الإعلام حربٌ بدون دماء.. أو الأكثر دموية
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
زينب حيدر
اتسمت وسائل الإعلام على مر السنين بأنها السلطة الرابعة التي تنقل الخبر بموضوعية للمتلقي وتحلله، صانعةً بذلك الرأي العام حيال أي قضية أو حدث. السمة هذه تغيرت وباتت وسائل الإعلام بشكلها الرقمي أداةً أساسيّةً حيويّةً بيد الرأي العام الصانع للخبر والمشارك فيه والخبر أيضًا. ولكن، عندما تشتعل الثورة في بلدٍ ما، أو ينطلق حدثٌ فريدٌ ذو طابعٍ تغييري تأتي الأجندات السياسيّة والرقابة وقدر الحرية المعطاة للشعب لاستخدام مواقع التواصل والوصول إلى وسائل الإعلام، الأمر الذي يؤدي إلى مشاركة الشعب في صناعة الحدث والخبر أو التأثر بما يُعرض له لبناء موقفه.
تُعد وسائل الإعلام من أهم أدوات تشكيل الوعي وبناء المعرفة لدى جمهورها، ومع بداية أي حدثٍ جذريٍّ تتسمر حواس أفراد المجتمع مترقِّبةً ما ستقوله هذه الوسائل من نقلٍ، تحليل أو آراء أو تنبؤات. ومن هنا يبدأ البحث عن الدور الأساسي والصحيح للإعلام الذي تحدث عنه الباحث في الإعلام والاتصال السياسي الدكتور علي أحمد؛ “وسائل الإعلام تُعتبر العمود الفقري في تشكيل الوعي المجتمعي خلال الثورات أو الأحداث التغييرية. الدور الأساسي للإعلام يتمثل في نقل الأحداث بدقة وموضوعية، تسليط الضوء على القضايا الجوهرية، وتوجيه الرأي العام نحو الحقيقة. الإعلام المهني يكون بمنزلة مرآة تعكس الواقع دون تحريف، وتُبرز مآسي الشعوب وصمودها كما رأينا في تغطيات الإعلام المقاوم لحرب الصهاينة على لبنان، حيث نجح في كشف جرائم الاحتلال وتعزيز الوعي بالمقاومة”.
ومما تنقله الدراسات عن دور الإعلام الثوري في الجزائر وتونس إبان مقارعة الاحتلال أنه نقل الانتصارات المحققة في الثورة، حشد التعبئة الشعبية، عرف بالقضية الجزائرية في المحافل الدولية وضمن التأييد الدولي لها، الرد على الدعاية المعادية التي تحاول تشويه نضال الشعب، التخويف، وأخيرًا صناعة الحدث وليس فقط نقله وتحليله. هذا الدور إيجابيٌّ بشكلٍ كبير على عكس ما يحدث في واقعنا الآن فيضيف الدكتور علي أحمد: ” لكن على أرض الواقع، تتداخل المصالح السياسية والإقليمية لتفرز نوعًا آخر من الإعلام: الإعلام الدعائي. هذا النوع يسعى لتوجيه الروايات بما يخدم أجندات معينة، كما حدث في الأزمة السورية، حيث استخدمت بعض وسائل الإعلام منصاتها لخلق صورة منحازة للأحداث، مما أدى إلى تضليل الرأي العام وتشكيل وعي زائف. في زمن الثورات، الإعلام يصبح ساحة صراع بحد ذاته. فهناك الإعلام الوطني الذي يحاول الحفاظ على مصداقية الأحداث، وهناك الإعلام المدعوم خارجيًا الذي يعمل على تضليل الوقائع أو تأجيج الصراعات الداخلية”.
