لجريدة عمان:
2025-04-10@22:24:17 GMT

كأس الخليج: الظاهرة الاجتماعية

تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT

يحفل الشارع الخليجي هذه الأيام بالحديث وتوجيه النظر نحو بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم، وذلك في نسختها الـ 26 والتي تستضيفها دولة الكويت العزيزة، وتجتمع فيها منتخبات الخليج العربي الـ 8 لتعيد إلى الأذهان صورًا ومشاهد امتدت عبر تاريخ هذه المنطقة من التنافس على البطولة التي يعتبرها سكان منطقة الخليج العربي ذات رمزية مهمة في سياق الاجتماع الخليجي.

البطولة التي انطلقت منذ عام 1970 واستضافت نسختها الأولى مملكة البحرين رسخت في الذاكرة الخليجية أسماء ومواقف وسطرت مجد أعلامٍ في مختلف المجالات سواء في الرياضة أو الإدارة أو الإعلام، وكانت كل نسخة من نسخها شاهدًا على اتصال شعبي ومجتمعي أقوى وأكبر بين مجتمعات المنطقة، رغم الظروف والمتغيرات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي توالت عبر خمسة عقود، لتضل أحد ثوابت العمل الخليجي واللحمة الخليجية، ويراهن عليها في الوقت ذاته - بعيدًا على الجوانب الفنية - أنها الحدث الذي تخلع معه المجتمعات قبعتها السياسية، لترتدي زيًّا خليجيًّا موحدًا عنوانه التنافس المحمود، والقربى، وتعميق الأواصر.

في تقديرنا هناك خمسة أسباب تستوجب استمرار بطولة كأس الخليج كحدث أساسي ودوري في هذه المنطقة، ومع هذه الأسباب لابد للقيادات الخليجية أن تحرص على تطوير ودعم وتمكين هذا الحدث؛ الأول أن هذه البطولة عبر تاريخها أسهمت بشكل موسع في تطوير العديد من أشكال البنى الأساسية في دول المنطقة، فالدول في استضافاتها المتعددة سارعت لتجهيز أفضل المرافق الرياضية، وهيأت العديد من البنى الأساسية في مجال السياحة والضيافة، إضافة إلى المنشآت والمرافق اللوجستية الأخرى التي هدفت معها لتقديم أفضل الاستضافات والنسخ، وعلى مستوى المجمعات الرياضية فهناك ملاعب أصبحت اليوم من أبرز المرافق الرياضية على مستوى الإقليم والعالم كانت قد أنشأت لأغراض استضافة البطولة. وهي حالها - في أوقات سابقة - من تاريخ المنطقة كحال استضافة الأحداث الرياضية الكبرى، وهذا يقودنا للسبب الثاني لضرورة استمرار مثل هذا الحدث؛ وهو أن اليوم ومع تسابق دول المنطقة لاستضافة أحداث رياضية كبرى وعلى رأسها كأس العالم لكرة القدم، والأحداث الرياضية العالمية والإقليمية الأخرى فإنها تتكئ على إرث من خبرات التنظيم والتجهيزات وإدارة الفعاليات الذي كانت بطولة كأس الخليج رافدًا أساسيًّا له عبر عقود سابقة. لقد استطاعت هذه البطولة عبر ما تشهده من توافدٍ واسع من كافة الأقطار الخليجية للدول المستضيفة أن تشكل رصيدًا جيدًا لهذه الدول، سواء في مجال تصميم وإدارة التجارب الرياضية المتكاملة، أو تنظيم الاحتفالات الافتتاحية والختامية، أو إدارة الحشود والتجمعات، أو التسويق والإدارة الإعلامية، أو التنسيق الدولي للأحداث، ونسخة بعد نسخة كانت القوى البشرية في المنطقة تتعلم وتكتسب خبرات وتجارب جديدة في هذا السياق.

السبب الثالث الذي نراه لضرورة استمرارية مثل هذا الحدث هو أنه أبرز خبرات خليجية في مجالات مختلفة مرتبطة بـ Ecosystem المنافسة الرياضية في ذاتها؛ فلو أخذنا الإعلام على سبيل المثال يمكن العد في الكثير من أسماء الإعلاميين الرياضيين الذين ارتبط بزوغهم واستمرارهم وتأثيرهم من خلال بطولات كأس الخليج المتوالية، وعلى الجانب الآخر هناك من القنوات الإعلامية والبرامج المصاحبة التي بدأت وبعضها استمر حتى اليوم مرتبطًا بهوية البطولة، ومعبرًا عن التشاركية الخليجية - الخليجية في إبراز مشهدها، فالإعلاميون الرياضيون في المنطقة يعتبرون التجمع الخليجي فرصة بارزة للتعبير عن قدراتهم، ومشاركة أقرانهم في أقطار الخليج الأخرى تفاصيل الحدث، والتنافس في إبرازه بالصورة اللائقة. أما السبب الرابع والأهم في ضرورة استمرارية كأس الخليج العربي فهو أنها ظاهرة اجتماعية بامتياز، لدرجة أن بعض متابعيها يرون أن ما يحدث خارج الملعب من تفاعل اجتماعي وشعبي وهوياتي أهم وأكثر لفتًا مما يحدث داخله، شكلت كأس الخليج ما يُعرف في علم الاجتماع بنسق (الهويات التفاوضية Identity negotiation) يأتي المشجع من (س) من دول الخليج بزيه وأهازيجه وثقافته وكل الرمزيات المعبرة عن هويته الوطنية، وانتمائه القُطري، ليجد نفسه منصهرًا لاحقًا ضمن هوية خليجية أشمل، يتفاعل معها، ويعيد من خلالها تشكيل ذاته، وينسجم بطريقة تلقائية ضمن حيز مكاني، أو تجمع عام، أو مع مشهد معين في صورة الهوية الخليجية الأسمى. وهناك الكثير من السرديات في شكل أغنيات أو مشاهد أو مواقف تشكل الدلالة الرمزية لما نتحدث عنها، هذا الحدث في ذاته كما يقول جوفمان يجعل من «الهوية عملية تفاعلية»، ويجعل من الحدث بكل تفاصيله موقفًا تفاوضيًّا على الهوية ذاتها.

