عائلة غريب .. 45 عامًا من الصمود الفلسطيني في وجه الإستيطان
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
غزة- مراسل «عُمان» - بهاء طباسي:
تعيش عائلة سعدات غريب، من قرية بيت إجزا شمال غرب مدينة القدس المحتلة، محاصرة في منزلها الذي يتوسط مستوطنة «جفعون حداشا»، بعد انتزاع أجزاء من أراضيهم، وسط مضايقات من الاحتلال، الذي يتحكم في بوابة منزلهم عن بعد، ويراقبهم باستخدام الكاميرات المنتشرة بكثرة في محيط المنزل.
يقع البيت الموروث عن المواطن الفلسطيني صبري غريب على مساحة 100 دونم قرب جدار الفصل العنصري الذي يفصل مدينة القدس عن الضفة الغربية، وهو ما يعزل أفراد العائلة عن محيطهم الطبيعي، بما في ذلك أماكن العمل، المدارس، والمرافق الصحية.
البيت، الذي يعيش فيه سعدات وزوجته ووالدته وأولاده الأربعة، محاصر تمامًا بجدار الفصل العنصري، أسلاك شائكة، كاميرات مراقبة تعمل على مدار الساعة، وبوابات إلكترونية تخضع لسيطرة الشرطة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من المستوطنات، تعلو تلة جبلية، وتكشف ستر المنزل، وفقًا لما رصدته جريدة «عُمان».
من الناحية الاقتصادية يعاني أفراد عائلة سعدات غريب من نقص فرص العمل، بسبب القيود المفروضة على الحركة. كما أن الزراعة، التي تُعتبر مصدر رزق رئيسي للعائلة، تأثرت بشكل كبير نتيجة لمصادرة الأراضي وإعاقة الوصول إلى الحقول الزراعية.
ومنذ أواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن تقاوم عائلة غريب مساعي المستوطنين وسلطات الاحتلال الرامية لتهجيرهم من بيتهم وأرضهم، حيث باتوا رمزًا للصمود الفلسطيني في وجه الاحتلال. وسط هذه الظروف القاسية، يحكي سعدات معاناة طويلة بدأت منذ عقود مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى بلا هوادة إلى السيطرة على الأرض ومحو معالم وجود عائلته.
عرض مغرٍ ورفض حازم
يعود سعدات بذاكرته إلى عام 1979، عندما حاول المستوطنون شراء المنزل والأراضي المحيطة به، وقوبلوا برفض والده (صبري غريب): «قدموا لنا عروضًا مالية خيالية، وكانوا مستعدين لدفع أي مبلغ نطلبه مقابل الحصول على قطعة صغيرة من الأرض. لكن والدي رفض بشكل قاطع».
يقول غريب خلال حديثه لـ«عُمان»: «هذا القرار الحاسم من الوالد مثّل بداية سلسلة طويلة من المضايقات».
منذ ذلك الحين، بدأ المستوطنون، بدعم من الجيش الإسرائيلي، بمحاولات مستمرة للاستيلاء على الأرض.
يوضح غريب: «في البداية، حاولوا السيطرة على 25 دونمًا، ثم توسعت مطالبهم لتشمل 40 دونمًا، خاصة وأن الأرض تقع في منطقة مرتفعة تشرف على المناطق المحيطة، مما يجعلها ذات أهمية استراتيجية».
اعتداءات متواصلة وعقود من المضايقات
لم يتوقف الاحتلال والمستوطنون عن محاولاتهم لانتزاع الأرض طوال الفترة الممتدة من 1979 وحتى 1993، لكنهم لم ينجحوا في ذلك.
يؤكد غريب: «رغم الضغوط الهائلة، لم يتمكنوا من مصادرة أي سنتيمتر من الأرض خلال تلك الفترة، وظلت القضية التي ينظرها القضاء الإسرائيلي حبيسة الأدراج».
لكن عام 1993 كان نقطة تحول، فبعد توقيع اتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وفي العام 1995 قررت المحكمة الإسرائيلية تعليق النظر في القضية لحين تسوية ملف الأراضي في المناطق المصنفة «أ» و«ب» و«ج» بالضفة الغربية.
