عبد الله علي إبراهيم

هذه مذكرات عن الثورة الفرنسية أخذتها من "أوربا الثورية 1780-1850" (2000) كتاب زميلي السابق في شعبة التاريخ بجامعة ميسوري جونثان سبيبربر. جلست إلى الكتاب في أعقاب ثورة ديسمبر حين سقمت نفسي أحاديث مطلوقة عن الثورة اشترطت أن تنهض الثورة، متى قامت، بالتغيير الجذري بعد اسقاط النظام مباشرة وإلا صارت "انتفاضة" في أحسن الأحوال أو هرجاً وضلالاً.

وعرفت أن أياً من مشيعي تلك الخزعبلة لم "يشق" بطن كتاب عن ثورة ليعرف أن الثورة هي تعريفاً ثورة متى أسقطت حكومة النظام القديم. وبس. أما التغيير فلا يأتي لحزته لأنه مما تختلف الآراء فيه وسبله بين من ائتلفوا لإسقاط النظام القديم. ولا أعرف إن كان من يذيع هذا الضلال وقف عند الثورة الفرنسية (1789) وتضاريسها ليرى أنها اختلفت حول التغيير اختلافاً محلياً وأوربياً اختلافاً مضرجاً كبيراً. فلا الجمهورية ولا العلمانية اللتين هما المعنى الذي كان من وراء الثورة تحققا في اليوم العاقب لسقوط النظام القديم كما يتشهى بعضنا. ويكفي أن جرى استرداد الملكية لفرنسا ثلاث مرات ولم تتوطد الجمهورية إلا في ثمانينات القرن التاسع عشر. كما لم يقع فصل الدين عن الدولة إلا في دستور 1905 ولينص دستور 1958 صريحاً على العلمانية لأول مرة.
نحن، وذكرى ثورة ديسمبر على الأبواب، قبايل "تجديد البكا" على الثورة في تاريخنا. وهو بكاء كاليتم لانقطاعه عن تاريخ الثورات ويريد لثورة السودان أن تغير ما بنا في لمح البصر: short and sweet
أردت عرض هذه المذكرات عن الثورة الفرنسية حتى لا نخدع عن حقائقنا وثوراتنا بثمن جهالة بخس. وعينت الصفحة من الكتاب أمام تلخيصي لما فيها. وربما صادفت القارئ متاعب هنا وهناك لأن هذه المذكرات مما أردت منه أن أعرف عن الثورة لا أن أنشرها كما أفعل الآن.
(سيلقى القارئ غموضاً هنا وهناك كما وجدت أنا نفسي لدي عودتي لقراءة هذه المذكرات بعد سنوات من كتابتها. أردت فقط بها أن يرى شبابنا أن الثورة كينونة غريبة لا كما يبسطها صغار الأحلام: أنت ثرت وريني عمرت شنو؟ ولا أتوقع أن يطالع القارئ هذه المادة على صفحتي. هي للاحتفاظ بها كمذكرة المحاضرات"

