المشهد السياسى الدولى فى الوقت الراهن يحمل الكثير من الإشارات التى توضح تحركات الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، لإعادة رسم خريطة النفوذ فى الشرق الأوسط، وخاصة سوريا. تأتى هذه التحركات فى وقت يبدو فيه أن الغرب يسعى لتغيير قواعد اللعبة السياسية فى المنطقة، بما يخدم مصالحه الاستراتيجية ويضمن استمرار سيطرته على مواردها وقراراتها السيادية.
قرار بريطانيا إرسال مسئولين كبار الاثنين الماضى، للقاء أحمد الشرع، المعروف بأبومحمد الجولانى، يعكس تغيرًا كبيرًا فى السياسة الغربية تجاه سوريا. الجولانى، الذى كان مطلوبًا بتهم الإرهاب فى دول عدة، بما فى ذلك العراق، أصبح فجأة محور اللقاءات الدولية. هذا التحول يعيد للأذهان سياسات مشابهة تبنتها الدول الغربية فى مراحل تاريخية مختلفة، حيث يتم دعم شخصيات أو تنظيمات لتحقيق مصالحها، بغض النظر عن تداعيات ذلك على استقرار المنطقة.
وزير الخارجية البريطانى، ديفيد لامى، أشار إلى أن هذه الزيارة تهدف لدعم «عملية انتقالية شاملة يقودها السوريون»، إلا أن المتابع للمشهد يدرك أن هذه العملية تُدار فعليًا من الخارج. رغبة الولايات المتحدة فى رفع اسم الجولانى من قوائم الإرهاب تأتى كخطوة متكاملة مع تحركات بريطانيا، ما يعكس انسجامًا فى السياسة الغربية نحو إعادة تشكيل السلطة فى سوريا بما يخدم مصالحها.
لا يمكن فهم هذه التحركات بمعزل عن الأهداف الكبرى للغرب فى المنطقة. منذ عقود، تعمل الدول الغربية على ضمان التفوق الإسرائيلى فى الشرق الأوسط، وتفكيك أى قوة عربية يمكن أن تشكل تهديدًا لهذا التفوق. دعم شخصيات مثيرة للجدل مثل الجولانى يندرج ضمن استراتيجية طويلة الأمد تهدف لإضعاف الدول العربية من الداخل من خلال تفكيك أنظمتها أو خلق حالة من الفوضى المنظمة.
هذه التحركات تؤكد مرة أخرى أن الدول العربية بحاجة إلى إعادة النظر فى سياساتها الإقليمية وتوحيد صفوفها لمواجهة التدخلات الأجنبية. فالغرب، رغم شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يتحرك إلا بما يخدم مصالحه، حتى لو كان ذلك على حساب شعوب المنطقة.
يبقى السؤال: هل تستطيع الدول العربية إدراك خطورة هذه التحركات والعمل بشكل جماعى لحماية مصالحها واستقرارها، أم ستظل تدفع ثمن هذه الصراعات التى تُدار من الخارج؟
......
خطر الإرهاب «يلوح فى الأفق»
فى ظل التحولات الجيوسياسية التى تشهدها المنطقة العربية، يظهر من جديد وجه الإرهاب القديم بحلة جديدة، حين يسعى الغرب، وفق بعض التقارير، إلى تنصيب أبو محمد الجولانى، زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، كرئيس مستقبلى لسوريا. هذا السيناريو، إذا تحقق، يحمل فى طياته مخاطر كبرى، ليس فقط على سوريا، بل على أمن المنطقة العربية بأسرها.
ولهذا يعد الجولانى: الوجه الجديد للإرهاب المدعوم؟ الجولانى، الذى كان زعيمًا لجماعة متطرفة مصنفة كإرهابية عالميًا، يحاول إعادة تقديم نفسه كلاعب سياسى شرعى. ورغم محاولاته الترويج لنفسه كشخصية معتدلة وقادرة على قيادة سوريا، فإن ماضيه وتاريخه الطويل فى دعم الإرهاب لا يمكن التغاضى عنه. دعم الغرب له يعكس نمطًا متكررًا من استغلال القوى الكبرى لأطراف متطرفة لتحقيق أهداف سياسية قصيرة المدى، دون اعتبار لتداعيات ذلك على المدى الطويل.