وللتفريق بين أطراف الصراع الإعلامي في عالم تغزوه الوسائل الرقمية ينبغي معرفة مسؤوليات مستخدمي هذه الوسائل بعد تشخيص دور الإعلام الأساسي، والمستخدمون هنا قد يكونون أيضًا من العاملين في المؤسسات الإعلامية التقليدية أو قد تكون المؤسسة نفسها تستخدم الوسائل الرقمية في محاكاةٍ للتطور. وهو ما تحدثت عنه الدكتورة المحاضرة في كلية الإعلام في جامعة المعارف مروة عثمان ” يتحمل مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية كبيرة خلال الحروب والأحداث التغييرية، إذ يُطلب إليهم أن يكونوا أمناء على الحقيقة، مقاومين للإثارة والتضليل. في أوقات الصراع، تتحول هذه المنصات إلى ساحات معركة للسيطرة على الروايات التي قد تؤثر في الرأي العام الدولي، والمعنويات، وحتى القرارات السياسية. لذلك، يتعين على المستخدمين أن يُقيّموا المحتوى الذي ينشرونه أو يشاركونه بعناية، وأن يتأكدوا من مصداقيته وما إذا كان يخدم العدالة والمقاومة والمظلومين، بدلاً من تعزيز الأكاذيب أو الدعايات التي تهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات. فحتى المنشور العابر قد يسهم في نشر أخبار ملفقة، مما يقوض جهود حركات المقاومة الوطنية أو يساعد المعتدين”.
وهذه المسؤولية المهمة كانت غائبة عن بعض وسائل الإعلام خلال الحرب “الإسرائيلية” على لبنان، فقناة الحدث التي ساهمت في نشر العديد من الأخبار غير المسؤولة حول الغارات “الإسرائيلية” على العاصمة بيروت، سرعان ما حذفت تغريدتها حول مشاهد الدمار الذي خلفته الغارات على ما أسمته “موقعين لحزب الله” في بيروت، وهذا النوع من الأخبار وإن صحت يؤدي إلى إضعاف عزيمة شعبٍ يقاوم عدوه باللحم الحي ويثير النعرات الداخلية. والنقطة المفصلية هنا أن لا أذى يُمحى لا من ذاكرة الشعوب ولا من ذاكرة المتابعين للعثرات الإعلامية المقصودة أحيانًا. “يجب أن يدرك المستخدمون أن مشاركتهم على هذه المنصات لها عواقب فعلية”. تقول الدكتورة عثمان وتُردف في توضيحٍ للدور الإيجابي “ففي لبنان وسورية، حيث شنّ المعتدون حروبًا ليست عسكرية فقط بل إعلامية أيضًا، يلعب مستخدمو وسائل التواصل دورًا أساسيًا في مواجهة الأجندات الصهيونية والإمبريالية. من خلال التركيز على نشر المعلومات الدقيقة ورفض الخطاب المفرق، يمكنهم المساهمة في بناء رواية جماعية تسلط الضوء على معاناة شعوبهم وتفضح جرائم المعتدين، لضمان أن أصوات المظلومين لا تُخرس ولا تُهمش”. وقد وافقها الدكتور أحمد مضيفًا: ” تقع على عاتقه مسؤولية التحقق من صحة الأخبار قبل مشاركتها. الأخبار الكاذبة تنتشر بسرعة مذهلة، وتكفي مشاركة واحدة لتضليل آلاف الأشخاص أو إثارة الفوضى”.
المعايير المهنية والضوابط الأخلاقية مسارٌ لا بد منه لحفظ المجتمع من تبدلاتٍ تُزعزع الأمن وتبث الرعب، أو تبدل الأدوار بين الضحية والجلاد، ففي سورية الآن ضياعٌ واضح للحقائق بسبب ما يُروى، وذلك بفعل عدم التزام معايير الإعلام المهنية ” أدى الانتشار غير المنضبط للتقارير غير الموثوقة، ومقاطع الفيديو المزيفة، والروايات الملفقة إلى خلق مناخ من الفوضى عزز التدخل الأجنبي وزاد من حدة الانقسامات الداخلية”. تقول د. عثمان التي أشارت في كلامها إلى الهدف من هذه السلوكيات الخطيرة “غالبًا ما تضخم هذه الفوضى الدعاية التي تهدف إلى شيطنة الدول ذات السيادة أو حركات المقاومة، محولة الانتباه بعيدًا عن المعتدين الحقيقيين لتقديم “أعداء” مصطنعين. هذا الأمر برز بوضوح من خلال استهداف حزب الله والدولة السورية بشكل متكرر لتشويه صورتهما، بهدف تغطية جرائم الكيان الصهيوني والدول الغربية”. وهذا ما يُبرز الحرب الإعلامية التي تشنها ماكينات الغرب على المحور المقاوم، خاصة بعد الحرب الأخيرة في لبنان والتي انتهت بكسر الإرادة الصهيونية على أعتاب بلدات الجنوب.
