عربي21:
2024-10-06@10:51:58 GMT

تهافت مفكري العرب

تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT

تبدو محيّرة إلى أبعد حدود الظاهرة التي شهدتها السنوات الأخيرة في عوالم الفكر والثقافة والإعلام، والتي تتمثل بانحدار أكاديميين كانت لهم بصْمتهم في انفتاح الثقافة السياسية العربية على أحدث ما أنتجته مدارس السياسة في العالم، وما انطوت عليه من قيم عصرية في نظم الحكم والعلاقة بين الشعوب وحكامها، بما تضمنه ذلك من نقد، وإن كان غير مباشر، لبنى الحكم في العالم العربي وأساليبها، بما في ذلك الفساد، في استمرار العطالة العربية وإضعاف الوحدة الوطنية وتدمير كل فر التطور.



المفارقة العجيبة، أن ذات النخبة التي كتبت وترجمت ونقلت، والتي كان لها دور في صناعة توجهات جزء كبير من الشباب العربي، الرافضة للاستبداد والمطالبة بالتغيير، قد جرى استخدامها من قبل الثورات المضادة، لإعادة توجيه التفكير العربي ضد الثورات وقيمها، عبر تحميل مرحلة الربيع العربي والفاعلين المؤثرين فيها، مسؤولية الأوضاع التي آلت إليها مرحلة التآمر على ثورات الربيع العربي، من فقر وفساد وانهيارات اقتصادية وارتفاع معدلات الجريمة وتهتك نسائج الوحدة الوطنية، دون ربط منطقي بين هذه النتائج والمعطيات المتوفرة.

يمارس هؤلاء نوعا من البلطجة المعرفية، بلبوس رغائبي عاطفي إلى أبعد الحدود، تخالف ما سبق أن تناولته أبحاثهم في السياسات العامة والمقارنة، وتحليلهم للأسباب التي تعوّق تطور المجتمعات العربية
يمارس هؤلاء نوعا من البلطجة المعرفية، بلبوس رغائبي عاطفي إلى أبعد الحدود، تخالف ما سبق أن تناولته أبحاثهم في السياسات العامة والمقارنة، وتحليلهم للأسباب التي تعوّق تطور المجتمعات العربية، عبر استخلاصهم للنظريات السياسية الحديثة وما أنتجته الأكاديميات الغربية من مناهج بحث متطورة قادرة على قراءة الواقع بفكر موضوعي علمي لا ينحاز سوى للحقائق.

تنتشر كتابات هؤلاء على طيف واسع من المنابر الإعلامية، من صحف ومواقع الكترونية وحتى مراكز بحث ودراسات، وليس من الصعب اكتشاف وجود التطابق والتشابه بينها إلى حد بعيد، من خلال تهجمها على فواعل مرحلة الربيع العربي وإتهام الخارج بالمؤامرة على الأنظمة العربية، وربط الحراكات العربية بمؤامرات خارجية، ونزع أي صفة وطنية عنها. واللافت أن مستوى التحليل في هذه المخرجات" الإبداعية" وصل إلى حد التسطيح والسفه، في سبيل إثبات صحة المقولات والفرضيات التي يحاول هؤلاء ترويجها وحشرها عنوة في العقول العربية، الأمر الذي يدعو للتأسي على الحال الذي وصلت له هذه النخب.

من بديهيات علم السياسة أن نخب الحكم، بالدرجة الأساسية، هي المسؤولة عن إدارة الأزمات التي تتعرض لها البلاد، وتصبح هذه المسؤولية أكبر في بلاد تتفرد بها فئة معينة في إدارة الحكم، حيث تكون نسبة مشاركة المجتمع المدني والقوى السياسية والأحزاب والنقابات في صناعة القرار متدنية إلى أبعد الحدود، أو غير موجودة في الأصل، وبالتالي فإن مخرجات إدارة الأزمة تقع على مسؤولية هذه النخب، من خلال تبنيها للخيارات المناسبة لإدارة الأزمة والتي قد تشتمل على تقديم تنازلات معينة للمجتمع، يمكن من خلالها إعادة المجتمع إلى حالة الاستقرار. وفي هذه الحالة تتبع أنظمة الحكم ما يسمى بسياسة "إدارة التوازنات" بين الدولة والمجتمع؛ حتى لا يتزعزع الاستقرار وتسقط هيبة الدولة أو يُصار إلى سحق المجتمع ودفعه عنوة إلى السلبية واللا فعالية، وهي نتيجة كارثية على مستقبل العلاقة بين الشعب والسلطة.