72 اكتنفت الثورة أزمة مالية لم تخرجها منها حتى السندات المالية بضمان أرض الكنيسة المصادرة. فلم يقبل الفرنسيون في المناطق المناصرة للقسس المنشقين على شراء الأرض، بل قابلوا من حاول ذلك بالاحتجاج والشنق سحلاً. وفرضت الحكومة تداول السندات التي اشتراها أهل المال من الناس بثمن بخس أدى إلى تدهور سعر العملة. فامتنع المزارعون من بيع محصولاتهم بالثمن البخس. فنقص المعروض من الطعام في الأسواق. وأدى هذا إلى نشأة فئة اجتماعية سياسية في المدينة عرفت ب"سانس-كولتس". وهي من العاملين بأيديهم من الحرفيين وصغار التجار وسيطة بين البرجوازية والعمال: برجوازية صغيرة. فهم يعملون بأيديهم ويؤجرون من يعملون بأيديهم. وظهرت سطوتهم في سقوط الباستيل 1789 وحصار فرسايل في أكتوبر 1791. ولما كانت الحكومة قد عادت إلى باريس أعطى ذلك السانس قوة للضغط زائدة.
ص 17-72. ومن تلك العوامل تورط فرنسا في حرب أوربية. فإلغاء النظام الإقطاعي في فرنسا أخاف أوربا. وقوى من هذه الحرب عامل للسياسة الداخلية هو المهاجرون الفرنسيون ممن كونوا فرقهم المسلحة على حدود فرنسا الشرقية. طالبت العناصر الأكثر جذرية في الجمعية التأسيسية (1791) بشن الحرب على المانيا لإيوائها المهاجرين لكسر ظهر عناصر الثورة المضادة. ومتى انتصروا في الحرب، حسب تقديرهم، كان سبباً لترويع المعارضة الداخلية وإخراسها علاوة على نشر مبادئ الثورة الفرنسية في الخارج. وافق الملك على الحرب على المانيا برغم أن بعض أسرته من بين "الثورة المضادة". وعارض روبيسبير، زعيم اليعاقبة، الحرب لأنها مشقة غير مأمونة العواقب. بدأت الحرب في 1792 وما لبث أن بدأ عوار الحرب للحكومة. فتناصرت قوى أوربا مع قوى الثورة المضادة. وكان متى احتلت الجيوش الأوربية موضعاً فرنسياً استعادت فيه النظم التي ألغتها الثورة. وصارت الحرب، التي اختلفت دوافع القوى الأوربية لدخولها، تعرف بحرب بين الثورة والثورة المضادة، الثورة والاستعادة (restoration). حرب لم تقع للإنسانية من قبل.
74 بدا للجذريين في باريس أن دروس الحرب تلك أن يعنفوا. فالوسطيون حاربوا بغير نفس بل انضم بعض قادتهم للعدو. وكان القائد العام لجيش الحكومة يراسل الأعداء. وكان جورج دانتون، من الجهة الأخرى، من نادي كوديلر متحمساً للحرب" قال: الجراءة والجراءة أكثر والجراءة ما يزال هي التي ستنقذ فرنسا". وبدأ الجذريون في الإعداد لانتفاضة جمعوا لها الحرس الوطني من سائر فرنسا (20 ألف) في مظاهرة في 10 أغسطس 1792. سارت للقصر الملكي وهزمت حرسه وقتلت أكثرهم. وأعلنت أن فرنسا جمهورية.
75 وفرضوا إرادتهم على الجمعية التأسيسية بحل نفسها وإجراء انتخابات جدية لجمعية تضع دستوراً للبلاد الجمهورية. وحدث ذلك واجتمع البرلمان في سبتمبر 1792.
75 تواصلت الحرب واقترب البروسيون (بروسيا) من باريس. واستقل السناس (البرجوازية الصغيرة) بأنفسهم عن الأندية. وأخذوا يستأصلون السجناء السياسيين من النبلاء والقسس المنشقة في ما عرف ب"السبتمبريين". وهي لعنة دم لاحقت الجذريين. وأمض ارتفاع الأسعار السناس أيضاً. وكان مقترحهم لاحتوائها هو تحديد الأسعار وإن لم يسلم الفلاحون نتاجهم صادرته الدولة.
وبذلك التصعيد صارت الجمعية التأسيسية ساحة مرة أخرى لمن أراد اطراد الثورة ومن رغبوا عن ذلك. منشأ اليمين واليسار كان خلال هذه الخصومة. صار جذريو الجمعية السابقة، قُرُيندنز، في صدام مع اليعاقبة الذين رغبوا في التحالف مع السانس ممن طلبوا تحديد الأسعار. وهو تعد على الملكية لم يقبله القريندز. وأشد خلافهم كان حول مصير الملك المخلوع. لم يمانع كثير من النواب من تقديم الملك للمحاكمة بتهمة الخيانة. ودفع الملك عن نفسه بأن دستور 1791 جعله مبرأ من مثل هذه المحاكمة. أما دفاع أنصاره المهجرون فكان أن الثورة هي الخيانة. ونشب الخلاف حول العقوبة. فأراد القريندز، متاثرين بعقيدة الملك المعصوم، تفادي قتله بأي صورة وبالدعوة لسجنه أو لنفيه وغيرها.
