فى خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة وتوفير حياة كريمة للمواطنين.
وأشار «لوكا» إلى أن فكرة عربات الطعام المتنقلة تُعد مثالاً عملياً على قدرة الشباب على تحويل التحديات إلى فرص، حيث استطاعوا تطويع إمكانياتهم البسيطة لتحويل سياراتهم أو عرباتهم الخاصة إلى منافذ بيع متنقلة للمأكولات والمشروبات، مما يعكس طموحاً وإبداعاً جديرين بالدعم والمساندة، وأضاف: «هذه المشروعات ليست فقط مصدر رزق للشباب، بل هى فرصة للدولة لتقليل البطالة، وتعزيز الإيرادات من خلال الضرائب والتراخيص، وخلق بيئة اقتصادية أكثر تنظيماً واستدامة».
وطالب الخبير الاقتصادى، الجهات التنفيذية بتسهيل إجراءات الترخيص لهذه العربات، وتذليل العقبات التى تواجه الشباب الراغبين فى دخول هذا المجال، مشيراً إلى أن تقنين أوضاعها يشكل خطوة ضرورية لضمان الالتزام بمعايير السلامة الغذائية والحفاظ على صحة المواطنين، مؤكداً أهمية التنسيق بين الجهات المعنية والبنوك والمصانع لتوفير التمويل اللازم وتجهيز سيارات وعربات متخصصة تلبى احتياجات هذا القطاع الناشئ.
وأشاد «لوكا» بمبادرة الدولة لتقنين هذه المشروعات، معتبراً أنها فرصة لخلق منظومة اقتصادية جديدة تعتمد على الشباب كمحرك أساسى للتنمية، موضحاً أن الحكومة يمكنها الاستفادة من تنظيم هذه المشروعات عبر زيادة الإيرادات من التراخيص وتفعيل الرقابة على المنتجات، مما يعزز من استقرار السوق ويضمن توفير منتجات آمنة وعالية الجودة للمستهلكين.
وأكد «لوكا» أن دعم مشروعات عربات الطعام المتنقلة يمثل استثماراً حقيقياً فى مستقبل الشباب المصرى، داعياً الدولة إلى تبنى خطط أكثر شمولاً لتوسيع هذا النوع من المشروعات ليشمل مجالات أخرى، بما يفتح آفاقاً جديدة للإبداع والاستثمار ويعزز من دور الشباب فى بناء اقتصاد قوى ومستدام.
أكد سعيد متولى، خبير الصحة الغذائية، أن عربات المأكولات السريعة باتت جزءاً من حياة المصريين اليومية، لما تقدمه من وجبات سريعة بأسعار مناسبة، مثل الفول والفلافل والكشرى والمخبوزات والمشروبات الطبيعية، والتى تساعد المواطنين على استثمار أوقاتهم العملية وتمنح الشباب فرص عمل مبتكرة ومصدر دخل مستقلاً، وأشار إلى أن هذا النوع من المشروعات يمثل بُعداً اقتصادياً واجتماعياً مهماً، لكنه يحذر من خطورة الإهمال فى معايير الصحة والنظافة، الذى قد يحوّل الفائدة إلى خطر صحى يهدد المواطنين.
وأوضح «متولى» أن تناول الأطعمة من عربات غير ملتزمة بمعايير النظافة قد يؤدى إلى إصابة الإنسان بأمراض خطيرة، من أبرزها جرثومة المعدة، التى شهدت انتشاراً واسعاً فى الآونة الأخيرة نتيجة تناول خضراوات وفواكه غير مغسولة جيداً أو أطعمة مطهية فى ظروف غير صحية.
وشدد الخبير على ضرورة وضع إجراءات صارمة تضمن سلامة الأغذية المقدمة من هذه العربات، بدءاً من النظافة الشخصية للعاملين، مروراً بمصادر المكونات المستخدمة، ووصولاً إلى الالتزام بمعايير الطهى والتخزين، وأكد أن نجاح هذا النوع من المشروعات يعتمد بشكل كبير على تطبيق معايير الصحة والسلامة، ما يضمن تحقيق التوازن بين توفير وجبات سريعة وآمنة للمواطنين من جهة، ودعم الاقتصاد وتشجيع المشروعات الشبابية من جهة أخرى.
