اليمن يصعِّد في “يافا” ويرفع الجهوزية لأي تصعيد
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
يمانيون../
في قلب المأساة الفلسطينية في غزة حيث تتراكم الأوجاع فوق جراح لم تندمل، يتضح مدى تواطؤ العالم في شرعنة وحشية العدو الإسرائيلي، الذي يعيث فساداً في الأرواح والممتلكات دون أدنى مراعاة للإنسانية. فبين صرخات الأطفال النائمين وأمهاتٍ يحتضن أطفالهن الرضع، يشير الواقع المأساوي إلى حقيقة مؤلمة: الموت هنا لا يميز بين براءة الطفولة وحب الأم.
ومع استمرار القصف العشوائي، يطال الأذى المستشفيات التي تعاني تحت وطأة الضغوط، حيث تتحول سيارات الإسعاف إلى أهداف، والطواقم الطبية تُستهدف في محاولة واضحة لإبادة معالم الحياة. ورغم صدور مذكرة اعتقال دولية بحق بعض مجرمي الحرب الإسرائيليين، يبدو أن الكيان الإسرائيلي مُمعن في جرائمه، مدعوماً بتأييد أمريكا المطلق وتحدٍ صارخ للقرارات الدولية التي فقدت معناها في وجه القوة.
بطائق أمريكية للتعارف
في هذا السياق وفي الوقت الذي يصر فيه البيت الأبيض على دعم المجازر الإسرائيلية بكل الوسائل، يسارع أحد القادة العرب لتبني الرواية الإسرائيلية وموجها اللوم لـ”إسرائيل” عبْر وزير خارجية الولايات المتحدة بلينكن، ويذهب هذا القائد العربي -في الكواليس- إلى ما هو أبعد من توجيه اللوم، حيث أكد على ضرورة “هزيمة حماس”، مسرّاً لبلينكن: “لن نقول ذلك علناً، لكننا ندعم هزيمة حماس، ويجب على “إسرائيل” هزيمة حماس”.
يحكي القصةَ الكاتب الأمريكي بوب وود ورد في كتابه “الحرب” مضيفا: “وهناك قائد عربي آخر تتبّع خطواتِ القائد الناصح ولكن بالتأكيد لبلينكن: “لا أحتاج إلى حماس بعد الآن، لا أريد عقبات مع أمريكا”. مشيرا إلى أن ذلك جاء على هيئة تأكيد من هذا القائد خلال استقباله توجيهات صريحة حملها بلينكن عن الإدارة الأمريكية مفادها أن “هناك أمرين باسم الرئيس بايدن: أنتم تتعاملون مع حماس بخصوص الرهائن، ونحن نقدّر أهمية وجود قناة للتفاوض”. وأوضح بلينكن في نهاية لقائه به “عندما ينتهي هذا، لا يمكن أن يستمر الوضع كالمعتاد مع حماس. هذا غير مقبول”. في المقابل، لم يكن أمام ذلك القائد العربي من بد إلا أن يؤكد: “أفهم ولن يحدث ذلك. سنبقي القناة مفتوحة الآن لأنكم تجدونها مفيدة. علاقتنا مع أمريكا مهمة جدًا”.
الحوار يكشف عمق الانصياع والولاء الذي يتمتع به هؤلاء القادة للسياسات الأمريكية، حيث يتحولون إلى أدوات لتنفيذ رغباتها. وعلى الرغم من محاولات بعضهم لترويج صورة إيجابية عن موقفهم، إلا أن الواقع يُظهر أنهم يمهدون الطريق للاحتلال ويعمقون معاناة الفلسطينيين.
تصفية القضية الفلسطينية
مع اتساع الفجوة بين القادة الرسميين وإرادة القواعد الشعبية العربية، يظل السؤال عن موقف الأمة العربية ومتى ستستيقظ من غفوتها، يطرق أبواب تلك الإدارات العربية خصوصا التي تُعد نفسها بحذر -من خلال التفاهمات مع الكيان الصهيوني- لتخاطر بفقدان شرعيتها في نظر شعوبها التي تحتج وتُظهر تأييدها للمقاومة بكل أشكالها.
