عربي21:
2025-05-01@14:19:36 GMT

تهافت مفكري العرب

تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT

تبدو محيّرة إلى أبعد حدود الظاهرة التي شهدتها السنوات الأخيرة في عوالم الفكر والثقافة والإعلام، والتي تتمثل بانحدار أكاديميين كانت لهم بصْمتهم في انفتاح الثقافة السياسية العربية على أحدث ما أنتجته مدارس السياسة في العالم، وما انطوت عليه من قيم عصرية في نظم الحكم والعلاقة بين الشعوب وحكامها، بما تضمنه ذلك من نقد، وإن كان غير مباشر، لبنى الحكم في العالم العربي وأساليبها، بما في ذلك الفساد، في استمرار العطالة العربية وإضعاف الوحدة الوطنية وتدمير كل فر التطور.



المفارقة العجيبة، أن ذات النخبة التي كتبت وترجمت ونقلت، والتي كان لها دور في صناعة توجهات جزء كبير من الشباب العربي، الرافضة للاستبداد والمطالبة بالتغيير، قد جرى استخدامها من قبل الثورات المضادة، لإعادة توجيه التفكير العربي ضد الثورات وقيمها، عبر تحميل مرحلة الربيع العربي والفاعلين المؤثرين فيها، مسؤولية الأوضاع التي آلت إليها مرحلة التآمر على ثورات الربيع العربي، من فقر وفساد وانهيارات اقتصادية وارتفاع معدلات الجريمة وتهتك نسائج الوحدة الوطنية، دون ربط منطقي بين هذه النتائج والمعطيات المتوفرة.

يمارس هؤلاء نوعا من البلطجة المعرفية، بلبوس رغائبي عاطفي إلى أبعد الحدود، تخالف ما سبق أن تناولته أبحاثهم في السياسات العامة والمقارنة، وتحليلهم للأسباب التي تعوّق تطور المجتمعات العربية
يمارس هؤلاء نوعا من البلطجة المعرفية، بلبوس رغائبي عاطفي إلى أبعد الحدود، تخالف ما سبق أن تناولته أبحاثهم في السياسات العامة والمقارنة، وتحليلهم للأسباب التي تعوّق تطور المجتمعات العربية، عبر استخلاصهم للنظريات السياسية الحديثة وما أنتجته الأكاديميات الغربية من مناهج بحث متطورة قادرة على قراءة الواقع بفكر موضوعي علمي لا ينحاز سوى للحقائق.

تنتشر كتابات هؤلاء على طيف واسع من المنابر الإعلامية، من صحف ومواقع الكترونية وحتى مراكز بحث ودراسات، وليس من الصعب اكتشاف وجود التطابق والتشابه بينها إلى حد بعيد، من خلال تهجمها على فواعل مرحلة الربيع العربي وإتهام الخارج بالمؤامرة على الأنظمة العربية، وربط الحراكات العربية بمؤامرات خارجية، ونزع أي صفة وطنية عنها. واللافت أن مستوى التحليل في هذه المخرجات" الإبداعية" وصل إلى حد التسطيح والسفه، في سبيل إثبات صحة المقولات والفرضيات التي يحاول هؤلاء ترويجها وحشرها عنوة في العقول العربية، الأمر الذي يدعو للتأسي على الحال الذي وصلت له هذه النخب.

من بديهيات علم السياسة أن نخب الحكم، بالدرجة الأساسية، هي المسؤولة عن إدارة الأزمات التي تتعرض لها البلاد، وتصبح هذه المسؤولية أكبر في بلاد تتفرد بها فئة معينة في إدارة الحكم، حيث تكون نسبة مشاركة المجتمع المدني والقوى السياسية والأحزاب والنقابات في صناعة القرار متدنية إلى أبعد الحدود، أو غير موجودة في الأصل، وبالتالي فإن مخرجات إدارة الأزمة تقع على مسؤولية هذه النخب، من خلال تبنيها للخيارات المناسبة لإدارة الأزمة والتي قد تشتمل على تقديم تنازلات معينة للمجتمع، يمكن من خلالها إعادة المجتمع إلى حالة الاستقرار. وفي هذه الحالة تتبع أنظمة الحكم ما يسمى بسياسة "إدارة التوازنات" بين الدولة والمجتمع؛ حتى لا يتزعزع الاستقرار وتسقط هيبة الدولة أو يُصار إلى سحق المجتمع ودفعه عنوة إلى السلبية واللا فعالية، وهي نتيجة كارثية على مستقبل العلاقة بين الشعب والسلطة.

ماذا فعلت الأنظمة العربية في إدارتها للأزمات، التي باعتراف نخب الثقافة العربية (قبل أن ترتد على أفكارها) أنها هي التي صنعتها عبر سياساتها غير المتلائمة مع السياسة؟ اتبعت خيارا وحيدا وهو خيار القمع، بدون أي مبرر منطقي، وأفقرت مؤسسات الدولة ودمرت النسائج المجتمعية وزجت بملايين الشعوب في السجون، وقتلت أعدادا يصعب إحصاؤها، ودفعت القوى الحية، وخاصة الشباب والمهنيين والأكاديميين، إلى الغرب بعيدا عن أوطانها، ثم رسمت سياسات أقل ما يقال فيها إنها تؤبّد الأوضاع الكارثية في المجتمعات العربية، خاضت الأزمة بمنطق إما قاتل أو مقتول، إما ان أحكمكم أو أقتلكم، أو نحرق البلد ونقتل الولد، هذا جوهر إدارة الأزمة الذي ابتدعته الأنظمة العربية.