أما في سورية فتروي د. عثمان اللعبة الإعلامية التي يقوم العديد من الأطراف بتأديتها في سورية ” بالتأكيد كانت هناك إستراتيجية إعلامية محسوبة تهدف إلى إسقاط النظام السوري، وقد نسّقتها بشكل أساسي الحكومات الغربية والأنظمة الخليجية وحلفاؤها الإعلاميون. اعتمدت هذه الإستراتيجية على حملة تشويه مستمرة للنظام السوري وحلفائه، بما في ذلك حزب الله وإيران، حيث تم تصويرهم كجهات معتدية، بينما تم تجاهل أو التقليل من أهمية الجرائم التي ارتكبتها الجماعات المسلحة. وقد أصبحت قنوات مثل “الجزيرة” و”العربية” أدوات رئيسية في هذا الجهد، حيث روّجت لتقارير غير موثوقة وأطّرت الصراع على أنه صراع مبسط بين “نظام قمعي” و”مقاتلي حرية”، على الرغم من أن الأخيرين غالباً ما كانوا فصائل إرهابية ممولة من قوى خارجية. لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في هذه الإستراتيجية، إذ غُمرت المنصات بقصص مختلقة وفيديوهات مفبركة وصور معدّلة تهدف إلى إثارة ردود أفعال عاطفية وتبرير التدخل الخارجي. على سبيل المثال، تم الترويج لـ “الخوذ البيضاء” كأبطال، رغم وجود أدلة تربطهم بجماعات إرهابية. لم تكن هذه اللعبة الإعلامية مجرد محاولة للسيطرة على السردية، بل كانت تهدف أيضاً إلى نزع الشرعية عن أي جهود من قبل الدولة السورية للدفاع عن سيادتها، مما يمهد الطريق لتحقيق أهداف “جيوسياسية” أوسع في المنطقة.
وإلى جانب قصة “الخوذ البيضاء”، تناقل ناشطون على مواقع التواصل الخطأ المريع الذي قامت به مراسلة الأم تي في نوال بري، حينما قصت على المشاهدين عذابات “السجين اللبناني” الذي قضى سنين طوال في السجون السورية، وانتظرت مع المشاهدين لحظة إزاحة الستار عن هويته لتتأكد أنه لبناني، بدل التأكد من أصل الحكاية التي روتها في رسالتها المباشرة، فيتضح لها وللمشاهدين على الهواء مباشرةً أن أقارب المريض نقلوه إلى سورية بهدف العلاج، لأن تكاليف علاجه في بيروت مرتفعة. كما تم نفي وجود مكبس بشري في سجن صيدنايا والذي روجت لوجوده صفحات معادية للنظام السوري السابق. وكُشف القناع عن الممثل “الشاطر” كما وصفه أحد الناشطين والذي تم تصويره على أنه سجين قضى عمرًا من الأسى في “سجون الأسد” كما يعبر المعارضون. المشكلة أن الكثير من السجناء مدانون بفعل جرائم ارتكبوها لا بسبب عدائهم للنظام، والمشكلة الأكبر أن كل هذه “السكِتشات” كانت على حساب المعاناة الحقيقية لأفراد آخرين ظُلموا بالفعل بسبب ممارساتٍ خطأ ارتكبها بعض مَن في النظام السابق.
