كيف تفشل أمريكا في فك ارتباطها بالصين؟
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
قليلة هي الشركات التي تقدم معلومات أفضل من فوكسكون أكبر شركة صناعة تعاقدية في العالم لرسم خريطة بمواقع ومسارات سلاسل التوريد العالمية. ففي هذا العام شيّدت هذه الشركة التايوانية العملاقة مصانع جديدة أو قامت بتوسيع مصانع قائمة في الهند والمكسيك وتايلاند وفيتنام.
مواقع الإنتاج الصينية التي كانت في وقت ما جاذبة للشركات الغربية لم تعد تحظى باهتمامها.
ظاهريا، هذا تقريبا بالضبط ما كان يرغب فيه واضعو سياسات أمريكا. فالمسؤولون في إدارة دونالد ترامب أولا ثم في إدارة بايدن لاحقا صاغوا مصفوفة من الرسوم الجمركية والقواعد وبرامج الدعم. ومن المتوقع صدور أمر تنفيذي قريبا بمراجعة الاستثمار المتجه إلى الخارج.
الهدف من ذلك إضعاف قبضة الصين على الصناعات الحساسة وأيضا، وهذا هدف غير معلن، الاستعداد لغزو محتمل لتايوان.
هذه المحاولة لتقليل مخاطر التجارة مع الصين تشكل حجر الزاوية للسياسة الخارجية الأمريكية. لكن خفض المخاطر ليس كما يبدو في الظاهر على الرغم من الجهود واسعة النطاق التي بذلت فضلا عن إعادة تشكيل التجارة كما تعكسها الإحصاءات الرئيسية. فروابط التجارة بين أمريكا والصين، بدلا من تقليصها، لا تزال قائمة وإن كان ذلك في أشكال أكثر تعقيدا.
تأمل الحكومة الأمريكية في حفز وتنشيط انتقال الإنتاج إلى شركائها التجاريين المفضلين الذين يشملون بلدانا مثل الهند والمكسيك وتايوان وفيتنام بهدف إحلال الواردات التي تأتي في السابق من الصين. والتجارة مع هؤلاء الحلفاء تتزايد بسرعة. فحوالي 51% فقط من الواردات الأمريكية من البلدان الآسيوية "القليلة التكلفة" جاءت من الصين في العام الماضي مقارنة بحوالي 66% عندما فرضت أولى الرسوم الجمركية التي استحدثتها إدارة ترامب قبل خمسة أعوام، بحسب شركة الاستشارات الإدارية "كيرني".
المشكلة هي أن التجارة بين حلفاء أمريكا والصين تزداد أيضا مما يوحي بأن هؤلاء الحلفاء غالبا ما يؤدون دور "مراكز التعبئة والتغليف" لما تظل فعليا منتجات صينية. تدفق المنتجات هذا يعني أن البلدين لا يزالان يعتمدان اقتصاديا على بعضهما البعض رغم أن أمريكا ربما لا تشتري من الصين بشكل مباشر نفس حجم المنتجات التي كانت تشتريها في السابق.
البلدان التي تستفيد من انخفاض التجارة الصينية المباشرة مع أمريكا تقدم الدليل على ذلك. هذه الدينامية درستها ورقة أعدتها كارولين فريند من جامعة كاليفورنيا بسان دييغو وباحثون آخرون. وجدت الورقة أن البلدان التي كانت علاقاتها التجارية مع الصين هي الأقوى في صناعة معينة كانت الأكثر استفادة من تغيير وجهة التجارة. وهذا يشير إلى أن سلاسل التوريد الصينية الراسخة لا تزال مهمة بقدر كبير لأمريكا.
بل هذا يصدُق أكثر في الفئات التي تشمل منتجات الصناعة المتقدمة والتي يبدو أن المسؤولين الأمريكيين أشد حرصا على الحد من وجود الصين بها.
في هذه السلع تراجعت حصة الصين من الواردات الأمريكية بنسبة 14% في الفترة بين 2017 و2022 فيما حصلت السلع المستوردة من تايلاند وفيتنام، وهي بلدان تستورد بكثافة من الصين، على الحصة الأكبر في السوق الأمريكية. باختصار النشاط الصيني لا يزال حيويا حتى لإنتاج المنتجات فائقة الحساسية.
الكيفية التي يحدث بها بالضبط هذا التغيير في مسار التجارة تختلف من بلد إلى آخر ومن صناعة إلى أخرى. فهنالك قلة من المنتجات التي يمكن الحصول عليها فقط من الصين. وهي تشمل المعادن النادرة والمواد المعدنية الأخرى المعالجة والتي تسيطر الشركات الصينية على كامل صناعاتها كمعدن الغاليوم الذي يستخدم في صناعة الرقائق الإلكترونية والليثيوم المعالج في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية.