الجواب الأول، أن ما قدمه هؤلاء من أفكار وأنماط سياسية لم يكن الهدف منها الاطلاع على منتجات علوم السياسة والاجتماع العصرية وتشربها من قبل نظم الحكم والفاعلين السياسيين والاجتماعيين، بقدر ما كانت عملية استعراض معرفية لا هدف آخر لها، اُريدَ منها تحقيق مكانة علمية ومعرفية، وأن هؤلاء في الأغلب لم يتوقعوا أصلا أن الشعوب العربية قد تثور يوما للمطالبة بتغيير قيم السياسة وبنى الحكم وطبيعة العلاقات بين السلطة والشعب. والسبب الثاني: أن هؤلاء باتوا جزءا من نسيج الأنظمة الحاكمة
وبعد، هل يغيب هذا المشهد عن عقول مفكري الأزمة اثناء محاكمتهم لمخرجاتها وتداعياتها المهلكة، من الغريب أن من تخصص في "أنظمة الحكم" و"علم الاجتماع السياسي" و" فلسفة السياسة" و"السياسات المقارنة" أن يقرأ المشهد العربي بمنطق الاتهام والتخوين والاتكاء على نظرية المؤامرة؛ اتهام الشعوب بالمؤامرة على دولها وخيانة حاضرها ومستقبلها، ومن الغريب أيضا أن ينعزل هؤلاء عن كامل هموم وأوجاع شعوبهم، ولا يكتفون بذلك، بل يصرون على نكأ جرح الشعوب بمنطق أقرب إلى الشماتة والتشفي.

السؤال الآن: لماذا هذا التحوّل المذهل في مواقف هؤلاء عن قيم السياسة، كما سبق وأن أوصلوها للعقل العربي؟ لا يوجد سوى إجابتان لهذا السؤال: الجواب الأول، أن ما قدمه هؤلاء من أفكار وأنماط سياسية لم يكن الهدف منها الاطلاع على منتجات علوم السياسة والاجتماع العصرية وتشربها من قبل نظم الحكم والفاعلين السياسيين والاجتماعيين، بقدر ما كانت عملية استعراض معرفية لا هدف آخر لها، اُريدَ منها تحقيق مكانة علمية ومعرفية، وأن هؤلاء في الأغلب لم يتوقعوا أصلا أن الشعوب العربية قد تثور يوما للمطالبة بتغيير قيم السياسة وبنى الحكم وطبيعة العلاقات بين السلطة والشعب. والسبب الثاني: أن هؤلاء باتوا جزءا من نسيج الأنظمة الحاكمة في المنطقة ومن الطبيعي أن يدافعوا عن امتيازاتهم وأوضاعهم الجديدة.

twitter.com/ghazidahman1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفكر الفساد القمع الفساد الثورة الاستبداد الفكر القمع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلى أبعد أن هؤلاء

إقرأ أيضاً:

بمتابعة الشيخة فاطمة بنت مبارك .. الإمارات تستعرض خطة إنطلاقة “المرصد العربي لتنمية المرأة اقتصاديا” في جامعة الدول العربية

 

بمتابعة حثيثة من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات)، رئيسة الإتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، شاركت دولة الإمارات ممثلةً في الإتحاد النسائي العام في إجتماع رفيع المستوى للمندوبين الدائمين لدى جامعة الدول العربية لمناقشة خطة الانطلاقة الرسمية لمشروع “المرصد العربي لتنمية المرأة اقتصادياً”، الذي أقيم في مقر جامعة الدول العربية في جمهورية مصر العربية، وذلك في إطار متابعة تنفيذ القرار الصادر عن الدورة (33) لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة العربية عام 2024، بشأن إقرار المبادرة التي تقدمت بها دولة الإمارات حول “المرصد العربي لتنمية المرأة اقتصادياً”.

وترأست وفد دولة الإمارات في الاجتماع الذي عقد بمقر الأمانة العامة للجامعة في القاهرة، سعادة نورة خليفة السويدي الأمينة العامة للاتحاد النسائي العام، ومشاركة المهندسة غالية علي المناعي، رئيسة الشؤون الإستراتيجية والتنموية في الاتحاد النسائي العام.

وشهد الاجتماع حضور معالي السفيرة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية ـ جامعة الدول العربية، وسعادة مريم الكعبي، سفيرة دولة الإمارات لدى جمهورية مصر العربية ومندوبتها الدائمة لدى الجامعة، وعدد من سفراء الدول العربية.