ما ذُكر ليس إلا لتسليط الضوء على ما يرافق المخطط الذي يُطبق في سورية الآن، فالإعلام يملك اليد العليا لإنجاحه، كون التغير المطلوب في سورية له تأثيرات بالغة في المستقبل المطلوب لها، بعيدًا عن ماضيها العريق في مجابهة الاستكبار العالمي، وحليفها اللبناني الذي بذل الدماء على أراضيها هو أيضًا مشمولٌ بالعقوبة الإعلامية لضرب سمعته في حضرة العالم الصامت. اللعبة المحاكة في سورية إعلاميًّا تظهر حجم الفوضى الإعلامية التي تغرق بها المنطقة، وهي ليست وليدة اليوم أو بريئة ونتيجة الإخفاقات غير المقصودة. إنما هي أمرٌ مطلوب التنفيذ لتضيع الحقيقة كما تؤكد د. عثمان ” بالفعل، نحن نعيش في زمن الفوضى الإعلامية، خاصةً في لبنان والمنطقة المحيطة. أصبح من الصعب للغاية الوصول إلى روايات واقعية وسط الكم الهائل من الأخبار المتناقضة والمزيفة. في لبنان، مثلًا، كثيرًا ما تُشوه الاعتداءات الصهيونية أو يتم تجاهلها تمامًا في الإعلام الدولي، بينما تُصور جهود المقاومة بشكل غير منصف كأنها مصدر الصراع. وبالمثل، غُمرت الحرب السورية بسيل من المعلومات المضللة التي صُممت بعناية لتشويه صورة الدولة السورية وحلفائها، بينما يُغض الطرف عن دور الجماعات المسلحة الممولة من الخارج في تأجيج العنف. هذه الفوضى ليست عشوائية، بل هي إستراتيجية محسوبة تهدف إلى تقويض روايات المقاومة ودعم الأجندات الإمبريالية”.
أمام هذه الفوضى يتحير الرأي العام الذي بات مشاركًا في صناعة الحدث، فأين موقعه من هذه التغيرات؟ يجيب د. أحمد ” الرأي العام اليوم في مواجهة تحدٍ كبير بسبب تعدد السرديات. قدرة المواطن على توثيق الأحداث ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي منحت صوته وزنًا جديدًا، وأصبحت الروايات الفردية جزءًا من المشهد الإعلامي. لكن هذا التحول أثار إشكاليات عديدة: أولًا، افتقار السرديات الفردية إلى الدقة والمهنية جعل الرأي العام مشوشًا. المواطن العادي لا يملك الأدوات اللازمة للتحقق من صحة ما ينشره، وغالبًا ما ينقل الأحداث من زاوية محدودة. ثانيًا، الرأي العام بات أكثر تشتتًا، حيث يتأرجح بين الروايات التي تنشرها وسائل الإعلام التقليدية والسرديات الفردية التي قد تكون متحيزة أو غير دقيقة. لكن لا يمكن إنكار الجانب الإيجابي، حيث أصبح للمواطن دور أكبر في كشف الحقائق، خاصة في ظل غياب التغطيات الشاملة من وسائل الإعلام التقليدية. اليوم، الرأي العام يتحرك بين تأثير الإعلام الرسمي وتأثير ما يُنشر على وسائل التواصل، مما يخلق حالة من التعددية التي قد تكون إيجابية إذا وُظفت بشكل صحيح”.
