الجمعة الأولى من صفر | وزير الأوقاف: الأديان السماوية قائمة على الرحمة .. وتطبيقها في الحياة يقتضي الإيثار والسخاء والرفق والمعاملة الإنسانية
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
الجمعة الأولى من صفروزير الأوقاف: الأديان كلها قائمة على الرحمة ومبنية عليها
الإنسانية في حاجة للتراحم بدون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق
نحتاج إلى التراحم الأسري وبين الأزواج في المعاملات
الرحمة تقتضي الإيثار لا الأثرة .. والسخاء لا البخل ولا الأنانية
نحتاج إلى التراحم على المستوى الأسري والمجتمعي والدولي
الرحمة لا تنزع إلا من شقي ومن لا رحمة في قلبه فلا دين ولا إنسانية له
الإنسان السوي لا يمكن إلا أن يكون رحيمًا لأنها فطرة الله
ألقى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، اليوم الجمعة، خطبة الجمعة الأولى من صفر، بمسجد الإمام الحسين (رضي الله عنه) بالقاهرة ، تحت عنوان: "اسم الله الرحيم .
وفي خطبته أكد وزير الأوقاف خلال خطبة الجمعة الأولى من صفر، أن من أسماء الله (عز وجل) الحسنى الرحيم، سمى نفسه الرحمن وسمى نفسه الرحيم، فهو الرحمن الرحيم، وهو البر وهو الودود وهو الغفار وهو المنان وهو الرؤوف الرحيم بخلقه وعباده، يقول سبحانه: "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ"، وقد جمع الله سبحانه اسمي "الرحمن"، و"الرحيم" في سورة الفاتحة التي يقرؤها المسلم سبع عشرة مرة كل يوم وليلة في صلاة الفريضة وحدها، حيث يقول سبحانه: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فربنا رب رحيم، ونبينا هو نبي الرحمة، حيث يقول سبحانه: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"، ويقول سبحانه: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"، ويقول سبحانه: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"، فيجب علينا أن نقتبس وأن نهتدي من آيات الرحمة وأحاديث الرحمة، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "الرَّاحمون يرحَمُهمُ الرحمنُ، ارحموا أهلَ الأرضِ، يرحمْكم مَن في السماءِ"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "لا تُنزَعُ الرَّحمةُ إلَّا من شقيٍّ"، فالأديان كلها قائمة على الرحمة ومبنية عليها، فإذا وجدت إنسانًا بلا رحمة فلا دين له ولا خلق له ولا إنسانية له، لأن الرحمة من الصفات الفطرية التي فطر الله الناس عليها، يقول الحق سبحانه: "فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ"، فإذا رأيت إنسانًا فظًا غليظًا قاسيًا لا يرحم أحدًا تعلوه الأنانية، فليس هذا من الأديان ولا من الإنسانية في شيء، فقد جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) فوجده يقبِّل الحسن والحسين (رضي الله عنهما)، فقال: أتُقبِّلونَ الصِّبيانَ؟ فما نُقبِّلُهم فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وما أملِكُ لك أنْ نزَع اللهُ الرَّحمةَ مِن قلبِك"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه".
وزير الأوقاف
مؤكدًا خلال خطبة الجمعة الأولى من صفر، أن رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) تعدت الإنسان إلى الحيوان وإلى الجماد أيضًا، فنهى (صلى الله عليه وسلم) أصحابه أن يقطعوا شجرًا أو يحرقوا ثمرًا، ودخل يومًا حائطًا (بستانًا) من حيطان الأنصار، فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه، فلما رأى النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) حَنَّ وذرفت عيناه، فقال: من صاحب الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال (صلى الله عليه وسلم): أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله، إنه شكا إلىَّ أنك تجيعه وتدئبه"، فمن كان تحت يده عامل أو خادم أو أجير فليرحمه، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "هُم إخوانُكم خَوَلُكم، جَعَلَهم اللهُ تحت أيْديكم، فمَن كان أخُوه تحت يَدِه فلْيُطعِمْه ممَّا يَأكُلُ، ويُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كَلَّفتُموهم فأعينُوهم، ومَن لم يُلائِمْكم منهم فبِيعوهم، ولا تُعذِّبوا خَلْقَ اللهِ".