ص 77 وأراد القريندز بذلك ألا يقطعوا شعرة معاوية مع أوربا الملكية. وهي الشعرة التي أراد اليعاقبة قطعها. صوتت الجمعية لقتله بأغلبية قليلة بعد جلسة متصلة دامت 36 ساعة. وقتل في 21 يناير 1793 على المقصلة شهيداً مسيحياً باركه البابا في نزال قوى الشر. وكان السانس يغنون المارسليز. واحتدم الصراع بين الجماعتين. أراد القريندز إغلاق أندية اليعاقبة وغيرهم ووقف صحفهم. فجنح اليعاقبة إلى السانس فآزروهم باقتحام الجمعية في يونيو 1793 والمطالبة بنزع القريندز من عضويتها. فاستجاب اليعاقبة مسرورين.
وصار بوسع من تبقى من الأعضاء المضي قدماً في مواصلة الثورة. فقرروا التجنيد الاجباري وتنفير قوة الأمة كلها رجالاً ونساء شيباً وشباباً للنصر في الحرب من أجل الجمهورية.
87 واتبعوا إجراءات عنيفة ضد الثورة المضادة كبؤرة عملاء لقوة أجنبية. تكونت لجان الرصد لأعداء الثورة لفرز من معها ومن ضدها. انتزاع شهادات الولاء للثورة. وصار أهل الحظوة القديمة موضع ريبة. محاكم خاصة لمحاكمة الخونة. وتمت مصادرة ممتلكات المهاجرين المعادين. ونشأت لجنة السلامة العامة تتوج إجراءات العنف ضد الخصوم. وكافأوا السانس بتحديد الأسعار ومصادرة منتوج الفلاحين الممتنعين عن البيع. وكان ذلك خلافاً لعقيدتهم في السوق الحر. كان روبسبير من وراء لجنة السلامة. وجعلت أندية اليعاقبة نفسها حكومة من وراء الحكومة الرسمية في التربص بالأعداء. وكلما أوغلت اللجنة في العنف كلما خلقت طائفة من الأعداء لها. ففي مدن الجنوب انتصر المعتدلون على المتطرفين. وساءهم طرد القريندز المعتدلين من الجمعية في باريس فقاموا بعصيان سموا أنفسهم فيه الفدراليين. وكانوا مع الثورة رغم عدائهم للجمعية ويريدون لفرنسا أن تحتفظ بنظمها الباكرة للثورة من المصالح والدوائر الذاتية لا المركزة التي جرت لاحقاً على يد اليعاقبة. كانت وراء ثورتهم عوامل: 1-الدين لأن سكان غرب فرنسا أكثرهم تديناً، وهم ضد القانون المدني للقساوسة. وصارت تحرشات وصدامات طوال عامي 1791 و1792. وكان أهل غرب فرنسا ضد التجنيد الاجباري أيضاً لأن العمل بالجيش ليس في طبعهم أو ممارستهم. وجاء قساوسة متمردون ونبلاء لقيادة سخط غرب فرنسا على الجمعية.
81 وكونوا في مكان ما "الجيش الملكي والكاثوليكي" وساروا لباريس لإسقاط الجمعية. جماعة أخرى نهضت بحرب عصابات. وكلاهما متصل بالمهاجرين الآملين بتدخل بريطانيا. وجسد ذلك الصراع صدام الدين وثقافة عهد الأنوار المناوئة له. وكان صراعاً اتسم بالوحشية. ذبح الثوار أنصار النظام الحاكم في باريس ذبح الشياه وشيعوهم بالترانيم الدينية. ولما تلقى أنصار الحكومة عوناً قتلوا كل سجنائهم.
ص 80
عهد الرعب 1893 إلى 1794
أدى رعب الحكومة إلى ضحايا بلغوا 35 ألف موتاً بالسجن أو بواسطة المقصلة. أكثرهم كان من جنوب فرنسا الذين حملوا السلاح ضد الحكومة. ولا يشمل هذا من قتلوا في غرب فرنسا الذين ربما كانوا خمسة اضعاف ذلك العدد. ولكنهم ماتوا في قتال مباشر بين أطراف الحرب بين الحكومة والمنشقين عليها.
81 وما يجعل ارقام أولئك الضحايا قابضاً للنفس ليس أننا لم نشهد ضحايا أكثر منه في عصرنا ولكن لأنه وقع في محاولة لبناء فرنسا جديدة على بينة "جمهورية الفضيلة" في عبارة لروبيسبير. خلال الحرب الأهلية والخارجية عكف اليعاقبة على تدبيج نظام جديد لفرنسا استمر في صوره المتطرفة لسنة واحدة:
1-ثقافة جديدة لفرنسا تحل مكان الثقافة القديمة شملت تغيير التقويم. جعلوا الثاني والعشرين من سبتمبر 1792 بدء للتقويم الجديد الذي حل التقويم المسيحي. جعلوا الأسبوع 10 أيام تنتهي بيوم عطلة ليس هو الأحد. وسموا الشهور تسميات جديدة. مثلاً شهر الحرارة Thermidor وهو ذروة الصيف. وgerminal وهو من بعض مايو ويونيو وهو شهر نمو المحاصيل. ولم يقبل بالتقويم أحد للخبطته الأعياد الدينية واختزاله أيام العطلة. اقتصر التقويم على الاستعمال الرسمي حتى جرى إلغاؤه في 1806.
2-إصلاح الموازيين والمكاييل وضبط معاييرها. كانت المقاييس قبل الثورة مقاسة على جسد الملك. فالقدم في الواقع هو طول قدم الملك. جاؤوا بمقياس المتر مستفاداً من تراكيب الطبيعة. وجرى قبول هذه "البدعة".