في ظلِّ التشكيك والحيرة لدى الجمهور والشعب، ومع تآكل الثقة بفعل الممارسات الخطأ، ومع الأجندات التي تبغي شل تفكير الناس وتشوه أي أصواتٍ تتحدى نسختها من رواية الأحداث كما تشير د. عثمان، لا بد من ذكر مسارٍ يوصل الباحث عن الحقيقة إليها ” الوصول إلى الحقيقة في زمن الفوضى الإعلامية يتطلب إستراتيجية واعية تعتمد على عدة محاور” يقول د. أحمد ” أولًا، يجب على الباحث أن يُنوع مصادره، فلا يكتفي بمصدر واحد مهما كان موثوقًا. مقارنة الروايات المختلفة تساعد على كشف نقاط الالتقاء التي غالبًا ما تحمل جزءًا من الحقيقة. ثانيًا، اللجوء إلى وسائل الإعلام التي أثبتت مصداقيتها على مدى سنوات أمر أساسي. هناك وسائل إعلام معروفة بالتزامها المهني، وغالبًا ما تكون مصدرًا آمنًا للمعلومات. ثالثًا، استخدام أدوات التحقق الرقمية مثل مواقع التحقق من الحقائق أو التطبيقات التي تتيح للمستخدم التأكد من الصور ومقاطع الفيديو المتداولة. رابعًا، يجب أن يمتلك الباحث قدرة نقدية لتحليل الأخبار وربطها بالسياقات التاريخية والسياسية. الأخبار لا تأتي من فراغ، وفهم السياق يساعد على التمييز بين الروايات المختلفة. خامسًا، على الباحث أن يتجنب الانحياز العاطفي لأي رواية، لأن المشاعر كثيرًا ما تكون بوابة للتضليل. الحذر والتحليل هما المفتاح للوصول إلى الحقيقة. هذا المسار الجوهري يكمله ما تحدثت عنه د. عثمان من ” الحاجة الملحة إلى منصات مكرسة لتقديم تقارير دقيقة وتحليل سياقي، مع تضخيم أصوات الميدانيين، خاصةً أولئك المنتمين لحركات المقاومة التي تدافع عن سيادتها وشعوبها”.
تؤدي الإستراتيجية الواعدة التي تحدث عنها د. أحمد إلى رفع ثقة الجمهور بالمصادر الإعلامية الموثوقة بعد أن هبط مستوى الثقة كما أكد ضيفا موقع “العهدالإخباري”، بفعل إغراق الجو الإعلامي بالشائعات والأخبار المختلقة، وكان هذا جزءًا من دورٍ لعبته وسائل إعلام غربية لتبرير التدخلات الخارجية وزعزعة الأمن، إلى جانب التضليل الذي مارسته المعارضة السورية لتحسين صورتها في الداخل السوري بدعم غربي خليجي، وذلك للإساءة للنظام السابق والتغافل عن تطرف بعض جماعات المعارضة واختلاق جرائم للدولة أحيانًا، أو تجاهل مصادر تسليح هذه الجماعات وتمويلها وتدريبها، ما يُبرز اعتمادها على التكتيكات المسرحية بدلاً من تقديم أجندات سياسية حقيقية، بحسب الدكتورة مروة عثمان.
المخاطر الكبرى التي تحملها هذه المسألة تشير إلى دور المؤسسات والقانون في تنظيم الحالة الإعلامية، فوفقًا لد. أحمد يجب أن يكون القانون الحصن الأول في مواجهة الفوضى الإعلامية، خاصة عندما تؤدي هذه الممارسات إلى تعريض حياة الناس للخطر. “أولًا، يجب أن تُسن قوانين واضحة وصارمة تُرغم وسائل الإعلام على الالتزام بالمعايير المهنية. نشر الأخبار الكاذبة أو التحريضية يجب أن يُواجه بعقوبات رادعة. ثانيًا، على مؤسسات الدولة أن تُفعل دورها الرقابي بشكل أكبر، مع تعزيز الشفافية في التعامل مع المخالفين. ثالثًا، يجب أن تكون هناك جهود توعوية لتعريف الجمهور بخطورة الأخبار المضللة وكيفية مواجهتها، لأن الوعي المجتمعي هو خط الدفاع الأول” يقول الدكتور علي أحمد.