كان من المفترض أن يكون هذا التقسيم مؤقتًا، ويستمر لمدة 5 سنوات فقط حتى عام 1999، على أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن القضايا العالقة (الحدود، القدس، اللاجئين).
لكن من الناحية الفعلية، استمر الاحتلال في توغلاته الاستيطانية بالأراضي الفلسطينية، بل زاد من سيطرتها على المنطقة (ج) من خلال بناء المستوطنات، هدم المنازل الفلسطينية، وفرض قيود مشددة على حركة الفلسطينيين واستخدام أراضيهم.
وبالنسبة لعائلة غريب، استغلت سلطات الاحتلال القرار، وبدأت في بناء مستوطنات على مساحة 40 دونمًا من أرض العائلة.
يقول غريب: «لم يكتفوا بذلك، بل جلبوا مستوطنين متطرفين ليسببوا لنا مشاكل يومية».
ويصيف: «لا يترددون في التعدي علينا لفظيًا وجسديًا. يسبون الدين، ويتعرون أمام النساء والأطفال، ويطلقون النيران على سيارتنا دون أي رادع».
تحول المعاناة إلى حصار كامل
في عام 2002، بدأت إسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري، الذي أحاط منزل العائلة بالكامل. «كانوا يخططون لبناء الجدار بحرية، لذلك اعتقلوني أنا ووالدي وأخي، بينما تمكنت أمي من الهرب بصعوبة. احتجزونا حتى انتهوا من بناء الجدار»، يروي غريب.
وفي العام 2007، بعد الانتهاء من بناء الجدار العازل، نصب الاحتلال بوابة إلكترونية يتحكم في فتحها وإغلاقها مركز شرطة مستوطنة «جفعون حداشا».
يبين غريب: «لم يُسمح لأحد بالدخول سوى أبناء العائلة، الذين تظلُّ البوابة مغلقةً في وجوههم لثلاث أو أربع ساعات يوميًّا، بينما يُمنع أي أحد من زيارتهم إلا بتصريح مسبق».
«لمدة ثلاثة أشهر كاملة، استمرت سلطات الاحتلال في التحكم بالبوابة، التي لم تُفتح إلا بعد صدور قرار من محكمة إسرائيلية يؤكد أنها تخص عائلتنا ويجب أن تبقى مفتوحة على مدار الساعة»، يكمل غريب شهادته: «تلقيت عروضًا من سلطات الاحتلال بالهجرة إلى أي دولة أختارها، لكنني رفضت بكل تأكيد».
حرمان من الأرض والحرث
إلى جانب الحصار المفروض على البيت، مُنع سعدات من الوصول إلى 60 دونمًا من أرضه الواقعة خلف الجدار العنصري لمدة عامين كاملين. لكنه عندما تمكن أخيرًا من دخول الأرض في أكتوبر الماضي، فوجئ بأن الاحتلال قد أقام سياجًا على 20 دونمًا منها، لمنعه من استخدامها.
وبذلك تمكنت سلطات الاحتلال من منع عائلة غريب من ممارسة نشاط الزراعة، الذي يمثل دخلًا أساسيًا لهم.
يوضح سعدات أن «أرضه خلف جدار الفصل العنصري بحاجة للحراثة، وإذا لم يتمكن من زراعتها، ستعتبرها إسرائيل أرضًا مهجورة وتصادرها باعتبارها أملاك تخص الداخل الفلسطيني المحتل».
إحباط من السلطة الفلسطينية
المعاناة لم تكن محصورة في الاحتلال والمستوطنين، بل امتدت إلى المؤسسات الفلسطينية الرسمية.
يوضح أن لديه طلبين أساسيين؛ الأول هو «تخصيص محامٍ حكومي متخصص للدفاع عن قضية الأرض»، والثاني «هو تسهيل حراثة الأرض لمنع مصادرتها».
لكن بدلًا من الاستجابة، تعرض غريب لضغوط نفسية كبيرة، حتى اضطر إلى دخول المستشفى.
