بيارة الصرف.. مقبرة أربعة شباب وحكايات كفاح لم تكتمل
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
في زوايا قرية الرجدية الهادئة، كانت الحياة تسير بشكل طبيعي، يحفها كفاح الشباب وسعيهم وراء لقمة العيش، أربعة أصدقاء، محمد كارم، محمد رأفت، جمال مصطفى، ومحمد رجب، كانوا نموذجاً للكفاح، شباب في مقتبل العمر يقتسمون الأحلام، يروون أرض العمل بعرقهم، قبل أن تخطفهم بيارة صرف صحي في لحظة مأساوية، تاركة خلفها فراغاً لن يملأه إلا الحزن.
محمد كارم كان يعد العدّة لمستقبل أفضل، بينما جمال كان يرسم خطوط مستقبله بأيدٍ متعبة ولكن طموحة، محمد رأفت ومحمد رجب لم يكونا أقل عزماً، يتشاركان مع أصدقائهما دروب الحياة وصعابها، لكن القدر كان أسرع، وبيارة الموت كانت النهاية المفجعة، حيث اختلطت الأحلام بالوحل، وابتلعهم الظلام.
الحادثة أسفرت عن وفاة الأصدقاء الأربعة وإصابة اثنين آخرين في حالة حرجة، لكن صوت الحكومة لم يغِب عن المأساة، فقد وجه الوزير محمد جبران بسرعة التحرك، لتقديم العزاء لعائلات الضحايا، وزيارة المصابين، والتحقيق في الحادث لكشف أسبابه ومنع تكرار هذا السيناريو المؤلم.
كما أُعلنت التعويضات لأسر الضحايا والمصابين، تأكيداً على وقوف الدولة بجانب أبنائها.
القرية التي احتضنت طفولتهم خرجت عن بكرة أبيها لتوديعهم في مشهد جنائزي مهيب، حيث امتزجت الدموع بالدعاء، في أزقة البلدة، كانت الحكايات تتردد: "محمد كان شاباً خلوقاً، لا يتردد في مساعدة الآخرين"، و"جمال كان يكافح ليبني مستقبلاً مشرقاً".
أما الجيران، فلم يكفوا عن سرد مآثرهم: "كانوا كتفاً لكتف، في العمل والصداقة، حتى في الموت"، الجنازة كانت حديث البلدة، ليس فقط لبكاء الأهل، بل لحسرة كل بيت، وكأن كل عائلة فقدت ابناً من أبنائها.
الحزن خيم على كل زاوية، وذكرياتهم لم تفارق القلوب، هؤلاء الشباب غادروا الحياة قبل أن يكتمل مشوارهم، تاركين خلفهم وجعا.
مشاركة
المصدر: اليوم السابع
كلمات دلالية: غرق شباب غرق ٤ عمال قصة ٤ عمال العربية
إقرأ أيضاً:
معاناة مضاعفة لعائلات الأسرى الأشقاء في سجون الاحتلال
نابلس- لا يشغل بال الفلسطينية هالة حنني (أم محمد) غير التفكير بأولادها الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فتبيت وهي تفكر بهم وتصحو على ذلك أيضا، ولا تملك غير الدعاء لهم في ظل ما يكابده الأهالي من معاناة وقهر على فراق أبنائهم ومنع زيارتهم أو التواصل معهم بأي شكل في سياق حملات الاعتقال المتصاعدة.
ويوما بعد آخر يزداد قلق أهالي الأسرى على أبنائهم، فممارسات الاحتلال القمعية تجاههم وظروف الاعتقال وآلياته المذلة فاقت الوصف، في ظل تسجيل أرقام قياسية في أعداد الأسرى وقتل الاحتلال العشرات منهم، وأكثر من غيرهم عانى ذوو الأسرى ممن لديهم أكثر من أسير بسجون الاحتلال كحال أم محمد التي باتت تحاصرها الهواجس والقلاقل من كل مكان.
وعبر هاتفها جلست الستينية أم محمد ترصد آخر الأخبار عن أبنائها الثلاثة الأسرى وهم صهيب ومحمد وجمال لعلها تجد ما يهدئ روعها ويطمئنها عليهم، خاصة جمال الذي أصيب بوعكة صحية في معتقله ولا تعرف عنه شيئا، ثم تبحث في الهاتف ذاته عما تختزنه من صور لهم تقر بها عينها بين حين وآخر.
أمهات الأسرى يطالبن بكشف جرائم الاحتلال بحق أبنائهن داخل السجون (الجزيرة) قلق مركّبيعد الفراغ والتشتت أخطر وأسوأ ما تعيشه أم محمد وعائلتها هذه الأيام، فاعتقال أبنائها -كما تقول للجزيرة نت- تركها تصارع مصاعب الزمن وحدها في منزلها الكائن في حارة القبة وسط بلدة بيت فوريك قرب نابلس شمالي الضفة الغربية، فقد كانوا ثلاثتهم يملؤون المكان ويكسرون وحدتها، وزاد اعتقالهم هواجسها وخوفها عليهم وعلى عوائلهم خارجه.
وتضيف أم محمد -التي سبق أن جربت مرارة السجن باعتقال أشقائها وأبنائهم وأحفادها وزوجها الشيخ حسام حنني وإبعاده إلى مرج الزهور لعام كامل مطلع تسعينيات القرن الماضي، وهي اليوم تعيشه مرة أخرى مع أبنائها- أن "الاعتقال هذه المرة كان أصعب وأشد بفعل تغييب أبنائي قسرا وحجب أي خبر عنهم".