السبب الخامس الذي نسرده في هذا السياق هو أن هذه البطولة تستمد قيمتها في الأساس من اجتماع الفاعلين الاجتماعيين، أكثر من أي قيمة أخرى، فهي لا تحكمها في المقام الأول المرجعية لمعايير البطولات العالمية والاعتراف المؤسساتي بها، ولا تحكمها كذلك سطوة وقوة منتخبات بعينها، ولا تحكمها القيمة المادية لجوائزها ومكافآتها، بقدر ما يحكمها ما يمنحه المجتمع الخليجي ككل من قيمة وتفاعل وأهمية لكل تفاصيلها، وما تشكله عبر ذاكرتهم من أهمية قصوى لاستدامة الاجتماع الخليجي. في 2015 كنت قد أجريت دراسة وصفية شملت عينة من شباب دول الخليج العربي في الأعمار بين (18 - 45 عامًا)، وكانت تبحث في التأثيرات الاجتماعية لكأس الخليج العربي لكرة القدم على الهوية الخليجية، وما لفتني في النتائج أن النتيجة الوحيدة التي لم يكن للعوامل الاجتماعية تأثير فيها (أي أن هناك إجماعا مطلقا من مختلف عناصر العينة عليها) هي الشباب في المنقطة يرون بشكل مطلق بأن كأس الخليج يعزز من روح التعاون والتضامن بين الشباب الخليجي. وهذا في تقديرنا مكتسب مهم يجب البناء عليها والمحافظة على استدامته بعيدًا عن أي تفاصيل أخرى مرتبطة بالجوانب الفنية أو الجوانب المؤسساتية.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الخلیج العربی کأس الخلیج هذا الحدث الخلیج ا

إقرأ أيضاً:

تحرك مجتمعي للحد من ظاهرة إطلاق الرصاص في المناسبات بالمخا

وجه عقال ووجهاء مدينة المخا الساحلية غرب تعز، نداء إلى قيادة السلطة المحلية في المديرية لاتخاذ إجراءات مناسبة للحد من ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي في الأعراس والمناسبات.

جاء هذا النداء عقب تزايد ظاهرة إطلاق النار في المناسبات والأعراس خلال الأشهر الماضية، حسبما أفاد عاقل العقال، عبده سيـف في تصريخ خاص لـ(نيوزيمن).

وقال سيف إن هذه الظاهرة أصبحت تشكل ضررا وإزعاجا لسكان المدينة وخصوصاً مع انتشار الألعاب النارية ذات الانفجارات القوية التي تفزع الأطفال والنساء وكبار السن.

وأضاف إن الأعوام السابقة كانت قد تراجعت تلك الظاهرة؛ بسبب الجهود المبذولة من المجتمع وبالتنسيق والتعاون مع الأمن، مؤكداً أنها عادوت مجددا بوتيرة عالية نتيجة تدني تفاعل المجتمع و التعاون مع الأمن للحد منها.  

وأشاد سيف بالحالة الأمنية المستقرة التى تحققت في المخا، مشيراً إلى أن البيئة الاستثمارية والتنموية التي تشهدها المخا تتطلب مزيداً من التعاون والتعاضد المجتمعي لترسيخ الطمأنينة والهدوء ما يساهم بتسارع الانتعاش التنموي والاستثماري لهذه المدينة الحيوية وحماية سكانها من أي مخاطر بما في ذلك ظاهرة إطلاق النار في المناسبات.

ويطالب المواطنون بإجراءات فورية وعقوبات مناسبة للمخالفين، وتخويل الجهات الأمنية باتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين، ومساندة الجهات الأمنية في الحد من هذه الظاهرة.

مقالات مشابهة

  • مطاعم بريطانية مهددة بالإفلاس.. والسر كل واهرب
  • المياه الخضراء والإضاءة الزرقاء ظاهرة طبيعية.. ولا تأثير على الشواطئ
  • تحرك مجتمعي للحد من ظاهرة إطلاق الرصاص في المناسبات بالمخا
  • الإعلان عن فرص عمل جديدة في الظاهرة
  • الأحد.. "الشرطة" تحتفل بـ"أسبوع المرور الخليجي"
  • الأحد القادم.. الاحتفال بأسبوع المرور الخليجي
  • يوم 15/4 المقبل موعد تتويج الأول في بطولة الخليج للأندية لكرة القدم في دهوك
  • مدرسة النخبة.. إليكم ما نعرفه عن المسلسل الخليجي الجديد
  • الثمانينيات.. والتحولات الاجتماعية والاقتصادية في الخليج
  • تحليل أم تهويل؟.. البرامج الرياضية العراقية في مرمى الانتقادات