بعد ستة سنوات من ديسمبر أرضية أكثر صلابة لتأسيس دولة، على مبادئ الوفاق
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
إن كان هناك شيء قدمه حدث ديسمبر كتجربة في تاريخ الشعب السوداني فهو الوعي الناتج عن التعلم بالطريقة الصعبة وهو أغبى أشكال الوعي حيث لا يحتاج إلى أي مجهود ذهني، يدرك الأشياء بعد وقعوها.
ولكن مع ذلك فهناك من لم يتعلم!
بعد التخريب الذي أحدثته ثورة ديسمبر في الدولة ومؤسساتها وبعد الحرب التي أتت على ما تبقى من الدولة، أصبحنا الآن على وعي أكبر بالدولة وبمؤسساتها.
أشعر بالغضب والرعب في الوقت نفسه حين أتذكر ذلك الكم الهائل من الحمقى الذين كانوا يجادلون بضرورة حل جهاز الأمن الوطني، ويشتد غضبي بشكل خاص عندما أتذكر أن بعضهم من حملة الشهادات العليا في مجالاتهم، أذكياء أكاديميا ولكنهم حمقى سياسيا، كانوا يريدون حل جهاز الأمن وكشف الدولة بشكل كامل. هذا نموذج واحد لوعي ديسمبر الهش والزائف.
وأتذكر كيف عانيت شخصيا في شرح أمور بديهية حول العدالة والمحاسبة، ولكنها بالنسبة لقطيع ديسمبر كانت كفيلة بتصنيفي ككوز ضد الثورة. كنت أقول لا يوجد شيء اسمه أحزاب سياسية تحاسب حزب سياسي، المحاسبة السياسية يتولاها الشعب، ومن أجرم جنائيا يقدم للقضاء. فكرة واضحة لا تحتاج إلى عبقرية سياسية ولكنها كانت عصية على عقل ديسمبر بأطيافها المختلفة.
بعد انتصار الثوار السوريين الذين خاضوا حربا دموية ضد النظام السوري رأينا كيف تعاملوا مع مؤسسات الدولة ومع الموظفين في هذه المؤسسات بل ومع الحكومة نفسها. من البديهيات أنك يجب أن تستفيد من الموجود وأن تبني عليه، لا أن تهده وتدمره لتبدأ من جديد. لماذا كان من الصعب على ديسمبر قيادة وقطيعا رؤية هذه الفكرة الواضحة، مؤسسات الدولة والكفاءات التي تدربت فيها من مال الشعب السوداني يجب الإستفادة منها؟ هل هذه فكرة صعبة؟
ثم نأتي إلى درة تاج الثورة لجنة التمكين سيئة الذكر، كانت لجنة كارثة وفضيحة بكل المقاييس فنيا سياسيا وقانونيا وأخلاقيا، غباء وجهل وفساد وانحطاط وكانت هي السبب الأساسي في هزيمة الثورة وذلك حين هزمت كل شعاراتها وجعلتها عارية ما سهل الانقضاض عليها بعد ذلك.
وإن تكلمنا عن الحكومة فقد كانت كانت حكومة من الخونة والعملاء بامتياز. تبين أن حمدوك الذي كان صنما يعبد هو أكبر عميل؛ إستجلب البعثة الإستعمارية بقيادة سيء الذكر فولكر وفي النهاية ذهب وعمل في الأمارات وتحالف مع المليشيا في حربها ضد الجيش وضد الدولة. وكذلك البقية ولا حاجة لتعديد الأسماء.
.
أصبحنا الآن بعد ديسمبر والحرب التي أعقبتها أكثر وعيا بالسيادة الوطنية، هذه الكلمة كانت غائبة كليا عن قاموس ديسمبر. أصبحنا نفرق بين الوطني والعميل بوضوح تام. أصبحنا نفهم ماذا يعني سيادة وقرار وطني وتدخلات خارجية.