وفي صباح يوم جديد، يقول الكاتب الأمريكي وود ورد- في ذات المصدر- إنه شهد لقاءً جمع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن بوزير خارجية إحدى الدول العربية التي تفضل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، خلال هذا اللقاء أكد الوزير العربي لبلينكن أنه “كان ينبغي على ‘…’ أن يعرف أفضل من ذلك. لقد أخبره الجميع بعدم التعامل مع حماس، وكنا جميعاً إلى جانبه في هذا التحذير”. مضيفاً: “حماس هي جماعة الإخوان المسلمين”.
الفزع الحقيقي
في سياق متصل، وفي الوقت الذي تبحث فيه شعوب المنطقة عن إجابة عن السؤال المحير: متى ستستيقظ الأمة العربية من سباتها؟ متى سيتحرك الضمير العربي ليواجه بشاعة الجرائم الصهيونية المرتكبة في غزة وغيرها من الأراضي الفلسطينية؟ وفيما يتضح أن البقاء على الهامش ليس خيارا، فالمقاومة في غزة تستحق الوقوف معها، والتضامن الحقيقي يجب أن يكون بمستوى المعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون، تظهر على السطح تساؤلات خطيرة تتعارض مع موقف قوى الإسناد لدعم غزة، كمثل: هل يُعَدُّ إسناد غزة إرهابا؟
هذا السؤال، على الرغم من أنه قد يبدو عابرا بالنسبة للبعض، إلا أن الإجابة عنه تُظهر الفزع الحقيقي، خصوصا عندما تأتي من أحزاب تدّعي أنها تحمل صبغة إسلامية. بل، وتبدو الفاجعة أكبر حين يأتي الجواب من حزب يمني كان يُعَدُّ -حتى وقت قريب- من كبار المستثمرين في قضايا الجهاد لتحرير المقدسات.
قبل انكشاف الأصول المرجعية لذلك المزيج المتناقض من الأفكار والممارسات المستندة إلى السلفية، والانفتاح، والإسلام السياسي، والإخوانية، والدعشنة، وطالبان، وهو ما روج له هذا الحزب في الأوساط اليمنية لعشرات السنين. الحزب نفسه أصبح اليوم يكشف النقاب عن أصول هذا اللفيف المسمى بـ”التجمع” بأنه يتبع إرادة القوى الأمريكية والبريطانية والفرنسية، بل ويظهر وكأنه أحد مخرجات ما يُسمى “الجامعة الإسلامية الكبرى” في “تل أبيب”.
ولماذا لا يكون كذلك؟ خصوصا، وقد أصبح بلا قناع، أداة رخيصة تعمل في فلك أمريكا، يرى ما تراه ويفعل ما تأمره، معبراً بكل حرص عن سلامة سفن الكيان المحتل. وبجل تصرفاته التي تسير وفق ما يملى عليه، يصرخ الخائن العرادة -وهو أحد قيادات هذه الحزب- قائلاً: “أمريكا لم تدمر بلدنا بما فيه الكفاية”!، متوسلاً منها مزيدا من الغارات والدمار. نعم، هذا هو “العرادة” الذي لم يتورع في وصف قصف أمريكا وبريطانيا و”إسرائيل” لموانئ بلده بـ “الضربات الناعمة”، في الوقت الذي يتغنى فيه على الجانب الآخر من البلد -وأعنى المحافظات اليمنية التي ترضخ تحت الاحتلال السعو-اماراتي- بالوطنية!!!.
هذا النفاق المكشوف والولاء الواضح للصهيونية لا يعكس خيانة فردية فحسب، بل يُنبئ عن سياسة عمالة ممنهجة امتدت من “سلطان العرادة” مرورا بـ”عيدروس الزبيدي”، لتعبر عن خيانة عظمى صار لها مشرعون يرددون ذات النداء: “المزيد من الحروب”!، كالخائن “طارق عفاش” الذي لم يكن أقل مرتبة من رفيقيه في مجلس الخيانة، المشكل بتوافق سعو-إماراتي ومباركة صهيو-أمريكية وبريطانية، حيث تعهد بتأمين سفن الكيان الصهيوني.