ولابد أن تكون هناك انعكاسات لعودة الإرهاب على سوريا حيث إن تنصيب الجولانى سيعيد الفوضى إلى الداخل السورى، وسيضعف أى جهود لإعادة بناء الدولة التى دمرتها الحرب.
على المنطقة العربية: قد يشكل هذا التحرك منصة جديدة لانتشار الأفكار المتطرفة، مع تزايد خطر تهريب الأسلحة والمقاتلين إلى الدول المجاورة.
على العالم: الإرهاب لا يعرف حدودًا. ما يبدأ فى سوريا قد يمتد إلى أوروبا وآسيا، مهددًا الأمن العالمى.
وهنا يبرز السؤال المهم أين التكتل العربى؟ للأسف، غياب موقف عربى موحد تجاه هذا السيناريو يعكس حالة من التفكك التى تعانى منها المنطقة. وأخشى أن يأتى الوقت الذى تسعى فيه بعض الدول العربية إلى المصالحة مع النظام السورى وإعادة دمجه فى المشهد العربى، يظهر هذا التوجه الغربى كتحرك مضاد، قد يعرقل هذه الجهود. الحاجة ملحة لتشكيل تكتل عربى قوى قادر على التصدى لمثل هذه المخططات، ليس فقط لحماية الأمن القومى العربى، بل لحماية مستقبل سوريا كدولة عربية.
وهنا لابد أن تكون هناك رؤية عربية موحدة عن طريق الضغط الدبلوماسى: يجب على الدول العربية استخدام نفوذها فى المنظمات الدولية لإحباط أى محاولة لشرعنة قيادة الجولانى لسوريا.
توحيد الصفوف: تعزيز التعاون الأمنى والاستخباراتى بين الدول العربية لمواجهة أى مخاطر مستقبلية.
إن محاولات الغرب لتنصيب الجولانى تعيد إلى الأذهان دروسًا قاسية من الماضى، حيث أسهمت التدخلات الأجنبية فى تفكيك دول عربية وتعزيز الإرهاب. وإذا أرادت الدول العربية تجنب كارثة جديدة، فإن الوقت قد حان لتوحيد الصفوف واتخاذ موقف واضح وصارم تجاه هذه التهديدات. فالأمن العربى مسئولية جماعية، وأى تهاون الآن قد تكون تكلفته باهظة غدًا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الزاد أمجد مصطفى الولايات المتحدة الأمريكية الشرق الأوسط الدول العربیة هذه التحرکات
إقرأ أيضاً:
محيي الدين : المنطقة العربية تتأثر بشكل كبير بأزمة المناخ وتداعياتها
أكد الدكتور محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة، أن تقدم المنطقة العربية يرتبط بتحقيق الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة بشأن "إتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ وآثاره " إرتباطاً وثيقاً بعدة أهداف أخرى للتنمية المستدامة ومن ضمنها توفير المياه وإدارتها بشكل مستدام (الهدف 6)، والزراعة المستدامة وتوفير الأمن الغذائي (الهدف 2) والحصول على الطاقة المستدامة (الهدف 7) والنظم الإيكولوجية الصحية (الهدفان 14 و15)، والمدن والمستوطنات البشرية المستدامة (الهدف 11).
افتتاح فاعليات المؤتمر الدولي التاسع عشر لعلوم البيئة بجامعة الزقازيق وزيرة البيئة تكشف الاشتراطات اللازمة للبدء في المخطط التنفيذي لتشجير المحاور بالقاهرة الكبرىجاء ذلك خلال كلمته في المؤتمر السنوي الثالث والعشرون للمنظمة العربية للتنمية الإدارية بجامعة الدول العربية والذي عقد بالتعاون مع وزارة العمل بسلطنة عمان بشأن "الاستدامة والعمل الحكومي: جاهزية الحكومات لمستقبل مستدام بحضور الدكتور ناصر الهتلان القحطاني المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الإدارية.
وأكد محيي الدين ضرورة أن تراعي السياسات العامة الرامية إلى تحقيق الهدف 13 تحقيق الترابط بين قطاع البيئة وتغير المناخ من جهة والقطاعات الأخرى ومن ضمنها المياه والطاقة والغذاء، وأن تسعى تلك السياسات إلى إيجاد حلول متكاملة تضمن توافق الأولويات على صعيد جميع أهداف التنمية المستدامة.
