بالوعي والمقاومة.. كيف أعاد اليمن صياغة معركة الأمة؟
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
يمانيون../
ليس أخطر على أمّة من أزماتها الفكرية والثقافية، ولا أشد قسوة عليها من الانحطاط الذي يُطوّق وعيها ويحاصر إرادتها، فالأزمات السياسية قد تجد طريقاً للحل إذا كانت هناك إرادة واعية، ولكن حين تتصدع منظومة القيم، ويتسلل الوهن إلى الثقافة والضمير الجمعي، تصبح الأمّة عاجزة عن مواجهة الأخطار التي تحدق بها، بل قد تتحول إلى شريك في تسهيل هذه الأخطار وتمكينها من تحقيق مآربها.
هذا ما نعيشه اليوم في واقع الأمّة العربية، حيثُ لم يعد الانقسام والتشتت مجرد ظاهرة سياسية، بل باتا جزءًا من المشهد الثقافي والفكري.
انحراف مبادئ وفلسطين ثابتة
لقد أصبحت فلسطين، التي كانت رمزاً للوحدة والنضال، هدفاً للخذلان، بل وحتى خنجراً في خاصرة النخب التي اختارت الاصطفاف مع العدوّ الصهيوني، ليس فقط بالتطبيع، بل بالدفاع عن جرائمه، وتشجيعه على قصف كلّ صوت مقاوم.
إن هذا الانحطاط لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج طويل من العمل الممنهج الذي استهدف الثقافة والوعي العربيين.
منذ عقود، والآلة الاستعمارية تعمل على تفريغ الهوية العربية من محتواها، واستبدال قيم التضامن والإباء بقيم الاستهلاك والخضوع.
واليوم، نرى ثمرة هذا المشروع واضحة في مواقف بعض النخب السياسية والإعلامية التي تتباهى بولائها للمحتل، وتهاجم كلّ من يقف في وجهه.
لقد أصبح المشروع الإسرائيلي جزءاً لا يتجزأ من مشروع الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وكلاهما يسعيان إلى تمزيق ما تبقى من وحدة عربية، وتصفية كلّ جيوب المقاومة التي تقف حجر عثرة أمام مخططاتهما.
وما يثير الألم والغضب هو أن بعض الدول والجماعات السياسية في المنطقة لم تكتفِ بالصمت، بل انضمت إلى هذه المشاريع، وأصبحت شريكاً فاعلاً فيها.
إن هؤلاء الذين يشرعنون وجود الكيان الصهيوني، ويدافعون عن قصفه للمدن والمخيمات، لا يدركون أنهم يطعنون شعوبهم قبل أن يطعنوا القضية الفلسطينية، إنهم يقفون في خندق الخيانة، ويتحولون إلى أدوات بيد المحتل، يُروِّجون لرواياته، ويُضلِّلون الرأي العام العربي، حتى أصبح من يدافع عن فلسطين يُتهم بالتطرف، ومن يُناصر الاحتلال يُصنَّف بالاعتدال.
اليمن يبرز بالمشروع القرآني
القصة بدأت قبل عقدين من الزمن وبينما كان الكيان الصهيوني يواصل تنفيذ مخططاته لتدجين الشعوب وتفريغ الهوية الثقافية العربية من محتواها، وقفت الأنظمة العربية عاجزة، بل وغافلة عن الأخطار التي تُحاك ضد الأمّة.
في خضم هذا الواقع المرير، برزت بصيرة رجل من أعماق جبال اليمن، الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، الذي أدرك بحكمته ووعيه حجم المخاطر التي تهدد الأمّة وكرامتها.
بدأ بتأسيس مشروع قرآني يهدف إلى مواجهة هذه المخططات الاستعمارية، مستندًا إلى ثقافة المقاومة والإباء، ليعيد صياغة الوعي الجمعي للأمة، ويضع أسساً جديدة لصراع يمتد إلى عمق الوجود العربي والإسلامي في مواجهة الاحتلال والاستكبار.
في خضم هذا الواقع المرير الذي تعيشه الأمّة العربية، حيثُ تخفت أصوات المقاومة وتتعالى أصوات التطبيع والانحلال، ويغيب المشروع العربي، يظهر اليمن كاستثناء لافت، يكسر هذه المعادلة المذلة، ويعيد إلى الوعي العربي الأمل.
