الحرب والأدب – رائحة الدم وسلطة الحكي
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
منذ البدء أدركت أن الحرب، كالأدب، هي فن قلة أدب... مؤلم ولكنه مغرٍ. لم يكن مطلوباً من الحروب أن "تصلح" العالم، بل إن أكثر الحروب دماراً كانت تحركها دوافع لا أخلاقية: السلطة، المال، الانتقام، وأحياناً مجرد النزوات. مثل الأدب، الحروب التي تُشعل الصفحات وتجذب الأنظار هي تلك التي تقلب الطاولة على الرتابة وتعيد ترتيب الأدوار، حيث يصبح الضعيف قوياً والقوي هشاً، ولو للحظات.
لا تبتعد الحرب كثيراً عن وظيفة الطُّعم في الروايات. إنها لعبة يجيدها الكبار الذين يكتبون مصائر الشعوب بالرصاص والقنابل. في كل حرب، قصة غير مكتملة تحتاج لشهودٍ كي تكتمل: شهداء في الأرض، أرقام على الشاشات، وذاكرة مشوهة.
الأدب والحرب شهوة الحكي وصمت الفجيعة
الحروب، كما الأدب، تجرّ كتّابها نحو التناقضات. ماركيز دو ساد كانت فجاجته في الأدب انعكاساً لتخيلاته المتطرفة، أما أدب الحروب العربية فكان مرآةً لنفاق واقعها. الحرب، في عمقها، تشبه الجنس في الأدب: محرك خفي للمشاعر والقرارات، محرّم أحياناً، لكنه حاضر كظل ثقيل في كل زاوية.
مثلما كانت رواية "أنا أحيا" لليلى بعلبكي تصرخ في وجه الصمت المجتمعي، تخرج الحروب بوحشيتها لتكشف عن ضعف الشعوب وقوة الحاكم، لتعيد ترتيب الخرائط السياسية والمجتمعية كما تفعل الروايات الجريئة بنصوصها. محمد شكري جُرّ إلى المنع بسبب الكتابة عن جسده، بينما تُساق شعوب بأكملها نحو الموت بسبب أجساد تملك السلطة ولا تُمس.
لغة الدماء و"ماركيتينغ" الحرب
في زمن "البيست سيلر"، الحروب أيضاً تخضع لقواعد السوق. مشاهد الدمار تُباع، وصور اللاجئين تُستهلك، وقصص الأبطال تُصنع في مكاتب العلاقات العامة. الحرب، مثل الأدب الرديء، قد تبدو مفبركة أحياناً، لكن تأثيرها حقيقي ومدمر. الفرق الوحيد هو أن النصوص تُطوى بينما الجثث تُترك للتراب.
أدب الحروب من الاحتشام إلى الوقاحة
كما الجنس في الأدب، تتأرجح الحروب بين الوقاحة المفرطة والاحتشام الزائف. هناك من يكتب عن الحرب كفعل نبيل، وهناك من يراها مجرّد أداة لنشر الخوف وإحكام السيطرة. الحروب تبيع نفسها للجماهير كضرورة، لكنها في جوهرها تظل كاتباً مهووساً بتسجيل الفوضى.
سؤال السقوط هل يفقد الأديب قيمته؟
حين يكتب الأديب عن الجنس، بشكل مباشر أو فاضح، وحين يغوص في المناطق المحرمة من الذات والواقع، تُثار أسئلة حول أخلاقيته ودوره. لكن، هل يُسقط ذلك الأديب من عليائه؟ أم أن الأدب بطبيعته فعل تمرّد على الخطوط الحمراء؟
يبقى السؤال معلقاً في الهواء، بلا إجابة حاسمة هل يكتب الأديب ليصنع فناً خالداً يتسامى على القبح، أم يكتب ليواجهنا بمرآة صادمة تكشف أكثر أوجهنا انكساراً؟ وهل يكفي الالتزام بالقيم، أم أن الحقيقة—مهما كانت عارية—هي القيمة العليا في الكتابة؟
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
سنعيد الفطرة السليمة.. وزارة الصحة الأميركية تحدث تعريف الذكر والأنثى
أصدرت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية إرشادات لتحديث تعريفاتها الرسمية لمصطلحات مثل الجنس والأنثى والذكر، وذلك بعد أوامر تنفيذية أصدرها الرئيس دونالد ترامب تستهدف ظاهرة ما يعرف بـ"المثليين والمتحولين جنسيا".
