شبكة انباء العراق:
2025-04-10@01:07:31 GMT

بريق الغلاف لا يعكس دائماً كنز المضمون

تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT

بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..

“كم من بديعِ المظهرِ قبيحِ الجوهر، وكم من بسيطِ الهيئةِ عظيمِ القيمة.” بهذه الحكمة يُمكن أن نختصر تجربتنا الإنسانية مع البشر الذين يُشبهون الكتب في تفاوت أغلفتها ومحتواها. فالإنسان، مثل الكتاب، يحمل أسرارًا عميقةً لا تُقرأ إلا حين تُقلب صفحاته، وقد تكون تلك الصفحات أثمن مما يوحي به الغلاف.

الغلاف خدعة البصر، والمحتوى محك البصيرة

في عصرٍ أصبح فيه الشكل أهم معيار للحكم، بات الكثيرون يُشبهون السطح المذهب الذي يخفي فراغًا داخليًا. تظهر هذه الظاهرة في الدراسات النفسية والاجتماعية التي تناولت تأثير “الهالة” أو ما يُعرف بـHalo Effect، وهو ميل الإنسان لتعميم الانطباع الأول بناءً على المظهر الخارجي أو الصفات الظاهرة. في هذا السياق، أظهرت دراسة أجراها عالم النفس “إدوارد ثورندايك” أن الأفراد يميلون إلى ربط الجاذبية الشكلية بالكفاءة والصدق، حتى وإن كانت هذه الصلة وهمية.

لكن الحقيقة أن المظهر ليس أكثر من خدعة بصرية قد تخفي خلفها إما جوهرًا نقيًا أو خواءً مطبقًا. وكم من مرة وقفنا أمام كتابٍ زينت أغلفته الرفوف، لكنه ما إن فُتح حتى كشف عن فقره، بينما وجدنا العكس في كتابٍ متواضع الهيئة أثار فينا دهشةً لا تُنسى.

القيمة في التجربة لا في القشرة

تجارب الحياة تعلمنا أن الجمال الحقيقي ليس مرئيًا. يمكن استدعاء قول الإمام علي (عليه السلام): المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ طَيَّاتِ لِسَانِهِ.”

بمعنى أن قيمة الإنسان تظهر في فكره وأفعاله، لا في ملبسه أو مظهره. ولعل هذا يفسر النجاح الباهر لشخصيات تاريخية وعلمية تركت أثرًا خالدًا دون أن تلتفت يومًا إلى قشور المظاهر، مثل ماري كوري التي لم تُعرف بالأزياء أو الجمال، لكنها أدهشت العالم بعلمها وإنسانيتها.

في دراسة أخرى أجرتها جامعة “هارفارد”، وُجد أن الأفراد الذين يُظهرون قيمًا مثل التعاطف، النزاهة، والإبداع يُحققون تواصلًا أعمق مع محيطهم مقارنة بأولئك الذين يركزون على المظهر أو الإنجازات السطحية. هذه القيم هي التي تجعل الإنسان جذابًا في أعين الآخرين، وتؤسس لعلاقات متينة ومستدامة.

الأدب أيضًا يعزز هذا المفهوم. ألم يدهشنا بطل “البؤساء” جان فالجان، الذي كان يُنظر إليه كمجرمٍ في الظاهر، بينما حمل في داخله روحًا نبيلة ملأتها التضحية والرحمة؟ الأدب يُعيد تشكيل نظرتنا إلى البشر، ويعلمنا أن العبرة دائمًا بما يكمن في العمق.

أفكار مبتكرة لتغيير المفهوم السائد

ثقافة المحتوى الداخلي: لماذا لا نُعيد صياغة مفهوم الجمال في مناهجنا التعليمية؟ يمكن تصميم برامج تركز على الأخلاق، الإبداع، والقيم الإنسانية كمعايير حقيقية للجمال، بدلاً من التركيز على الهيئات الخارجية. تجربة اجتماعية مُلهمة: تخيل مبادرةً تسلط الضوء على قصص أشخاص ناجحين وملهمين لا يتطابق مظهرهم مع الصورة النمطية للجاذبية. مشاركة هذه القصص عبر منصات التواصل الاجتماعي قد تُلهم الأجيال الجديدة ليروا الجمال في أبعاده الحقيقية. أدب السيرة الذاتية: شجع كتابة السير الذاتية من منظور داخلي، بحيث يُبرز الأفراد ما صنعوه من خير وما حققوه من عمق إنساني، بعيدًا عن الإنجازات الشكلية.