وأحيانا الصادرات المتجهة إلى أمريكا وباقي البلدان الغربية من حليفاتها ليست سوى منتجات صينية أُعيد تغليفها لتجنب الرسوم الجمركية.
لكن غالبا ما تكون مُدخلات الإنتاج أجزاء ميكانيكية أو كهربائية يمكن الحصول عليها من أماكن أخرى بتكلفة باهظة بواسطة مستورد مجتهد. لكنها أرخص وأكثر وفرة في الصين.
لعبة تمرير المُنتَج المُغلَّف
كل الأنماط الثلاثة الزائفة لفك الارتباط الاقتصادي يمكن العثور عليها في الحديقة الخلفية للصين. فأحدث بيانات رسمية نشرت في عام 2018 وتتعلق بصادرات بلدان جنوب شرق آسيا (آسيان) وهي مركز إقليمي تكشف أن 7% منها، بالقيمة، كان من الممكن أن تُنسَب فعليا إلى شكل ما من أشكال الإنتاج في الصين. وهذه النسبة ربما أقل من النسبة الفعلية بالنظر إلى صعوبة تحليل التجارة واستخلاص تفاصيلها.
كما تشير بيانات أحدث إلى أن الصين لم تفقد أهميتها بل صارت أكثر أهمية منذ ذلك الوقت. فقد زادت نصيبها من الصادرات إلى بلدان الآسيان في 69 فئة منتجات من جملة 97 فئة رصدتها الآسيان. كما شهدت الصادرات الإلكترونية زيادة ضخمة. وهي فئة المنتجات الأكبر والتي تغطي كل شيء من البطاريات والأفران الصناعية إلى ماكينات الحلاقة. وفي الأشهر الستة الأولى من العام ارتفعت قيمة المبيعات الصينية من هذه السلع في إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين وفيتنام إلى 49 بليون دولار بنسبة 80% مقارنة بخمسة أعوام مضت.
هنالك نموذج شبيه بذلك في الاستثمار الأجنبي المباشر. فالإنفاق الصيني في بلدان جنوب شرق آسيا البالغة الأهمية تجاوز إنفاق أمريكا.
المصانع النائية أيضا تضج بالنشاط الصيني وربما أكثرها لفتا للانتباه صناعة السيارات. في المكسيك أوردت الرابطة الوطنية لمنتجي قطع غيار السيارات وهي مجموعة ضغط أن 40% من الاستثمار القريب من السوق المحلي مصدره شركات تنتقل إلى المكسيك من الصين. ويعقب انتقالها عدد وفير من السلع الوسيطة. ففي العام الماضي صدَّرت الشركات الصينية ما قيمته 300 مليون دولار من قطع الغيار شهريا من الصين إلى المكسيك أو أكثر من ضعف صادراتها قبل خمسة أعوام.
فك الارتباط الاقتصادي الزائف مع الصين أكثر وضوحا في وسط وشرق أوروبا حيث ازدهرت صناعة السيارات في السنوات الأخيرة. ففي عام 2008 صدرت الصين 3% فقط من قطع غيار السيارات لجمهورية تشيكيا والمجر وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا ورومانيا. ومنذ ذلك العام ارتفعت الواردات الصينية بفضل التبني السريع للسيارات الكهربائية والتي تزداد هيمنة الصين باطراد على إنتاجها. وهي الآن تصدر 10% من كل قطع غيار السيارات التي تستوردها بلدان وسط وشرق أوروبا وأكثر من أي بلد آخر خارج الاتحاد الأوروبي.
الروابط التجارية الأوثق بين حلفاء أمريكا والصين هي النتيجة التي تتصف بالمفارقة لرغبة أمريكا في روابط أضعف. فالشركات المذعورة من تفاقم سوء العلاقات في منطقة المحيط الهادي تتبع استراتيجيات "الصين زائد واحد" والتي تعني إبقاء بعض الإنتاج في ثاني أكبر اقتصاد في العالم ونقل الباقي إلى البلدان الصديقة للعم سام (أمريكا) مثل فيتنام.
مع ذلك الطلب الأمريكي على المنتجات النهائية من الحلفاء يميل أيضا إلى تعزيز الطلب على المنتجات الصينية الوسيطة ويحفز الشركات الصينية على العمل والتصدير من مواقع بديلة.
وعلى الرغم من أن أبل، وهي أكبر شركة في العالم بالرسملة السوقية، نقلت الإنتاج إلى خارج الصين في السنوات الأخيرة فإن جزءا كبيرا من الإنتاج لا يزال يعتمد على الشركات الصينية. فأبل تدرج على قائمة مورِّديها الرسميين في فيتنام 25 شركة من بينها 9 شركات من الصين.
