إمام المسجد الحرام يوضح فضل العلم في خطبة الجمعة: «يسهل الله به دخول الجنة»
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
أمّ إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة خياط، المصلين في صلاة الجمعة قائلاً: «إذا كان العلم لدى كثير من الناس، قِوام الحياة، وأساس النهضات، وعِماد الحضارات، ووسيلة التقدُّم للأفراد والمجتمعات، فإنه لدى أولي الألباب من عباد الرحمن فوق ذلك كله إذ هو طريقٌ يسهِّل الله به دخول الجنَّة دار السلام، والحظوة فيها بالنعيم المقيم، الذي لا ينفد ولا يبيد».
وأضاف خلال خطبته: «لقد بيَّن ذلك وأرشد إليه، رسول الهدى بقوله: وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ»، ولذا فإن العلم سبب السعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال معاذ بن جبل: «العلم حياةُ القلوبِ من الجهلِ، ومصابيحُ الأبصارِ من الظُّلَمِ، يبلغ العبدُ بالعلم منازلَ الأخيارِ، والدَّرجاتِ العلى في الدنيا والآخرة، به تُوصَلُ الأرحامُ، وبه يُعرَفُ الحلالُ من الحرامِ، وهو إمامُ العملِ، والعملُ تابعُه، يُلهَمُه السُّعداءُ، ويُحرَمُه الأشقياءُ، فليس عجبًا أن تكون أول آية نزلت من كتاب الله تعالى، دعوةً إلى التعلُّم، وتعظيمًا لشأن المعرفة، وتنويهًا بقيمة القلم والقراءة؛ لأنَّهما طريق الوصول إليه، ووسيلة النَّهل من معينه، حيث قال سبحانه: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾.
وأضاف «خياط»، وفق بيان صادر عن رئاسة شؤون الحرمين: لقد نوه سبحانه بفضل العلم وأهله، ورفعة منزلتهم، وعُلوِّ كعبهم، وشرف مقامهم، ونفى المساواة بينهم وبين غيرهم، حيث قال عزَّ اسمه: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، و جعل سبحانه للعلماء مقام الخشية الحقَّة منه؛ لأن العلم أرشدهم إلى كمال قدرته، وعظيم قوته، وبديع صفاته، فزادهم ذلك هيبة منه، وإجلالًا له، فقال عزَّ من قائل: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾.
«خياط» يستعرض فضل العلمكما شبه عز وجل العالم بالبصير، والجاهل بالأعمى والأصم، كما شبه كذلك العلم والإيمان بالنور، والجهل والكفر بالظلمات، ونفى المساواة بينهما كما تنتفي المساواة بين الظلِّ والحَرور الذي يُتضرَّر به، وكما لا يستوي الأحياء بنور العلم والإيمان، ولا الأموات الذين نَسوا الله وأعرضوا عن نوره، فأمات الله قلوبهم، فهي بذلك لا تتأثر بموعظة، ولا تستجيب لداعي الهدى، فقال -عزَّ وجلَّ-: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾. وقرن جل وعلا أهل العلم بذكر الملائكة في شهادتهم بالوحدانية لله تعالى، باستيقانهم أنَّه لا معبود بحق إلا الله، فعبدوه حق العبادة، ونَفَوا عنه الشركاء، فقال: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: في سُنَّة رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- يا عباد الله، ما لا يكاد يستوعبه الحصر، فمن ذلك: ما أخرجه الترمذي في جامعه بإسناد صحيح، عن أبي أُمَامة الباهلي –رضي الله عنه- أنَّه قال: «ذُكِر لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- رجلان أحدهما عابد والآخرُ عالمٌ فقالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ-: فضلُ العالِمِ على العابدِ كفضلي على أدناكُم ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ: إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةِ في جُحرِها وحتَّى الحوتِ ليصلُّونَ على مُعلِّم النَّاسِ الخير».
وبيّن «خياط»: إنَّه لفضل قد بلغ الغاية، ولما لا يكون كذلك، وقد بيَّن رسول الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّ العلماء هم ورثة الأنبياء حقًّا؛ لأنَّ الميراث الذي تركه الأنبياء هو العلم، فقال عليه الصلاة والسلام: «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ، والحيتانِ في جوف الماءِ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ ليلة البدرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا وإنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ».