وتقول "منذ نحو 4 عقود وأنا أقارع الاحتلال وسجونه، لكن الاعتقال في هذه الأيام أشد مرارة وألما، خاصة أن الاحتلال يمنع الزيارات ويقطع كل أشكال التواصل مع الأسرى ويحرمهم من أبسط حقوقهم من الطعام والشراب واللباس، وحتى ظروف الاحتجاز".
إعلانكل ذلك وأكثر يزيد في حزن أم محمد، وتعيش خوفا دائما على مصير أبنائها، خاصة عندما تسمع عنهم ما لا تطيق في ظل انتشار الأمراض واستشهاد نحو 50 أسيرا تحت التعذيب منذ بدء الحرب على غزة، وتضعف أكثر كلما سألها أحفادها عن آبائهم الأسرى.
ولا تدع والدة الأسرى المكلومة أي خبر أو معلومة عنهم تفوتها، وتواصل سؤال الأسرى المحررين عن أبنائها وماذا حل بهم، ولا تدخر جهدا لدى المؤسسات المتابعة لشؤون الأسرى للغرض ذاته، لعلها تحظى بما يخفف حزنها وقلقها عليهم، فكل ما تعرفه عنهم هو أماكن اعتقالهم فقط.
وحسب نادي الأسير الفلسطيني، شنت إسرائيل منذ بدء عدوانها على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 12 ألف اعتقال ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية والقدس، ولا يزال يقبع منهم 10 آلاف و300 أسير في سجونها، وهي أرقام لا تشمل حالات الاعتقال من قطاع غزة التي بلغت آلافا، استشهد منهم العشرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم، وهم رهن الاخفاء القسري، إلى جانب كثيرين أعدموا ميدانيا.
وتُقلق هذه المعلومات والظروف التي يعيشها الأسرى ذويهم وتجعلهم في حالة تخوّف مستمر على حياتهم، وهي حالة مركبة ومضاعفة تعيشها العائلات التي لديها أكثر من أسير كحال أم محمد حنني، وإيمان حمزة التي يغيّب الاحتلال اثنين من أبنائها خلف قضبانه.
إيمان حمزة ترفع صورة تجمع ولديها الأسيرين خلال فعالية تضامنية مع الأسرى (الجزيرة) غياب له ثمنهوعند دوار الشهداء وسط نابلس التقت الجزيرة نت بإيمان حمزة التي جاءت كعادتها لتشارك في فعالية نظمت للتضامن مع الأسرى، وحملت صورة واحدة تجمع ابنيها الأسيرين عماد الدين وأحمد ياسين (في العشرينيات من العمر)، وهتفت كالعشرات من أمهات الأسرى وذويهم منددة بجرائم الاحتلال وانتهاكاته بحق الأسرى، وناشدت المؤسسات الحقوقية والإنسانية.
وطوال ساعة من الاعتصام التضامني لم تفارق الدموع إيمان، وتقول للجزيرة نت إنها وعائلتها تفتقدهما كثيرا، وهي لا تعرف أدنى معلومات عنهما، ويقلقها أكثر حال عماد الذي اعتقل وهو مصاب برصاص الاحتلال في قدمه، ورأته في صورة انتشرت عبر مواقع التواصل لأسرى داخل سجن إسرائيلي وأيديهم وأرجلهم مكبلة وملقون أرضا.
إعلانوشكّل غياب الأسيرين الشقيقين فارقا في حياة عائلتهما، سواء على المستوى المادي أو المعنوي، ولا سيما والدهما المصاب بمرض السرطان، وأرهقها أكثر عدم معرفة أخبارهما، ودفعا حتى الآن وبعد نحو عامين على اعتقالهما أكثر من 2300 دولار أجرة للمحامين للاطمئنان عليهما، فكلاهما لا يعرف ما حل بأخيه، وتصلهما معلومات متضاربة عن عائلتهما.
وفي الفعالية التضامنية شاركت إيمان وزوجها -الذي أنهى على عجل جلسة علاجه في المشفى وحضر إلى دوار الشهداء لمؤازرتها- وحملت العديد من الأمهات صور أبنائهن الأسرى، ومنهن كثيرات لهن أسيران أو أكثر، وحضرن لنصرة أبنائهن وإيصال رسائل إلى كل العالم للوقوف معهم، مطالبات بـ"وضع حد لجرائم الاحتلال التي تفتك بأبنائهن" كما تقول إيمان ورفيقاتها.
ظروف صعبةومثل إيمان تعيش عائلة إعمر في مدينة قلقيلية العذاب مضاعفا باعتقال أبنائها نور الدين ونضال وعبد السلام منذ سنوات طويلة، وقد حُكموا بالسجن المؤبد مرات عدة.
وأخطر ما تعانيه عائلات الأسرى اليوم -خاصة من لديها أكثر من أسير- كما يقول مدير نادي الأسير الفلسطيني في نابلس مظفر ذوقان هو "الخوف والقلق على مصير أبنائها، في ظل ارتفاع وتيرة الاعتقالات وكذلك عمليات قتلهم داخل السجون بفعل التعذيب والعقاب غير المسبوق".
و"ثمة خشية على حياتهم فعلا، خاصة أن الاحتلال يمنع زيارتهم" وفق ذوقان، ويضيف "هناك صمت دولي على جرائم الاحتلال شجعه على التمادي أكثر ضدهم، كما يواجه الأسرى الأشقاء سياسة عقاب أخرى تتمثل بمنع لقائهم ببعضهم، وبالتالي زيادة معاناتهم النفسية".
وإضافة إلى ذلك فاقم اعتقال الأشقاء المعاناة الاقتصادية لذويهم، بسبب ما يحتاجونه من مصاريف وتكاليف مادية كبيرة، خاصة تلك التي تدفع للمحامين لمتابعة ملفاتهم، واحتياجات الأسرى أنفسهم.