وشدد «متولى» على أهمية الدور الرقابى للجهات المعنية، من خلال حملات تفتيش دورية على منافذ الطعام المتنقلة، بهدف حماية صحة المواطنين والحد من انتشار الأمراض الناتجة عن الإهمال الغذائى، كما دعا إلى توعية أصحاب العربات والمستهلكين بأهمية النظافة والسلامة، مشيراً إلى أن عربات المأكولات يمكن أن تكون أحد الحلول المبتكرة لدعم الاقتصاد إذا تمت إدارتها وفق معايير صحية واضحة وصارمة.
مشروعات شبابية
الحركة لا تهدأ وأصوات المارة تتداخل مع أصوات الباعة، يقف سيد كرم، شاب فى الأربعين من عمره، يروى حكاية كفاحه التى تلخص معنى الإرادة والإصرار، بعد سنوات من الضياع وسط رفقاء السوء، قرر سيد، أن يغير حياته، واضعاً نصب عينيه هدفاً واحداً «العيش بالحلال وفتح بيت شريف».
بدأت رحلة سيد عندما استيقظ يوماً على حقيقة مريرة، وهى أن الأصدقاء الذين كان يظنهم داعمين له، لم يكونوا سوى سبب فى انحرافه عن الطريق، بدلاً من الاستمرار فى هذه الدائرة المظلمة، اختار سيد أن يبدأ من الصفر، مهما كان الثمن، اقترض مبلغاً بسيطاً من أحد معارفه واشترى به بضائع بسيطة من مستلزمات المنازل، مثل أدوات المطبخ والديكور.
فرش سيد بضاعته على طاولة صغيرة فى أحد شوارع وسط البلد، متحدياً كل الصعوبات التى تواجه الباعة الجائلين، لم يكن الأمر سهلاً، فالتعامل مع الزبائن يحتاج إلى صبر وحسن معاملة، خاصة فى منطقة مزدحمة مثل وسط البلد، لكن سيد كان مصمماً على أن يثبت نفسه، بدأ يجذب انتباه الناس بأسلوبه الودود وأسعاره المناسبة، مما ساهم فى بناء قاعدة من الزبائن المخلصين.
اليوم، أصبح «سيد» مثالاً للشاب المصرى الذى رفض الاستسلام للظروف، بفضل مثابرته، تمكن من تأمين دخل ثابت، وهو الآن يفكر فى توسيع نشاطه ليشمل متجراً صغيراً بدلاً من فرشته المتواضعة، يقول سيد بفخر: «الفلوس اللى بتيجى بالحلال فيها بركة، وأنا راضى بكل قرش بييجى من تعبى».
قصة «سيد» ليست مجرد حكاية كفاح فردية، بل هى دعوة لكل من يشعر باليأس أو العجز عن التغيير، الإرادة الصادقة والعمل الجاد يمكنهما أن يفتحا أبواب النجاح، حتى فى أصعب الظروف.
«عربات الأمل»
فى شوارع مصر المكتظة بالحياة، بين زحام العتبة وباب الشعرية والسيدة عائشة وشارع شبرا، تبرز قصص شباب استطاعوا تحويل التحديات الاقتصادية والبطالة إلى فرص نجاح ملهمة، برغم بساطة أدواتهم، قدموا نماذج مشرقة للإصرار والعمل الجاد، جعلت من عربات الطعام المتنقلة منصات للأمل والطموح.
البداية من رغيف حواوشى، سامح إبراهيم، شاب يبلغ من العمر 25 عاماً من قرية دهشور، بدأ حياته العملية كعامل فى مول تجارى بشارع شبرا، رغم قلة راتبه الذى لم يتجاوز 2500 جنيه والعمل لساعات طويلة، كان لديه حلم كبير، قائلاً «لم أكن أرغب فى البقاء أسيراً لوظيفة لا أحقق فيها طموحى، كنت أنظر لعربات الطعام حولى وأرى فيها فرصة لتغيير حياتى».
بمبلغ بسيط ادخره من راتبه، اشترى سامح بعض التوابل واللحوم ليبدأ مشروعه الصغير فى إعداد رغيف الحواوشى من منزله، وزع أول إنتاج له على أصدقائه، وحصل على ردود فعل مشجعة جعلته يزيد من كميات الإنتاج تدريجياً، مع مرور الوقت، تحول حلمه الصغير إلى حقيقة، واشترى عربة طعام متنقلة ليبدأ مشروعه الخاص فى حوارى شارع الترعة بشبرا مصر.