«لن نتنازل عن أرضنا»
رغم العقبات المستمرة، يصر سعدات غريب على مواصلة الدفاع عن أرضه: «هذه الأرض إرث والدي وأجدادي، ولن أسمح للاحتلال أو لأي جهة أخرى بالاستيلاء عليها. نحن هنا صامدون رغم كل شيء».
ويختتم شهادته قائلاً: «رسالتي إلى العالم وإلى كل مسؤول فلسطيني هي أن يقفوا معنا، لأن هذه القضية ليست قضية عائلة واحدة، بل قضية وطن بأكمله».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطات الاحتلال الفصل العنصری دونم ا
إقرأ أيضاً:
ما الذي يريده محمود عباس من مطاردته لرجال المقاومة بعد كل تلك الملاحم؟!
ارتفعت وتيرة الصدام بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة لرئيس السلطة السيد "أبو مازن" وبين رجال المقاومة في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، وذلك حين قررت الأجهزة القيام بحملة أمنية موسعة في إطار العملية التي أسمتها "حماية الوطن"! ما أدى إلى مقتل "يزيد الجعايصة"، القيادي في كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد، والمطارد من سلطة الاحتلال. ومن المعلوم بحسب الإحصائيات أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية قد قتلت 13 فلسطينيا منذ بداية طوفان الأقصى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وانطلقت الأحداث في المخيم عقب اعتقال أجهزة الأمن لـ"إبراهيم طوباسي" و"عماد أبو الهيجا"، مما أثار غضب "كتيبة جنين" التي احتجزت سيارات تابعة للسلطة كرهينة للمطالبة بالإفراج عنهما، ورفضت السلطة ذلك المطلب وأرسلت رسالة واضحة بأن هدفها هو إنهاء حالة المقاومة وتسليم السلاح، كما جاء على لسان الناطق بإسم أجهزة الأمن الفلسطينية العميد "أنور رجب"، وهو ما رفضته المقاومة.
حافَظَ رئيس السلطة وباجتهاد منقطع النظير على التنسيق بين أجهزته الأمنية وبين جهازي الموساد والشين بيت الإسرائيليين
وحاصرت الأجهزة الأمنية المخيم أكثر من 7 أيام، ونشرت القناصة على أسطح المنازل وأطلقت النار على كل هدف متحرك داخل مخيم جنين! وحاصرت كذلك المستشفى الحكومي للمخيم وفتشت سيارات الإسعاف وقطعت التيار الكهربائي، ثم اقتحمت مستشفى ابن سينا ومنعت الأهالي من وداع "الجعايصة"..
وقد استنكرت الفصائل الفلسطينية في بياناتها ما تفعله الأجهزة الأمنية من استهدافها للمقاومة وخدمتها للكيان الصهيوني، من قبيل أن "استمرار أجهزة السلطة في هذا النهج المشين يدق ناقوس الخطر ويؤجج خلافات داخلية في توقيت مصيريّ"، و"حماية الوطن لا تكون إلا بدرء الفتن والوقوف صفا واحدا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي"، و"عنجهية السلطة والأجهزة -خيلاؤها وكِبْرها-! هي ما أوصلتنا إلى هذه النقطة".
عجيب أمر السيد "أبو مازن"، لا يتعلم من الأخطاء والكوارث التي ارتكبها في ماضيه قبل وبعد انفراده بالسلطة، وخطيئته كانت ولا زالت في الثقة -المصطنعة!- في المُفاوض الإسرائيلي والداعم الأمريكي، وفي الجلوس على موائد المفاوضات في (مدريد، أوسلو)، والتعاون والتنسيق الأمني المشترك مع سلطات الاحتلال..
ولقد كانت مكاسب الكيان في تلك المفاوضات العبثية التي حمل لواءها "عباس" فرصة رائعة لتجميل صورة الصهاينة أمام العالم الغربي وأمام شعوبهم بأن إسرائيل دولة تسعى للسلام، والحقيقة أن ذلك لم يكن إلا عملية تخدير طويلة المدى اقتضتها الفترة الزمنية إبان التسعينات من القرن الماضي وساهم فيها أبو مازن بكامل طاقته!..