ويأتي هذا الاجتماع في إطار دعم العمل العربي المشترك وتعزيز دور المرأة في تحقيق التنمية المستدامة، حيث تعمل جامعة الدول العربية، بمشاركة فاعلة من الدول الأعضاء، على تفعيل الآليات الإقليمية التي تدعم التمكين الاقتصادي للمرأة.

وتعكس هذه المبادرة التزاما جماعيا بتعزيز دور المرأة في الاقتصاد العربي، من خلال مبادرات نوعية تُسهم في معالجة التحديات البنيوية، وتُرسّخ منظومات مستدامة تُعزّز مشاركة النساء في مسارات التنمية، بما يتوافق مع أولويات الأجندة التنموية العربية (2023-2028) وأهداف التنمية المستدامة 2030.

وفي هذا الإطار، أوضحت معالي السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد، رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية، أن المبادرة تعكس الرؤية الطموحة لدولة الإمارات العربية المتحدة في دعم ريادة المرأة وتعزيز مساهمتها في الاقتصاد، من خلال تأسيس منظومة إقليمية متكاملة تُسهم في توسيع فرص النمو والتمكين الاقتصادي للنساء في الدول العربية.

وقالت سعادة نورة خليفة السويدي، الأمينة العامة للإتحاد النسائي العام، إنه انطلاقا من التزام دولة الإمارات العربية المتحدة الثابت بدعم وتعزيز العمل العربي المشترك، والذي يُعتبر أساساً لتحقيق التكامل والتنمية المستدامة في العالم العربي، جاءت مبادرة الإمارات بإطلاق مشروع رائد على مستوى المنطقة وهو “المرصد العربي لتنمية المرأة اقتصادياً” لإحداث نقلة نوعية في واقع المرأة العربية عبر تأسيس أول منظومة متكاملة لإشراك كافة الجهات ذات العلاقة بالدول العربية في دعم نمو الأعمال والاقتصاد للمرأة العربية.

وأوضحت سعادتها أنه تمت مناقشة هذه المبادرة خلال الدورة الثالثة والأربعين للجنة المرأة العربية التابعة لجامعة الدول العربية، برئاسة سلطنة عمان، وتم إدراج المبادرة ضمن جدول أعمال الاجتماع الوزاري لتلك الدورة، وقد أسفرت المناقشات عن صدور القرار رقم (18) من لجنة المرأة على المستوى الوزاري، والذي نص على الموافقة على مبادرة الإمارات وتوصية برفعها إلى مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة لاعتمادها رسميا، وخلال قمة العرب في البحرين تم اعتماد إنشاء المرصد بتاريخ 16 مايو 2024.

من جانبها، استعرضت المهندسة غالية علي المناعي، رئيسة الشؤون الإستراتيجية والتنموية في الاتحاد النسائي العام، خلال الاجتماع، الرؤية الطموحة والأهداف الإستراتيجية لـ “المرصد العربي لتنمية المرأة اقتصاديا”، وطرحت توجهات التوسع المستقبلية وخطط الاستدامة لتعزيز دور المرصد إقليمياً.

كما تطرقت إلى إطار الحوكمة الشاملة، وآلية تشكيل اللجنة التنفيذية وفرق العمل الفرعية، مع تحديد واضح لمهامها وأدوارها، إلى جانب استعراض الخطة التنفيذية التي تهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في دعم وتمكين المرأة اقتصادياً في العالم العرب ، ووضع خطط لضمان استدامة المشروع.

وفي الختام، تم فتح الباب لنقاش مفتوح مع سعادة السفراء المندوبين الدائمين، وعرض مخرجات الإجتماع.


مقالات مشابهة

  • بمتابعة الشيخة فاطمة بنت مبارك .. الإمارات تستعرض خطة إنطلاقة “المرصد العربي لتنمية المرأة اقتصاديا” في جامعة الدول العربية
  • الوزير الشيباني: إن أي دعوة للتدخل الخارجي، تحت أي ذريعة أو شعار، لا تؤدي إلا إلى مزيد من التدهور والانقسام، وتجارب المنطقة والعالم شاهدة على الكلفة الباهظة التي دفعتها الشعوب جراء التدخلات الخارجية، والتي غالباً ما تُبنى على حساب المصالح الوطنية، وتخدم أ
  • الجامعة العربية تنظم اجتماع لجنة تحكيم جائزة «التميز الإعلامي العربي» 5 مايو
  • دنابيع السياسة العربية.. من دنبوع اليمن إلى دنبوع فلسطين
  • جمال وأصالة.. الخيل العربية موروث ديني وعربي تتوارثه الأجيال
  • هذه هي عصا الاقتصاد السحرية التي أخضعوا بها الشعوب
  • «الغرف العربية»: العالم العربي سيصبح الشريك التجاري الأول للصين
  • اتحاد الغرف العربية: 400 مليار دولار حجم التبادل التجاري العربي - الصيني في 2024
  • وفد الأمانة العامة للجامعة العربية يصل بغداد للاطلاع على استعدادات القمة العربية
  • 7مايو توزيع جوائز الإبداع في خدمة العربية بالبرلمان العربي