3-إعادة تسمية الشوارع التي أطلقت على ملوك. استبدالها بأسماء لأبطال الأغاريق والرومان. وسمى اليعاقبة أولادهم بروتس وحتى فرانكلن (ألأمريكي) احتساباً للجمهورية. ويخاطب الواحد الآخر يا"مواطن" كسراً لنظام الألقاب.
وكان القصد هدم الكاثوليكية. زادوا بالاعتداء على الكنائس وتدنيس رموزها. ولم يسلم حتى القساوسة المطاوعين من التضييق فأضطر 18 ألف منهم لنزع الرداء الكنسي وقبلوا بمدنيتهم وأول مظاهرها الزواج مما كان محرماً عليهم.
واحتار الجذريون في ما يحلونه محل المسيحية. فأقترح البعض الإلحاد أو حكم العقل. فسموا كاتدرائية نوتردام بمعبد العقل. ثم انتهوا إلى نسخة هادئة من الدين الجديد هي ال"deist". وهي عقيدة تؤمن بوجود الرب. ولكنه تلاشي حين حرك الكون وأطلق عنانه. وانقطعت صلته بالكون والخلائق. وصار مصير الدين الجديد مصير التقويم: النفور منه. ولكن ثبت اليعاقبة مبدأ المواطنة أما السوية القانون فشملوا بها كل الذكور دون النساء. ونواصل.
تقويم الثورة الفرنسية "المدني" الذي ألغى التقويم المسيحي
Naming the Months
This is where the commissioners really got creative. They made up a whole set of new words, generally with French or Latin roots.
Fall
• Vendémiaire (from French vendange ‘grape harvest’)
• Brumaire (from French brume ‘mist’)
• Frimaire (from French frimas ‘frost’)
Winter
• Nivôse (from Latin nivosus ‘snowy’)
• Pluviôse (from French pluvieux ‘rainy’)
• Ventôse (from French venteux ‘windy’)
Spring
• Germinal (from French germination)
• Floréal (from French fleur ‘flower’)
• Prairial (from French prairie ‘meadow’)
Summer
• Messidor (from Latin messis ‘harvest’)
• Thermidor (from Greek thermē ‘summer heat’)
• Fructidor (from Latin fructus ‘fruit’)