وهذا بخلاف ما تورط فيه رئيس السلطة ضد شعبه المحاصر في عام 2009 -على سبيل المثال لا الحصر!- من تأجيل التصويت على "تقرير غولدستون" المتضمن للأدلة والشواهد الدامغة بالصور والشهود على جرائم الصهاينة في غزة والساعي لإدانة الاحتلال بسبب جرائمه التي ارتكبتها آلته الحربية، وأشار المفوض الأممي لحقوق الإنسان حينها إلى أن سلطة رام الله التي يفترض أنها تمثل الشعب الفلسطيني! قامت بإنقاذ الكيان الصهيوني من الإدانة الدولية في مجلس حقوق الإنسان بجنيف..
حافَظَ رئيس السلطة وباجتهاد منقطع النظير على التنسيق بين أجهزته الأمنية وبين جهازي الموساد والشين بيت الإسرائيليين، وتكفينا إشادة واحد من أهم الصحف الإسرائيلية، "معاريف"، بالتنسيق القائم لملاحقة الناشطين الفلسطينيين لضمان أمن مواطني الكيان، الأمر الذي ساهم في إنقاذ حياة المئات منهم! وهذا ما ذكره الكاتب بالصحيفة "جاكي خوجي" حين أكد أن التنسيق الأمني هو الاسم السري للتعاون على أعلى المستويات بين أجهزة الأمن من الجانبين لملاحقة ناشطي حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وذلك بأن توفر إسرائيل المعلومات الاستخبارية عن وجود خلية مسلحة تخطط لتنفيذ عملية ما، فينطلق الأمن الفلسطيني لاعتقال أفرادها، مما يعفي إسرائيل من المخاطرة بجنودها لدى تنفيذها عمليات الاعتقال!..
محمود عباس يبعث برسائله إلى الداعم الأمريكي وإلى حلفائه في المنطقة أنه الرجل القوي إذا ما وسّدوا إليه حكم غزة بعد إزاحة حماس وأخواتها من فصائل المقاومة، وأن عريكته لا تلين في حماية الكيان الصهيوني وفي التضييق على المقاومة
ما الذي يريده السيد "أبو مازن" ومن أين له بتلك الجرأة في خيانة شعبه؟!
سؤال مُلح يحتاج إلى الإجابة عليه، بعد كل تلك الملاحم التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني الأبي خاصة في غزة، وقد وضح للشعب الفلسطيني أن خيارات "عباس" في الثقة بالصهاينة وفي المراهنة على خيار المفاوضات كانت كارثية، وأن التنسيق الأمني مع الاحتلال وكشف عورات المقاومة خيانة عظمى يستحق عليها المحاكمة، وعلى أقل تقدير أن يشعر ببعض الخجل من ماضيه الأسود وأن يتوارى عن المشهد الفلسطيني!
ويبدو أن الرجل ماض في غيه مدعوما بالرضا الأمريكي، والدعم السياسي والمالي من حكومات المنطقة العربية، ومن الجامعة العربية المنحازة لخيارات الحكام لا الشعوب، وهو معروف بغلظته واستعلائه على قادة المقاومة وبوده وانكساره مع داعميه، وكلنا يذكر حالة الود التي ظهر عليها حينما حضر جنازة المجرم "شيمون بيريز" وتجاهله حضوره جنازة زعيم المقاومة الشهيد "إسماعيل هنية" التي جرت بالدوحة، رغم كون هنية رئيسا شرعيا لوزراء فلسطين!..
محمود عباس يبعث برسائله إلى الداعم الأمريكي وإلى حلفائه في المنطقة أنه الرجل القوي إذا ما وسّدوا إليه حكم غزة بعد إزاحة حماس وأخواتها من فصائل المقاومة، وأن عريكته لا تلين في حماية الكيان الصهيوني وفي التضييق على المقاومة حتى ولو هدم المسجد الأقصى!
لا قدر الله..