بكين- ببحث سريع في الإنترنت، يمكن إيجاد عدد من الدراسات والمقالات الغربية التي تنتقد موقف الصين المستنكر للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة رغم العلاقات القائمة بين بكين وتل أبيب.

الجزيرة نت سلطت الضوء على الموقف الصيني الرسمي تجاه سياسات إسرائيل بعد "طوفان الأقصى" والحرب على غزة، ورصدت حجم ومدى التعاطف الشعبي الصيني مع الفلسطينيين ومعاناتهم ونضالهم.

كيف يبدو الخطاب الرسمي والإعلامي الصيني تجاه إسرائيل؟

ليس في الصين سوى الإعلام الرسمي، ولذلك يسهم الخطاب الرسمي في توجيه وصناعة الرأي العام لعدم وجود إعلام بديل آخر محلي، وصفحات الإعلام الأجنبي محجوبة عن التصفح في البلاد مالم يُفعّل المرء تطبيقات "في بي إن" لكي يتصفح غوغل وصفحات الأخبار حول العالم.

ويرى دينغ لونغ أستاذ العلاقات العربية الصينية في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية أن بكين وقفت مع الشعب الفلسطيني ضد العدوان والإبادة الجماعية لأهالي قطاع غزة، وما تسببت به العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع من أزمة إنسانية شديدة وقتلى وجرحى.

وقال للجزيرة نت إن موقف الصين السياسي تجاه القضية الفلسطينية لم يتغير وثابت منذ اليوم الأول، فبكين تدعم الشعب الفلسطيني في قضيته لنيل حقوقه وإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وتدعم حل الدولتين، وطرحت مبادرات في المحافل الدولية باعتبارها إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.

إعلان

وأشار إلى أن بكين أرسلت مساعدات إنسانية إلى غزة، وعقدت اجتماعا طارئا للدعوة لوقف إطلاق النار وإيجاد حل للأزمة الحالية، وقدمت إسهامات مهمة في لم شمل البيت الفلسطيني بعقد حوارات بين مختلف الفصائل الفلسطينية، وتم التوقيع على اتفاق بكين في يوليو/تموز الماضي.

كيف يتفاعل الصينيون مع الفلسطينيين اليوم؟

يرى لونغ أن الشعب الصيني "أدرك الوجه القبيح للصهيونية لأنه قبل اندلاع الحرب كان هناك تعاطف من بعض المثقفين مع إسرائيل التي تظهر وجهها اللامع بالتنمية والتقنية، لكن هذه الحرب غيرت الرأي العام الصيني، فالأغلبية العظمى في كافة فئاته الآن تدعم الشعب الفلسطيني وتتعاطف معه بسبب ما تعرض له من عداون شرس وإبادة جماعية".

ويضيف أن التغطية الإعلامية الصينية لأحداث فلسطين زادت بشكل ملحوظ، وبعض القنوات ووكالة الأنباء الصينية لديها مراسلون في غزة وإسرائيل والأراضي الفلسطينية والعراق وإيران ولبنان.

يقول لونغ إن "بكين تنتقد واشنطن على ازدواجية المعايير والنفاق السياسي، فمثلا تبذل الولايات المتحدة جهودا للوساطة، لكنها تقدم الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي للإسرائيليين".

ما تأثير حرب غزة على العلاقات الصينية الإسرائيلية؟

العلاقات السياسية الصينية الإسرائيلية تأثرت بشكل كبير جراء موقف بكين الداعم للشعب الفلسطيني، وفق لونغ، الذي أضاف أن إسرائيل ممتعضة لأن الصين لم تستنكر ما فعلته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في "طوفان الأقصى"، لكن العلاقات الاقتصادية مستمرة حسب كلامه.

من جهته، يقول ليو بو الصحفي والمحلل السياسي الصيني والمهتم بالقضية الفلسطينية، إن بكين تدعم الشعب الفلسطيني ولديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ مطلع التسعينيات، وموقفها من الجانبين لم يتغير بعد الحرب على غزة.

ويؤكد للجزيرة نت أن الصين لها مصالحها الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وتحاول أن يكون لها موقف متوازن في هذا الصراع، ولا سيما بعد أن توثقت علاقاتها مع إسرائيل، حيث يوجد بينهما تعاون على المستوى العسكري والتقني والزراعي والاقتصادي.