منذ اللحظة التي أطلق فيها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، مشروعه القرآني التحرري في عام 2003 كان يدرك بعين بصيرته أن الأمّة تقف على شفا هاوية، وأن التخاذل أمام المشروع الأمريكي الصهيوني ليس إلا بداية لسلسلة لا تنتهي من الانكسارات والهزائم.
لقد أطلق مشروعًا لم يكن مجرد حراك سياسي أو عسكري، بل ثورة فكرية وثقافية، انطلقت من عمق جبال مران في صعدة، لتعيد صياغة مفهوم المقاومة وفق أسس ثقافية ودينية وأخلاقية متينة، كان يؤمن بأن أية مواجهة مع قوى الاستكبار العالمي يجب أن تسبقها مواجهة داخلية مع الجهل، والخنوع، والتبعية؛ ولهذا أسس وعيًّا شعبيًّا يربط بين معركة الكرامة الوطنية ومعركة البناء الثقافي والروحي.
حمل المشروع يخلق التحولات
وبعد سنوات من التضحيات، أصبحت نتائج هذا المشروع واضحة للعيان، الجيش اليمني، الذي كان يوماً مستضعفاً ومحاصرًا، تحول إلى قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها، استطاع أن يفرض معادلات استراتيجية غير مسبوقة، من التحكم في مياه البحر الأحمر إلى دك عمق الأراضي المحتلة بالصواريخ والمسيّرات، معلنًا أن الأمّة قادرة، إن أرادت، على كسر هيمنة أمريكا وبريطانيا وإسرائيل.
على الجانب الآخر، نجد الشعب اليمني في حالة استثنائية من الوعي والحركة، في وقت غرق فيه كثير من شعوب المنطقة في الخمول واللامبالاة، يقف الشعب اليمني في ميادين المقاومة بكل أشكالها، تجدهم في معسكرات التدريب، وفي دورات التأهيل الثقافي والعسكري، وفي الإعلام، وفي حملات التبرع لدعم المجهود الحربي، وفي الوقفات الاحتجاجية والمسيرات المليونية التي تجدد روح الصمود والتحدي كلّ أسبوع.
هذا المشهد يضعنا أمام مقارنة مؤلمة مع بقية شعوب وقادة المنطقة، في حين يُباد أهل غزة تحت القصف الإسرائيلي، وتُدمَّر المدن الفلسطينية، نرى كثيراً من الدول العربية غارقة في مهرجانات الترفيه والرقص والانحلال الأخلاقي، بينما يستمر الكيان الصهيوني في جرائمه، نجد هذه الدول تلتزم الصمت، أو في أحسن الأحوال تصدر بيانات خجولة لا ترقى إلى مستوى الجريمة.
بل إن الأمر تجاوز حدود الصمت إلى التواطؤ، فبعض الدول أصبحت تطالب الكيان علنًا باجتثاث حركات المقاومة، وتتهمها بالإرهاب، وكأنها تنطق بلسان المحتل، أما التطبيع، فلم يعد مجرد اتفاقيات سرية، بل تحول إلى حالة فجة من التحالف مع العدوّ، بل والدفاع عن جرائمه، تحت ذرائع واهية لا تنطلي إلا على العقول المستعبدة.
إن الفارق بين اليمن وبقية المنطقة ليس في الإمكانيات، بل في الإرادة والوعي، في اليمن، أدرك الشعب والقيادة أن الكرامة لا تُمنح، بل تُنتزع، أما في بقية الدول، فقد استسلمت شعوبها وقادتها لفكرة أن المقاومة مستحيلة، وأن الخضوع قدر لا مفر منه.
إن ما يقدمه اليمن اليوم ليس فقط نموذجاً للمقاومة، بل دعوة صريحة للأمة لاستعادة دورها ومكانتها، ما يفعله الشعب اليمني هو تأكيد على أن الكفاح ممكن، وأن التغيير يبدأ من الوعي والإيمان بعدالة القضية.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة واضحة: الكيان الصهيوني وأعوانه يعتمدون على حالة الخنوع التي يعيشها معظم العالم العربي، لكنهم يدركون تماما أن هناك شعوباً، كاليمن، لا تزال عصية على الخضوع، قادرة على كسر معادلات الهيمنة، وكتابة مستقبل الأمّة بأحرف من نور ودم.
