استفتاء 19 ديسمبر .. جذوة الثورة ما تزال حية
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
بالأمس مرت ذكرى قيام ثورة ديسمبر المجيدة التي أنهت أسوأ فترة استبدادية في تاريخ البلاد. إنها الثورة التي قدم فيها شبابنا تضحيات عظيمة في فترة كالحة أذاقت السودانيين كل العذاب. فضلاً عن ذلك فإن ما سمي المشروع الحضاري أضاع أكثر من ثلاثة عقود من عمر الدولة، حيث شهدنا كيف أنه تم توظيف الإسلام كأداة تجارية ضد الإسلام نفسه.
وقد أدى هذا الوضع إلى هجرة معظم العقول السودانية، وما بقيت في الداخل لُوحقت بالمضايقة المنتظمة حتى قبل لحظات من سقوط نظام الحركة الإسلامية. وأثناء هذا الوضع تفشت المحسوبية، والفساد، وشراء ذمم الناس الضعيفين حتى انهارت مهنية الخدمات، والأجهزة العسكرية، والأمنية. وكذلك أفرزت سياسة الإسلاميين الاغتيالات السياسية، والإبادة الجماعية في دارفور، وقصف الأبرياء بالبراميل الحارقة في مناطق النزاع. ولعل هذه الحرب الدائرة الآن أكبر دليل على انهيار مؤسسات الدولة، وتفريغها من فاعليتها. بل إن هذه الحرب لا تنفصل من تأثير سياسة الإسلاميين السالب على النسيج الاجتماعي في الدولة، إذ استعانت بالمليشيات وسيلة للدفاع عن فساد نخبة المؤتمر الوطني.
إن ما فعله الإسلاميون ما قبل مفاصلتهم، وبعدها، لا يمكن إجماله في هذا الحيز. ولكن المهم القول هو إن الحركة الإسلامية قدمت أسوأ نموذج للاستبداد السياسي في التاريخ الحديث. ولذلك كانت ثورة ديسمبر فرصة للسودانيين لإثبات جدارتهم في إلحاق الهزيمة بأنظمتهم الديكتاتورية التي كلها ذهبت إلى مزبلة التاريخ ليكسو العار وجوه الذين أسّسوا لذلك النظام السياسي الفاسد، والقمعي، والقبيح.
إن استهداف ثورة ديسمبر بدأ منذ نجاحها بتدبير من قيادات في المكون العسكري ربطت بينهم والإسلاميين علاقات خفية. ورغم ما أبداه البرهان، وياسر العطا، وكباشي، وحميدتي، من انحياز مرحلي للثورة إلا أن عرقلتهم لتطلعات رئيس الوزراء وطاقمه، والمؤسسات الأخرى التي شغلها كوادر تحالف الحرية والتغيير كان أمراً ظاهراً ما أدى إلى شل حركة حكومة الانتقال الديمقراطي. ذلك حتى استطاعوا إحداث الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 والذي أنهى المرحلة الانتقالية. ومع ذلك لم ينثن الثوار أمام الآلة القمعية للانقلابيين، وقدموا نضالات غاية في التضحية في سبيل إفشال مخطط تقويض الثورة. وهكذا عجز الانقلابيون في تنفيذ مخططهم الذي بدأ باسترداد الأموال، والأملاك، التي تحكمت فيها لجنة إزالة التمكين، وإعفاء السفراء الذين تم استرجاعهم للخدمة المدنية، وعودة الممارسات القمعية ضد الإعلاميين، وحظر نشاط الحركة الجماهيرية.
جاءت الحرب كخيار أخير للقضاء على ثورة ديسمبر بتوافق البرهان، وأركان حربه مع الإسلاميين بقيادة علي كرتي، وقد أتاح هذا المناخ الاستبدادي الجديد الفرصة للإسلامويين، ودواعشهم، للظهور علناً لدعم الجيش في حربه المقصودة أصلاً ضد الثورة. وبمرور الأيام كشفت أبواق الحرب عن مكنون مقاصدها في استهداف رموز، وأحزاب الثورة، ولجان المقاومة، عبر حملة إعلامية مسعورة تواصل النهار بالليل حتى تخلق رأياً عاماً مشوهاً في رؤيته للحرب، وسير مجرياتها.
وتواصلت أكاذيب، وتلفيقات إعلاميي النظام السابق، وبعض الانتهازيين الذين تم استخدامهم لتزوير الوقائع، وعكس صورة مخالفة للهزائم المستمرة التي مني بها الجيش وتحويلها لانتصار زائف.
ومع ذلك لم تنجح الحملات الإعلامية السافرة التي صرف لها الإسلاميون بسخاء من نزع حلم استئناف الثورة من مخيلة، وأفئدة، غالب الشعب السوداني، والذي ظل يأمل إيقاف الحرب لتنتهي المآسي الإنسانية التي خلفها المشروع الحربي لعودة الإسلاميين للحكم، ومن ثم يضطلع المدنيين بأمر الحكم المدني، ويكتمل الانتقال الديمقراطي لتحقيق شعار الثورة: حرية، سلام، وعدالة، وإعادة بناء ما دمرته الحرب.