ibrahima@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الثورة الفرنسیة الثورة المضادة عن الثورة غرب فرنسا

إقرأ أيضاً:

نهاية عصر الباباوين: حدث نادر عن مستقيل وآخر قاد التغيير

جاء البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عامًا، ليسدل الستار على فصلٍ استثنائي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، شهد للمرة الأولى منذ أكثر من ستة قرون وجود باباوين على قيد الحياة، وبدأت هذه الحالة النادرة عام 2013، عندما استقال البابا بندكتوس السادس عشر لـ"أسباب صحية"، محتفظًا بلقب "البابا الفخري" حتى وفاته عام 2022.

منذ عام 2013، شهدت الكنيسة الكاثوليكية وضعًا غير مسبوق بوجود البابا الفعلي فرنسيس والبابا الفخري بندكتوس السادس عشر، الذي استقال  واعتزل الحياة العامة.

ولم يتدخل البابا بندكتوس في شؤون الكنيسة، مما أثار نقاشًا لاهوتيًا ومؤسساتيًا حول مفهوم البابوية، ودفع الكنيسة للتعامل مع وضع لم تعرفه منذ العصور الوسطى، حين كان هناك أكثر من بابا بسبب الانقسامات السياسية والكنسية.

البابا المستقيل
تخلى البابا بندكتوس (يقال بندكت أيضا، واسمه الحقيقي جوزيف راتزينغر) في 11 شباط/ فبراير 2013 عن منصبه، في خطوة غير مسبوقة في العصر الحديث للكنيسة الكاثوليكية، وكانت الأسباب التي أعلنها رسميًا تتعلق بتقدمه في السن وتراجع قدراته الجسدية والعقلية، إلا أن قد تكون هناك العديد من الأسباب غير المعلنة.

وقال بندكتوس في خطاب الاستقالة: "بعد أن فحصت ضميري أمام الله، أدركت أنني لم أعد أملك القوة الكافية للوفاء بمهام الخدمة البطرسية"، مشيرا إلى أن الضعف الجسدي والذهني وأن صحته لم تعد تسمح له بإدارة مهام الكرسي الرسولي.


وتحدث أيضا عن الحاجة إلى قيادة أكثر نشاطًا، وأن الظروف العالمية المتغيرة تتطلب بابا يتمتع بطاقة أكبر.

ورغم أن السبب الرسمي هو التقدم في السن، إلا أن هناك تكهنات وتحليلات متعددة بشأن خلفيات أعمق لاستقالته تتعلق بفضائح الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة خلال ولايته، والانتقادات الواسعة حول كيفية تعامل الفاتيكان معها.

ويذكر أنه في عام 2022، اتُهم البابا المتقاعد، بناءً على تقريرٍ كُلِّف بإعداده أبرشية ميونيخ، بسوء التعامل مع أربع قضايا اعتداء جنسي على الأقل ارتكبها كهنة عندما كان رئيس أساقفة هناك، وهو ما أنكره بنديكت وأكد عدم ارتكاب أي مخالفات في هذه القضايا، لكنه طلب العفو عن سوء تعامله معها.

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
وخلال فترة ولايته، جرى الكشف عن صراعات داخل الكوريا الفاتيكانية (الجهاز الإداري والتنفيذي والاستشاري للبابا)، وذلك ذمن تسريبات عُرفت بـ"فضيحة فاتيليكس".

وكشفت هذه التسريبات عن صراعات داخلية وفساد محتمل داخل إدارة الفاتيكان، إضافة إلى تحقيق داخلي كشف بشكل مزعوم عن ابتزاز أفراد من خارج الكنيسة لرجال دين ذو توجه جنسي مثلي.

ونتيجة لذلك، جرى الترجيح أن البابا المستقيل أراد أن يفسح المجال لشخصية أكثر قدرة على إدارة الإصلاحات المطلوبة، وهو ما حصل عندما اختار البابا فرانسيس هذا الاسم عند تنصيبه (اسمه الحقيقي خورخي ماريو بيرجوليو).

باختيار اسم فرنسيس، كان البابا الراحل أول حبر منذ عهد البابا لاندو عام 913 ميلادية لا يختار اسمًا استعمله أحد أسلافه، كما كان أول بابا يتسمى باسم فرنسيس، الذي يأتي على اسم القديس فرنسيس الأسيزي، وهو الذي لعب دورًا هامًا في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية".

وجاء في تقرير لصحيفة "التلغراف" حينها أن "اختيار البابا لهذا الاسم بالذات يكشف عن الخلفية التي جاء منها، وطريقته المتوقعة لإدارة الكنيسة، إذ يعرف القديس فرنسيس، الذي بزغ اسمه في القرن الثالث عشر بأنه كان من أتباع التيار الإصلاحي في الكنيسة، وقد ترك حياة الترف واختار حياة الزهد تاركًا عائلته وأصدقاءه، وبدأ بالدعوة إلى مساعدة الفقراء ونادى بإعادة بناء الكنيسة". 

