يا شعبنا المعلم: أشعلت ديسمبر ضد الظلاميين ضد الحرامية!
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
بالأمس وجدت نفسي في الشارع اردد دون وعي: الفيك محرية أشعلت ديسمبر ضد الظلاميين ضد الحرامية!
يا لعبقرية شعارات اختصرت المسيرة الاجرامية الفاسدة في كلمتين!
ثورة تليق بهذا الشعب العظيم الذي فجّر خلال حوالي نصف قرن ثلاث ثورات، شهدت على عظمته وعبقريته وحبه للحرية وكراهيته للظلم والاستبداد.
النظام الكيزاني الذي عرف بالإنقاذ وهو لم ينقذ سوى حزبه ومنسوبيه تاركا الوطن تتقاذفه اعاصير الفتن والحروب التي أوجد ورعى أسبابها.
قاموا بتفكيك كل شيء، أملا في (إعادة صياغة الانسان السوداني)، أملا في تدجينه وطمس هويته وحبه للحرية ورفضه للاستبداد والاستعباد، أملا في شغله بهمومه الشخصية وابعاده عن الهم العام والانشغال بقضية وطنه وأبناء وطنه.
فحرموه من كل حقوقه، من حقه في تعليم أبنائه وعلاجهم، الامر الذي كانت تكفله الدولة قبل نظامهم رغم مواردها المحدودة. وصادروا حريته ودمروا كل مؤسسات الدولة التي تقدم له الخدمات الضرورية. وكان لديهم دائما ذريعة جاهزة: (دول الاستكبار تستهدفنا! الحصار، لأننا نتبنى نهج الإسلام تحاربنا الدول الكبرى!) والدين كان مجرد ستار يرفعونه ويخبئون من خلفه اجرامهم وسرقاتهم ونهبهم لموارد الوطن وتفريطهم في ترابه، وغمطهم لحقوق اهله.
تحول النظام الى مجموعة أجهزة أمنية خرجت من رحم التنظيم، بدلا من ان تشيع تلك الأجهزة الأمان، تحولت الى عصابات جريمة منظمة تتاجر في كل شيء يُحرّمه القانون، وتمارس كل أنواع الانتهاكات من تعذيب واغتصاب وقتل خارج نطاق القانون، وتمددت سلطاتها حتى ابتلعت الدولة كلها.
تطاول ليل ظلمهم حتى يئس الناس من إمكانية التغيير، وركن البعض الى مهادنة النظام الذي سعى للاستفادة من ارث كل الأنظمة القمعية ليبقى في السلطة الى الأبد، وصدقوا اكذوبتهم ان نظامهم هو دولة إسلامية يستحيل سقوطها! لكن الأجيال الجديدة استطاعت ان تصنع التغيير وتفجر الثورة التي زلزلت الكيان المنخور بالفساد.
حين شعرت أجهزة النظام الأمنية أنّ النهاية تقترب بدأت في الاستعداد لوراثة الثورة، بزرع بعض عناصرها، في خطتهم للإنحناء امام عاصفة الغضب الشعبي، بل ومحاولة استغلال الثورة للتخلص من بعض رموز النظام الذين يعوقون تنظيف وجه التنظيم الاجرامي لدى المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية.
ارتكبت قوى الحرية والتغيير الخطأ القاتل حين فاوضت العسكر وقبلت بوجودهم بعد جريمة فض الاعتصام التي خطط لها النظام القديم ونفذها بأجهزته الأمنية وميليشياته انتقاما من الثوار الذين مرغوا بكرامته (ان كانت لديه كرامة) الأرض.
سمح ذلك للثورة المضادة بالعمل من خلف ظهر اللجنة الأمنية لإعاقة كل جهود اصلاح الاقتصاد، ورفع الأنقاض التي تعوق استعادة الدولة للمسار الطبيعي.
وحين تبدى إصرار الحكومة المدنية على فتح ملفات فساد واجرام العهد البائد، كان الانقلاب وحين فشل الانقلاب كانت الحرب التي يدفع ثمن تكلفتها الباهظة المواطن من دمه وماله ومستقبل اطفاله.
انها الكارثة التي حلّت بهذه البلاد منذ أكثر من ثلاثة عقود ولا تزال تداعياتها تثقل كاهل هذا الوطن وتهدد بمزيد من التشظي.
لكن ديسمبر تبقى في قلوب شعبنا، نورا تضئ للأجيال طريق الحرية والكرامة، ترياقا ضد مؤامرات التنظيم الكيزاني الاجرامي، وراية تخفق في وجوه الطغاة الذين لا يتعلمون من دروس التاريخ.
أحمد الملك
ortoot@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
المعلم : صانع الحضارة
بقلم : د. غفران إقبال الشمري ..