لقد مرت الذكرى السادسة لاندلاع ثورة التاسع عشر من ديسمبر 2018، وقد شغلت كل منصات التواصل الاجتماعي، حيث سيطر النشطاء والكتاب الثوريون على منشورات هذا اليوم، مسترجعين ذكريات من النضال المشهدي ضد نظام الحركة الإسلامية، ومؤكدين إصرارهم على هزيمة مشروع إجهاض الثورة التي أتت لتقطع مع عهد التيه والضلال، ومعبرين عن رفضهم لاستمرار الحرب بوصفها وسيلة إنتحارية لقتل حلم السودانيين في عهد ديمقراطي، وإسترداد كامل النظام السابق، وتأديب الثوار. ولكن هيهات فثورة ديسمبر انبثقت لتبقى جذوتها حية مهما طال أمد التآمر ضدها.
suanajok@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ثورة دیسمبر
إقرأ أيضاً:
في الذكرى السادسة للثورة والاستقلال معاً لوقف الحرب
في الذكرى السادسة للثورة والاستقلال معاً لوقف الحرب
تاج السر عثمان بابو
1تتزامن الذكرى السادسة لثورة ديسمبر مع الذكرى 69 للاستقلال من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955، التي تتطلب تكثيف النضال الجماهيري لوقف الحرب واسترداد مسار الثورة، في ظروف تعاني فيها البلاد من ويلات الحرب التي شردت الملايين وأدت لمقتل وفقدان الآلاف، وتدمير البنية التحتية، والابادة الجماعية ونهب الأراضي ومناجم الذهب وممتلكات المواطنين واحتلال منازلهم، وتوقف عجلة الاقتصاد، وتدهور مريع في الأوضاع الإنسانية والمعيشية، اضافة لخطر تقسيم البلاد وتمزيق وحدتها باطالة أمد الحرب، والاعلان عن تكوين إدارات محلية في مناطق سيطرة الدعم السريع موازية لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان، والإعلان عن تكوين جكومة منفي، في غياب الجماهير ومؤسساتها الدستورية،، اضافة للخطر من إطالة أمد الحرب ، مما يهدد السيادة الوطنية، ويزيد من حمى التدخل الدولي للمحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب، بهدف نهب ثروات البلاد ،هذا إضافة لخطر المجاعة التي تهدد حوالي 26 مليون مواطن سوداني، فضلا عن مصادرة الحريات والحقوق الأساسية من طرفي الحرب، وحالات التعذيب للمعتقلين حتى الموت، وقصف الجيش والدعم السريع لمواقع المدنيين، مما يؤدي للزيادة المستمرة في ضحايا وجرحي الحرب، كما يحدث في الفاشر، الخرطوم وامدرمان وبحري، والجزيرة. الخ..
2كما اوضحنا سابقا لم تكن ثورة ديسمبر حدثا عفويا، بل كانت تحولا نوعيا لتراكم كمي طويل من المقاومة الباسلة لشعب السودان ضد نظام الانقاذ الفاشي الدموي لحوالي 30 عاما التي عبرت عنها الهبات والاضرابات والمظاهرات، والاعتصامات التي واجهها النظام باطلاق الرصاص الحي مما أدي إلي مئات الشهداء كما حدث وسط الطلاب وأبناء البجا وكجبار والمناصير وهبة سبتمبر 2013 ويناير 2018، وشهداء التعذيب الوحشي في سجون وبيوت أشباح النظام، والالاف المشردين من أعمالهم والمعتقلين، وضحايا التعذيب الوحشي في المعتقلات، والشهداء في حروب الابادة في الجنوب حتى تم انفصاله، اضافة لقمع المرأة التي لعبت دورا كبيرا في مقاومة نظام الانقاذ الذي استهدفها، وفي جرائم الابادة الجماعية في دار فور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، وثورة ديسمبر التي استشهد فيها المئات من الشباب والكنداكات، كل ذلك لم يفت في عضد جماهير شعبنا، التي ما زالت تواصل نضالها لوقف الحرب واستكمال مهام الثورة.
3كما جاءت ثورة ديسمبر رغم خصوصيتها علي خطي تجربة الثورة المهدية وثورة اكتوبر 1964م وتجربة انتفاضة مارس- ابريل 1985 في السودان التي اوضحت أن الثورة تقوم عندما تتوفر ظروفها الموضوعية والذاتية التي تتلخص في:
– الأزمة العميقة التي تشمل المجتمع باسره، ووصول الجماهير لحالة من السخط بحيث لا تطيق العيش تحت ظل النظام القديم.
– تفاقم الصراع داخل النظام الحاكم الذي يشمل الطبقة أو الفئة الحاكمة والتي تؤدي الي الانقسام والصراع في صفوفها حول طريقة الخروج من الأزمة، وتشل اجهزة القمع عن أداء وظائفها في القهر، وأجهزة التضليل الأيديولوجي للجماهير.
– وأخيرا، وجود القيادة الثورية التي تلهم الجماهير وتقودها حتى النصر.
