سلوك نبوي ومفتاح النجاة من المعاصي.. يكشفه علي جمعة
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، أن الصدق هو أحد أهم القيم الأخلاقية التي دعا إليها النبي ﷺ، وهو مفتاح لكل خير.
وقال جمعة: "لقد أمرنا النبي ﷺ بالصدق في كل أحوالنا، وبيَّن أنه لا يمكن للمؤمن أن يكون كاذبًا، حيث جاء في الحديث أن رسول الله ﷺ سُئِل: أَيَزني المؤمن؟ فقال: نعم.
وأوضح جمعة أن الكذب مستهجن بطبيعته، وأن الإنسان الذي يلتزم بالصدق مع نفسه ومع الآخرين يمتنع عن المعاصي، لأن الصدق يمنعه من مواجهة الآخرين بأفعال قبيحة. واستشهد بموقف نبوي عندما جاء رجل إلى النبي ﷺ يطلب دخول الإسلام بشرط أن يظل على معصية الزنا. فقال له النبي ﷺ: "عاهدني ألا تكذب".
وبعد فترة، عاد الرجل وأخبر النبي ﷺ أنه كلما همَّ بالوقوع في المعصية تذكر أنه سيُسأل عن فعله، فاستحيا أن يكذب، وترك الزنا تمامًا.
وأضاف جمعة: "هذا هو تأثير الصدق الذي نستهين به، وهو الذي يحمي الإنسان من شهادة الزور ومن كتمان الشهادة، ويقيه من الوقوع في المهالك. وقد قال أحد الزهاد: الصدق منجاة؛ ولو ظننت فيه هلاكك، والكذب مهلكة؛ ولو ظننت فيه نجاتك."
وأشار جمعة إلى قصة خطيب كان يكرر خطبة عن الصدق حتى ضجر الناس منها، فسألوه لماذا لا يغير موضوعه. فرد قائلاً: "وهل تركتم الكذب، حتى أترك الدعوة إلى الصدق؟!" موضحًا أن الصدق قيمة جوهرية يجب أن تتكرر الدعوة إليها حتى تصبح أساسًا في حياة الإنسان.
وختم جمعة حديثه قائلاً: "لقد علمنا النبي ﷺ أن الصدق هو معيار الأخلاق، وأن الكلام بدون بينة من أكبر أسباب الهلاك. فقال النبي ﷺ: كفى بالمرء كذبًا أن يُحَدِّث بكل ما سمع. لذلك يجب أن نُراجع أنفسنا ونترك ما لا يعنينا، ونتذكر قول النبي ﷺ: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل. فلنعد إلى الله، ونحرص على الصدق قبل أن نقف بين يدي رب العالمين."
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: صدق والكذب أخلاق الكذب النبی ﷺ
إقرأ أيضاً:
حكايات شهرزاد| يسألونك عن الزُهد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في كل ليلة، تنسج شهرزاد من وحي خيالها باقة من أروع القصص والحكايات ما يجعل زوجها الملك شهريار، يتلهَّف إلى سماع النهايات. تتوالى الليالي، وتتنوع الشخصيات في حكايات شهرزاد العجيبة والمميزة ما بين جنٍّ وسلاطين وقرَدة وغيرها من الكائنات الغريبة، فيزداد شوق الملك إلى سماع المزيد.
تدور القصة الكبرى «ألف ليلة وليلة» حول شهريار وشهرزاد، عندما يكتشف شهريار في بداية الحكاية أن زوجته الأولى لم تكن مخلصة، فيرى أن كل النساء خائنات ويقرر الزواج بعروس جديدة كل يوم وقتلها في صباح اليوم التالي، راقب النساء وحشية شهريار وقتله لبناتهن أمام أعينهن.