كما أكد وزير الأوقاف أن الدين صمام الأمان للبشرية جمعاء، ففهم صحيح الدين والعمل به صمام أمان للبشرية جمعاء، فشتان بين من يخاف الله ويتقي الله (عز وجل) في خلقه وبين من غرته الحياة الدنيا، فغلبته النفعية والأنانية والأثرة، فالرحمة تقتضي الإيثار لا الأثرة .. والسخاء لا البخل ولا الأنانية، فديننا دين الرحمة، نحتاج إلى التراحم بين الآباء والأبناء، خاصة إذا بلغ الآباء من الكبر عتيًا، والرحمة بين الأزواج، نحتاج إلى رحمة الطبيب بمرضاه، ورحمة المعلم بطلابه، ورحمة الاغنياء بالفقراء، ورحمة أرباب الأعمال بالعمال، يقول (صلى الله عليه وسلم): "مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ"، وإياك أن تنظر إلى الضعيف من زاوية ضعفه، فالضعيف وليه الله، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم، يقول رب العزة في الحديث القدسي: "إنَّ اللَّهَ (عزَّ وجلَّ) يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ، وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أسْقِيكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أمَا إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي.
صلاة الجمعة الأولى من صفروشدد وزير الأوقاف أننا نحتاج إلى تحقيق الرحمة على المستوى الأسري والمستوى المجتمعي وعلى المستوى الدولي، وأن نتعامل من منطلق الإنسان الذي كرمه الله، حيث يقول سبحانه: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"، بغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه، فإذا كانت الرحمة مستوجبة للحيوان والجماد فهي أوجب للإنسان، أيًا كان دينه أو جنسه أو لونه، نحتاج إلى العودة الصادقة إلى دين الله (عز وجل)، وإلى الإيمان بالله (عز وجل)، فهو الركن الركين والصمام الأمين والحارس الأمين على سلوكيات الناس وأخلاقهم، إن لم نتراحم وقت الشدائد والأزمات فمتى يكون التراحم:
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ
عرفتُ بها عدوّي من صديقي
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الجمعة الأولى من صفر وزير الاوقاف مسجد الإمام الحسين خطبة الجمعة الجمعة الأولى من صفر صلى الله علیه وسلم وزیر الأوقاف یقول سبحانه نحتاج إلى
إقرأ أيضاً:
الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة القادمة
حددت وزارة الأوقاف المصرية، موضوع خطبة الجمعة القادمة 8 نوفمبر 2024م بعنوان: "حافظ على كل قطرة ماء.. واحذر من القمار بكل صوره".
وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف المراد توصيله إلى جمهور المسجد من خلال هذه الخطبة هو التنبيه إلى ضرورة الحفاظ على كل قطرة ماء، والتحذير البالغ من هدر الماء والتفريط فيه، والنهي المشدد عن المقامرة المادية والإلكترونية.
وفيما يلي نص خطبة الجمعة:
حَافِظْ عَلَى كُلِّ قَطْرَةِ مَاءٍ.. وَاحْذَرْ مِنَ القِمَارِ بِكُلِّ صُوَرِهِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كَمَا تَقُولُ، وَلَكَ الحَمْدُ خَيْرًا مِمَّا نَقُولُ، سُبْحَانَكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، إلهًا أَحَدًا فَرْدًا صَمَدًا، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ حُسْنِ الإِيمَانِ وَلَوَازِمِ الأَدَبِ مَعَ المُنْعِمِ الوَهَّابِ سُبْحَانَهُ أَنْ نَسْتَقْبِلَ نِعَمَهُ بِالشُّكْرِ وَالامْتِنَانِ، فَيَمْتَلِئُ القَلْبُ إِقْرَارًا وَعِرْفَانًا، وَيَنْطَلِقُ اللِّسَانُ ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا، وَتَقُومُ الجَوَارِحُ بِدَوْرِهَا حَارِسَةً لِلنِّعَمِ حَافِظةً لَهَا، قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.
فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ النِّعْمَةُ سِرَّ الحَيَاةِ وَأَصْلَ الوُجُودِ وَأَسَاسَ البَقَاءِ؟! كَيْفَ إِذَا كَانَتْ هِيَ الماءَ؟! إِنَّ الماءَ أَغْلَى مِنَ الذَّهَب، إِنَّ الماءَ هُوَ الجَوْهَرُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ نُحَافِظَ عَلَيْهِ لِحَيَاتِنَا وَحَيَاةِ الأَجْيَالِ القَادِمَةِ، وَيَكْفِي أَنَّ اللهَ تَعَالَى وَصَفَهُ فِي القُرْآنِ وَصْفًا عَظِيمًا يَدُلُّ عَلَى قُدْسِيَّتِهِ، وَيُرْشِدُ إِلَى صَوْنِه وَصِيَانَتِهِ، وَيَحُثُّ عَلَى الحِفَاظِ عَلَى كُلِّ قَطْرَةٍ مِنْهُ، حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْـمَـاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، وقال تعالى: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}.
أَيُّهَا النَّاسُ! إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَعْرِفُوا قَدْرَ الماءِ فَتَأَمَّلُوا كَيْفَ حَضَرَتْ هَذِهِ النِّعْمَةُ فِي مِضْمَارِ الحُبِّ النَّبَوِيِّ، فَهَذَا سَيِّدُنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُسأَلُ سُؤَالًا عَظِيمًا: كَيْفَ كَانَتْ مَحَبَّتُكُمْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «كَانَ- وَاللهِ- أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ أَمْوَالِنَا وَأَوْلَادِنَا وَآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَمِنَ الماءِ البَارِدِ عَلَى الظَّمَأِ»، أَرَأَيْتُمْ كَيْفَ أَنَّهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ قَدْرِ مَحَبَّتِهِ لِلْجَنَابِ الأَنْوَرِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْلَغَ مِنْ تَصَوُّرِ حَالِهِ وَهُوَ يَشْرَبُ مَاءً بَارِدًا يَرْوِي بِهِ غَلِيلَ ظَمَئِهِ وَيَشْفِي بِهِ شِدَّةَ عَطَشِهِ!
أَيُّهَا السَّادَةُ! هَلْ يَسْتَقِيمُ فِي دِينِنَا وَيَصِحُّ فِي أَذْهَانِنَا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ نُهْدِرَ قَطْرَةَ مَاء! كَيْفَ يُبِيحُ إِنْسَانٌ لِنَفْسِهِ أَنْ يُهْدِرَ الماءَ حَالَ تَنْظِيفِ أَسْنَانِهِ أَوْ مَنْزِلِهِ أَوْ أَوَانِيهِ أَوْ سَيَّارَتِهِ؟! كَيْفَ يُجِيزُ لِنَفْسِهِ أَنْ يُسْرِفَ فِي الماءِ وَهُوَ يَسْقِي زَرْعَهُ أَوْ يَرُشُّ طَرِيقَهُ! إِنَّهَا عَادَاتٌ يَكْرَهُهَا الشَّرْعُ، وَتَأْبَاهَا العُقُولُ الرَّشِيدَةُ.
أَخِي الكَرِيم، لَا تَسْتَصْغِرْ وَلَا تَسْتَقِلَّ كُلَّ قَطْرَةِ مَاءٍ، فَتُهْدِرهَا وَلَا تُبَالِي! إِنَّ مُعْظَمَ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ! وَمَنِ اسْتَسْهَلَ هَدْرَ القَلِيلِ مِنَ الماءِ أَضَاعَ الماءَ، وَأَضاعَ الحَيَاةَ نَفْسَهَا، وَأَضَاعَ الأَجْيَالَ القَادِمَةَ، تَذَكَّرْ هَذَا وَأَنْتَ تَغْسِلُ يَدَيْكَ، تَذَكَّرْ هَذَا وَأَنْتَ تَتَوَضَّأُ، تَذَكَّرْ هَذَا وَأَنْتَ تَرْوِي حَقْلَكَ، تَذَكَّرْ هَذَا وَأَنْتَ تَغْسِلُ سَيَّارَتَكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّرْعَ الحَنِيفَ وَقَفَ بِكُلِّ قُوَّةٍ ضِدَّ إِهْدَارِ الماءِ وَالتَّفْرِيطِ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي أَيِّ غَرَضٍ مِنْ شُرْبٍ أَوْ زِرَاعَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ! إِنَّ الإِسْرَافَ فِي اسْتِخْدَامِ الماءِ مَمْنُوعٌ فِي دِينِنَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الإِسْرَافُ حَالَ العِبَادَةِ! فَإِنَّ البَيَانَ النَّبِوِيَّ الشَّرِيفَ الَّذِي جَعَلَ الطّهُورَ شَطْرَ الإِيمَانِ هُوَ ذَاتُهُ الَّذِي سَمَّى الإِسْرَافَ فِي الوُضُوءِ إِسَاءَةً وَتَعَدِّيًا وَظُلْمًا، فَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ الوُضُوءَ، فَأَرَاهُ (صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ) الوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «هَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا، فَقَدْ أَسَاءَ، أَوْ تَعَدَّى، أَوْ ظَلَمَ».