هذه الدمى المصطنعة والمملوكة كعلامات تجارية حصرية على أربابها، أعلنت أنها على أتم الاستعداد لتقديم العون المطلق للأمريكان والإسرائيليين والبريطانيين في ما يخططون له من توجيه الضربات القاسية بالقوات المسلحة اليمنية قيادة صنعاء. وبالتالي ستبقى تتحرك وفق برامج صانعيها، ولن تمثل اليمن على أي حال.
صنعاء ماضية في دعمها لغزة
في المقابل، ووسط كل هذا الظلام، يَبرُز الموقف اليمني صوتاً استثنائياً في معركة الكرامة. رغم الحصار والعدوان المستمر على اليمن، يواصل اليمنيون -بقيادة صنعاء- تأكيدهم على إسناد فلسطين غير آبهين بالتحديات أو التهديدات. وبرغم المتغيرات، فإن صنعاء ماضية في دعمها لمظلومية الشعب الفلسطيني، في رسالة واضحة أن فلسطين ستبقى بوصلة الأحرار في اليمن مهما تخاذل الآخرون.
في الوقت ذاته، تتزايد التحركات الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية والبريطانية في المنطقة، حيث يبدو أن واشنطن ولندن تسعيان لتعزيز نفوذهما في اليمن، مع التركيز على تعطيل أي دور يمكن أن تقدمه صنعاء لدعم المقاومة الفلسطينية في غزة. زيارة السفير الأمريكي ستيفن فاجن إلى قيادات المرتزقة اليمنيين، تزامنا مع زيارة قائد القيادة الوسطى الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا للمنطقة، تكشف عن تصعيد دبلوماسي وعسكري يهدف إلى إعادة ترتيب أوراق الحرب في اليمن وتحويلها إلى ساحة مواجهة تخدم المصالح الإسرائيلية.
لم تكن زيارات السفير الأمريكي إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المرتزقة مجرد لقاءات بروتوكولية بقدر ما تحمل في طياتها رسائل واضحة لصنعاء. حيث تركزت اللقاءات المتكررة مع قيادات المرتزقة على إعادة إحياء الجبهات الداخلية ضد “أنصار الله”، في محاولة لتشتيت الجهود اليمنية التي باتت تشكل تهديدا فعليا للهيمنة الإسرائيلية في البحر الأحمر، ولتقويض أي دعم عسكري أو لوجستي تقدمه صنعاء لفلسطين.
خلال لقاءاته الأخيرة، أشار السفير الأمريكي فاجن بشكل مباشر إلى “ضرورة العمل على مواجهة التهديدات الحوثية”، ووصف عمليات صنعاء الأخيرة في البحر الأحمر بأنها “تعطيل للأمن الدولي”.
هذا الخطاب يتماهى مع التوجهات الإسرائيلية التي تطالب الولايات المتحدة بمزيد من الضغط على صنعاء، وصولا إلى توجيه ضربات عسكرية مباشرة. وهو ما بات يحدث منذ عملية إسناد اليمن للمقاومة الفلسطينية ضمن معركة طوفان الأقصى. وقد تبادلت أمريكا وبريطانيا الأدوار في قصف المدن اليمنية، كما حدث في الحديدة وصنعاء وصعدة، حيث قاربت الغارات الأمريكية والبريطانية على اليمن ٨٠٠ غارة منذ أكتوبر 2023م.
الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة الوسطى الأمريكية -المعروف بدوره في إدارة العمليات العسكرية الأمريكية في “الشرق الأوسط”- التقى بمسؤولين في السعودية والإمارات لمناقشة “تعزيز التنسيق الأمني”، مع تركيز خاص على الملف اليمني.
