كتب طوني عيسى في" الجمهورية": في الحقيقة، فوَّت اللبنانيون، خلال 20 عاماً، فرصتين كبيرتين للإنقاذ:
1- خروج القوات السورية من لبنان في العام 2005 ، من دون "ضربة كف"بدعم أميركي. وقد تمّ إحباط هذه الفرصة النادرة، ولم تنجح القوى اللبنانية في تأسيس حياة سياسية طبيعية
وسلطة مستقلة بعد خروج السوريين، إذ نجح "حزب الله" في تعويض الخسارة السورية والإمساك بالقرار مباشرة في السنوات التالية، فيما ضعفت منظومة خصومه وتفككت.
2- انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 التي تمكّن "الحزب" أيضاً من إحباطها، معتبراً أنّها أساساً من تدبير الأميركيين وحلفائهم بهدف إضعافه وانتزاع حضوره من داخل السلطة.
على مدى عقدين، تبادل الأميركيون وحلفاؤهم رمي المسؤوليات عن الفشل في مواجهة "حزب الله" في لبنان. بل إنّ قوى 14 آذار و "التغيير " استاءت من أنّواشنطن أبرمت في العام 2022 صفقة ترسيم الحدود بحراً بالتفاهم مع "حزب الله" دون سواه، وكانت تحاول إبرام صفقة مماثلة معه في البرّ لولا انفجار الحرب في غزة، خريف 2023 . وأما موفدها عاموس هوكشتاين فبقي يتوسط بين "الحزب" وإسرائيل أشهراً ويغريه بالتسهيلات لوقف "حرب المساندة"، ولكن عبثاً. في المقابل، تعتبر الولايات المتحدة أنّها كأي دولة أخرى مضطرة إلى التعاطي مع الأمر الواقع لإنجاز التوافقات الإقليمية، وأنّ مفاوضة "الحزب" لا بدّ منها لأنّه هو صاحب القرار الحقيقي في بيروت، ومن دون رضاه لا تجرؤالحكومة على اتخاذ أي قرار. هذه الحلقة المفرغة التي بقيت تدور فيها واشنطنوحلفاؤها الغربيون والعرب ومعهم خصوم "حزب الله" انكسرت في الأسابيع الأخيرة نتيجة الحرب الطاحنة في لبنان والتطورات الانقلابية في سوريا. وللمرّة الأولى منذ تأسيسه في العام 1982، يبدو "حزب الله" معزولاً عن أي دعم خارجي ومحاصراً، فيما قدراته العسكرية الباقية موضوعة تحت المراقبة، في جنوب الليطاني كما في شماله.
عملياً، تبدّلت اليوم طبيعة "حزب الله". فهو لم يعد نفسه الذي كان في 2005 و 2019، وباتت قدرته على استخدام السلاح محدودة جداً، فيما المحور الذي يدعمه من دمشق إلى طهران تلاشى تقريباً. وهذا الواقع سيسمح بإحداث تغيير لم يكن ممكناً، لا قبل 20 عاماً ولا قبلها ب 20 عاماً. وهو ما سيستغله الأميركيون في الأسابيع والأشهر المقبلة، لتكون "الثالثة ثابتة"، فينجحون في 2025 بعدما فشلوا في 2005 و 2019 .
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
حزب الله يبقي موقفه ضبابياً من الاستحقاق الرئاسي
كتب ابراهيم بيرم في" النهار": أيّ مرشح للرئاسة الأولى سيعطيه "حزب الله" أصواته المضمونة (14 صوتاً) في جلسة الانتخاب المقررة في التاسع من الشهر المقبل؟إثارة هذا السؤال لم تعد في الآونة الأخيرة ضرباً من السذاجة انطلاقاً من اعتبارات عدة أبرزها:
- أن المرشح الحصري المعروف للحزب منذ أن خلت سدة الرئاسة الأولى هو زعيم تيار المردة سليمان فرنجية. وقد برزت بعد التطورات والتحولات الدراماتيكية الأخيرة في لبنان وسوريا مؤشرات توحي بأن الرجل صار عازماً على الانسحاب من السباق الرئاسي بعدما فقد قدرة وصوله المحتمل إلى قصر بعبدا.