النموذج اليمني كدعوة اقتداء للأمة
أخيراً، وفي ظل غياب المشروع العربي فإن ما يقدمه اليمن من نموذج راسخ في الصمود والمقاومة يؤكد أن الخلاص الحقيقي للأمة يكمن في الانضواء تحت راية المشروع القرآني، الذي أثبت صلابته في مواجهة قوى الاحتلال والاستكبار؛ فهذا المشروع لم يكن مجرد حراك عابر، بل رؤية متكاملة تستنهض قيم الحق والعدل والكرامة، وتعيد للأمة هويتها ومكانتها.
هل تتذكرون خطابات السيد القائد عبد الملك الحوثي، خلال أغسطس وسبتمبر من هذا العام، عندما حذر من خطورة التنصل عن المسؤولية تجاه ما يحدث من عدوان على غزة؟ فقد أكّد أن التخاذل أو صمت بعض الدول العربية عن دعم غزة ليس مجرد خطأ سياسي، بل خطوة خطيرة تحمل بذور اضطرابات كبرى ستطال الجميع، سواء أكانوا دولًا أو جهات سياسية.
وأشار إلى أن ما يحدث في غزة ليس سوى بداية لمعركة أكبر ستحدد مستقبل الأمّة العربية بأسرها.
وقد رأينا قبل أيام تحقق ذلك في سوريا، حيثُ حاول النظام السابق بقيادة بشار الأسد تحييد سوريا عما يحدث في غزة، لكن نتيجة هذا التفريط كانت كارثية،؛ إذ انتهى الأمر بسقوط سوريا، مما مثَّل فرصة لتوسع الاحتلال في الأراضي السورية واحتلال مساحات كبيرة، إلى جانب تدمير مقدرات سوريا العسكرية.
وهناك اليوم أيضاً تحذيرات من أن تكون الأردن هي التالية؛ إذ بات الكيان الصهيوني يلعب على نفس السيناريو والمخطط وهو مستعد لاقتناص هذه الفرص لتدمير مقدرات الجيوش العربية.
ما أود قوله في هذه السطور هو التأكيد على رسالة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي، في خطابه يوم الخميس لجمهورية مصر العربية، حيثُ أشار وحذر من وجود سيناريو أمريكي وإسرائيلي يستهدف الجيش المصري بشكل مباشر.
هذا التحذير يجب أن يُؤخذ على محمل الجد من قبل القيادة والشعب والجيش المصري، فلقد رأينا كيف تحول التهاون في سوريا إلى انهيار أمني وعسكري واسع النطاق.
ومن هنا كانت الرسالة واضحة من قبل السيد الحوثي؛ إذ شدّد على أنه يتعين على مصر القيام بواجبها ومسؤولياتها تجاه الأمّة لدرء هذه المخاطر قبل أن تصل إليها.
المسيرة: كامل المعمري
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الکیان الصهیونی ة العربیة الأم ة
إقرأ أيضاً:
اليمن يجسد أروع صور التضامن الإسلامي في المعركة المقدسة ضد هيمنة الأعداء
محمد عبدالكريم المداني: يجب تنوير الأجيال بحقائق الصراع مع كيان العدو الغاصب. وليد أبو السعود: اليمن يواصل مسيرة العطاء وإسناد كفاح الأحرار. نوير النويرة: اليمن يمتلك السلاح القادر على حماية سيادة البلاد.
الثورة / عادل محمد
يمن العطاء الجهادي سيظل إلى جانب الأحرار في ارض الجهاد المقدس حتى تحرير الأرض واستعادة الهوية الإسلامية وتطهير مسرى الرسول الأعظم محمد صلوات الله عليه وآله وسلم.
البداية مع الأخ محمد عبدالكريم المداني -مدير مكتب المؤسسة العامة للطرق والجسور في محافظة ذمار الذي أكد رفض أبناء اليمن لمخططات تشريد الشعب الفلسطيني في أصقاع العالم.
وأشار إلى أن واشنطن تهدف إلى حجب أنظار الرأي العام العالمي عن تداعيات الهزيمة التي لحقت بجيش العدو الإسرائيلي في قطاع غزة الصامد على يد المقاومة الإسلامية ونوه بأهمية تنوير الأجيال بحقائق الصراع مع الكيان الغاصب الذي يعتبر قاعدة متقدمة لتنفيذ الأطماع الاستعمارية في المنطقة وتدمير كل مقومات النهوض العربي والإسلامي وأشاد الأخ محمد عبدالكريم المداني بالدور اليماني البطولي والتاريخي خلال معركة «طوفان الأقصى» التي تمثل ركيزة التحرير والاستقلال واستعداد أبناء اليمن لمواجهة المخاطر والتحديات.