ووفقا لتقارير إعلامية، فإن كوريلا ناقش سيناريوهاتٍ لتصعيد المواجهة مع صنعاء، بما في ذلك توفير دعم عسكري واستخباراتي مباشر للمرتزقة، والتنسيق مع “إسرائيل” لضمان تحييد الدور اليمني عن دعم المقاومة الفلسطينية. هذه التحركات تكشف عن مساعٍ أمريكية لإشعال حرب إقليمية تستهدف اليمن تحت ذريعة ما تسميه “مواجهة التهديد الحوثي”، بينما الهدف الحقيقي يتمثل في تأمين المصالح الإسرائيلية، خاصة في البحر الأحمر والممرات البحرية الاستراتيجية.
“إسرائيل” تطالب بدعم غربي عاجل
مع تصاعد الدعم اليمني لغزة، خرجت أصوات صهيونية تطالب بتوجيه ضربة عسكرية “قاضية” ضد “أنصار الله”. التصريحات الإسرائيلية الأخيرة، ركزت على ضرورة “تحييد الحوثيين” بشكل كامل، تزامنت مع تحركات عسكرية أمريكية وبريطانية في المنطقة.
“إسرائيل” -التي تخشى من تطور القدرات العسكرية اليمنية- ترى في صنعاء تهديدا استراتيجيا طويل المدى، خاصة مع إعلان يمني عن استعداد اليمن لتوسيع نطاق العمليات العسكرية إذا استمرت الجرائم الصهيونية في غزة. وقد نفذت تهديداته بضرب عمق الكيان بأربعة صواريخ خلال أيام أدت لإصابة 30 مستوطنا صهيونيا.
الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي استهدفت أهدافا إسرائيلية خلال الأيام الماضية كانت مؤشرا على القدرات المتطورة التي تمتلكها اليمن، ما دفع “إسرائيل” للمطالبة بدعم غربي عاجل لتجنب سيناريوهات أكثر تعقيدا.
تحضيرات أمريكية واسعة
وفي ظل التحركات الأمريكية والبريطانية المدعومة بالتصعيد الإسرائيلي، يجتمع المرتزقة في الرياض للمرة الثانية خلال أقل من شهر، وسط تحضيرات أمريكية واسعة تحمل إشارات واضحة لحرب إقليمية قد تندلع في أي لحظة. ولكن يظل السؤال الأهم: إلى أين ستصل هذه الحرب؟ خصوصا وأن التصعيد يأتي في وقت تشير فيه التقارير إلى نية واشنطن ولندن تعزيز الدعم العسكري للمرتزقة، بما في ذلك تسليم معدات وأسلحة متطورة.
اللافت في هذا السياق، أن التصعيد والصمود، يُظهران المشهد اليمني كمسرح لتطورات قد تعيد تشكيل المنطقة ، ولكن على العكس تماما لمسار ما رسم له أمريكيا وإسرائيليا في ما أسمي بخارطة “الشرق الأوسط الجديد”.
رغم التصعيد المستمر، تؤكد صنعاء أن أي تحرك أمريكي أو إسرائيلي أو بريطاني -سواء كان مباشرا أم عبر وكلائهم- لن يمر دون رد. إذ يمتلك اليمن أوراق ضغط كثيرة، تشمل التطور التقني العسكري في صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي بالقرب من المصالح الغربية. ما يعني أن التصعيد ضد اليمن قد يدفع الأخيرة إلى إغلاق الممرات البحرية الاستراتيجية، ما يُلحِق خسائر كبيرة بالمصالح الغربية.
تحفة الخاتمة
تتجلى إرادة اليمن القوية في مواجهة العدوان رغم التحديات الجسيمة التي يواجهها اليمن. إذ تؤكد القوات المسلحة من خلال مواقفها أن اليمن لن يكون ساحة مفتوحة للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية. وفي ظل استمرار العدوان على غزة، يبرز دعم صنعاء للمقاومة الفلسطينية كونه دليلاً على مبدئية موقفها، في وقت يختار فيه كثير من الأنظمة العربية التخلي عن مسؤولياتها.
تشير المؤشرات إلى تصاعد التوتر في المنطقة، ما ينبئ بأيام حاسمة قد تفصلنا عن مستجدات كبيرة. إن مستقبل اليمن والمنطقة يظل ضمن دائرة اهتمام العالم، في ظل صراع يتجاوز القضايا التقليدية ليصل إلى مسألة الكرامة والمبادئ.
