الأكراد بين فخ التاريخ وبؤس الجغرافيا
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
جغرافيا سياسية بائسة حولت الأكراد عبر التاريخ إلى أدوات بين القوى الإقليمية والدولية وكبش فداء في الوقت نفسه، وما شهده الأكراد في سوريا منذ عام 2011 آخر الشواهد التاريخية على بؤس الجغرافيا وخيانة التاريخ.
خلفيات تاريخية
بدأت المسألة الكردية منذ القرن السادس عشر نتيجة الصراع بين الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية في معركة جالديران عام 1514، كان من نتائجها الاتفاق على عدم إقامة كيان كردي مستقل، ثم الاتفاق عام 1555 على تقسيم منطقة كردستان بين الإمبراطوريتين.
استمر الوضع على ما هو عليه حتى مطلع القرن العشرين مع انهيار الإمبراطورية العثمانية، فاستغل الأكراد اتفاقية سايكس بيكو الموقعة عام 1916، الخاصة بتقسيم التركة العثمانية، للحصول على كيان مستقل.
نجح الأكراد في وضع قضيتهم على بساط المجتمع الدولي والحصول على دعم دولي عبرت عنه اتفاقية سيفر عام 1920 التي ألزمت الدولة العثمانية بالتخلي عن الأراضي التي يقطنها غير الناطقين بالتركية، وحل المشكلة الكردية على مراحل تنتهي بالاستقلال.
مع قلة الخيارات الكردية، تجد "الإدارة الذاتية الكردية" و"قوات سوريا الديمقراطية" أنفسهم بين أفخاخ التاريخ وبؤس الجغرافيا، لكن هذه المرة يبدو من الخطاب الكردي أن ثمة وعي بحقائق التاريخ وواقع الجغرافيا.لكن المعاهدة بقيت حبرا على ورق مع وصول مصطفى كمال أتاتورك إلى رئاسة تركيا وتأسيسه لما عرف بتركيا الحديثة ذات الحدود القومية الواضحة، وبسبب موقع تركيا الجيوسياسي، واستعاد الدولة لتواجدها، تغاضى المجتمع الدولي عن العهود التي منحها للأكراد.
تكرر الأمر نفسه في العراق، فقد استغلت لندن ظلمهم من أجل تحريضهم ضد الدولة العراقية مطلع عشرينيات القرن الماضي، لكن التحرك الكردي أخذ بعدا آخر في ستينيات القرن الماضي، فنظموا أول تمرد عسكري عام 1961 ضد حكومة بغداد بدعم من تركيا وإيران وإسرائيل بسبب عداوتهم لبغداد، لكن هذه الدول الثلاثة تخلت أخيرا عن الأكراد وتركتهم لمصيرهم مع الدولة العراقية بعيد توقيع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران عام 1975.
مع الغزو الأميركي للعراق عام 1991، بدأ ما يمكن تسميته الربيع الكردي، فقد حصلوا على دعم سياسي وعسكري أميركي مكنهم من إقامة حكما ذاتيا (إقليم كردستان العراق).
في عام 2017، وبسبب الخلاف مع بغداد على عوائد النفط، نظم إقليم كردستان استفتاءً للانفصال، حصل على تأييد أكثر من 90 % من أصوات الأكراد، لكن خذلان الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والقوى الإقليمية وتعنت بغداد، أحبط المشروع الانفصالي.
ظروف الحرب السورية
استغل الأكراد انسحاب قوات النظام السوري من مناطقهم منذ عام 2012 لتشكيل قوة عسكرية سرعان ما حصلت على دعم عسكري أميركي مع نشوء "تنظيم الدولة" وتوسعه في سوريا.
نشأ لدى أكراد سوريا فورة قومية ناجمة عن قوة عسكرية ودعم من الولايات المتحدة، فوسعوا سيطرتهم في سوريا، ثم بدأوا بترتيب بيتهم السياسي على أمل استغلال اللحظة التاريخية التي تمنحهم إما حقوقا كاملة ضمن دولة سورية موحدة، أو كيانا ذاتيا على غرار إقليم كردستان العراق.
لكن الخذلان الإقليمي والدولي كان حاضرا دائما، وكان الأكراد عام ألفين وستة عشر على موعد مع بدء تركيا أولى عملياتها العسكرية في سوريا (درع الفرات)، ثم أعقبت عام 2018 بعملية عسكرية أخرى (غصن الزيتون) ثم بعملية ثالثة عام 2019 (نبع السلام)، لم تلق اعتراضا أميركيا.
أدت هذه العمليات العسكرية الثلاثة إلى قضم أراضي كانت تحت هيمنة "قوات سوريا الديمقراطية"، وجعلتهم بين فكي كماشة: قوات المعارضة السورية والجيش التركي في الشمال والشمال الغربي، وبين قوات النظام السوري في الشرق والجنوب الغربي.
واقع جديد
مع سقوط نظام الأسد وسيطرة المعارضة المسلحة على الحكم في سوريا، نشأ واقع جديد، ونشأت معه مقاربات إقليمية ودولية جديدة حيال سوريا، عنوانها الرئيس وحدة الأراضي السورية.
