أمة في خطر: لماذا تأخرنا وتقدّم غيرنا؟
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
أثناء قراءتي لكتاب «لماذا العلم؟» للكاتب «جيمس تريفيل»، طرح مترجمُ الكتاب «شوقي جلال» في مقدمته تساؤلًا مهما مفاده: «لماذا تخلفنا وتقدّم غيرنا؟»، وأثار السؤال غريزتي المندفعة إلى تحقيق الذات، والتي تتحول في حالتها الجمعية إلى «تقدير المجموعة التي أنتمي إليها»، وسأعيد صياغة السؤال لأستبدل «تخلفنا» بـ«تأخرنا» لتكون أكثر تقبلا ولمراعاة مشاعرنا الكارهة للواقع.
«أمة في خطر»، تقريرٌ صدر عن اللجنة الوطنية للتميز في التعليم في الولايات المتحدة في عام 1983م في عهد الرئيس الأمريكي «رونالد ريجين» بخصوص إصلاح منظومة التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، وركّز التقريرُ على مخاوفَ كبيرةٍ تتعلق بحالة التعليم الأمريكي، وحذّر من تراجع مستويات النظام التعليمي في البلاد مقارنة بالمنافسين العالميين؛ فوصف التقريرُ أن هذا المستوى يشكّل تهديدًا للمستقبل الاقتصادي والثقافي للولايات المتحدة، وأشار التقريرُ بشكل صريح إلى أنه إذا كانت قوة أجنبية قد فرضت مثل هذا الانحدار في الأداء التعليمي؛ فيُعتبر ذلك عملًا عدائيًا يقتضي بأن يُصنّف بالخطير، وأوضح التقريرُ أن الأداءَ الأكاديمي للطلبة آخذٌ في التدهور على مدى العقود السابقة -التي سبقت إصدار التقرير-، وأن العديد من الطلبة يفتقرون إلى الكفاءة في المواد الأساسية مثل الرياضيات والعلوم والقراءة. كذلك أشار إلى أن المناهج الدراسية في المدارس الثانوية بمستويات ضعيفة، وأن عددًا أقل من الطلبة يلتحقون بالدورات الدراسية الصعبة في الرياضيات والعلوم، وأضاف التقرير أن الولايات المتحدة تفقد تفوقها التنافسي في مجالات مثل العلوم والتقنية والابتكار نتيجة لنظام تعليمي متدهور وضعيف. استنادا إلى التجربة الأمريكية وتقريرها الذي يشبه تقاريرها الكثيرة المحذّرة من الصعود الصيني وخوفها من التقهقر الحضاري، يتبادر سؤالٌ مهمٌ عن حال تقاريرنا -إن وجدت- التي تشخّص مشكلاتنا الحضارية والوجودية، وعن خططنا في وضع مراجعة شاملة -لا تخص قطاع التعليم وحسب- لظاهرتنا الحضارية العربية والإسلامية بجميع عناصرها بما فيها التراثية والثقافية والسياسة والتعليمية والاقتصادية، ولا شك أن هذه المراجعة ستستدعي صياغةَ تقريرٍ بعنوان «أمة في مأزق»؛ إذ إننا تجاوزنا مرحلةَ الخطر؛ فأوشكت كثيرٌ من الأقطار العربية أن تكون في منطقة الانتكاسة الحضارية.
لا يمكن أن تنجحَ هذه المراجعة التي نحاول بواسطتها تحديد المشكلات وإيجاد حلولها دون أن نتخلص من ثقافة رفض النقد والركون في دائرة التزّكية التي تُعمي بصائرنا عن مشكلاتنا الحضارية المؤرقة، ولا يمكن أن نطلق التهم عبثًا دون الاستشهاد بمؤشرات واقعية أهمها الواقع السياسي في معظم الدول العربية التي تتناوشها الصراعات الداخلية وتفتك بها الحروبُ المدعومة من الخارج، وواقع الاقتصاد الذي إما أن يكون اقتصادا ريعيا هشا لا يعتمد الاقتصادات المبنية على الصناعة والابتكار والتقنية وإما اقتصادا لا يملكه أهله بل بيد آخرين، وكذلك الواقع التعليمي والثقافي الذي تؤكده الإحصاءات المتعلقة بنسب الأمية، ونسب معدلات القراءة، ونسب مؤشرات الابتكار والإبداع، والتأليف والترجمة، ويمكن أن نستعينَ بمثل هذه المؤشرات لتحدد لنا معوقاتنا الحضارية والأهم تحديد جذور هذه المعوقات، وقبلها لتؤكد لنا وجود المأزق والمشكلة؛ إذ يكفي أن ننظر إلى واقع الأمة العربية السياسي؛ فنجده غارقا في مستنقعات سياسية عميقة منها بسبب النفوذ الخارجي -الغربي- وطمعه في الهيمنة الاقتصادية والثروات الطبيعية؛ فساهم مع وجود الخلل السياسي الداخلي إلى إشعال نار الفتن الداخلية وإحداث فوضى قادت في كثير من حالاتها إلى سقوط أنظمة وقيام أنظمة وإلى تقسيم دول وتفكيك نسيجها الوطني عبر إخضاعه لتأثير الثغرات العرقية والمذهبية والدينية.