من مواقف القيادة في صنعاء، يتضح أن الاستعدادات تكتسب زخماً كبيراً، حيث أكد قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي أن الجهوزية في أعلى مستوياتها، وأننا حاضرون لمواجهة أي عدو سواء أمريكا أو بريطانيا أو أي جهة أخرى، كما أكد أنه تم تجنيد أكثر من 600 ألف مقاتل خلال معركة طوفان الأقصى فقط. هذه التأكيدات لا تترك مجالاً للشك في استعداد اليمن لمواجهة أي تهديد، مع وعي تام بألاعيب الأعداء المتربصين.
وفي الوقت الذي تكون فيه الأعين مشدودة نحو الرياض، تأتي الرسائل واضحة بأن التحركات تُراقَب بدقة وأن اليد على الزناد. وتبقى النصيحة التي لا تنقطع من صنعاء هي ضرورة التقدم في خارطة الطريق، وترجيح المصالح المشتركة لشعوب المنطقة، مع التحذير من الانجراف وراء التحريض الأمريكي. فبعد عشرة أعوام من العدوان، تظل الدروس حاضرة، مُنبّهة من مغبة التمسك بسياسات لا تخدم سوى مصالح القوى الاستعمارية.
بكل ثقة، يؤكد اليمن أن النصر قريب، مستعداً لمواجهة أي نكوص قد يحدث من الرياض عن التفاهمات، ما قد يُحدث تغييرات جذرية تصب في مصلحة الشعب اليمني.
موقع أنصار الله
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الأمریکیة والبریطانیة فی الوقت الذی التی ت فی غزة
إقرأ أيضاً:
ماذا يعني إسقاط الدرون الأمريكية في اليمن؟ تقارير أمريكية تجيب
يمانيون../
ليس بالأمر الهين أن يتم إسقاط سبع طائرات أمريكية بدون طيار حديثة ومتقدمة، وتعد بين الأكثر تطورا ليس في الولايات المتحدة فقط، بل وفي العالم، وأن يتم إسقاطها في سماء اليمن، ناهيك عن أن هذا الإسقاط أصبح أشبه بلعبة الهواة، إذا ما نظرنا إلى عدد الطائرات التي أُسقطت خلال شهر، فهي سبع طائرات: ثلاث منها خلال الأسبوع الماضي وحده، وأما خلال معركة الفتح الموعود، فقد وصلت إلى 22 طائرة، وإجمالي ما تم إسقاطه 26 طارة، أربع منها قبل طوفان الأقصى ، ضمن التصدي للعدوان السعودي الأمريكي.
وبالنظر إلى تصاعد عمليات الإسقاط، نلاحظ أنه تم إسقاط 4 خلال خمس سنوات، بدءا من 1 أكتوبر 2017، ثم 6 يونيو 2019، وتلاها 20 أغسطس 2019، وآخرها 23 مارس 2021.
وتوقفت عمليات الإسقاط كما هو واضح من العام 2021 حتى 2023، مع طوفان الأقصى والإسناد اليمني لغزة، لتعود عمليات إسقاطها في 8 نوفمبر 2023، بعد شهر فقط من الطوفان.
بعدها تتوالى تلك العمليات تباعا، وبمنحنيات متصاعدة، لتصل أقصاها إلى ثلاث طائرات خلال أسبوع.
البحث عن المعلومات يطيح إم كيو9
كثير من المراقبين يطرحون أسئلة حول جدوى إبقاء طائرات الدرون إم كيو 9، للعمل في أجواء غير آمنة كما هو الحال في اليمن، لا سيما مع تزايد عمليات إسقاطها، وربما يقدم حديث مسؤول عسكري أمريكي جزءا من الإجابة، حيث يؤكد أن القيادة المركزية الأمريكية تكثف من نشاط الطائرات الأمريكية إم كيو 9، من أجل جمع المعلومات التي تفتقر إليها من أجل مواصلة عمليات عدوانها على اليمن، وقد بدا واضحا من خلال الأهداف التي قصفت خلال أربعين يوما، أن الولايات المتحدة لا تملك أهدافا ذات قيمة من أجل تغيير المعادلة العسكرية الميدانية، ولا إيقاف الصواريخ الباليستية اليمنية على الكيان، ولم تتمكن من تأمين ملاحة آمنة لها في البحرين الأحمر والعربي.