وقال روبرت إف. كنيدي الابن بعد تعيينه وزيرا للصحة والخدمات الإنسانية الأسبوع الماضي إن هذه الإدارة "ستعيد الفطرة السليمة وتعيد الحقيقة البيولوجية إلى الحكومة الاتحادية".
وأضاف "سياسة الإدارة السابقة التي كانت تحاول إدخال أيديولوجية النوع الاجتماعي في كل جانب من جوانب الحياة العامة قد انتهت".
ويسعى ترامب إلى إنهاء ما يصفه بأنه ترويج حكومي "لأيديولوجية النوع الاجتماعي"، وهو مصطلح يتسع نطاقه وتستخدمه الجماعات المحافظة معظم الأحيان للإشارة إلى أيديولوجيات تروج لوجهات نظر غير تقليدية بشأن الجنس والنوع.
وتعرف الإرشادات الصادرة أمس الأربعاء الأنثى بأنها "شخص ذو جهاز تناسلي وظيفته البيولوجية هي إنتاج البويضات" والذكر على أنه "شخص ذو جهاز تناسلي وظيفته البيولوجية هي إنتاج الحيوانات المنوية".
وأوضحت الإرشادات أن "جنس الإنسان، سواء الأنثى أو الذكر، يحدَد وراثيا عند الحمل (الإخصاب)، ويمكن ملاحظته قبل الولادة".
إعلانوقالت وزارة الصحة إنها ستمتثل لأمر تنفيذي آخر لترامب من خلال اتخاذ خطوات نحو منع "التشويه الكيميائي والجراحي" للأطفال، في إشارة واضحة إلى علاجات تشمل أدوية منع البلوغ والهرمونات وأحيانا التدخل الجراحي.
أوامر تنفيذية وإجراءات سابقةومنذ اليوم الأول لتسلمه السلطة أصدر ترامب وإدارته سلسلة أوامر تنفيذية وقرارات تهدف إلى وقف ما يصفه ترامب بـ"جنون التحول الجنسي".
فقد أصدر ترامب أمرا تنفيذيا في أول يوم لتوليه منصبه بوجود "جنسين فقط" يُحددان عند الولادة.
ونصّ المرسوم الذي يهدف إلى "إحياء الحقيقة البيولوجية" على "عدم جواز استخدام الأموال الاتحادية لتشجيع عقيدة النوع الاجتماعي".
وأمرت الإدارة الأميركية الجديدة، الوكالات الاتحادية بحذف أي إشارة إلى "أيديولوجية النوع" في العقود، وتوصيفات الوظائف، وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي بما يتماشى مع أمر تنفيذي يجبر الحكومة على الاعتراف بجنسين فقط.
وتسعى مذكرة أصدرها مكتب إدارة الموظفين الأميركيين أمس الأربعاء إلى تنفيذ أمر أصدره ترامب يلزم الوكالات الاتحادية "بالاعتراف بأن النساء إناث بيولوجيا، والرجال ذكور بيولوجيا".
وجاء في المذكرة أنه يجب على الوكالات الاتحادية مراجعة جميع توصيفات الوظائف، ووضع أي موظف "يتضمن وصف وظيفته غرس أو تعزيز أيديولوجية النوع" في إجازة.
كما أصدر ترامب أمرا تنفيذيا يهدف إلى تقييد إجراءات المتحولين جنسيا للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 19 عاما.
ويشمل الأمر وقف التمويل الفدرالي للرعاية الصحية المتعلقة بالتحول الجنسي للقاصرين عبر برامج مثل "ميديكايد" و"ميديكير" وتأمين وزارة الدفاع، الذي يغطي نحو مليوني طفل.
كذلك يُلزم الأمر الكليات الطبية والمستشفيات التي تتلقى تمويلا حكوميا بوقف تقديم ما وصفه البيت الأبيض "بالتشويه الكيميائي والجراحي" الذي يشمل جراحات تغيير الجنس والهرمونات وأدوية تأخير البلوغ.
إعلان وقف جوازات "إكس"ولاحقا، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها أوقفت إصدار جوازات السفر التي تحمل الجنس "إكس" للأشخاص الذين يُصنفون أنفسهم ذوي هوية جنسية "غير ثنائية".
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أصدرت أول جواز سفر يحمل الجنس "إكس" في أكتوبر/تشرين الأول 2021 في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
وتخصص خانة إكس "للأشخاص غير ثنائيي الجنس"، كما تشمل أولئك الذين "لا يصنفون هويتهم الجنسية ضمن معايير النوع الاجتماعي" المعروفة.