تعلَّم العِلم فإن كان لك مالٌ كان لك جمالًاوتابع، أخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ العلم النافع هو أحد ثلاث خِصال يستمر ثوابها موصولًا لصاحبه، فلا ينقطع بموته، فقال: «إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٌ صالحٌ يدعو له»، إلى غير ذلك من نصوص الوحيين، الدالَّة على فضل العلم وأهله، وشرف منازلهم، وكريم مآلهم، مما كان له أعظم الآثار وأعمقها في نفوس السلف الصالح-رضوان الله عليهم-، فهذا الإمام محمد بن شهاب الزهري يقول: «لَأنْ أجلِسَ ساعةً فأتفَقَّهَ أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أُحييَ لَيلةً إلى الصَّباحِ».
ويقول مصعب بن الزبير: «تعلَّم العِلم فإن كان لك مالٌ كان لك جمالًا، وإن لم يكن لك مالٌ كان لك مالًا»، وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا رأى طلاب العلم قال: «مرحبًا بكم ينابيع الحكمة، ومصابيح الظلمة، خلقان الثياب، جدد القلوب، رياحين كل قبيلة».
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: أفلا يجدر إذًا بكل طالب علم، وبكل آخذٍ منه بطرف، وبكل ضاربٍ فيه بسهمٍ، أن يكون له في الإقبال عليه: عزمٌ ماضٍ لا ينثني، وأن تكون له في طلبه وفي الاشتغال به، نيِّة خالصة، ومقصودٌ حسن، بأن يبتغي به وجه ربه الأعلى، لا ليصيب به عرضًا من الدنيا، ولا ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه، فقد جاء الوعيد الصارخ لمن قصد إلى ذلك أو اتصف به، في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة في سننه وابن حبان في صحيحه بإسناد صحيح عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعلَّموا العِلمَ لِتُبَاهُوا بهِ العلَماءَ ، و لا تُماروا بهِ السُّفهاءَ ، و لا تَخيَّروا بهِ المَجالسَ ، فمَن فعل ذلكَ فالنَّارُ النَّارُ».
قوَّة المسلم في علمه وعملهأوضح، وفي رواية لابن ماجة من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: «فمن فعل ذلك فهو في النار»، كما يتعين على طالب العلم أن يذكر أنَّه إذا كان المؤمن القوي خيرًا وأحبَّ إلى الله من المؤمن الضعيف، فإن من القوَّة المحبوبة عند الله تعالى، قوَّة المسلم في علمه وعمله، تلك المتمثلة في كمال المحبة لهذا العلم، ودوام المدارسة له، والاستكثار من البحث في دقائقه، والكشف عن غوامضه، والاستعانة على التمكُّن من أزمِّته بالعمل به وتعليمه، ولا ريب أنَّ قوَّة المسلم هي قوَّة لأمَّته، وأنَّ كلَّ ما يحرزه من تفوُّق، أو يصيبه من نجاح، أو يبلغه من توفيق، عائدٌ أثره عليها لا محالة.
وتابع «خياط»: أنه وإن كان المراد بالعلم الميراث النبوي، وهو علم الكتاب والسنة وما له تعلقٌ بهما، إلا إنَّ الحق أنه شامل أيضًا لكل علم تنتفع به الأمة، ويعلو به قدرها، ويعزُّ به جانبها، ويكثر به خيرها، ويضطرد به تقدُّمها، وتأخذ به مكانها بين الأمم، ويكون سببًا في رسم الصورة الصحيحة الحقة لهذا الدين، في ربطه بين الدين والدنيا، وسعيه لكافة شعائره وشرائعه؛ لتحقيق السعادة للمسلم في الحياتين.
أضاف أنه في العناية بعلوم الحياة على اختلاف ألوانها عنايةً بعلوم الكتاب والسنة، ببيان جملةٍ وافرة من معانيهما، بالاستعانة بما تقدمه تلك العلوم من فوائد وقواعد، وما توفره من وسائل، وما تستند إليه من كشوفٍ ومخترعات، قائلا: «اتقوا الله عباد الله، واحرصوا على الاشتغال بكل علمٍ نافع، وكل عملٍ صالح، تبلغون به رضوان الله، والرفعة لأمتكم في حياتكم الدنيا».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام إمام المسجد الحرام خطبة الجمعة ى الله علیه وسل المسجد الحرام رضی الله عنه رسول الله رسول الل ل الله
إقرأ أيضاً:
دعاء للأخ في يوم الجمعة المبارك
دعاء للأخ في يوم الجمعة، يُعتبر يوم الجمعة من أفضل أيام الأسبوع، حيث يحمل مكانة عظيمة في الدين الإسلامي، وقد وردت فيه أحاديث كثيرة تشير إلى أهميته وفضله.