وقد أشار الأب غيليرمو ماركو أقرب مساعدي البابا، أنه اختار "هذا الاسم من أجل محاربة الفقر، فلطالما كان من كبار المعجبين بفرنسيس الأسيزي". 
وتعد استقالة بندكتوس أول استقالة لبابا منذ ستة قرون تقريبًا، وتحديدًا منذ البابا غريغوريوس الثاني عشر عام 1415.

البابا الفعلي
وأحدث البابا فرنسيس، الذي تولى منصبه في 2013، تحولات بارزة في الكنيسة الكاثوليكية من خلال سلسلة من الإصلاحات التي شملت الجوانب الاجتماعية الإدارية واللاهوتية.

وجعل البابا من قضايا الفقر والعدالة الاجتماعية محورًا رئيسيًا في فترة ولايته، مؤكدًا على أهمية دعم الفقراء والمهاجرين واللاجئين، وهو ما جعله مكروها في أوساط الكنيسة التقلدية بحسب ما جاء في تقرير صحيفة "التايمز"، كان بعنوان: "إرث البابا فرانسيس: محبوب من الملايين ومكروه من الحرس القديم".

وأبدى البابا مواقف أكثر تقبلا للمثليين والمطلقين، داعيًا إلى احتضانهم داخل الكنيسة، مع الحفاظ على العقيدة التقليدية، وأطلق أيضا إصلاحات داخل الفاتيكان لمحاربة الفساد المالي، وأقال عددًا من المسؤولين في إدارة الكنيسة بسبب قضايا مالية مشبوهة.

وأعلن البابا أن عقوبة الإعدام غير مقبولة في جميع الأحوال، مما يمثل تحولًا كبيرًا في تعليم الكنيسة التقليدي، وعمل على توسيع تمثيل الكرادلة، وعين 163 كاردينالًا جديدًا من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك من دول لم يكن لها تمثيل سابق.

وسمح البابا أيضا للنساء بالمشاركة في التصويت داخل السينودس (هو ملتقى فكري فاتيكاني) وهو تطور وصف بالهام في تعزيز دور المرأة داخل الكنيسة.

وكان البابا واضحا بشأن حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، إذ وصفها بأنه "ليس حربًا، بل إرهاب"، معبرًا عن استيائه من حجم المعاناة التي يتعرض لها المدنيون. 

View this post on Instagram A post shared by Omar khalil (@fahmaw1)
وأثناء الحرب، كان البابا يتصل يوميًا بمسيحيي غزة لتقديم الدعم الروحي والمعنوي، حيث وصفوه بأنه "قديس وقف إلى جانبهم في المحنة". 


وخلال فترة ولايته، اعترف البابا فرنسيس بدولة فلسطين ورفع علمها في الفاتيكان، وزار مدينة بيت لحم حيث صلى في كنيسة المهد وتوقف عند جدار الفصل العنصري، داعيًا إلى السلام وإنهاء الحروب.

تعدد البابوات
في أواخر القرن الرابع عشر، شهدت الكنيسة الكاثوليكية أزمة حادة تُعرف بـ"الانشقاق الغربي" أو "الانشقاق البابوي"، وذلك في الفترة ما بين 1378 حتى 1417، وفيها تنازع ثلاثة باباوات على الشرعية، مما أدى إلى انقسام عميق داخل الكنيسة.

وبدأت الأزمة عندما نقل البابا كليمنت الخامس مقر البابوية من روما إلى أفينيون في فرنسا عام 1309، تحت تأثير الملك الفرنسي فيليب الرابع، واستمر هذا الوضع حتى عام 1377، حيث عاد البابا غريغوري الحادي عشر إلى روما، منهياً فترة تُعرف بـ"بابوية أفينيون".

وبعد وفاة غريغوري الحادي عشر عام 1378، انتخب الكرادلة الإيطاليون البابا أوربان السادس في روما، لكن بسبب سلوك أوربان الصارم، انقسم الكرادلة وانتخبوا البابا كليمنت السابع، الذي أقام في أفينيون. 