تغير أدركه الاكراد سريعا، فرفعوا علم سوريا على مقراتهم بدلا من علم الإدارة الذاتية، في إشارة إلى تأييد وحدة الأراضي السورية، لكن الأكراد الواعين أيضا للحظة التاريخية الفارقة ولقوتهم وتماسكهم في آن معا، أعلنوا أنهم لن يكونوا جزءا من مشروع الدولة الجديدة إلا بعد مفاوضات مع المعارضة على تفاصيل الدستور الجديد وتشكيل الإدارة الجديدة وضمان حقوق جميع المكونات السورية.
إذا كانت الحقوق الكردية قد تحولت خلال السنوات الماضية إلى مسألة وطنية يُجمع عليها كل السوريين، فإن عملية الوصول إلى هذه الأهداف قد تؤدي إلى تفجر الوضع: الأكراد يطالبون أولا بمفاوضات حول حقوقهم وطبيعة النظام السياسي المقبل، في حين تُولي فصائل المعارضة وتركيا الأولوية إلى ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية في ساحة سورية ليست مستقر ومُهددة.خطاب متناقض في الظاهر، في أحد وجوهه ليونة تعكس تراجع الوفرة القومية التي نشأت خلال السنوات الماضية في الوعي لصالح مشروع وطني جامع لكل السوريين، وفي وجهه الآخر تشدد يعكس وعي فائض بالقوة العسكرية.
وإذا كانت الحقوق الكردية قد تحولت خلال السنوات الماضية إلى مسألة وطنية يُجمع عليها كل السوريين، فإن عملية الوصول إلى هذه الأهداف قد تؤدي إلى تفجر الوضع: الأكراد يطالبون أولا بمفاوضات حول حقوقهم وطبيعة النظام السياسي المقبل، في حين تُولي فصائل المعارضة وتركيا الأولوية إلى ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية في ساحة سورية ليست مستقر ومُهددة.
هنا، يجد الأكراد أنفسهم في عنق الزجاجة، فلا واقع ميداني متناقض يمكن اللعب عليه الآن بعد سقوط النظام السوري وخروج روسيا وإيران من المعادلة، وتوجه أميركي جديد داعم لوحدة سوريا، ولا مرونة لدى حكام سوريا الجدد المدعومون من تركيا، العدو اللدود للإدارة الذاتية الكردية.
وليس معروفا حتى الآن في ظل تطورات الأوضاع في سوريا من جهة، والخذلان الأميركي للأكراد من جهة أخرى، ما إذا كانت المسألة ستحل بقوة السلاح أم بتنازل كردي عسكري.
ومع قلة الخيارات الكردية، تجد "الإدارة الذاتية الكردية" و"قوات سوريا الديمقراطية" أنفسهم بين أفخاخ التاريخ وبؤس الجغرافيا، لكن هذه المرة يبدو من الخطاب الكردي أن ثمة وعي بحقائق التاريخ وواقع الجغرافيا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الاكراد سوريا اكراد سياسة رأي مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
برج الفتاة أسطورة التاريخ والحب ولؤلؤة إسطنبول
إسطنبول- تقول الأسطورة إن ملكا بيزنطيا تلقى نبوءة بأن ابنته ستموت بلدغة أفعى في عيد ميلادها ليقرر الملك بعدها حماية ابنته بأن يبني لها برجا على الجزيرة المعزولة وسط البوسفور والمحاطة بالمياه من كل جانب.
وتكمل الأسطورة أنه في يوم ميلاد الفتاة يرسل لها سلة من الفاكهة في مقر إقامتها داخل البرج وكانت الأفعى مختبئة في تلك السلة، وما إن مدت الأميرة يدها لتلتقط حبة فاكهة حتى لدغتها الأفعى وماتت الأميرة، كما تقول النبوءة.
هذه ليست الأسطورة الوحيدة التي تروى على برج الفتاة في بحر مرمرة بمدينة إسطنبول، ولكن هناك أسطورة أخرى وهي "أسطورة لياندروس" والتي تحكي عن قصة حب بين الفتى لياندروس وفتاة تعيش على الجانب الآخر من البوسفور.
البرج خضع لترميمات وأعيد فتحه للجمهور في 2023 (شترستوك)وكان هذا الفتى يسبح كل ليلة للوصول إلى حبيبته، معتمدا على الضوء الصادر من منارة البرج، لكن مصباحها الذي كان يرشده انطفأ ذات ليلة وهو في عرض البحر، فضل طريقه وغرق ومات، لذا فإن بعض المصادر تطلق على البرج اسم "برج ليون" تخليدا لذكراه، وقد أضافت هذه الأسطورة بعدا رومانسيا للمكان، وأصبحت جزءا من التراث الشعبي الذي يحيط ببرج الفتاة، كرمز للحب والتضحية.
برج الفتاة أو "كز كولاسيه" (Kız Kulesi) يعد واحدا من أبرز المعالم السياحية في إسطنبول، يجمع بين التاريخ الغني والأساطير الرومانسية، ويحتل موقعا إستراتيجيا في مضيق البوسفور الذي يربط البحر الأسود ببحر مرمرة.