في هذا اليوم المبارك، يُستحب الإكثار من الدعاء والتقرب إلى الله تعالى، فهو يوم تجتمع فيه البركات والنفحات الإلهية، وتُستجاب فيه الدعوات بإذن الله.
إن الأخ هو نعمة من الله وهبة عظيمة، فالأخوة رابطة قوية تحمل في طياتها الحب والتآزر والتضحية.
فمن الواجب أن نتذكر إخواننا دائمًا في دعائنا، وخاصة في الأوقات المباركة، كوقت صلاة الجمعة وساعة الاستجابة فيها.
إن الدعاء للأخ لا يعبر فقط عن مشاعر المودة والاهتمام، بل يُعد بابًا من أبواب التقرب إلى الله عبر الدعاء بظهر الغيب، الذي أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى فضله الكبير.
أهمية الدعاء للأخالدعاء للأخ له تأثير كبير على النفس والعلاقة بين الإخوة، فهو يبعث في القلوب الطمأنينة ويزيد من المحبة والبركة.
دعاء للأخ في يوم الجمعة المبارككما أن الدعاء لشخص بظهر الغيب يُستجاب سريعًا، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل" (رواه مسلم).
لذلك، حين تدعو لأخيك، فإنك تحصل على الأجر والبركة من الله وتضاعف خير الدعاء لنفسك أيضًا.
أمثلة على دعاء للأخ في يوم الجمعة1. اللهم في يوم الجمعة، أسألك أن تبارك لأخي في عمره وعمله، وأن تحفظه بعينك التي لا تنام، وترزقه الصحة والعافية والرزق الواسع.
يا رب، اجعل كل أمر عسير في حياته يسيرًا واملأ قلبه بالسعادة والرضا.
2. اللهم اجعل يوم الجمعة هذا يومًا مباركًا لأخي، واغفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه، وبارك له في حياته، واحفظه من كل سوء، وارزقه الخير من حيث لا يحتسب.
3. يا رب، في هذا اليوم الفضيل، أسألك أن تحقق لأخي كل أمانيه وتكتب له التوفيق والسعادة في كل خطواته، وأن ترزقه من الخير ما يعلم وما لا يعلم. اجعل قلبه مطمئنًا وقربه منك يا أرحم الراحمين.
4. اللهم يا كريم، في يوم الجمعة المبارك، أسألك أن تسعد قلب أخي، وتجعل له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا، واغمره بالرضا والسعادة، وامنحه القوة والصبر على مواجهة صعوبات الحياة.
5. اللهم لا تحرم أخي من رحمتك في الدنيا والآخرة، واغفر له، وبارك له في أهله وماله ووقته، وارزقه التقوى وحسن الخاتمة.
اجعل حياته مليئة بالخير والبركة، واجعل له نصيبًا من كل سعادة.
فضل يوم الجمعة وأهم العبادات المستحبة فيه فضائل الدعاء للأخ1. سبب لزيادة المحبة والألفة: الدعاء يزيد من روابط الحب بين الإخوة، ويُعبر عن مشاعر الاهتمام والتقدير.
2. وسيلة لحماية الأخ من الشرور: بالدعاء، نستودع الله أحبابنا، ونسأله أن يحفظهم من كل مكروه.
3. باب من أبواب الرحمة الإلهية: دعاء المسلم لأخيه يجعل الملائكة تدعو له بالمثل، مما يجلب بركة عظيمة في حياته.
هناك ساعة في يوم الجمعة يُستجاب فيها الدعاء، وقد اختلف العلماء في تحديدها، ولكن من الأوقات المستحبة الدعاء فيها:
دعاء للأخ في يوم الجمعة المباركما بين جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة.
الساعة الأخيرة من النهار قبل غروب الشمس.
لذلك، يُستحب أن يتحرى المسلم هذه الأوقات ليدعو لأخيه بما يحب، ويكثر من الاستغفار والذكر، طالبًا من الله تحقيق أمانيه ورغباته.
إن الدعاء للأخ في يوم الجمعة يعبر عن أسمى معاني الأخوة الحقيقية، حيث يُظهر التقدير والحرص على مصلحته وسعادته.
فاحرص على أن تكون تلك الرابطة قوية ومباركة، وتذكر دائمًا أن تسأل الله كل خير لأحبائك وأخيك في هذا اليوم الفضيل.