ولعلّ من السهل أن نحدد عام 2011م ذروة هذا الخلل السياسي الذي لم يكن ليحدث ويتفاقم لولا وجود الاستعداد الفكري والجذور المسببة، وهذا ما يمكن تشبيهه بالعلاقة الطردية بين وجود الخلل الجيني المسبّق والمسببات الخارجية في حدوث بعض الأمراض المزمنة والقاتلة، وهذا واقعُ كثيرٍ من الدول العربية التي تمتلك استعدادًا فكريًّا خاطئًا «موروثًا» -فيتحول إلى صور كثيرة مثل الاستبداد السياسي والانحراف الأخلاقي والتطرف الديني-؛ فيصبح فريسة سهلة للمستعمر وتدخله -عبر صوره الكثيرة أشهرها الاستعماري بأشكاله العسكرية أو الثقافية أو الاقتصادية، وهذا ما يقود إلى الانكماش الحضاري بصوره المتعددة أيضا؛ فتبدأ في تراجع مستويات الثقافة والتعليم القويّ، وضخ الأفكار المضللة سواء بصفة ثقافية أو سياسية أو دينية أو علمية؛ فتتماهى القيمُ المجتمعية الصميمة التي تعكس روح الهوية الدينية والثقافية بما فيها اللغة والوطنية. ومهما حاولنا أن نختصر المسألة في تحديد جذور مسببات المشكلات الحضارية الحالية فإننا نخضع عقولنا إلى دائرة المشكلة دون الخروج بحلول واضحة؛ فينطبق على حالنا «نسمع جعجعة ولا نرى طحنا». نسأل الله أن يوقظَ عقولنا وينيرَ دروبنا ويحيي حضارتنا ويحفظ أوطاننا، ويجعلنا من الذين يستمعون القولَ؛ فيتّبعون أحسنه.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
السعودية تنشر التقرير السنوي لرؤية 2030..ماذا حققت بعد 9 سنوات؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- نشرت الحكومة السعودية، الجمعة، التقرير السنوي لمنجزات "رؤية المملكة 2030"، في الذكرى التاسعة لانطلاقها وما تحقق منها حتى عام 2024.
وقال التقرير الذي نشرته صفحة "رؤية المملكة 2030" على الإنترنت، وأوردته وكالة الأنباء السعودية "واس": "تسابق المملكة الزمن نحو تحقيق مستقبل أكثر إشراقًا وفق رؤية طموحة وخارطة طريق لبناء مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، بتوجيهات العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد".
وأضاف التقرير: "المملكة تشهد تحولًا نوعيًا على الأصعدة كافة، بفضل ما تحقق من تقدم ملحوظ في مستهدفات رؤية المملكة 2030 حتى اليوم، وترسم رؤية المملكة 2030 مسارًا يُعزز التكامل بين الثقافة والابتكار، بما يواكب التغيرات العالمية المتسارعة، ويفتح آفاقًا أوسع للمواطنين والمقيمين والزوار من أنحاء العالم، وقد صُممت لتنفذ على ثلاث مراحل رئيسة، تمتد كل مرحلة منها لخمسة أعوام، بدأت المرحلة الأولى بإرساء أسس التحول من خلال إصلاحات هيكلية واقتصادية ومالية واجتماعية شاملة، وركزت المرحلة الثانية على دفع عجلة الإنجاز وتعظيم الفائدة من القطاعات ذات الأولوية، ومن المنتظر أن تُسهم المرحلة الثالثة في تعزيز استدامة التحول واستثمار فرص النمو الجديدة"، طبقا لما أوردت وكالة "واس".
وأوضح التقرير أنه تزامنًا مع العام التاسع لإطلاق رؤية المملكة، أن "نسبة المبادرات المكتملة والتي تسير على المسار الصحيح بلغت 85%، بواقع 674 مبادرة مكتملة، و596 في المسار الصحيح من إجمالي 1502 مبادرة نشطة، كما حقق 93% من مؤشرات رؤية المملكة للبرامج والاستراتيجيات الوطنية مستهدفاتها المرحلية أو تجاوزتها أو قاربت على تحقيقها في 2024، منها 257 مؤشرًا تخطّت مستهدفها السنوي، و18 مؤشرًا حقق مستهدفه السنوي، كما تحققت 8 مستهدفات للرؤية قبل أوانها بـ6 سنوات".