«اليوم أبيع أكثر من 200 رغيف يومياً، وأصبحت أمتلك أربع عربات حواوشى تعمل فى مناطق مختلفة، مثل العتبة، وشارع شبرا، وباب الشعرية، والسيدة عائشة، هذا المشروع غيّر حياتى، وجعلنى أؤمن بأن النجاح يبدأ بخطوة بسيطة».
من «طاسة البطاطس» إلى النجاح
أما ياسر إسماعيل، 22 عاماً، فقد بدأ رحلته من شارع الخليج المصرى بالقاهرة، بعد أن فشل فى العثور على عمل داخل ورش المنطقة، قرر أن يشترى «طاسة» صغيرة ويبدأ مشروعه فى إعداد «سندوتشات البطاطس المحمرة» لم تكن البداية سهلة، فمشكلات الإشغالات والمضايقات المستمرة كادت أن تحطم حلمه.
«كان التحدى الأكبر هو الصبر على الظروف الصعبة، كنت أعمل تحت ضغط كبير، لكننى كنت أؤمن بأننى قادر على تحقيق النجاح».
بعد ثلاث سنوات من المثابرة، استطاع ياسر أن يطوّر مشروعه بشراء عربة طعام متنقلة مجهزة بالكامل، واليوم، يضم شباباً تبحث عن العمل والكسب المشروع، والابتعاد عن أصحاب السوء، واليوم أصبح محاطاً بزحام الزبائن الذين يشيدون بجودة مأكولاته وأسعارها المناسبة التى تبدأ من 6 إلى 10 جنيهات.
«رؤية الزبائن وهم يستمتعون بالطعام الذى أعده كانت أكبر حافز لى للاستمرار. أحلم الآن بأن أوسع مشروعى ليشمل مناطق أخرى».
مشروبات ساخنة وأحلام كبيرة
فى حى السيدة عائشة، قرر حسن شاكر، شاب يبلغ من العمر 18 عاماً، أن يحول شغفه بإعداد القهوة إلى مشروع صغير متنقل، باستخدام دراجة قديمة وصندوق خشبى، بدأ حسن يتجول فى شوارع العتبة وباب الشعرية، يقدم القهوة والمشروبات الساخنة للمارة بأسعار لا تتجاوز 10 جنيهات.
قائلاً: «رغم بساطة المشروع، إلا أنه علّمنى الكثير عن كيفية التعامل مع الناس وتحقيق الربح دون الاحتياج لأحد، أحلم بأن أمتلك يوماً ما كافيه مميزاً يقدم القهوة بأعلى جودة».
الإصرار طريق النجاح
هذه القصص ليست مجرد حكايات عن عربات طعام متنقلة، بل هى شهادات حية على قوة الإرادة والتصميم لدى الشباب المصرى، رغم العقبات، استطاع هؤلاء الشباب تحويل أفكار بسيطة إلى مشاريع ناجحة توفر لهم مصدر دخل مستداماً وتحسن من مستوى معيشتهم.
حسن إبراهيم، أيمن إسماعيل، وياسر شاكر، يمثلون وجوهاً مشرقة للشباب الذى يرفض الاستسلام للظروف الصعبة، هم دليل على أن النجاح يبدأ بخطوة جريئة، وأن التحديات مهما كانت قاسية، يمكن تجاوزها بالعمل الجاد والإبداع.
وجّه «شباب النجاح» رسالة لكل شاب يبحث عن فرصة عمل: لا تنتظر أن تأتيك الفرصة، بل اصنعها بنفسك، الأمل والإرادة هما مفتاح النجاح، هكذا ختم ياسر شاكر حديثه، بينما يستعد لتقديم كوب قهوة جديد لزبائنه المخلصين.
«عربات الأمل» ليست فقط مصدراً للرزق، بل هى رمز للتحدى والتغلب على الصعاب، فى شوارع مصر، هناك مئات القصص المماثلة تنتظر أن تُروى، لأن الشباب المصرى قادر دائماً على تحويل الأحلام إلى واقع ملموس.
قانون بدعم الشباب
حددها مجلس النواب فى القانون رقم 92 لسنة 2018، وهو الخاص بتنظيم عمل وحدات الطعام المتنقلة، كما يحدد القانون الأماكن التى يجب وضع عربات الطعام فى الأحياء والشوارع المختلفة.