التخاذل الأمريكي لحظة مفتاحية في القرن 21
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة قال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند يوم 28 سبتمبر 2015: أرى أن بعض الأطراف (قاصدا بوتين) تبذل كل مساعيها الدبلوماسية لإدخال بشار الأسد طرفا في مسار التفاوض السياسي حول مستقبل سوريا. إلا أنه لا يمكن أن يكون ثمة تعامل وتعاون بين الضحايا والجلاد. الأسد هو أصل المشكلة، ولا يمكنه أن يكون طرفا في الحل.
صحيح أن العرب درجوا على الاستخفاف بمثل هذه المواقف الغربية وحسبانها مجرد كلام. ولكن الحقيقة أن أولاند كان جادا في إرادة إسقاط النظام الأسدي في أعقاب استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري. والدليل أن أولاند اتفق مع أوباما يوم الجمعة 23 أغسطس 2013 على شن غارات جوية على المواقع الاستراتيجية للنظام بهدف إسقاطه. وكان القرار أن تبدأ العملية في الواحدة من فجر الأحد. وفعلا أصدر أولاند الأمر لسلاح الجو الفرنسي بالاستعداد لشن الغارات في الموعد المحدد. إلا أنه فوجئ بأوباما يهاتفه يوم السبت قائلا: لقد فكرت في الأمر مليا وارتأيت آخر الأمر أن من الأفضل أن أطلب موافقة الكونغرس. عندها أجاب أولاند: هذا قرارك السيادي، ولكنك إذا عرضت الأمر على الكونغرس فهذا يعني أن العملية لن تقع!
ولهذا قالت الصحافة الفرنسية آنذاك إن أوباما خذل أولاند. إلا أن الأمر أخطر من مجرد خذلان رجل لرجل. إنه خيانة للعهد الذي قطعه على نفسه رئيس القوة العسكرية العظمى. فقد التزم أوباما بقَسَم سياسي لما توعّد سفاح دمشق بأن استخدام السلاح الكيميائي خط أحمر وبأن تجاوزه سوف يعرضه للعقاب العسكري. ولكن الرئيس الأمريكي نكص على عقبيه ونكث بقسمه السياسي. والغريب أن أوباما ظل في الأعوام التالية يعلن بملء فيه أنه «لا يجوز دعم طغاة من أمثال الأسد بذريعة أن البديل سيكون أسوأ»! أما الأغرب فهو أن أوباما قرر، مختارا، الحد من سلطاته وتعطيل قدرته على الفعل بينما يجمع المراقبون على أن كل الرؤساء الأمريكيين بلا استثناء قد عملوا، على مدى العقود الستة الماضية، على توسيع سلطاتهم على حساب الكونغرس.
وفي التعليق على ما حدث عام 2013، قال أولاند قبل أيام إن عدول أوباما عن شن العمليات العسكرية في سوريا لم يتح إطالة عمر نظام بشار فحسب، بل إنه مهد الطريق أيضا لتدخل روسيا وتمكنها في سوريا. ثم أصدر أولاند هذا الحكم: إن قرار أوباما عدم التدخل العسكري في سوريا إنما يمثل «لحظة مفتاحية في تاريخ القرن الحادي والعشرين، ذلك أن ثمة أحداثا لا نستطيع قياس أثرها عند حدوثها». فقد كان لهذا القرار، أو بالأحرى اللاّ-قرار، نتائج مشهودة في المنطقة مثلما نرى اليوم، ولكن كان له نتيجة أخرى هي أنه كشف لبوتين أن أمريكا، والدول الغربية عموما، لا عزم لها على التدخل في الخارج. ولهذا أقدم بعد شهور من ذلك على مهاجمة أوكرانيا والاستحواذ على جزيرة القرم والسيطرة غير المباشرة على منطقة دونباس.
ويقتضي الإنصاف القول إن أولاند كان أكثر من ساركوزي وماكرون ثباتا على المبدأ بشأن وجوب الحزم في التعامل مع كل من بشار وبوتين. صحيح أن الأحداث بدت كما لو أنها تفند موقفه، حيث بقي بشار في الحكم زمنا إضافيا بسبب القرار الروسي بتعويمه فوق بحر الدماء السورية التي أراقها وهو يقهقه بكل سماجة، ولكن سقوط النظام أثبت أن أولاند كان على صواب، وأن موقفه كان سائرا في الاتجاه الصحيح للتاريخ، بينما كان موقف أوباما المتخاذل منافيا للمبدأ الأخلاقي والمنطق التاريخي.
هذا، ورغم أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان وزعيم اليسار الراديكالي جان-لوك ميلنشون على طرفي نقيض، فإنهما كانا متحديْن في تأييد الطاغية وفي انتقاد موقف أولاند المناهض له. لوبان كانت تعدّه حصنا ضد «الجهاديين» وميلنشون كان معجبا بـ«علمانيته» ومناديا بضرورة التفاوض معه. ولكن الحقيقة هي أن لوبان ثابتة منذ القديم على تأييد الطغاة في كل مكان. أما ميلنشون، الألمعي التقدمي، فإن كراهيته المرَضية لكل ما هو أمريكي هي التي أعمته عن رؤية الآيات البيّنات.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أولاند سوريا أوباما سوريا أوباما أولاند مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
خلال مئة عام.. تعرف على رحلة الدساتير في سوريا بعد انتصار الثورة
تعتبر الدساتير مرآة للتطورات السياسية والاجتماعية التي مرت بها سوريا منذ إعلانها مملكة عام 1920 إبان خروجها عن سلطة الدولة العثمانية وحتى انتصار الثورة السورية في كانون الأول /ديسمبر عام 2024، إثر إنهاء حكم عائلة الأسد الذي دام إلى ما يزيد عن 50 عاما.