لكن شهرزاد، ابنة الوزير، تقنع والدها أن يقدمها إلى شهريار، وتقوم شهرزاد بحكاية قصة لشهريار، ولكنها توقف قصتها في لحظة حاسمة، لذلك يؤجل شهريار قتلها إلى الليلة التالية، وهكذا تستمر شهرزاد برواية القصص لمدة 1001 ليلة.
وقد اختارت «البوابة نيوز» لقرائها ثلاثين ليلة من تلك الليالي؛ والتي سوف نقرأها معا طول أيام شهر رمضان المبارك.
وقالت شهرزاد:
بلغني أيها الملك السعيد، أن ملكا كان يسأل في ديوانه عن الزهد. فتقدمت جارية وذكرت ما قاله لقمان لابنه: ثلاثة لا تُعرَف إلا في ثلاثة مواطن: لا يُعرَف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا أخوك إلا عند حاجتك إليه. وقيل: إن الظالم نادم وإنْ مَدَحَه الناس، والمظلوم سليم وإنْ ذمَّه الناس. وقال الله تعالى: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وقال عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرئٍ ما نوى». واعلم أن أعجب ما في الإنسان قلبه؛ لأن به زمام أمره، فإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه الأسى قتله الأسف، وإنْ عظم عنده الغضب اشتدَّ به العطب، وإنْ سعد بالرضا أَمِنَ من السخط، وإنْ ناله الخوف شغله الحزن، وإن أصابته مصيبة ضمنه الجزع، وإن استفاد مالًا ربما اشتغل به عن ذكر ربه، وإن أغصَّته فاقة أشغله الهمُّ، وإن أجهده الجزع أقعده الضعف؛ فعلى كل حالة لا صلاحَ له إلا بذكر الله، وإشغاله بما فيه تحصيل معاشه وصلاح معاده. وقيل لبعض العلماء: مَن أسرُّ الناس حالًا؟ قال: مَن غلبت شهوتَه مروءتُه، وبعُدت في المعالي همتُه، فاتسعت معرفته، وضاقت معذرته. وما أحسن ما قاله قيس:
وَإِنِّي لَأُغْنِي النَّاسَ عَنْ مُتَكَلِّفٍ يَرَى النَّاسَ أَضْلَالًا وَمَا هُوَ مُهْتَدِي
وَمَا الْمَالُ وَالْأَخْلَاقُ إِلَّا مُعَارَةٌ فَكُلٌّ بِمَا يُخْفِيهِ فِي الصَّدْرِ مُرْتَدِي
إِذَا مَا أَتَيْتَ الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِ بَابِهِ ضَلَلْتَ وَإِنْ تَدْخُلْ مِنَ الْبَابِ تَهْتَدِي
وأمَّا أخبار الزهد، فقد نقلت جارية ثانية عن قال هشام بن بشر: قلت لعمر بن عبيد: ما حقيقة الزهد؟ فقال لي: قد بيَّنَه رسول الله ﷺ في قوله: الزاهد مَن لم يَنْسَ القبرَ والبلاءَ، وآثَرَ ما يَبقى على ما يَفنى، ولم يَعُدَّ غدًا من أيامه، وعدَّ نفسه في الموتى. وقيل: إن أبا ذر كان يقول: الفقر أحبُّ إليَّ من الغنى، والسَّقَمُ أحبُّ إليَّ من الصحة. فقال بعض السامعين: رحم الله أبا ذر! أما أنا فأقول: مَن اتكل على حسن الاختيار من الله تعالى، رضي بالحالة التي اختارها الله له. وقال بعض الثقات: صلَّى بنا ابن أبي أوفى صلاة الصبح، فقرأ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ حتى بلغ قوله تعالى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ، فخَرَّ ميتًا. ويُروى أن ثابتًا البناني بكى حتى كادت أن تذهب عيناه، فجاءوا برجلٍ يعالجه قال: أعالجه بشرط أن يطاوعني. قال ثابت: في أي شيء؟ قال الطبيب: في ألَّا تبكي. قال ثابت: فما فضلُ عينيَّ إن لم تبكيَا؟ وقال رجل لمحمد بن عبد الله: أَوْصِني.