تم بناء البرج في الأصل كمنارة بحرية للدفاع والمراقبة، لكنه تطور عبر العصور ليصبح معلما سياحيا وثقافيا مهمًّا، يعكس التراث البيزنطي والعثماني الذي شكّل هوية المدينة.
إعلان تاريخ البرجالبرج الذي نراه الآن، هو نتاج لتاريخ طويل من التحولات والابتكارات التي بدأت منذ أكثر من 2500 عام، حيث يعود تاريخه إلى القرن الخامس قبل الميلاد، عندما تم بناؤه لأول مرة من الخشب على الجزيرة الصغيرة في مضيق البوسفور لأغراض دفاعية وتجارية بأمر من الحاكم الأثيني ألكيبيادس.
برج الفتاة من أهم الجزر الواقعة في مضيق البوسفور (شترستوك)وقد خضع البرج للعديد من التحسينات والتعديلات في بنائه على مر العصور، ففي الفترة البيزنطية تم تحويله إلى نقطة دفاعية أساسية لحماية المدينة من الهجمات البحرية، ثم جرى تعزيز هيكله ليصبح من الحجر بدلا من الخشب.
وأما في الحقبة العثمانية، فقد شهد البرج تحولا كبيرا تحت حكم السلطان أحمد الثالث، حيث تم تجديده وإضافة طابع معماري يعكس الأسلوب العثماني المميز، كما استخدم البرج خلال هذه الفترة كمنارة لتنظيم حركة السفن في البوسفور، وأيضا كحجر صحي خلال تفشي الأمراض والأوبئة.
متحف ومركز ثقافيوشهد برج الفتاة تحولا كبيرا في العصر الحديث، فقد قامت وزارة الثقافة والسياحة التركية، في إطار مبادرتها للحفاظ على المعالم التاريخية بالمدينة، بإخضاع البرج لعملية ترميم واسعة بدأت في مايو/أيار عام 2021 واستمرت لمدة عامين، وأعيد فتحه للجمهور في مايو/أيار 2023.
يمكن الوصول لبرج الفتاة عبر رحلات تنطلق من موانئ أسكودار وغالاتا في الجانب الآسيوي لإسطنبول (بيكسابي)ونتج عن هذه الترميمات إعادة البرج إلى شكله المعماري الأصلي إبان فترة حكم السلطان العثماني محمود الثاني (1808-1839)، كما شملت أيضا تحويله إلى متحف يعرض تاريخه وأدواره المختلفة عبر العصور.
سياحة وترفيهويمكن الوصول إلى برج الفتاة عبر رحلات تنطلق من موانئ أسكودار وغالات، وتستغرق الرحلة بضع دقائق فقط، فالجزيرة الصغيرة التي يقع عليها تبعد تقريبا نحو 180 مترا عن ساحل منطقة سالاجاك في أسكودار بالجانب الآسيوي.
ويبلغ ارتفاع البرج نحو 35 مترا، ويتكون من عدة طوابق، الطابق الأرضي والأول منه يحتويان على مقهى ومطعم، كما يمكن الصعود لأعلى البرج للتمتع بإطلالات بانورامية على مياه البوسفور، وجانبي المدينة الآسيوي والأوروبي.
أحد أبرز الأنشطة التي يمكن للزوار الاستمتاع بها عند زيارة البرج هي العروض الليزرية الليلية التي تقام بعد غروب الشمس، وهي تسرد قصة البرج من خلال مزيج فني من الصوت والضوء، مما يضفي جوا سحريا على المكان.
برج القناة يقدم جولات تعليمية تهدف إلى تثقيف الزوار حول التاريخ العريق للبرج (الجزيرة) منارة محلية وعالميةوإلى جانب الأنشطة الترفيهية، يقدم برج الفتاة أيضا جولات تعليمية تهدف إلى تثقيف الزوار حول التاريخ العريق للبرج ودوره في حماية المدينة، هذه الجولات تشمل معارض تفاعلية توضح كيف تطور البرج من حصن دفاعي إلى منارة ثم إلى متحف.
إعلانكما يستضيف البرج فعاليات ثقافية ومعارض فنية، حيث يقدم مساحة للفنانين المحليين والعالميين لعرض أعمالهم، وبالإضافة لما سبق، تقام في البرج حفلات موسيقية ومعارض فنية دورية، مما يجعله مركزا حيويا للفنون والثقافة في المدينة.
وقد ظهر البرج في العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية المحلية والعالمية، كما ظهر في فيلم جيمس بوند "العالم ليس كافيا" (The World is Not Enough) والذي أنتج عام 1999، وفيلم "هيت مان" (Hitman) في عام 2007.
ويبقى برج الفتاة شاهدا على تاريخ طويل ومعقد امتد عبر العصور، وتجربة زيارته تتجاوز مجرد كونه معلما سياحيا، فهو رمز يجمع بين التاريخ والثقافة، ويعكس روح مدينة إسطنبول العريقة.