*
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ القِمَارَ حُرْمَةً شَدِيدَةً، وَجَعَلَهُ اللهُ رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخـَمْرُ وَالْـمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وَالميْسِرُ هُوَ القِمَارُ، فَالِقَمارُ خَطِيرٌ، بَلْ وَرِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، يَسْتَقْذِرُهُ كُلُّ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ.
وَرُبَّمَا عَرَفَ النَّاسُ القِمَارَ فِي صُورَتِهِ المادِّيَّةِ المَعْرُوفَةِ، فَاجْتَنَبوهُ وَنفَرُوا مِنْهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى، لَكِنَّ القِمَارَ اليَوْمَ فِي عَالمِ الفَضَاءِ الإِلِكتِرُونِيِّ بَدَأَ يَتَّخِذُ صُوَرًا جَدِيدَةً مُسْتَحْدَثَةً، حَيْثُ تَسَلَّلَتْ إِلَى عَادَاتِ بَعْضِ النَّاسِ قَضِيَّةُ المُرَاهَنَاتِ الإِلِكْتِرُونِيَّةِ والقِمَارِ الإِلِكْتِرُونِيِّ، فَقَدْ تَكُونُ مُبَارَيَاتٍ افْتِرَاضِيَّةً، وَقَدْ تَكُونُ أَلْعَابًا إِلِكْتِرُونِيَّةً تَقُومُ عَلَى المُخَاطَرَةِ وَالمرَاهَنَةِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ المَوَاقِعِ قَدْ يُقَدِّمُ ثَلَاثِينَ مُرَاهَنَةً لِلْحَدَثِ الوَاحِدِ، وَهُوَ القِمَارُ بِعَيْنِهِ، فِي خُطُورَتِهِ، وَفِي تَدْمِيرِهِ لِأَمْوَالِ الإِنْسَانِ وَنَفْسِيَّتِهِ، وَفِي آثَارِهِ بَالِغَةِ الخُطُورَةِ الَّتِي تُدَاعِبُ حُلْمَ الشَّابِّ بِالثَّرَاءِ السَّرِيعِ، فَيَنْدَفِع وَيَنْحَرِف، وَيَنْتَهِي الحَالُ بِهَذِهِ المقَامَرَةِ أَنْ تَدْفَعَ أَحَدَهُمْ أَنْ يَبِيعَ مَنْزِلَهُ، وَتَدْفَعَ أَحَدَهُمْ لِسَرِقَةِ مُجَوْهَرَاتِ أُسْرَتِهِ، وَأَحَدُهُمْ تُحَاصِرُهُ خَسَائِرُ هَذَا القِمَارِ الإِلِكْتِرُونِيِّ الملْعُون، وَتُثْقِلُهُ الضُّغُوطُ وَالابْتِزَازُ فَيَنْتَحِر، مَعَ دُيُونٍ وَإِفْلَاسٍ وَكَوَارِثَ أُخْرَى.
أَلَا إِنَّ القِمَارَ بِكُلِّ صُوَرِهِ حَرَامٌ، المادِّيُّ وَالإِلِكْتِرُونِيُّ سَوَاءٌ، فَحَذِّرُوا مِنْهُ كُلَّ مَنْ تَعْرِفُونَ وَتُحِبُّونَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلَادَنَا وَشَبَابَنَا وَأَفِضْ عَلَيْنَا الأَمَانِ وَالمَحَبَّةِ وَالرَّخَاء.