ماذا فعلت الأنظمة العربية في إدارتها للأزمات، التي باعتراف نخب الثقافة العربية (قبل أن ترتد على أفكارها) أنها هي التي صنعتها عبر سياساتها غير المتلائمة مع السياسة؟ اتبعت خيارا وحيدا وهو خيار القمع، بدون أي مبرر منطقي، وأفقرت مؤسسات الدولة ودمرت النسائج المجتمعية وزجت بملايين الشعوب في السجون، وقتلت أعدادا يصعب إحصاؤها، ودفعت القوى الحية، وخاصة الشباب والمهنيين والأكاديميين، إلى الغرب بعيدا عن أوطانها، ثم رسمت سياسات أقل ما يقال فيها إنها تؤبّد الأوضاع الكارثية في المجتمعات العربية، خاضت الأزمة بمنطق إما قاتل أو مقتول، إما ان أحكمكم أو أقتلكم، أو نحرق البلد ونقتل الولد، هذا جوهر إدارة الأزمة الذي ابتدعته الأنظمة العربية.

الجواب الأول، أن ما قدمه هؤلاء من أفكار وأنماط سياسية لم يكن الهدف منها الاطلاع على منتجات علوم السياسة والاجتماع العصرية وتشربها من قبل نظم الحكم والفاعلين السياسيين والاجتماعيين، بقدر ما كانت عملية استعراض معرفية لا هدف آخر لها، اُريدَ منها تحقيق مكانة علمية ومعرفية، وأن هؤلاء في الأغلب لم يتوقعوا أصلا أن الشعوب العربية قد تثور يوما للمطالبة بتغيير قيم السياسة وبنى الحكم وطبيعة العلاقات بين السلطة والشعب. والسبب الثاني: أن هؤلاء باتوا جزءا من نسيج الأنظمة الحاكمة
وبعد، هل يغيب هذا المشهد عن عقول مفكري الأزمة اثناء محاكمتهم لمخرجاتها وتداعياتها المهلكة، من الغريب أن من تخصص في "أنظمة الحكم" و"علم الاجتماع السياسي" و" فلسفة السياسة" و"السياسات المقارنة" أن يقرأ المشهد العربي بمنطق الاتهام والتخوين والاتكاء على نظرية المؤامرة؛ اتهام الشعوب بالمؤامرة على دولها وخيانة حاضرها ومستقبلها، ومن الغريب أيضا أن ينعزل هؤلاء عن كامل هموم وأوجاع شعوبهم، ولا يكتفون بذلك، بل يصرون على نكأ جرح الشعوب بمنطق أقرب إلى الشماتة والتشفي.

السؤال الآن: لماذا هذا التحوّل المذهل في مواقف هؤلاء عن قيم السياسة، كما سبق وأن أوصلوها للعقل العربي؟ لا يوجد سوى إجابتان لهذا السؤال: الجواب الأول، أن ما قدمه هؤلاء من أفكار وأنماط سياسية لم يكن الهدف منها الاطلاع على منتجات علوم السياسة والاجتماع العصرية وتشربها من قبل نظم الحكم والفاعلين السياسيين والاجتماعيين، بقدر ما كانت عملية استعراض معرفية لا هدف آخر لها، اُريدَ منها تحقيق مكانة علمية ومعرفية، وأن هؤلاء في الأغلب لم يتوقعوا أصلا أن الشعوب العربية قد تثور يوما للمطالبة بتغيير قيم السياسة وبنى الحكم وطبيعة العلاقات بين السلطة والشعب. والسبب الثاني: أن هؤلاء باتوا جزءا من نسيج الأنظمة الحاكمة في المنطقة ومن الطبيعي أن يدافعوا عن امتيازاتهم وأوضاعهم الجديدة.