ليس في الختام سوى الدعوة للحذر من الممارسات الإعلامية السيئة القادمة مع ما خطط له للمنطقة، فينبغي لشعوب المنطقة أن تبحث عن مصادر موحدة المعايير؛ أي لا تطبقها على طرفٍ دون آخر وتلتزم المصداقية حفاظًا على أرواح الناس “جميعًا”. أما المؤسسات الثقافية والجهات التربوية المختصة فيجب أن تحمل على عاتقها مسؤولية التوعية الإعلامية لأفراد المجتمع لحمايتهم من ضوضاء الإعلام المتلاعب بوقائع حياتهم اليومية. ففي زمنٍ تحكم فيه دول الاستكبار والعجرفة، قد تقوم حربٌ بخبرٍ دمويٍّ مُختلَق لا أصل له، وقد تُحتلُّ أرضٌ بلا قطرة دماءٍ بفعل الأخبار الكاذبة، وقد يحتفل الشعب بينما عدوٌّ يدنِّس أرضه ويدوس الكاميرات المطفأة التي كشفت سابقًا عن بشاعة التحول الذي ينتظر أرض هذا الشعب ويدير نظره إلى أعداء وهميين أو أقل خطورة من العدو الذي يستبيح سماء الأرض المتزلزلة.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الإعلامیة التی وسائل التواصل وسائل الإعلام الرأی العام فی سوریة تهدف إلى فی لبنان یجب أن ی ت وسائل العام ا الذی ی فی زمن
إقرأ أيضاً:
"المراهقة": كيف يتحول الشباب إلى التطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي
تشير البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) إلى استمرار ارتفاع معدلات جرائم السكاكين في إنجلترا
تم عرض الدراما البريطانية "Adolescence"، المكونة من أربعة أجزاء، لأول مرة الأسبوع الماضي على منصة نتفليكس، حيث لاقت استحسانًا واسع النطاق. تدور أحداث العمل حول تداعيات جريمة قتل فتاة في الثالثة عشرة من عمرها على يد زميلها في نفس المرحلة الدراسية. كل حلقة تقدم نظرة متعمقة من خلال لقطة واحدة مستمرة، تستعرض جوانب مختلفة من تبعات الجريمة: بدءًا من عملية الاعتقال الأولي، مرورًا بالتحقيقات داخل المدرسة، والتقييم النفسي للجاني، ووصولاً إلى ردود فعل والديه.
تستعرض الدراما بعمق تأثيرثقافة الذكورة السامة في صياغة مسار هذه المأساة. وتحديدًا في الحلقة التي تدور حول المدرسة، يتم تسليط الضوء على الدور الخطير الذي تلعبه شخصيات مؤثرة في إنتاج المحتوى الذكوري، مثل أندرو تيت، كقوة متطرفة تؤثر بشكل مقلق على عقول الفتيان الصغار داخل المجتمع البريطاني.
وأعرب الكاتبان والمخرجان المشاركان في تأليف المسلسل، جاك ثورن وستيفن غراهام، عن طموحهما بأن يسهم العمل في إحداث تغيير حقيقي داخل المجتمع. وقالا: "نرغب في أن يُعرض هذا المسلسل في المدارس، ونريد أن يكون حاضرًا في البرلمان. إنه موضوع بالغ الأهمية، خاصة وأن هذه القضية تزداد تعقيدًا وسوءًا مع مرور الوقت."
وقال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أنه شاهد مسلسلا برفقة ابنه البالغ من العمر 16 عامًا وابنته التي تبلغ 14 عامًا. وفي رده على سؤال حول ما إذا كان يدعم عرض العمل في البرلمان والمدارس، قال: "إنه عمل درامي قوي يستحق المشاهدة. والعنف الذي يمارسه الشباب تحت تأثير ما يتعرضون له عبر الإنترنت يشكل تحديًا حقيقيًا. وإنه أمر مقلق للغاية، ويجب علينا جميعًا أن نتصدى لهذه الظاهرة بجدية."
جرائم السكاكين ضد النساءتشير البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) إلى استمرار ارتفاع معدلات جرائم السكاكين في إنجلترا وويلز، حيث سجلت زيادة بنسبة 4.4% خلال العام الماضي. كما كشفت الإحصائيات أن الأدوات الحادة استُخدمت في 41% من جرائم القتل المسجلة خلال العام المنتهي في مارس 2024.
وأظهرتالبياناتأن جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسيسجلتا أعلى معدلات زيادة بين الجرائم المرتبطة باستخدام السكاكين خلال السنوات الأربع الماضية. وفي تلك الفترة، شهدت النسبة المئوية لجرائم السكاكين المتعلقة بالشروع في القتل والسرقة انخفاضًا، بينما ارتفعت جرائم الاغتصاب بنسبة 16.7%.