وأضاف محيي الدين في كلمته أن المنطقة العربية تتأثر بشكل كبير بأزمة المناخ وتداعياتها فالمنطقة شديدة التعرض لارتفاع درجـات الحـرارة، وشـح الميـاه فيها معضلة مزمنة حيث يعيش 90% من سكان الدول العربية أى 400 مليون شخص في بلدان تعاني من ندرة المياه)، وتتواتـر عليهـا فترات الجفاف، والعواصف الرملية، وغيـر ذلـك مـن الكـوارث الطبيعية. ويتفاقم هذا الوضع بسبب محدودية القدرة على التكيف مع تلك الآثار السلبيةفي عدة دول عربية.
وأشار محيي الدين إلى أجندة شرم الشيخ للتكيف التي تم إطلاقها في مؤتمرCOP27 من خلال الشراكة بين الرئاسة المصرية للمؤتمر ورواد المناخ، والتي تضم عدداً من المستهدفات تغطي الأبعاد الرئيسية لجهود التكيف، بما في ذلك جهود حشد التمويل في مجال التكيف.
ودعا محيي الدين في كلمته صانعي السياسات في الدول العربية إلى الاسترشاد بتلك الأجندة لدى وضع خطط وسياسات التكيف فى بلدانهم.
وأشار إلى أن التقرير العربي للتنمية المستدامة لعام 2024 أوضح أنه في حين أن البصمة الكربونية منخفضة في الدول العربية مقارنة بمناطق أخرى في العالم، إلا أن انبعاثات المنطقة قد تزايدت بوتيرة أسرع مرتين من المعدل العالمي خلال العقود الماضية. كما لا يزال اعتماد الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة متدني في معظم البلدان العربية،
وأشار إلى أنه وفقا للمرصد العربي لأهداف التنمية المستدامة التابع للإسكوا فلقد بلغت حصة الطاقة المتجددة من إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة فى المنطقة العربية5.1% فقط أى أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 19.1%. كما تؤدي الصراعات المستمرة فـي المنطقـة العربيـة إلى تفاقم التحديات المرتبطة بتغير المناخ، إذ تقضي على التنوع البيولوجي والبنية الأساسية والنظم الإيكولوجية.
وأكد الدكتور محمود محيي الدين أن الصدمات العديدة التي تعرضت لها الدول العربية منذ جائحة كورونا قد أثرت بشكل كبير على مستوى تحقيق أهداف التنمية المستدامة بها، ومن ضمنها نشوب الحرب بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، ومـا تلاها من اضطرابات كبيرة في سلاسل الإمداد العالميـة وتهديد الأمن الغذائي فـي المنطقـة العربيـة، ثم أزمة الحرب المدمرة في غزة وما تلاها من اضطرابات ونزاعات في المنطقة لا زلنا نشهد آثارها السلبية على الدول العربية التي تعاني غالبيتها من تحديات اقتصادية هيكلية مزمنة وأزمات الديون متفاقمة.
وتابع أنه مع تعدد الأزمات يعود إلى الواجهة دور السياسات العامة في تحقيق تقدم في مواجهة الآثار السلبية للتغير المناخي، فالمؤسسات العامة لا تزال هي الطرف الأساسي القادر على قيادة خطة التنمية المستدامة كما تتحمل تلك المؤسسات مسئولية إيجاد شراكات فعالة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني للتصدي لأزمة المناخ. ومن ثمفإنه من الهام مراجعة إتجاهات السياسات العامة لتغير المناخبالدول العربية بهدف تعزيز أفضل ممارستها وتغيير أوجه قصورها.
وأشار إلى أن الدول العربية وضعت أطراً إقليمية هامة لسياسات تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث والتي من شأنها تقديم العون للدول العربية لدى إعداد خطتها وإستراتيجياتها الوطنية للتعامل مع أزمة المناخ بما في ذلك: خطة العمل الإطارية العربية للتعامل مع قضايا تغير المناخ (2010-2030)، والإستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث 2030، وخطة العمل العربية ذات الأولوية للحد من مخاطر الكوارث 2021-2024، كما تم دمج تغير المناخ في الإستراتيجيات وخطط العمل الإقليمية للقطاعات الرئيسية بما في ذلك الاستراتيجيات العربية للأمن المائي في المنطقة العربية 2010-2030، والاستراتيجية العربية للطاقة المتجددة 2030، واستراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة للعقدين 2005-2025، والاستراتيجية العربية للإسكان والتنمية الحضرية المستدامة 2030.