وأدى هذا الانقسام إلى وجود بابا في روما وآخر في أفينيون، وكل منهما يدعي الشرعية.

وفي محاولة لحل الانقسام، عقد مجمع في بيزا عام 1409، حيث تم انتخاب البابا ألكسندر الخامس، لكن بدلاً من حل الأزمة، أصبح هناك ثلاثة باباوات متنافسين: في روما، وأفينيون، وبيزا.

وتم حل الأزمة في مجمع كونستانس، حيث تم عزل الباباوات الثلاثة وانتخاب البابا مارتن الخامس عام 1417، مما أعاد الوحدة للكنيسة الكاثوليكية.

الباباوان
وجرى توثيق الحالة الحديثة من وجود بابوين في فيلم "الباباوان - The Two Popes"، للمخرج فرناندو ميريليس وكاتب السيناريو أنتوني مكارتن، الذي يُعدّ من نواحٍ عديدة، سيرة ذاتية لبابا واحد، هو خورخي ماريو بيرغوليو، المعروف لاحقًا بالبابا فرانسيس، مع أن بنديكتوس السادس عشر يظهر أيضًا كشخصية ثانوية مهمة.

ويوثق الفيلم العديد الأحداث الحقيقية ومنها طريقة الانتخاب التي تتم في سرية داخل الفاتيكان عبر الاقتراع السري، ويُعلن عن النتيجة بدخان أبيض أو أسود.



ووثق أيضا "الكونكلاف" (المجمع المغلق لاختيار البابا) عام 2005، بعد وفاة يوحنا بولس الثاني، وشارك فيه 115 كاردينالاً، من بينهم برغوليو وراتزينغر، التسريبات تشير إلى فوز راتزينغر بـ84 صوتًا مقابل 26 لبرغوليو.

وأظهر الفيلم رفض البابا فرنسيس للأحذية الحمراء، وهو أمر حقيقي، ويمثل تواضعه ورغبته في كسر التقاليد البابوية المترفة، بحسب ما جاء في تقرير لمجلة "سلايت".


وطرح الفيلم أيضا فضيحة "فاتيليكس" التي كشفت عن فساد داخلي في الفاتيكان، وأدت إلى اعتقال كبير خدم البابا بندكت، وعرضت أيضا الألبوم الموسيقي الخاص بالبابا المستقيل، لكنه لم يلقَ تقييمًا جيدًا.

وطرح الفيلم بعض الأحداث الخيالية التي لم تحدث على أرض الواقع، ومنها اللقاء السري في 2012 بين الباباوين، وهو ما لم يحدث فعليًا، إذ أن اللقاء المؤكد الوحيد كان بعد استقالة بندكت في 2013.
وابكتر الفيلم حدث خياليا حول نقاش الباباوين حول العقيدة أثناء تناول البيتزا وشرب الفانتا، وهو مشهد متخيل بالكامل، رغم حب بندكت الحقيقي لهذا المشروب.

مقالات مشابهة

  • “الأورومتوسطي” يكشف: السفارة الفرنسية تنسّق مع العدو لتهجير كفاءات غزة
  • غليان ضد قيس سعيد.. الثورة الجديدة وترتيبات اليوم التالي في تونس
  • عمدو مونبولييه الفرنسية يتعهد بمواكبة فاس لتنظيم مونديال 2030
  • صحيفة بريطانية: البابا فرنسيس أشاع السلام فى العالم وكان نصير المهمشين
  • "الجارديان": البابا فرنسيس أشاع السلام وكان نصيرًا للمهمشين حول العالم
  • «الجارديان»: البابا فرنسيس أشاع السلام في العالم وكان نصير المهمشين
  • نهاية عصر الباباوين: حدث نادر عن مستقيل وآخر قاد التغيير
  • تايمز: عصابات المخدرات تسيطر على السجون الفرنسية
  • في عامها الثالث تصعيد جماهيري لوقف الحرب واسترداد الثورة
  • الحكومة الفرنسية تدرس إلغاء التخفيض الضريبي الممنوح للمتقاعدين ضمن موازنة 2026