وتحت ضغط هذا الدافع، تضحي واشنطن بعدد كبير من هذه الطائرات وتعرضها للإسقاط واحدة بعد أخرى، طمعا في الحصول على أدنى قدر من المعلومات علها تساعدها في تحقيق إنجاز ملموس، لا سيما بعد فقدانها لأدواتها الاستخباراتية من العملاء على الأرض، وتفكيك والقبض على عدد من الخلايا التجسسية التابعة لها.
ونظرا للحاجة للمعلومات، فلا يوجد حاليا لدى البنتاغون وسيلة أفضل من استخدام هذا النوع من الطائرات، نظرا لما تتمتع به من قدرة تقنية وتكنولوجية متقدمة لتنفيذ المهام المناطة بها، نظرا للمزايا التي تتمتع بعها لأداء المهام التجسسية والهجومية في نفس الوقت، بالإضافة إلى قدرتها على التحليق لوقت طويل ونقل المعلومات لغرفة العمليات خلال التحليق.
تطور الدفاعات الجوية
إن أهم أسباب ارتفاع عدد الطائرات التي تم إسقاطها في اليمن يعود إلى تطور الدفاعات الجوية، وتوزيعها على مختلف المحافظات، كما هو واضح من خلال خارطة سقوط تلك الطائرات، من ذمار إلى صعدة وصنعاء ومارب والجوف والحديدة والبيضاء وحجة. هذا التطور الذي حاز على اهتمام الخبراء ومركز الدراسات والبحوث العسكرية في الغرب، لاسيما في الولايات المتحدة، وكان آخر التقارير الأكثر تركيزا، هو تقرير نشره موقع “ذا وور زون” المتخصص بالشؤون العسكرية الأمريكية، الذي حاول الإجابة على طريقة عمل الدفاعات الجوية اليمنية، مستعينا بعدد من الخبراء والمسؤولين الأمريكيين، والفرضيات التي يطرحونها فيش هذا الصدد، وكلها تشير إلى خلاصة تؤكد على نحو غير مسبوق، أن الدفاعات الجوية اليمنية أصبحت تشكل تهديدا حقيقيا للطائرات العسكرية الأمريكية، وهو التهديد الذي يفسر، حسب الموقع، استخدام القيادة المركزية الأمريكية لقاذافات الشبح بي 2، الاستراتيجية، وتنفيذ عمليات متزايدة باستخدام الذخائر بعيدة المدى ضد أهداف في اليمن، خشية وتجنبا للدفاعات اليمنية وخطرها على الطائرات الحربية الأمريكية.
فرضيات عمل الدفاعات اليمنية
لكي تكون الدفاعات الجوية فعالة أمام التقنيات الأمريكية المتطورة، فإن عليها أن تتمتع بميزتين رئيستين: الأولى الدقة؛ وهذا يتضمن اكتشاف الهدف ورصده وتتبعه وتحديد موقعه، تمهيدا لإطلاق الصاروخ وإسقاطه. والثانية هي السرعة؛ وهذا يتضمن التعامل مع الهدف قبل أن يتمكن العدو من رصد الرادارات والقضاء عليها، وبالتالي إفشال أي عملية تصدٍّ لهذا النوع من الطائرات.
وحول هاتين النقطتين، ينقل تقرير “ذا وور زون” عن عدد من المسؤولين والخبراء بعض الفرضيات لفهم عمل الدفاعات الجوية اليمنية الفعالة في إسقاط واحدة من أحدث الطائرات الأمريكية بدون طيار، مشيرا إلى فرضية الاستفادة من وسائل بديلة لرصد وتتبع الطائرات المعادية، مثل الترددات الراديوية السلبية، حيث تستخدم لتتبع الهدف ثم إطلاق الصاروخ، قبل أن يتم تفعيل نظام التوجيه بالأشعة تحت الحمراء أو الرادار للصاروخ عند اقترابه من الهدف، من أجل إصابة الهدف وتجنب اكتشاف الصاروخ أو مكان إطلاقه.