twitter.com/ghazidahman1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفكر الفساد القمع الفساد الثورة الاستبداد الفكر القمع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلى أبعد أن هؤلاء

إقرأ أيضاً:

من هم خبراء ترامب في السياسة الخارجية؟

الانتخابات الرئاسية الأمريكية تدخل في مراحلها الأخيرة، لم يتبقَ عليها سوى أسابيع قليلة من موعد الانتخابات القادمة في 5 نوفمبر. رغم ذلك، ستكون هذه الأسابيع من أطولها، حيث تتقارب الاستطلاعات بين المرشحين، حتى غديا كفرسي رهان.

والفارق بين الاثنين لا يتعدى هامش الخطأ. الوقت ليس مبكراً لمعرفة ملامح السياسة الخارجية لترامب. يمكننا تلمس معالم السياسة الخارجية لترامب من فترته الرئاسية الأولى. ولكن يمكننا أيضاً التنبؤ بالسياسة الخارجية لترامب، بالتعرف إلى مستشاريه في السياسة الخارجية.
نشرت مجلة «فورين بولسي» ذائعة الصيت، مقالاً في شهر أغسطس المنصرم، حول المؤثرين في ترامب في السياسة الخارجية.
شخصيات عديدة كانت مع الرئيس السابق في الإدارة الأولى (2017-2021). وتقول المقالة إن التعرف إلى هذه الشخصيات، يجعلنا نستكشف أصول الأفكار التي تغذي الرؤية الكونية للرئيس المحتمل.
ومن أبرز الأصوات الوازنة في إدارة ترامب العتيدة، هو البريدج كولبي، والذي يعتبر من الصقور في مواجهة الصين. ويعتقد كولبي أن الأولوية يجب أن تتجه نحو الصين، ولو على حساب أوروبا والحرب الأوكرانية. ولكن رئيسه المستقبلي، لا يجد غضاضة في المقايضة مع بيكين، حتى على تايوان.
شخصيات أخرى تحوم حول ترامب في مجال الأمن الوطني والسياسة الخارجية، لا تقل تشدداً عن ترامب. شخصية مثل فرِد فلايتز، والذي خدم في إدارة ترامب الأولى، وغيرها من الإدارات الجمهورية.
كما أنه حاز على رعاية من أحد صقور المحافظين الجدد، وهو جون بولتون، والذي انشق عن ترامب، بعد أن خدم كمستشار للأمن القومي في إدارة ترامب الأخيرة. ومع ذلك ظل فلايتز مخلصاً له، ويتبنى أفكار ماقا—أي جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى.
وريك قرينل لا يقل تشدد من أترابه، والذين يدورون في فلك ترامب. وقد عمل في مناصب عدة في الإدارة السابقة. وقد صرح ذات مرة بأنه يجب أن يكون وزير الخارجية حازماً، وغير آبه بالمجاملات الدبلوماسية.
وبسبب موقفه الصلب تجاه ترامب، بعد أن تخلى عنه كثير من أعوانه، يتوقع له منصب كبير في السياسة الخارجية، إذا ما قيض لترامب الفوز في الانتخابات المقبلة.
الجنرال كيث كيلوق، يتربص لشغل منصب مهم في الإدارة المقبلة. وقد شكّل ما يشبه حكومة ظل في مركز بحثي يدعى مؤسسة سياسة أمريكا أولاً. شغل الجنرال في مناصب عدة في إدارة ترامب، وقد رشح لأن يكون مستشاراً للأمن القومي، ولكن عين إتش أر مكماستر بدلاً عنه.
يعرف عنه أنه يساند تحالف «الناتو»، ويساند أوكرانيا. ويزعم أن رئيسه القادم سيستطيع إنهاء الحرب في أوكرانيا، إذا ما ضغط على الطرفين لتقديم التنازلات.