وبعد سقوط النظام، قررت السلطات الجديدة تجميد الدستور والبرلمان خلال فترة عمل حكومة تصريف الأعمال التي من شأنها أن تصل إلى نهايتها مطلع آذار /مارس المقبل.
وكان قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، قال في مقابلة صحفية قبل أسابيع، إن عداد وكتابة دستور جديد في البلاد قد يستغرق نحو ثلاث سنوات، بينما قد تحتاج الانتخابات العامة إلى أربع سنوات.
ولا يزال المشهد السياسي في سوريا ضبابيا منذ سقوط النظام المخلوع، فبينما تتعالى أصوات مطالبة بإقرار العمل بشكل مؤقت بدستور عام 1950 لمنع أي تداعيات سلبية للفراغ الحاصل، تتحدث السلطة الجديدة عن التحضير لمؤتمر وطني جامع قد يسفر عن قرارات تعالج مسألة الدستور الذي من شأنه أن يرسم ملامح سوريا الجديدة.
وفي هذه المادة، نستعرض الدساتير التي مرت على سوريا خلال المئة عام الأخيرة:
◼ دستور 1920 - المملكة السورية العربية
في تموز /يوليو 1920، وبعد إعلان استقلال سوريا تحت قيادة الأمير فيصل بن الحسين، وُضع أول دستور للبلاد. هذا الدستور كان نتاج رؤية وطنية تهدف إلى إنشاء دولة دستورية حديثة.
حدد الدستور النظام السياسي على أنه ملكية دستورية تُحكم وفق قوانين ديمقراطية، مع وجود برلمان منتخب، بالإضافة إلى التأكيد على اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد. لكن هذا الدستور لم يستمر طويلا؛ إذ انهار مع دخول القوات الفرنسية وفرضها الانتداب على سوريا بعد معركة ميسلون.
◼ دستور 1930 - الانتداب الفرنسي
مع تثبيت الانتداب الفرنسي في سوريا بعد انهيار الحكم الملكي، أُقر دستور جديد في البلاد في أيار /مايو عام 1930، نص على أن سوريا دولة مستقلة ذات سيادة، وأن نظام الحكم جمهوري نيابي.
حاول هذا الدستور تقديم مظهر من السيادة السورية، لكنه في الواقع رسخ سيطرة فرنسا على القرارات السياسية للبلاد. ورغم أن الدستور تضمن نصوصًا حول حقوق المواطنين وحرية الصحافة ضمن حدود القانون، إلا أن السلطة الحقيقية بقيت بيد المفوض السامي الفرنسي.
وجاءت إضافة المادة 116 على الدستور من قبل المفوض السامي لتفرغ الدستور من مضمونه، حيث نصت على أن حكم من أحكام الدستور لا يجب أن يتعارض مع الإرادة الفرنسية.
◼ دستور 1950 - الجمهورية السورية الأولى
بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1946، بدأت سوريا مرحلة جديدة من تاريخها السياسي. في 5 أيلول /سبتمبر عام 1950، أُقر دستور جديد كان يُعتبر من أكثر الدساتير ديمقراطية في تاريخ البلاد.
ركز على تعزيز الحريات العامة وحقوق الإنسان، كما أسس لنظام جمهوري برلماني ديمقراطي مع توازن بين السلطات. ونص على تحديد الإسلام كدين لرئيس الدولة مع احترام باقي الأديان.
ونص الدستور كذلك على حرية تشكيل الأحزاب السياسية، وحرية السوريين في الاجتماع والتظاهر بصور سلمية. وعكست هذه المرحلة طموحات السوريين في بناء دولة مدنية حديثة، حيث شهدت البلاد ازدهارا سياسيا خلال هذه الفترة.
◼ دستور 1973 - عهد حافظ الأسد
مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة في عام 1970، بدأ العمل على دستور جديد صدر في 13 آذار مارس عام 1973. هذا الدستور عزز هيمنة حزب البعث، حيث نصت المادة الثامنة على أنه "القائد للدولة والمجتمع".
كما جرى منح الرئيس صلاحيات واسعة شملت التحكم في جميع مفاصل الدولة. عُرف هذا الدستور بأنه أداة لترسيخ حكم الأسد، واستمر العمل به طوال فترة حكمه وحتى وفاته عام 2000، حيث تعرض الدستور لتعديل إحدى مواده المتعلقة بسن رئيس الجمهورية.
وفي تصويت شكلي، وافق البرلمان على التعديل ما سمح لبشار الأسد بخلافة والده على حكم البلاد.
◼ دستور 2012 - عهد بشار الأسد
في ظل الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عقب انطلاق الثورة السورية عام 2011 ضد نظام بشار الأسد، أقر الأخير دستورا جديدا في 26 شباط /فبراير عام 2012 كاستجابة لضغوط الشعبية.
جاء هذا الدستور بتعديلات شكلية طفيفة، مثل إلغاء النص الذي يمنح حزب البعث قيادة الدولة والمجتمع، والسماح بتشكيل أحزاب سياسية.
ومع ذلك، حافظ على سلطات مطلقة للرئيس، وظل النظام قمعيا في جوهره، ما جعله محاولة فاشلة لاحتواء الغضب الشعبي.
مرحلة انتصار الثورة
تاريخ الدساتير السورية يعكس مسيرة طويلة من النضال السياسي والاجتماعي، مع محطات من التقدم والديمقراطية وأخرى من الاستبداد الذي ألقى بظلاله على البلاد لعقود خلال حكم عائلة الأسد.
مع انتصار الثورة في الثامن من كانون الأول /ديسمبر عام 2024، تواجه سوريا فرصة تاريخية لصياغة دستور يحقق طموحات شعبها ويؤسس لدولة العدل والقانون.