يُقال إن الزمن يكشف الجوهر ويُهلك الزيف. وهكذا، فإن ما يبقى من الإنسان ليس شكله ولا مظهره، بل أثره في قلوب الآخرين. وكما قال الشاعر:

“وما الحسنُ في وجه الفتى شرفًا له
إذا لم يكن في فعله والخلائقِ”

لنجعل من هذا القول قاعدةً حياتية، ولنُدرك أن الجمال الحقيقي هو ذلك الذي يُضيء العقول، يُطهر القلوب، ويُعمر الأرواح. فالحياة قصيرة، وما يخلد منها هو المحتوى، لا الغلاف.

اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي

د. سعد معن

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

«بلدية أبوظبي» تنفذ حملة لإزالة الدراجات الهوائية والكهربائية المهملة

أبوظبي: «الخليج»
تتابع بلدية مدينة أبوظبي، حملاتها المتواصلة على مدار العام للحفاظ على المظهر الجمالي والحضاري لكافة المناطق الواقعة ضمن نطاقها الجغرافي، بما يواكب النهضة الحضارية والعمرانية التي تشهدها أبوظبي، ويحافظ على المكتسبات الخاصة بالمظهر العام، ويعزز معايير جودة الحياة، ويساهم في إسعاد أفراد المجتمع.
ومن هذا المنطلق، نفذت بلدية مدينة أبوظبي، من خلال مركز بلدية المدينة، حملة للحفاظ على المظهر العام من الدراجات الهوائية والكهربائية المهملة، شملت كافة المناطق الواقعة ضمن النطاق الإداري للمركز، وذلك بالتعاون مع شركة الإمارات للمزادات.
وتضمنت الحملة رصد وإزالة الدراجات الهوائية والكهربائية المهملة والمشكلة أضراراً للأصول والمظهر العام في كافة المناطق التابعة للمركز، مثل: منطقة الدانة، ومنطقة الحصن، ومنطقة المشرف، وميناء زايد، وجزيرة الريم، وجزيرة السعديات، وجزيرة المارية، والحديريات.
وقد أسفرت الحملة عن تحرير مخالفات لعدد من الدراجات النارية، وإزالة 922 دراجة هوائية، و43 دراجة كهربائية مهملة، تعيق حركة المشاة من أفراد المجتمع، وتشكل تشويهاً للمظهر العام، وذلك ضمن إطار اهتمام البلدية بمواجهة الظواهر والسلوكات السلبية، حفاظاً على المظهر الحضاري والجمالي العام.

مقالات مشابهة

  • كوكبنا يختنق.. تعرف على أنواع التلوث البيئي وأضراره
  • «بلدية أبوظبي» تنفذ حملة لإزالة الدرّاجات الهوائية والكهربائية المهملة
  • محافظ قنا: خطة شاملة لتحسين المظهر الجمالي والنظافة بالمراكز والمدن
  • الغموض الاقتصادي يطفئ بريق مبيعات الأعمال الفنية عالميا
  • الابتزاز الإلكترونى.. تهديدات خفية على أبواب الفضاء الرقمى وعقوبات صارمة
  • «بلدية أبوظبي» تنفذ حملة لإزالة الدراجات الهوائية والكهربائية المهملة
  • «واحة» وجامعة خليفة تبتكران تكنولوجيا لتوليد المياه من الغلاف الجوي
  • رحلة عبر كوريا الجنوبية: أرض الجمال والابتكار
  • تعاون بين جامعة خليفة وواحة لتطوير تكنولوجيا إنتاج المياه من الغلاف الجوي
  • زيارة أورتاغوس الثانية.. تغيير في الشكل فهل ينعكس على المضمون؟!