مسيرة العطاء
المهندس وليد أبو السعود -مدير عام كهرباء مديرية يريم محافظة إب، بارك تفاعل يمن الإيمان مع قضايا الأمة العربية والإسلامية وفي المقدمة الانتصار لمظلومية الأشقاء في فلسطين ولبنان.
واستنكر المخطط الإجرامي للإدارة الأمريكية الذي يستهدف تشريد شعب فلسطين في أصقاع العالم وقال: بعزيمة لا تقهر يواصل أبناء اليمن مسيرة العطاء والتضامن وإسناد كفاح أحرار الأمة حتى تحرير الأرض وتطهير المسجد الأقصى المبارك من دنس الاحتلال. ولفت المهندس وليد أبو السعود إلى أهمية استشعار المسؤولية الإيمانية في مسار المواجهة مع الأعداء وعدم التهاون في هذه المعركة المقدسة التي يخوضها أحرار الأمة من اجل الحرية وسيادة الأوطان.
أحرار الأمة
الأخ حميد البحري -مدير عام فرع الوحدة التنفيذية للعقارات في محافظة ذمار بارك تفاعل يمن الأنصار مع القضية الأولى والمركزية للعرب والمسلمين ،قضية فلسطين والمقدسات التي استطاعت معركة طوفان الأقصى أن تعيد هذه القضية التي واجهة الاهتمام العالمي وهزيمة مخططات شطب فلسطين لمصلحة الأطماع الإسرائيلية والأمريكية التي تهدف إلى تهجير وتشريد الشعب الفلسطيني وتهويد المقدسات وأشار أن اليمن بقيادته وشعبه المؤمن الحكيم استطاع أن يجسد أروع صور التضامن الإسلامي وإسناد كفاح أحرار الأمة ضد توحش الاستكبار العالمي. وتابع الأخ حميد البحري: يمن الولاء والعطاء الجهادي سيظل إلى جانب كفاح المجاهدين في ارض الرباط المقدس حتى تحقيق التطلعات المشتركة وفي مقدمتها تحرير الأرض وتطهير مسرى الرسول الأعظم محمد صلوات الله عليه وآله وسلم اليمن يجسد أروع التضامن الإسلامي في المعركة المقدسة ضد هيمنة الأعداء.
سيادة الوطن
من جانبه أوضح الأخ نوير النويرة -مدير عام فرع الوحدة التنفيذية للعقارات في مديرية الثورة بأمانة العاصمة استنكر قرار الولايات المتحدة المتعلق بتشريد شعب فلسطين والتنكر للحقوق العربية والإسلامية.
وتابع: يمن الإيمان ينطلق في جهادة العظيم في مواجهة التوحش الصهيوامريكي من تعاليم الإسلام الحنيف ومن ثوابت الإسلام المحمدي الأصيل التي تحث على بناء امة قوية عزيزة لا تهاب الأعداء.
وأضاف الأخ نوير النويرة: بعون الله تعالى وتأييده استطاع الوطن اليمني امتلاك السلاح القادر على السيادة الوطنية وردع أعداء الأرض والإنسان وسيظل يمن العطاء الجهادي في طليعة الأمم التي تناصر الحق العربي والإسلامي في تطهير مقدسات الإسلام.
انحياز أمريكي
بدوره قال الأخ محمد جباري -مدير عام فرع الوحدة التنفيذية للعقارات في مديرية الصافية بأمانة العاصمة أن قرار الولايات المتحدة بشأن تهجير الشعب الفلسطيني يعكس وحشية النظام الأمريكي ودعم اعتراف الإدارة الأمريكية بالحقوق العربية والإسلامية وتابع قائلاً: كل القرارات التي تتخذها الإدارة الأمريكية تصب في خدمة الإجرام الإسرائيلي والتنكر للحقوق العربية والإسلامية بما في ذلك القرار العدائي الذي صدر عن واشنطن بما يتعلق بتصنيف أحرار اليمن في دائرة الإرهاب والعنف.
لافتاً إلى أن هذه الخطوات تترجم الانحياز الأمريكي المطلق إلى جانب التوحش الصهيوني
واكد الأخ محمد جباري صمود جبهة اليمن في معركة الانتصار للمقدسات الإسلامية والتصدي لمخططات التهويد والتهجير.