إعلان

لكن في الوقت نفسه، تُعتبر الصين من أشد الدول النامية انتقادا لإسرائيل، حسب ليو بو. "يكفي اعتراف بكين بشرعية المقاومة المسلحة الفلسطينية واعتبار ما تقوم به نضالا، مقارنة بموقف دول غربية ترى أن إسرائيل تقوم بعمليات لمكافحة الإرهاب".

ما علاقة الصين بالدول العربية والنامية عموما؟

يرى ليو بو أن بكين تسعى لتكون رائدة بين الدول النامية، وتأييد النضال الفلسطيني يمنحها أرضية أخلاقية متينة ويعزز من علاقاتها مع الدول العربية، لأن موقف هذه الدول في قضايا أخرى مثل تايوان مهم بالنسبة للصين.

ويتحدث المحلل السياسي عن سعي إسرائيل لاستمالة الموقف الصيني منذ بداية أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن الصين لم تصغ للرواية الإسرائيلية واستمرت بالتعبير عن موقفها التقليدي والثابت، وهذا ما أغضب الجانب الإسرائيلي.

لماذا يتزايد التعاطف الصيني مع الفلسطينيين كلما طال أمد الحرب؟

استمرار الحرب على غزة سيزيد من تعاطف الشعب الصيني مع الفلسطينيين لأسباب عديدة، وفق ليو بو، منها:

تزايد أعداد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة ومشاهد المعاناة الإنسانية والدمار وصور أطفال غزة شهداء أو تحت ركام منازلهم والجوع الذي يعاني منه أهل القطاع. علاقات الصين التقليدية الجيدة مع الفلسطينيين والدول العربية عموما. تشابه جوانب من التاريخين الصيني والعربي بعيد الحربين العالميتين ونيل الاستقلال، ولأن الصينيين عانوا من التدخل الأجنبي، فإن هذا يجعلهم متعاطفين مع الفلسطينيين. بدأ الصينيون يتابعون ما يكتبه كتاب عرب وغربيون ونشطاء داعمون للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة وأوروبا، وما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب ما تعرضه وسائل الإعلام التقليدية، كل هذا كون فهما أفضل للمشهد الفلسطيني والعربي كله والسياق التاريخي للصراع، ولذلك يتعاطف الكثيرون مع الفلسطينيين. اهتمام الإعلام الصيني بشكل متزايد بالقضية الفلسطينية، وبما يحصل في الشرق الأوسط عموما، فالمنطقة مهمة إستراتيجيا بالنسبة لبكين، فهي مُصدّر رئيسي للنفط والغاز لها، ولأن لديها مشروعها وهو مبادرة "الحزام والطريق" الذي أطلق قبل 11 عاما، وهذا يجعلها أكثر اهتماما بهذه المنطقة. إعلان ما مستوى الوعي الصيني بالقضية الفلسطينية؟

يرى ليو بو أنه يمكن تقسيم وعي الصينيين بالقضية الفلسطينية إلى مستويين:

فئة لديها فهم عام للقضية والأحوال المحيطة بها. وبسبب انشغال عامة الناس بحياتهم وأعمالهم، فالقضية الفلسطينية بالنسبة لهم واحدة من القضايا الدولية، لكنهم يدركون -في الوقت نفسه- استمرار وتطور الأحداث عموما في فلسطين. فئة أخرى أكثر متابعة للقضايا السياسية الدولية ولديهم متابعة مفصلة، وبعضهم صار يكتب مقالات وقصصا وتحليلات عن القضية الفلسطينية.

هذا التعاطف الشعبي الصيني والموقف الرسمي المؤيد لنضال الشعب الفلسطيني انعكس في استطلاع للرأي في أبريل/نيسان الماضي أجراه معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، وأظهر أن 54% من الإسرائيليين يرون الصين دولة غير صديقة ومعادية لهم، في حين يراها 15% دولة صديقة وحليفة، ورد 31% منهم بالقول "لا أعلم".

ما تاريخ العلاقات الصينية الإسرائيلية؟

لا ينفي دينغ لونغ وجود فئة من الصينيين تدعم إسرائيل في مواقع التواصل الاجتماعي، متأثرة بالموقف الغربي والأميركي، "لكنهم أقلية، إذ الأغلبية تدعم الشعب الفلسطيني".