وأوضح المبعوث الخاص للأمم المتحدة أن التمويل المخصص حاليا للعمل المناخي لا يكفي لتلبية احتياجات الدول العربية لتعزيز البنية الأساسية المقاومة لتغير المناخ، وللتكيف مع الآثار السلبية ذات الصلة، وللتحول تدريجيا ّ من اعتماد أهداف الطاقة المتجددة إلى تنفيذ سياسات تنظم كثافة الطاقة وتحسن أدائها والاعتماد الحلول المستمدة من الطبيعة. ولذا فمن الضروري مع رؤية مستقبلية للسياسات المالية العامة المستدامة للدول العربية في مجالات تغير المناخ والتنوع البيولوجي ومكافحة التصحر والجفاف. إن فعالية وكفاءة تلك السياسات تصب مباشرة في إحداث تحسين بالنوع والكمية للموارد المالية المتاحة للتعامل مع أزمة المناخ ومن ثم إحراز تقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة ذات الصلة
وأكد محيي الدين أن القيود الشديدة المفروضة على الميزانية في العديد من الدول المتوسطة الدخل والأقل نمواً وتلك المتأثرة بالصراعات تتطلب التركيز في حشد التمويل للعمل المناخي على تعزيز حصة المنح أوالتمويل الميسر في التمويل الدولي العام للعمل المناخي فضلا عن جذب تمويل إضافي من القطاع الخاص، حيث توجد العديد من الأدوات الهامة لحشد التمويل المناخي، من ضمنها الصناديق الوطنية لدعم مشروعات المناخ وصناديق تمويل الاستدامة (وتركز غالبيتها في الدول العربية على دعم الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة، وينبغي أن يشمل عملها كذلك مشروعات التكيف في ضوء الحاجة الماسة لها)، السندات الخضراء وسندات الاستدامة (وهى من ضمن الحلول المالية لتلبية الحاجة الملحة إلى استثمارات مستدامة بيئيا، حيث يتم تخصيص حصيلة بيعها لتمويل العمل المناخي). كما توجد العديدمن الأدوات المالية المبتكرة لتعزيز الوصول إلى التمويل من أجل العمل المناخي وتعزيز التنمية المستدامة، من ضمنها التمويل المختلط للعمل المناخي من خلال موارد من القطاعين العام والخاص لدعم المشروعات المتعلقة بالمناخ، مقايضات الديون بالعمل المناخي والتأمين المستند إلى مؤشرات مناخية، وأسواق الكربون الطوعية، والقدرة على جذب التمويلات من الجهات المانحة والمستثمرين.
و ألقى محيي الدين الضوء على مبادرتين مهمتين في مجال دعم مشروعات المناخ على المستويين الإقليمي والمحلي تم إطلاقها في عام 2022 و ساهمت في وضع الرؤية الخاصة بهما والإشراف على تنفيذهما بصفته رائد المناخ للرئاسة المصرية لمؤتمرCOP27 والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة التنمية المستدامة وهما مبادرة المنتديات الإقليمية لمشروعات المناخ والتي ونتج عنها نحو ٤٥٠ مشروعًا قابلًا للاستثمار يبلغ حجم تمويلها نحو نصف تريليون دولار ، منها ١٩ مشروعا تم التوصل بالفعل لاتفاقات مع جهات تمويل مختلفة بشأنها بقيمة ١,٩ مليار دولار
أما المبادرة الثانية فهي المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء والذكية بمحافظات جمهورية مصر العربية والتي ساهمت المبادرة التي تم عقد ثلاث نسخ منها حتى الآن في إيجاد خريطة إستثمارية للمشروعات البيئية في مصر، حيث تقدم لها ١٢٠٠٠ مشروع من جميع المحافظات، وتم إيجاد أكثرمن ٤٠ شراكة لدعم تنفيذ هذه المشروعات. وقد أشاد المنتدي الاقتصادي العالمي بتلك المبادرة.