قلق واضعي السياسات الأمريكيين
في السيناريو الأسوأ وهو نشوب حرب تشهد انقطاعا تاما تقريبا لإمدادات السلع بين الصين وأمريكا ربما يكون التعامل بصفة غير مباشرة مع الصين أو مع الشركات الصينية في البلدان الأخرى بديلا أفضل مقارنة بالاعتماد المباشر على الإنتاج الصيني. إلى ذلك، الشركات تتكيف مع الإجراءات الأمنية لتقليل التكاليف على المستهلكين. لكن ذلك ينطوي على مخاطره الخاصة به. فالاعتقاد بأن فك الارتباط يحدث حقا قد يحجب أهمية الإنتاج الصيني لسلاسل الإمداد الأمريكية.
حقيقة أن قدرا كبيرا من الإنتاج في آسيا والمكسيك وأجزاء من آسيا يعتمد في نهاية المطاف على الواردات والاستثمارات القادمة من الصين تفسر حذر الكثير من الحكومات خصوصا في آسيا في الوقوف إلى جانب أمريكا على الأقل فيما يتعلق بنقل سلاسل التوريد.
في النهاية، إذا اضطر المصدرون في آسيا والمكسيك وأجزاء من أوروبا والذين يعتمدون على الواردات والاستثمارات الصينية لاستدامة إنتاجهم وسلاسل توريدهم إلى اختيار أحد الجانبين (أمريكا أو الصين) بشكل قاطع ونهائي سيواجهون تحديات اقتصادية جسيمة.
رسمت دراسة حديثة بواسطة باحثين بصندوق النقد الدولي سيناريو يوجب على البلدان الاختيار بين أمريكا والصين ويرتكز قرار الاختيار على نماذج التصويت الأخيرة في الأمم المتحدة. حسب الباحثين مثل هذا السيناريو سيقلص الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 4.7% بالنسبة للبلدان الأكثر تأثرا. وبلدان جنوب شرق آسيا خصوصا ستضرر بشدة.
الأعداء الأصدقاء
نظرا إلى أن معظم البلدان في حاجة شديدة للاستثمارات والوظائف التي تجلبها التجارة لم تستطع أمريكا إقناع حلفائها بتقليص دور الصين في سلاسل إمدادها. فالعديد من هذه البلدان سعيد بالتعامل مع كلا الطرفين. بمعنى استقبال الاستثمارات والسلع الوسيطة الصينية وتصدير المنتجات النهائية إلى أمريكا وباقي الغرب.
المفارقة إذن أن ذات العملية التي تباعد بين أمريكا والصين في التجارة والاستثمار ربما تشكِّل في الواقع روابط مالية وتجارية أقوى بين الصين وحلفاء أمريكا. ولا حاجة للقول إن ذلك ليس ما كان يدور في بال بايدن.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشرکات الصینیة أمریکا والصین من الصین مع الصین الصین فی
إقرأ أيضاً:
رغم إطلاق صافرات الإنذار.. إسرائيل تفشل باعتراض صاروخ أطلق من اليمن
بغداد اليوم - متابعة
أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم السبت (21 كانون الأول 2024)، فشل محاولات اعتراض صاروخ قادم من اليمن بعد انطلاق صفارات الإنذار في وسط إسرائيل ورصد سقوط مقذوف في المنطقة.
بالتزامن أوضحت الشرطة الإسرائيلية أنها تفتش مواقع يحتمل سقوط الصاروخ فيها.
فيما أظهرت مشاهد متداولة آثار الدمار الذي ألحقه الصاروخ، بينما ذكرت أجهزة الإسعاف أن 17 شخصا أصيبوا بجروح طفيفة ونقِلوا إلى المستشفى.
أتى ذلك، بعدما وجهت إسرائيل على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، عدة تهديدات، أمس، لجماعة الحوثي، ملمحة لمصير مشابه لحزب الله.
إذ أكد نتنياهو أن كل من يمس أمن إسرائيل سيدفع ثمناً باهظاً جداً، معتبراً أن الحوثيين لن يتعلموا الدرس إلا بالطريقة الصعبة.
كما أشار المسؤولان الإسرائيليان إلى أن الحوثيين هم الفصيل أو الذراع الأخيرة والوحيدة المتبقية في محور إيران، في إشارة إلى ضرب وإضغاف حزب الله في لبنان، وحركة حماس في قطاع غزة.
في المقابل، توعد زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، بالاستمرار في الرد وإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، واستهداف السفن في البحر الأحمر دعما للفلسطينيين، حسب زعمه. وأكد أن جماعته في حالة حرب مفتوحة مع إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا.
وكانت إسرائيل استهدفت، أمس الجمعة، 16 موقعاً في العاصمة اليمنية صنعاء، ومدينة الحديدة، بينها موانئ نفطية ومحطات كهربائية، رداً على ما قالت إنه اعتداء حوثي عبر إطلاق صاروخ باليستي نحوها.
المصدر: وكالات