وعلى الرغم من أن ضحايا جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي يمكن أن ينتموا إلى أي جنس، إلا أن هذه الجرائم تستهدف النساء بشكل رئيس في معظم الحالات. وكشفت الإحصائيات الصادرة العام الماضي أن عدد النساء اللواتي قُتلن أو أُصبن أو تعرّضن للتهديد باستخدام السكاكين قد ارتفع بأكثر من الضعف خلال فترة خمس سنوات.
في عام 2023، لقيت المراهقة المتحولة جنسيا بريانا غهي، البالغة من العمر 16 عامًا، مصرعها على يد زميلين لها في المدرسة. وتم الحكم على الجانييْن بالسجن مدى الحياة في العام الماضي، بعد أن أكدت المحكمة أن الدافع الأساسي وراء الجريمة كان ميولهما السادية، إلى جانب كراهيتهما للمتحولين جنسيًا كعامل ثانوي.
ويسلط مسلسل "المراهقة" الضوء على الدور الذي تلعبه الشخصيات المؤثرة في نشر ثقافة الذكورة السامة عبر الإنترنت، وما يترتب على ذلك من دفع الرجال والفتيان الصغار نحو تبني موقف عدائي تجاه النساء.
ويروي "هذا المسلسل قصة طفل ارتكب خطأً جسيمًا أدى إلى أضرار كبيرة. ولكي نتمكن من فهم دوافعه، يجب أن نستوعب الضغوطات التي واجهها." "تلوثت أفكار جيمي بالمحتوى الذي تعرّض له عبر الإنترنت، والذي بدى له منطقيًا وجذابًا، حيث قدم إجابات سهلة لأسئلته حول الوحدة والعزلة، مما قاده في النهاية إلى اتخاذ خيارات كارثية للغاية."
قال ثورن: "يجب أن نفهم المواد التي كان يستهلكها، وهو ما يعني بشكل خاص الغوص في عمق الإنترنت ومجتمع المانوسبير وثقافة الإنسل."
يُشير مصطلح "المانوسفير" إلى ثقافة فرعية على الإنترنت تجمع رجالاً يناقشون نظريات معادية للنساء كرد فعل على الحركات النسوية. غالبًا ما تشكل هذه المساحات الرقمية ملاذًا لأولئك الذين يعرّفون أنفسهم بـ "الإنسلز" (العازبين غير الطوعيين)، والذين يبررون عجزهم عن إيجاد شركاء جنسيين بتوجيه اللوم لتوقعات النساء. وفي مسلسل "المراهقة"، يتم تصوير الشاب الجاني كجزء من هذه البيئة الرقمية السامة.
كيف تؤثر شخصيات الإنترنت على المعتقدات والسلوكيات؟في عالم الرجال، يحتلأندرو تيت مكانة بارزة كأحد أشهر المؤثرين. هذا الشخص البريطاني-الأمريكي، البالغ من العمر 38 عامًا، برز بشكل لافت في السنوات الأخيرة بفضل محتواه الفيروسي الذي يروّج لآراء معادية للنساء. يقول تيت: "أنا واقعي، وعندما تكون واقعيًا، فأنت بالضرورة متحيز جنسيًا. من المستحيل أن تكون مرتبطًا بالواقع ولا تكون متحيزًا تجاه الجنس الآخر."
إلى جانب مؤثرين بارزين آخرين في هذا المجال، مثل جوردان بيترسون وحمزة أحمد، ساهم تيت في دفع شريحة كبيرة من الشباب إلى اعتناق فكرة أن رفض القيم النسوية والمساواة هو السبيل لتحقيق النجاح.
من جانبه، أكد الموسيقار البريطاني سام فندر أنه لم يشعر بالدهشة حيال "انخداع جميع الفتيان الشباب بدعاوى ديماغوجيين مثل أندرو تيت."
وأضاف صاحب أغنية "17 Going Under" قائلاً: "يتعرض هؤلاء الفتيان للتشهير المستمر، ويُزرع في أذهانهم شعور بأنهم هم المشكلة. إنها الرواية التي تُروى دائمًا للفتيان البيض القادمين من المناطق النائية."