ومن صقور التجارة الخارجية، روبرت لايتزر، والذي يرجع أصوله في الخدمة العامة إلى الرئيس السابق رونالد ريغان. ويقال إن هذا الرجل من حوّل مقولات ترامب المبعثرة في التجارة الخارجية إلى سياسة متماسكة.
تأثيره في الحرب التجارية على الصين، استمرت في تأثيرها في إدارة بايدن اللاحقة. ومن المتوقع أنه سيحتل منصب وزير الخزانة في إدارة ترامب القادمة.
يتهم ترامب وأنصاره أن هناك دولة عميقة تتصدى لسياسات ترامب غير الاعتيادية. وقد استل ترامب سيف أحد معاونيه، جوني مكنتي، والذي شغل منصب رئيس شؤون الموظفين في البيت الأبيض. وعندما أحس الرئيس أن هناك من يحاول تقويض سياساته من كبار موظفي الحكومة، استخدم مكنتي لغربلة الموالين والمعارضين لسياساته.
وقد شرع الرئيس في إحقاق قانون يلغي تثبيت الموظفين الاتحاديين في مناصبهم، حتى يسهل التخلص منهم. بطبيعة الحال، سيحاول الرئيس تمرير هذا التشريع، إذا ما أصبح رئيساً، وسيسلط سيفه على رقاب منتقديه من داخل الإدارة.
كريستوفر ميلر، والذي شغل منصب وزير الدفاع بالوكالة، مع نهاية حكم ترامب، بعد أن أقال الأخير وزير دفاعه، مارك أسبر، بشكل مفاجئ، عبر منصة توتير.
وجّه الانتقادات إليه، لأنه لم يرسل الحرس الوطني لحماية مبنى الكونغرس، بعد أحداث الشغب في 6 يناير. هل يحظى ميلر بثقة الرئيس، لتعيينه وزيراً للدفاع في إدارته المحتملة؟.
هناك أشخاص أكثر محتملين لشغل مناصب متعددة، لا يتسع المجال لاستعراضهم هنا، ومنهم مايك بومبيو وزير الخارجية السابق، والذي يحتمل أن يرجع في منصبه القديم، أو منصب آخر كبير. يتسم بالحدة والشدة، وكان خلف الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وصاحب سياسة الضغوط القصوى على إيران.
إدارة ترامب القادمة، ستكون إدارة حاسمة وقوية في سياستها الخارجية، في زمن قد يكون الحكمة أفضل سبل لتحقيق السلام والاستقرار في العالم المضطرب. إدارة قادمة، ولسان حالها يقول، إن لم تكن ذئباً، أكلتك الذئاب.

مقالات مشابهة

  • أحاديث عن السياسة.. الكذب!
  • وزارة العمل في 7 أيام.. مصر رئيسا لمنظمة العمل العربية.. ووزير العمل يتعهد بتعزيز العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات
  • “الأنظمة الإرستقراطية وسقوطها في العالم المعاصر “
  • أسامه البيطار يهنئ الشعوب العربية بمناسبة ذكرى إنتصار أكتوبر ويؤكد على محو أمية الملكية الفكرية
  • كلّف العرب كثيرًا.. أنور قرقاش يثير تفاعلًا بتدوينة عن زمن الميليشيات في الدول العربية والمنطقة
  • المستجدات ومنطق السياسة
  • من هم خبراء ترامب في السياسة الخارجية؟
  • رؤيا …
  • العربي القطري يهزم البطائح الإماراتي في بطولة الأندية العربية لكرة السلة
  • فيديو | محمد بن زايد يؤكد أهمية تعزيز قيم التكافل التي تميز مجتمع الإمارات