عندما نقف أمام المهنة التي تشكل نواة الحضارات وركيزة التقدم، نجد أنفسنا أمام المعلم. فهو ليس مجرد موظف يؤدي ساعات عمل محددة، بل هو القلب النابض الذي ينقل العلم، وينير العقول، ويرسم ملامح المستقبل. ورغم هذه الأهمية العظيمة، نجد أن واقع المعلم في كثير من المجتمعات، ومنها مجتمعنا، لا يعكس مكانته الحقيقية فإنه يُعامل وكأنه موظف ثانوي، تُثقل كاهله الروتين الإداري، وتُهمل احتياجاته، وكأننا نسينا أن الحضارات لا تبنى إلا على أكتاف المعلمين.
وعبر التاريخ، كان للمعلم الدور الأبرز في تشكيل الأمم. فكل فكرة عظيمة، وكل اختراع غيّر مجرى البشرية، وكل قائد ألهم التغيير، كان خلفه معلم. إنه الشخص الذي ينقل القيم، ويرسخ المفاهيم، ويعلم الأجيال كيف تفكر، فمن غيره يستطيع أن يغرس الإبداع في عقول الأطفال؟ ومن غيره يمكنه أن يزرع حب المعرفة في قلوب الشباب؟
لكن في عصرنا الحالي، يبدو أن هذه الحقيقة العظيمة قد أصبحت مجرد شعارات تُردد في المناسبات الرسمية. نسمع كلمات مثل “المعلم هو الأساس” و”المعلم يستحق كل تقدير”، ولكن هل تُترجم هذه الشعارات إلى سياسات حقيقية؟
اذاً تكريم المعلم لا يكون بإطلاق الألقاب الرنانة فقط، بل بإحداث تغيير حقيقي في حياته المهنية والمادية والاجتماعية. فكيف يمكن للمعلم أن يؤدي رسالته السامية وهو يعاني من ضغوط اقتصادية؟ كيف له أن يبدع في التعليم وهو يفتقر إلى التدريب المستمر والموارد الحديثة؟
الحلول واضحة، لكنها تتطلب إرادة حقيقية. أولاً، يجب أن يكون هناك استثمار حقيقي في تأهيل المعلمين وتطويرهم. التعليم مهنة متجددة، وما ينقله المعلم اليوم قد يصبح غير ذي صلة غداً. لذلك، يجب أن يُمنح المعلم فرصاً مستمرة للتعلم والتطوير.
ثانياً، لا بد من تحسين الأوضاع المادية للمعلمين. فلا يمكن أن نطالب المعلم بأن يكون قدوة للأجيال وهو يعاني لضمان حياة كريمة لعائلته. فيجب أن تكون رواتب المعلمين على قدر الجهد الذي يبذلونه، وأن تكون هناك حوافز تشجعهم على الإبداع والابتكار.
ثالثًا، يجب أن تُعزز مكانة المعلم في المجتمع. وهذا لا يكون فقط من خلال التشريعات، بل عبر حملات توعية تُعيد للمجتمع احترامه للمعلم. فكما يُقال، “من علمني حرفاً صرت له عبداً”، ولكن في واقعنا اليوم، يبدو أن هذا الاحترام قد تآكل بفعل تغييرات اجتماعية وثقافية.
بدلاً من أن يُعامل المعلم كموظف يؤدي مهام محددة، يجب أن يُنظر إليه كقائد تربوي. فالمعلم ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل هو موجه وملهم. ومن أجل تحقيق هذا التحول، لا بد من تغيير النظرة السائدة تجاه التعليم ككل. التعليم ليس خدمة تقدمها الدولة للمواطنين، بل هو استثمار في مستقبل الأمة.
عندما نُمكّن المعلم ونضعه في المكانة التي يستحقها، فإننا نُمكّن المجتمع بأسره. فالطالب الذي يتعلم على يد معلم متمكن ومُلهم، سيكون قادراً على الإبداع والابتكار، وسيكون إضافة حقيقية لمجتمعه.
إلى كل من يملك سلطة التأثير في سياسات التعليم: إن الاستثمار في المعلم هو استثمار في مستقبل الأمة. لا تكتفوا بالشعارات، بل اجعلوا التغيير واقعًا. أعيدوا للمعلم مكانته، وامنحوه الأدوات التي يحتاجها ليؤدي رسالته، فالمعلم ليس مهنة عادية.. إنه صانع حضارات.
بيد إن بناء الحضارات يبدأ من بناء الإنسان، وبناء الإنسان يبدأ من التعليم، والتعليم يبدأ من المعلم. لذا، علينا جميعاً أن ندرك أن النهوض بحال المعلم هو الخطوة الأولى نحو النهوض بالأمة. فإذا أردنا أن نصنع مستقبلاً أفضل، فعلينا أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع المعلم، ليس كموظف، بل كمهندس للحضارة.