تم اعتقالأندرو تيت إلى جانب شقيقه تريستان في رومانيا عام 2022، ووُجهت إليه لاحقًا تهمة رسمية بالتورط في عصابة إجرامية تعمل على استدراج النساء إلى البلاد لاستغلالهن.
كما يواجه الأخوان دعوى مدنية إضافية مقدمة من امرأة أمريكية تتهمهما فيها بإجبارها على العمل في مجال الجنس، إلى جانب توجيه اتهامات لهما بالاتجار بالبشر والاغتصاب في المملكة المتحدة. ويُنكر الرجلان جميع الاتهامات الموجهة ضدهما.
وعلى الرغم من التهم الموجهة ضدهما، تمكّن الأخوان تيت من الفرار إلى الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني بعد أن أعادت محكمة استئناف رومانية قضيتهما إلى الادعاء العام. يحمل الأخوان الجنسية الأمريكية، وكلاهما قدّم دعمه لحملة دونالد ترامب الرئاسية خلال العام الماضي.
لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب قد لعبت دورًا في تمكين الثنائي من تجاوز قرار حظر السفر. ومع ذلك، يُعرف أن ريتشارد غرينيل، المبعوث الخاص للرئيس ترامب، قد أثار قضيتهما مع وزير خارجية رومانيا، إميل هوريزيانو.
نفى ترامب بنفسه أي معرفة سابقة بـ "أندرو تيت"، إلا أن الثنائي تم التطرق إليه من قبل كل من إيلون ماسك ودونالد ترامب الابن. وبالمثل، وصف السياسي البريطاني المناهض للهجرة نايجل فاراج العام الماضي أندرو تيت بأنه "صوت مهم" يمثل الشباب والفتيان.
الانقسامات السياسية بين الجنسينقد يسهم هذا التقارب بين الشخصيات المؤثرة في عالم الرجال والتيارات اليمينية في تعميق الانقسامات السياسية المتنامية بين الرجال والنساء. فقد كشفت الأبحاث التي أجريت العام الماضي أن جيل Z يشهد انقسامًا سياسيًا على أساس الجنس، وهو أمر لم يسبق أن شهدته الأجيال السابقة بهذا الشكل الواضح.
ويظهر أنالرجال البريطانيين من جيل Z يميلون إلى اليمين بنسبة تزيد عن 25% مقارنة بالنساء. وفي الولايات المتحدة، تميل النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و30 عامًا إلى الليبرالية بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالرجال في نفس الفئة العمرية. كما توجد فجوة سياسية مشابهة الحجم بين الرجال والنساء في ألمانيا.
وتم اكتشاف هذا الاتجاه لأول مرة في كوريا الجنوبية، حيث شهدت الفجوة السياسية بين الجنسين انقسامًا متزايدًا خلال العقد الماضي، مما أدى إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية. وفي الوقت نفسه، شهدت البلاد انخفاضًا ملحوظًا في معدلات الزواج والمواليد، وهو ما يُعزى إلى حد كبير إلى آراء وتوجهات الرجال.
إذا كانت الشخصيات المؤثرة مثل أندرو تيت تتحمل مسؤولية توسيع الفجوة بين الجنسين، فإن ذلك يتمثل في تأثيرها على الشباب من خلال المحتوى المعادي للمرأة الذي تنشره على وسائل التواصل الاجتماعي.
اتخذت أستراليا إجراءً بارزًا للتصدي لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي الضار على المراهقين، حيث أقرت الحكومة تشريعًا في أواخر العام الماضي يحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن 16 عامًا.
وفي المملكة المتحدة، اقترح السياسيون اتباع نهج مماثل. ومن المقرر أن تطبق البلاد قانون السلامة على الإنترنت (OSA)، وهو إطار جديد من القوانين يهدف إلى تعزيز حماية الأطفال والبالغين على الإنترنت. يستهدف هذا القانون منع الشباب من الوصول إلى المحتوى الضار، إلا أنه واجه انتقادات قبل التنفيذ لعدم معالجته بشكل كافٍ دور شركات التكنولوجيا في استضافة محتوى قد يكون متطرفًا أو ضارًا.