4طرحت ثورة ديسمبر شعارات الحركة الوطنية و الجماهيرية التي رفعتها بعد انفجارها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية فى معركة الاستقلال 1956، وثورة اكتوبر 1964 كما في:
– الحرية والديمقراطية والحياة المعيشة الكريمة، وتوفير حق العمل للعاطلين.
– العدالة والسلام ووقف الحرب والسيادة الوطنية.
– استعادة أموال وممتلكات شعب السودان المنهوبة.
– محاسبة الفاسدين الذين دمروا البلاد ومشاريعها الصناعية والزراعية والخدمية.
– قومية الخدمة المدنية والنظامية، وعودة المفصولين من الخدمة المدنية والنظامية.
– حل المليشيات (الكيزان والجنجويد، وجيوش الحركات)، وقيام الجيش القومي المهني الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية.
وغير ذلك من الأهداف التي تم التوقيع عليها في ميثاق قوي الحرية والتغيير الموقع عليه في يناير 2019 الذي تم الانقلاب عليه بالتوقيع على” الوثيقة الدستورية” المعيبة التي كرست الشراكة مع العسكر وقننت الجنجويد دستوريا، وحتى” الوثيقة الدستورية” كما أوضحنا سابقا تم الانقلاب عليها، كما في التوقيع على اتفاق جوبا الذي تحول لمحاصصات ومناصب، وأخيرا تم إطلاق رصاصة الرحمة عليها بتدبير انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي وجد مقاومة جماهيرية كبيرة، وفشل حتى في تشكيل حكومة، وجاء الاتفاق الإطارى بتدخل إقليمي ودولي، الذي أدي للصراع بين الجيش والدعم السريع حول مدة دمجه في الجيش، واشعل نيران الحرب الجارية حاليا، التي تتطلب مواصلة المقاومة الجماهيرية لوقفها ومنع تمددها واطالة أمدها، واسترداد الثورة في ذكراها السادسة وذكرى الاستقلال من داخل البرلمان..
5في ذكرى الاستقلال من داخل البرلمان وثورة ديسمبر نستلهم تجربتها في عدم تكرار انتكاسة ثورة اكتوبر 1964، وانتفاضة مارس – أبريل 1985، مهم مواصلة الثورة في أوسع حراك جماهيري حتي تحقيق أهدافها في الآتي:
المحاسبة وعدم الافلات من العقاب في جرائم الحرب، ومجزرة فض الاعتصام وبقية الجرائم ضد الإنسانية.
تفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة
– أن تضع الدولة يدها علي كل الشركات العاملة في الذهب والبترول، وتخصيص جزء من عائداته لتنمية مناطق الانتاج والمحافظة علي البيئة، ومراجعة كل الاتفاقات حول تأجير الأراضي الزراعية التي تصل الى 99 عاما، لمصلحة شعب السودان والمناطق المحلية.
– رفض سياسة التحرير الاقتصادي، وتحسين الأوضاع المعيشية وتركيز الأسعار ودعم السلع الأساسية، ومجانية خدمات التعليم والصحة وتوفير خدمات المياه والكهرباء، وإعادة تأهيل المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية لدعم الإنتاج وتقوية الصادر والعملة المحلية وتوفير العمل للعاطلين، الخ. وتقليل الصرف علي جهاز الدولة وميزانية الأمن والدفاع التي تصل 76%، وزيادة ميزانية التعليم والصحة والتنمية، ووقف الحرب التي اورث شعبنا الفاقة والمسغبة.
– تحقيق السلام والحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة بالأتي:-
* الديمقراطية وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات.
* رفع حالة الطوارئ، واطلاق سراح كل المحكومين.
*الترتيبات الأمنية بحل كل المليشيات “دعم سريع، جيوش الحركات.. الخ”، وقيام الجيش القومي المهني الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية..
* تسليم البشير والمطلوبين في جرائم الابادة الجماعية للجنايات الدولية.
* عودة النازحين لمنازلهم وقراهم، وإعاد تأهيل واعمار مناطقهم وتعمير ما دمرته الحرب، وعودة المستوطنين لمناطقهم، والتنمية المتوازنة.
* قيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة، وحماية ثقافة ولغات المجموعات المحلية.
* قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية، الذي يقرر كيف تحكم البلاد؟، ويضع الإطار لدستور ديمقراطي بمشاركة الجميع، وقانون انتخابات ديمقراطي ولجنة مستقلة تضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
– الغاء كل الاتفاقيات العسكرية التي تفرط في سيادتنا الوطنية، والخروج من محور حرب اليمن وعودة قواتنا منها، وقيام علاقاتنا الخارجية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخري، التفاوض لعودة كل الاراضي السودانية المحتلة. وغير ذلك من مهام الفترة الانتقالية وأهداف الثورة.
الوسومالاستقلال البترول البشير الجنائية الدولية الجنجويد السودان الفترة الانتقالية الكيزان المليشيات اليمن انتفاضة مارس أبريل 1985 تاج السر عثمان بابو ثورة اكتوبر 1964 ثورة ديسمبر