ومنذ عام 1992، تأسست علاقات دبلوماسية بين الصين وإسرائيل. وحسب أرقام القنصلية الإسرائيلية في شنغهاي، هناك نحو 20 شركة إسرائيلية موجودة في العاصمة المالية للصين. ووفق أرقام وزارة الخارجية الصينية، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 23.4 مليار دولار خلال عام 2023، وبلغ 16.34 مليار دولار بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2024.

وأشارت وزارة التجارة الصينية، في بيانات يوم 24 مارس/آذار 2023، إلى أن بكين هي ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة.

وحسب تقرير "تشاينا بريفينغ" في هونغ كونغ، صادر في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن الاستثمارات الصينية في إسرائيل خلال السنوات التي سبقت الحرب شملت 449 صفقة بقيمة 9.14 مليارات دولار في مجال التقنيات، و8 صفقات في البنى التحتية بقيمة 5.91 مليارات دولار.

إعلان

أما بعد الحرب، فلا ينسى مسؤولون إسرائيليون إعلان شركتي "كوكسو" و"أوكول" للشحن الصينيتين وقف التعامل التجاري مع إسرائيل منذ بدء الحوثيين هجماتهم في البحر الأحمر، معتبرين ذلك مقاطعة تجارية لتل أبيب.

وتشير دراسة لمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب في أبريل/نيسان الماضي إلى تراجع نسبي في التبادل التجاري عام 2023 مقارنة بالأعوام التي سبقته.

ووفق تقارير صحفية في سبتمبر/أيلول الماضي، فإن جامعة التجارة والاقتصاد الدولي الصينية التي افتتحت فرعا لها في إسرائيل منذ 3 سنوات، أغلقت أبوابها، والأساتذة الصينيون عادوا إلى بكين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تدعم الشعب الفلسطینی بالقضیة الفلسطینیة مع الفلسطینیین مع إسرائیل موقف الصین على غزة أن بکین

إقرأ أيضاً:

دنابيع السياسة العربية.. من دنبوع اليمن إلى دنبوع فلسطين

محمد الجوهري

تصريحات الرئيس الفلسطيني المزعوم محمود عباس (أبو مازن) عن مجاهدي حماس في غزة، وألفاظه النابية بحقهم، لا تقدم جديداً سوى المزيد من السقوط الأخلاقي للسلطات العميلة التي تستمد شرعيتها من البيت الأبيض، الحليف الرئيسي للكيان الصهيوني. وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل هي عُرف سياسي متفشٍّ في أغلب الجمهوريات العربية، حيث تبقى تلك الأنظمة خانعة كماً وكيفاً، مقابل بقائها في السلطة الوهمية، واستفادة أصحابها من بعض الامتيازات الخاصة، كالأرصدة الضخمة وممارسة الفساد بحق الشعوب دون حسيب أو رقيب.

ولم يعد خافياً أن عباس وأفراد عائلته يملكون مصالح مشتركة مع الاحتلال، وبسببها لا يزال في السلطة منذ أكثر من عشرين عاماً، حيث ترتبط هذه المصالح باستمرار خدماته للكيان الصهيوني. وينطبق هذا الوضع على أعضاء حكومته العميلة، المشاركين في قمع الشعب الفلسطيني، وتبرير كل إجرام إسرائيلي بحقه، كما هو الحال في غزة والضفة، حيث ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات قتل وخطف علني، بتواطؤ عباس وأزلامه.

في اليمن، كما في فلسطين، توجد حكومتان: إحداهما مرضيٌّ عنها دولياً وتحظى بدعم أمريكي، وأخرى منبوذة دولياً لكنها تستمد قوتها من الشارع اليمني. ومن البدهي أن تقف الأخيرة مع الشعب الفلسطيني في مظلوميته الكبرى، حيث لا ضغوطات غربية تمنعها من ذلك، بخلاف الأخرى التي يتمنى أعضاؤها أن يكون لهم موقف مشرف من غزة، لكن ذلك يتعارض مع مصدر شرعيتهم في البيت الأبيض، ما يفقدهم إياها بمجرد إعلان تضامنهم مع الشعب الفلسطيني.

وعلى هذا القياس تتشكل أغلب الحكومات العربية؛ فإذا أراد شعبٌ ما أن يسترد حريته، صُدم بالهيمنة الأمريكية التي بدورها تفرض عليه حكومة شكلية لا شرعية لها سوى من المجتمع الدولي، الذي تهيمن عليه الغطرسة الأمريكية. ولهذا، فإن ظاهرة “الدنابيع” هي الأكثر انتشاراً في عالمنا العربي.