هل تتذكرون من كانوا يهتفون لرئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر فولكر فولكر وكأنه المنقذ؟ هذا هو وعي ديسمبر. وحين تم طرد فولكر هناك من راح يهدد ويتوعد الدولة وكأنها ارتكبت خطأ وبعضهم بدأ يبشرنا ببعثة إستعمارية جديدة يقودها خواجة عسكري. ولكن نحن طردنا فولكر غير مأسوف عليه وتم طي فترة سوداء من التدخل الخارجي في شأننا ولم يخسف الغرب بنا الأرض. هذا هو معنى السيادة، هذا ما يجب أن نتعلمه.
لقد تعلمنا الكثير ولدينا الآن بعد ستة سنوات من ديسمبر أرضية أكثر صلابة لتأسيس دولة، على مبادئ الوفاق والوحدة الوطنية لا على أساس التقسيم الديني قوى ثورة وقوى ضد الثورة وكأن الثورة دين مع أنها ثورة خاوية من أي مضمون، وعلى مبادئ السيادة الوطنية وامتلاك القرار الوطني دون وصاية ودون تدخلات، وعلى أساس الاحتكام للشعب بقواه الحية الصلبة الراسخة لا الواجهات الوهمية من المنظمات المشبوهة التي تدعي تمثيل الشعب باسم حقوق الإنسان والمرأة وما شابه من اللافتات.
وقبل كل ذلك تعلمنا ما معنى الدولة وما معنى مؤسسات وما معنى جيش وشرطة وأمن ياجن. عرفنا ما معنى الاستقرار وأن المؤسسات الأمنية هي ركائز الاستقرار، وأن الاستقرار ليس لعبة في أيدي شفع من المراهقين سياسيا.
ولذلك لن يسمح الشعب مرة أخرى بتعطيل الدولة والحياة باسم الثورة بواسطة أطفال لا يعرفون ماذا يريدون، كما لن يسمح الشعب بأن تقوده شخصيات مشبوهة تأتي من كندا وأمريكا أو أوربا.
ديسمبر أضافت الكثير للوعي السياسي؛ وعي بالطريقة الصعبة ولكنه وعي علي أي حال، هذا ما نأمله على الأقل.
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: ما معنى
إقرأ أيضاً:
الإمارات نموذج للكفاءة الحكومية
منذ بزوغ فجرها الساطع في سبعينيات القرن الماضي على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، انطلقت دولة الإمارات في رحلة استثنائية نحو التميز والريادة، لتصبح في غضون وقت قصير واحدة من أبرز النماذج الرائدة في الحوكمة الرشيدة والإدارة الحكومية الفعالة، ومثالاً يُحتذى به في بناء مؤسسات حكومية تتمتع بالكفاءة والقدرة على تحقيق التميز في شتى المجالات، لينعكس أثر ذلك، بفضل الله تعالى، على كل مناحي الحياة.
وليلقي التطور الشامل بثيابه الخضراء الناصعة على كل ربوع هذه الدولة المباركة، وليعم الازدهار كافة المجالات العمرانية والاقتصادية والصحية والتعليمية وغيرها، حتى أضحت دولة الإمارات منبع سعادة وواحة استقطاب وجذب لمختلف الجنسيات من شتى أنحاء العالم.وهذه الإنجازات الاستثنائية لم تكن لتتحقق بعد فضل الله تعالى إلا برؤية قيادة حكيمة وضعت سعادة الإنسان في صميم أولوياتها، وسخرت جميع الموارد والمؤسسات لتحقيق الحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين.
وتبنت أفضل الممارسات العالمية في العمل الحكومي، واستشرفت المستقبل بعيون خبيرة، إيماناً منها بأن بناء الإنسان وإسعاده هو الركيزة الأساسية لأي تنمية مستدامة.