- أن الحزب نفسه يعيش منذ أن وضعت المواجهات العسكرية في الجنوب أوزارها تحت وطأة إعادة النظر في كل ما حصل بعد نتائج كارثية – زلزالية نزلت به وببيئته الحاضنة، وبات لزاماً عليه أن يتواضع وأن تكون له سياسة جديدة في مقاربته للواقع اللبناني تعتمد على أن الظروف والمعطيات التي سمحت له قبل نحو ثمانية أعوام بإيصال مرشحه إلى سدة الرئاسة الأولى قد ولّت.
وبناءً على ذلك ومع يقين الحزب بأنه لم يعد بمقدوره فرض مشيئته في موضوع الرئاسة الأولى، فإنه حسب مصادر على صلة به يجد نفسه ملزماً بدخول المشهد الرئاسي من باب مختلف يكون فيه ملزماً بالاعتراف بأنه لم يعد يملك القدرة على فرض فيتو يؤجّل الانتخاب ويماطل إن لم يكن متأكداً من أن مرشحه هو المضمون.
من هنا اتبع الحزب وفق تلك المصادر نهجاً مرناً، فأخرج الموضوع من أولويات خطابه السياسي، مقدّماً عليه ملفات وقضايا أكثر إلحاحاً وضرورة عنده مثل إعادة إعمار ما هدمته الحرب، والحديث عن أنه ما زال قادراً على الاحتفاظ "ببندقية المقاومة" شمالي نهر الليطاني.
ومع ذلك لم يكن ممكناً عند الحزب أن يسقط هذا الاستحقاق من لائحة اهتماماته، فعكف على إدارة الموضوع بطريقة مختلفة على نحو أشعر المعنيين بالأمر بأنه أخرج نفسه من مربّع التعطيل، وأنه صار استطراداً مع انتخاب رئيس جديد يقيناً منه بأن هذا الأمر من شأنه أن يقدّم برهاناً على سعيه لمدّ جسور التصالح والثقة مع الوسط السياسي اللبناني.
وبالتوازي مع ذلك فتح الحزب أبواب التواصل مع كل المرشحين للرئاسة الأولى (باستثناء سمير جعجع) إما مباشرة أو بإبلاغهم أنه ليس ضدّ وصولهم إلى قصر بعبدا في يوم من الأيام.
وكل هذا مشروط بانسحاب فرنجية الطوعي من السباق الرئاسي، أما إذا ظلّ على ترشّحه فإن الحزب ماضٍ في الوقوف إلى جانبه ولو ظلّ وحيداً.
أما الأمر الثاني الذي يعلن الحزب التزامه به دوماً فهو أنه لن يذهب إلى جلسة الانتخاب من دون أن يكون اتفق مع الرئيس نبيه بري على مرشح بعينه بحيث تصبّ الأصوات الشيعية النيابية لمصلحة مرشح واحد، تتوفر فيه صفات المرشح التوافقي.
وثمة نواب من الكتلتين الشيعيتين يؤكدون أن اسم مثل هذا المرشح لم يتبلور بعد عندهما، فهما لم يحسما بعد مسالة الاقتراع للمرشح المرتفع الأسهم وهو العماد جوزف عون، على رغم معرفتهما بأن ثمة ضغوطاً كبرى داخلية وخارجية تسعى جاهدة لتكريس انطباع فحواه أن لا فرصة لسواه لبلوغ هذا المنصب.
ولم يعد خافياً أن الرئيس بري ما زال يبعث بإشارات ورسائل إلى من يعنيهم الأمر بأنه لم يعد بالتصويت لهذا المرشح وأن له ملاحظات على أدائه فضلاً عن الكثير من التحفظات انطلاقاً من أنه "لا يتمتع بالمرونة الكافية"، بينما ثمة من وضع نفسه في خانة إيصال الرسائل بين الحزب والعماد عون يؤكد أن الحزب أبلغه بأن لا فيتو عنده على ترشيح قائد الجيش إلا أن أمر إعطاء الأصوات له حسابات أخرى أكثر تعقيداً.
ولأن الحزب يعرف أن ثمة عروضاً بالجملة ستأتيه مع ارتفاع عدد المرشحين فإنه لا يبدو مستعجلاً على إعطاء كلمته لأي مرشح وأنه يفضّل البقاء على ضبابية موقفه.
ومع كل ذلك فإن الحزب يدرك أن ثمة تحولات ستملي عليه في ساعة قريبة الدخول في مساومات وتفاهمات مع الآخرين لاختيار مرشح بعينه، وهو بالتأكيد ليس مرشحه هو، فزمن مثل ذلك قد ولّى وثمة زمن جديد على الحزب تقبّل وقائعه ومعادلاته.