ولشرح هذه التقنية التي تسمح بدقة الرصد والتخفي في نفس الوقت، يستطرد التقرير أنه: بالاعتماد على أنظمة البثّ الآليّ للمراقبة المعتمدة على الأقمار الاصطناعية، وخيارات التتبع السلبيّ الأخرى، يُمكن لأجهزة الرادار المرئيّ أن تُساعد على رصد وفكّ تشفير وعرض الموقع الجغرافيّ الدقيق، والارتفاع، وزاوية المسار، والاتجاه، والسرعة، والهوية، ورمز النداء لجميع طائرات التحالف ضمن دائرة نصف قطرها يزيد عن 250 كيلومتراً. مشيرا إلى أن “هذه المعلومات يمكن استخدامها لاستخلاص حلول لتجنب استهداف بطاريات الدفاع الجوي، ما يُتيح لصواريخ الدفاع اليمنية العمل بدون الانبعاثات المُنذرة التي تُنتجها رادارات المراقبة”.
أما التقنية الأخرى فيعود التقرير للتذكير بإحاطة الفريق جيفري كروس، رئيس وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية في جلسة استماع عُقدت في مارس، حيث أكد لأعضاء لجنة الاستخبارات الدائمة في مجلس النواب الأمريكي صراحةً بأن “الدفاعات اليمنية حاولت استخدام أنظمة صواريخ أرض-جو متنقلة ضد الطائرات الأمريكية”.
ووفقاً للتقرير فإن الأنظمة المتنقلة “تجعل التهديد يتفاقم، بسبب قدرتها على الظهور فجأةً، وتشغيل راداراتها لفترة وجيزة نسبياً، وإطلاق النار، ثم الفرار، وبالتالي، يصعب جداً العثور عليها واستهدافها، فضلاً عن صعوبة التنبؤ بمواقعها المحتملة لاتخاذ إجراءات مضادة أو التخطيط لتجنبها”.
فقدان التفوق الجوي
في خطابه 17 من الشهر الجاري، اكد السيد عبدالملك الحوثي على أن الدفاعات الجوية نفذت أكثر من 11 عملية اعتراض وتصدٍّ لطيران العدو الأمريكي بما فيها ضد طائرات “الشبح”، وتم إفشال عدد من العمليات، كما كشف عن استخدام صواريخ (قدس)، لأول مرة، حيث أكد أنها نفذت (أربع عمليات) إطلاق على طائرات التَّنَصُّت والتزويد الحربي الأمريكية، في عمليات منفصلة في البحر الأحمر، وإجبارها على المغادرة.
ونتج عن عمليات التصدي تلك، إفشال جزء كبير من عمليات العدو، وفشل الأمريكي بسببها في تنفيذ قصف على أهداف متعدِّدة، وهناك أيضاً على مستوى اعتراض كامل في بعض الحالات، أو اعتراض جزئي في حالات معيَّنة، فالموقف فاعل في التَّصَدِّي للعدوان الأمريكي.
وهذا الأمر يعني فقدان التفوق الجوي الأمريكي، وهو ما نقلته شبكة سي إن إن، عن مسؤولين أمريكيين أكدوا أن واشنطن كانت تأمل في تحقيق تفوق جوي خلال 30 يومًا، عبر إضعاف الدفاعات الجوية اليمنية، لكن معدلات اسقاط طارات الدرون إم كيو 9، جعل القيادة المركزية الأمريكية عاجزة عن تحقيق التفوق الجوي، حسب الشبكة، وكذلك عاجزة عن الانتقال إلى مرحلة جديدة كان من المقرر أن تركز على جمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة القادة لاستهدافهم.
موقع أنصار الله علي الدرواني