وقد تميزت مسيرة دولة الإمارات في تحقيق الكفاءة الحكومية بنهج تطويري طموح ومتجدد، تجلى ذلك في محطات عديدة، من أبرزها مبادرة «الحكومة الذكية» التي أطلقتها دولة الإمارات في عام 2013، وأحدثت نقلة نوعية في الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور.
والتي تستمر على مدار الساعة ومن أي مكان، دون أن تعرف حدوداً زمانية أو مكانية، وحدد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ملامح حكومة المستقبل الذكية آنذاك، لتكون حكومة لا تنام، تعمل 24 ساعة في اليوم، 365 يوماً في السنة، سريعة قوية تسهل حياة الناس وتحقق سعادتهم.
وهكذا أصبحت التكنولوجيا أداة فاعلة في تعزيز الكفاءة الحكومية وتحسين جودة الحياة، واستطاعت الدولة أن تحقق قفزات نوعية في تقديم خدمات مبتكرة وسريعة، ما جعلها نموذجاً عالمياً في التحول الرقمي، وبفضل هذا الإنجاز بات بإمكان أي شخص إتمام معاملاته والحصول على الوثائق الرسمية التي يريد بضغطة زر وهو قابع في منزله أو في أي مكان كان، وقد ساهم ذلك في تعزيز كفاءة المؤسسات الحكومية، وخاصة في إدارة الأزمات ومواجهة التحديات، وكانت جائحة كوفيد - 19 نموذجاً على ذلك.
حيث أثبتت هذه المؤسسات الصحية والاقتصادية والتعليمية وغيرها قدرتها على التعامل مع الأزمة بكفاءة عالية، ونجحت في احتوائها والتغلب عليها بكل تميز واقتدار، فاستمر العمل والتعليم والخدمات إلى أن انقشعت هذه الغمة بفضل الله تعالى.
ومن أسباب نجاح التجربة الإماراتية الحكومية في مواجهة هذا التحدي ما تميزت به المؤسسات الحكومية من التنسيق الفعّال فيما بينها، ما عزز العمل بروح الفريق الواحد، وفق نهج تكاملي، ساهمت فيه كل مؤسسة من خلال القيام بدورها بالشكل الأمثل جنباً إلى جنب مع نظيراتها من المؤسسات الأخرى، برؤية واحدة واستراتيجية مشتركة.
واستمراراً على هذا النهج الرائد عملت دولة الإمارات على خلق بيئة تنافسية بين المؤسسات لرفع الكفاءة الحكومية فيها، وأطلقت في سبيل ذلك العديد من البرامج والمبادرات.
ومن أبرزها «برنامج الشيخ خليفة للتميز الحكومي»، الذي أُسس عام 2006 بهدف الارتقاء بالأداء الحكومي وتعزيز ثقافة التميز داخل الجهات الحكومية، وتطوير مهارات الموظفين الحكوميين، لضمان تحقيق أفضل النتائج.
ولم تتوقف قاطرة التطوير في محطة معينة، بل واصلت طريقها عبر محطات عديدة شملت مبادرات متنوعة، ومن أحدثها برنامج تصفير البيروقراطية الحكومية الذي أطلقته دولة الإمارات في نوفمبر 2023، لتعزيز سلاسة الإجراءات وتقليصها وتسريعها وإلغاء الإجراءات والاشتراطات غير الضرورية، ما يساهم في تحسين الخدمات وسرعة إنجازها وتوفير الوقت والجهد والموارد، والارتقاء بتنافسية القطاعات وبيئة الأعمال في الدولة.
وامتدت جهود دولة الإمارات إلى استضافة القمم العالمية للحكومات بشكل دوري، بمشاركات واسعة على مستوى القادة والخبراء وغيرهم، لتكون بذلك جسراً عالمياً يهدف إلى تعزيز دور الحكومات في إسعاد الشعوب ورفاهيتها، وهكذا تمضي دولة الإمارات في مسيرتها المشرقة، لتكون منارة ملهمة في الكفاءة الحكومية التي تعود على مجتمعها والبشرية بالخير والرقي والازدهار.