ومضى التقرير يقول: "حقق عددٌ من المؤشرات مستهدفات عام 2030 مبكرًا، من أبرزها تجاوز عدد السياح حاجز 100 مليون زائر، وتسجيل 8 مواقع سعودية في قائمة التراث العالمي لليونسكو، وارتفاع عدد المتطوعين إلى 1.2 مليون، وبلغت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل 33.5%، متجاوزة مستهدف 2030 البالغ 30%".
وبحسب التقرير، "سجلت المملكة انخفاضًا تاريخيًا في معدل البطالة محققة مستهدف الرؤية البالغ 7%، وقفزت 32 مرتبة في مؤشر المشاركة الإلكترونية منذ 2016 لتصل للمرتبة السابعة عالميًا، متخطية مستهدفها لعام 2030 بالوصول إلى المراتب العشرة الأولى، كما قفزت 30 مرتبة في مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية، لتصل إلى المرتبة السادسة عالميًا، مقتربة من مستهدف 2030 المتمثل في الوصول للخمس المراتب الأولى، فيما تجاوز عدد المقار الإقليمية للشركات العالمية في المملكة مستهدفه لعام 2030 بوصوله إلى أكثر من 571 شركة"، طبقا لما ذكرت "واس".
وسجلت السعودية أعلى رقم تاريخي بوصول أعداد المعتمرين إلى 16.92 مليون معتمر، متخطية مستهدف العام البالغ 11.3 مليون معتمر، وبلغت نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن 65.4%، مقارنة بـ47% في 2016، ووصلت تغطية خدمات الرعاية الصحية إلى 96.4% من التجمعات السكانية، وارتفع متوسط عمر الإنسان إلى 78.8 عامًا، مقتربًا من مستهدف عام 2030 البالغ 80 عامًا.
وأوضح التقرير أن "إجمالي الأصول المدارة لصندوق الاستثمارات العامة تضاعف بأكثر من ثلاث مرات منذ انطلاق الرؤية لتصل إلى 3.53 ترليونات ريال، وبلغت نسبة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي 47%، وتجاوزت نسبة توطين الصناعات العسكرية مستهدفها المرحلي، لتصل إلى 19.35% بعد أن كانت 7.7% في 2021، وصُنفت 4 جامعات سعودية ضمن أفضل 500 جامعة في العالم، وجاءت جامعة الملك سعود في المرتبة الـ90 عالميًا".
وبحسب التقرير السنوي، فقد "تقدّمت السعودية إلى المركز الـ 16 في مؤشر التنافسية العالمي، واحتفظت بصدارتها على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الاستثمار الجريء بنسبة 40%، وأُدرجت 7 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى بالعالم، واُعتمدت 16 مدينة سعودية مدنًا صحية، وتمكّن أكثر من437 ألف مواطن ومواطنة من الالتحاق بسوق العمل في القطاع الخاص خلال 2024، وبلغت نسبة النساء السعوديات في المناصب الإدارية المتوسطة والعليا 43.8%، وارتفعت نسبة مشاركتها في سوق العمل إلى 36% بنهاية عام 2024، مقارنةً بـ17% في 2017".
ومضى التقرير يقول: "وارتفعت الإيرادات السياحية الدولية مقارنة بعام 2019 إلى 148%، وبلغ عدد زوار الفعاليات الترفيهية 76.9 مليونًا، وزُرعت أكثر من 115 مليون شجرة بنهاية 2024، وبلغت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي 114 مليار ريال، وأُعيد تأهيل أكثر من 118 ألف هكتار من الأراضي المتدهورة...".
وقال الملك سلمان بن عبدالعزيز في التقرير: "نحمد الله على ما تحقق لبلادنا من إنجازات خلال أقل من عقد؛ جعلت منها نموذجًا عالميًا في التحولات على كافة المستويات، وإننا إذ نعتز بما قدمه أبناء الوطن الذين سخّروا جهودهم للمُضي به نحو التقدم والازدهار، سنواصل معًا مسيرة البناء لتحقيق المزيد من التنمية المُستدامة المنشودة للأجيال القادمة".
وأكد محمد بن سلمان في التقرير: "ونحن في عامنا التاسع من رؤية المملكة 2030، نفخر بما حققه أبناء وبنات الوطن من إنجازات، لقد أثبتوا أن التحديات لا تقف أمام طموحاتهم، فحققنا المستهدفات، وتجاوزنا بعضها، وسنواصل المسير بثبات نحو أهدافنا لعام 2030، ونُجدّد العزم لمضاعفة الجهود، وتسريع وتيرة التنفيذ، لنستثمر كل الفرص ونعزّز مكانة المملكة كدولة رائدة على المستوى العالمي".