وقال رجل لمحمد بن عبد الله: أَوْصِني. فقال: أوصيك أن تكون في الدنيا مالكًا زاهدًا، وفي الآخِرة مملوكًا طامعًا. قال: وكيف ذلك؟ قال: الزاهد في الدنيا يملك الدنيا والآخرة. وقال غوث بن عبد الله: كان أخوان في بني إسرائيل قال أحدهما للآخر: ما أخوف عمل عملته؟ قال له: إني مررتُ ببيتِ فراخ، فأخذت منه واحدة ورميتها في ذلك البيت، ولكن بين الفراخ التي لم آخذها منها؛ فهذا أخوف عمل عملته، فما أخوف ما عملته أنت؟ فقال: أمَّا أنا فأخوف عمل أعمله أني إذا قمتُ إلى الصلاة، أخاف أن أكون لا أعمل ذلك إلا للجزاء. وكان أبوهما يسمع كلامهما، فقال: اللهم إنْ كانا صادقين فاقبضهما إليك. فقال بعض العقلاء: إن هذين من أفضل الأولاد. وقال سعيد بن جبير: صحبت فضالة بن عبيد، فقلت له: أَوْصِني. فقال: احفظ عني هاتين الخصلتين: ألَّا تشرك بالله شيئًا، وألَّا تؤذي من خَلْقِ الله أحدًا. وأنشد هذين البيتين:
كُنْ كَيْفَ شِئْتَ فَإِنَّ اللهَ ذُو كَرَمٍ وَانْفِ الْهُمُومَ فَمَا فِي الْأَمْرِ مِنْ بَاسِ
إِلَّا اثْنَتَيْنِ فَلَا تَقْرَبْهُمَا أَبَدًا الشِّرْكُ بِاللهِ وَالْإِضْرَارُ بِالنَّاسِ
وما أحسن قول الشاعر:
إِذَا أَنْتَ لَمْ يَصْحَبْكَ زَادٌ مِنَ التُّقَى وَلَاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا
نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ وَأَنَّكَ لَمْ تَرْصُدْ كَمَا كَانَ أَرْصَدَا
وقالت جارية ثالثة: إن باب الزهد واسع جدًّا، ولكن أذكر بعضَ ما يحضرني فيه عن السلف الصالح؛ قال بعض العارفين: أنا أستبشر بالموت، ولا أتيقَّن فيه راحة، غير أني علمت أن الموت يحول بين المرء وبين الأعمال، فأرجو مضاعَفةَ العمل الصالح، وانقطاع العمل السيئ. وكان عطاء السلمي إذا فرغ من وصيته انتفض وارتعد، وبكى بكاءً شديدًا، فقيل له: لِمَ ذلك؟ فقال: إني أريد أن أُقبِل على أمر عظيم، وهو الانتصاب بين يدي الله تعالى للعمل بمقتضى الوصية؛ ولذلك كان علي زين العابدين بن الحسين يرتعد إذا قام للصلاة، فسُئِل عن ذلك فقال: أتدرون لمَن أقوم، ولمَن أخاطب؟ وقيل: كان بجانب سفيان الثوري رجل ضرير، فإذا كان شهر رمضان يخرج ويصلي بالناس فيسكت ويبطئ. وقال سفيان: إذا كان يوم القيامة أُتي بأهل القرآن فيُميَّزون بعلامة مزيد الكرامة عمَّن سواهم. وقال سفيان: لو أن النفس استقرت في القلب كما ينبغي لَطار فرحًا وشوقًا إلى الجنة، وحزنًا وخوفًا من النار. وعن سفيان الثوري أنه قال: النظر إلى وجه الظالم خطيئة.
ثم أدرك شهرزاد الصباح.. فسكتَتْ عن الكلام المباح.