وكلمة “دنبوع” -في الأصل- تشير إلى الفار عبد ربه منصور هادي، فهذا لقبه، وهو ليس أول رئيس شكلي في المنطقة، لكن غباءه الشديد فضح عمالته وتبعيته للسعودية وأسيادها الغربيين في أكثر من موقف، وأهمها تصريحه العفوي بشأن تفاجئه بالعدوان السعودي على بلاده، رغم أن الأخيرة زعمت أن عاصفة الحزم كانت بطلب منه. وله أيضاً تصريح سابق يكشف عبوديته لنظام عفاش، حين أكد أنه لم يستلم أي سلطة من سلفه سوى العلم الجمهوري.

مطلع العام 2022، اضطرت السعودية إلى استبدال الدنبوع بآخر لا يقل عنه عمالة للغرب، وهو المرتزق رشاد العليمي الذي لا يقل عنه ولاءً للخارج، إذ يطالب منذ عام ونصف بتدخل أمريكي لاحتلال بلاده بحجة حماية الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر، في سقوطٍ أخلاقي لا نظير له في التاريخ اليمني الحديث أو القديم. فالعليمي لا يبالي بأي معايير أخلاقية، ولا يكترث لأي دوافع سوى عبوديته للمال، كما لا يحرص على تقديم أي صورة مشرفة له أمام المجتمع اليمني، إذ إن الشرف ليس من دوافعه هو وأمثاله في مجلس الثامنة الخونة الموالي للغرب والصهاينة.

وهكذا يتجلى المشهد العربي في صورته القاتمة: زعامات مستوردة، أنظمة مصطنعة، لا شرعية لها إلا بقدر خدمتها لمصالح الاستعمار الغربي، ولا قيمة لها لدى شعوبها إلا بمقدار ما تُمعن في قهرهم ونهبهم. وما محمود عباس سوى حلقة صغيرة في سلسلة طويلة من دنابيع السياسة العربية الذين ما إن تهب عليهم رياح التحرر حتى ينكشف عوارهم، ويسقط قناع الزيف عن وجوههم الباهتة.

ولم يكن عباس حالة شاذة؛ فقد سبقه ولحقه كثيرون، كأنور السادات، الذي رهن القرار المصري لواشنطن، ووقع اتفاقيات الاستسلام مع الصهاينة، ثم سُمّي عهده “عصر الانفتاح على الغرب” ولو على حساب كرامة مصر، وكذلك خلفه حسني مبارك، الذي جعل من مصر مخفراً كبيراً لحماية حدود الكيان الصهيوني في وجه المقاومة الفلسطينية، وبارك حصار غزة لسنوات طويلة.

وكذلك حال ملوك الخليج والأردن، فالشرعية هناك مطلقة للطغاة، وليس للشعب أي حق في الحديث عن حقوقه المصادرة، وأولها حق التعبير والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وكل هؤلاء، وأمثالهم، يثبتون حقيقة أن الاحتلال العسكري ليس الشكل الوحيد للاستعمار، بل إن أخطر أشكاله هو الاحتلال السياسي الداخلي، عبر وكلاء صغار بلباس الزعماء.

مقالات مشابهة

  • التلاحم الوطني عنوان النصر العظيم
  • «من بكين إلى العين».. فعالية تعزز الروابط الثقافية الإماراتية الصينية
  • إسرائيل ترد على المناورات المصرية الصينية بنشر طائرة تجسس على الحدود
  • التلفزيون الصيني: أميركا تواصلت مع بكين لبدء محادثات الرسوم
  • دنابيع السياسة العربية.. من دنبوع اليمن إلى دنبوع فلسطين
  • وزير الخارجية: مصر لن تشارك في أي ظلم يقع على الشعب الفلسطيني
  • منصور : الشعب الفلسطيني في قفص يُقتل ويُجَوَّع يومًا بعد يوم
  • مندوب فلسطين لدى مجلس الأمن: ندعو كل الدول لـ دعم الحكومة الفلسطينية وخطة إعمار غزة
  • بلجيكا: ليس لـ “إسرائيل” حق السيادة على الأراضي الفلسطينية
  • الرئيس الصيني: بكين ستحمي بقوة حقوقها ومصالحها