ألقى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وأوصى بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.

وقال فضيلته: إن التقوَى وصيَّة الله للأولين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}، وإن المرءَ لا يزالُ بخيرٍ ما اتَّقَى الله، وخالَفَ نفسَه وهواه، ولَم تشغَله دُنياه عن أُخراه.

وأوضح فضيلته أنَّه إذا كان العلم لدى كثير من الناس قِوام الحياة، وأساس النهضات، وعِماد الحضارات، ووسيلة التقدُّم للأفراد والمجتمعات، فإنه لدى أولي الألباب من عباد الرحمن فوق ذلك كله؛ إذ هو طريقٌ يسهِّل الله به دخول الجنَّة دار السلام، والحظوة فيها بالنعيم المقيم، الذي لا ينفد ولا يبيد، وقد بيَّن ذلك وأرشد إليه رسول الهدى -صلوات الله وسلامه عليه- بقوله: “وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا سَهَّلَ اللَّه له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ”. مشيرًا إلى أن العلم سبب السعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال معاذ بن جبل –رضي الله عنه-: “العلم حياة القلوبِ من الجهلِ، ومصابيحُ الأبصارِ من الظُّلَمِ، يبلغ العبدُ بالعلم منازلَ الأخيارِ، والدَّرجاتِ العلا في الدنيا والآخرة. به تُوصَلُ الأرحامُ، وبه يُعرَفُ الحلالُ من الحرامِ، وهو إمامُ العملِ، والعملُ تابعُه، يُلهَمُه السُّعداءُ، ويُحرَمُه الأشقياءُ”.

وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام بأن الله سبحانه وتعالى نوه بفضل العلم وأهله، ورفعة منزلتهم، وعُلو كعبهم، وشرف مقامهم، ونفى المساواة بينهم وبين غيرهم؛ إذ قال عزَّ اسمه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أولو الْأَلْبَابِ}. وجعل سبحانه للعلماء مقام الخشية الحقَّة منه؛ لأن العلم أرشدهم إلى كمال قدرته، وعظيم قوته، وبديع صفاته، فزادهم ذلك هيبة منه، وإجلالاً له، فقال عزَّ من قائل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِه الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّه عَزِيزٌ غَفُورٌ}. وشبَّه عز وجل العالم بالبصير، والجاهل بالأعمى والأصم، كما شبه كذلك العلم والإيمان بالنور، والجهل والكفر بالظلمات، ونفى المساواة بينهما كما تنتفي المساواة بين الظلِّ والحَرور الذي يُتضرَّر به، وكما لا يستوي الأحياء بنور العلم والإيمان، ولا الأموات الذين نَسوا الله وأعرضوا عن نوره، فأمات الله قلوبهم، فهي بذلك لا تتأثر بموعظة، ولا تستجيب لداعي الهدى؛ إذ قرن جل وعلا أهل العلم بذكر الملائكة في شهادتهم بالوحدانية لله تعالى، باستيقانهم أنَّه لا معبود بحق إلا الله، فعبدوه حق العبادة، ونَفَوا عنه الشركاء، فقال: {شَهِدَ اللَّه أَنَّه لَا إِلَه إِلَّا هُو وَالْمَلَائِكَة وَأولو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

وأكد فضيلته أنَّه لفضل العالم قد بلغ الغاية، ولم لا يكون كذلك، وقد بيَّن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّ العلماء هم ورثة الأنبياء حقًّا؛ لأنَّ الميراث الذي تركه الأنبياء هو العلم، فقال عليه الصلاة والسلام: “مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيه علمًا سَهَّلَ اللَّه لَه طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَة لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ. وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَه مَن في السَّماواتِ ومن في الأرضِ، والحيتانِ في جوف الماءِ. وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ ليلة البدرِ على سائرِ الكواكبِ. وإنَّ العُلَماءَ ورثة الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا وإنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَه أخذَ بحظٍّ وافرٍ”، إلى غير ذلك من نصوص الوحيين، الدالَّة على فضل العلم وأهله، وشرف منازلهم، وكريم مآلهم، مما كان له أعظم الآثار وأعمقها في نفوس السلف الصالح -رضوان الله عليهم-.

وأشار الدكتور أسامة خياط إلى أنه يتعين على طالب العلم أن يذكر أنَّه إذا كان المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، فإن من القوَّة المحبوبة عند الله تعالى قوَّة المسلم في علمه وعمله، تلك المتمثلة في كمال المحبة لهذا العلم، ودوام المدارسة له، والاستكثار من البحث في دقائقه، والكشف عن غوامضه، والاستعانة على التمكُّن من أزمِّته بالعمل به وتعليمه، ولا ريب أنَّ قوَّة المسلم هي قوَّة لأمَّته، وأنَّ كلَّ ما يحرزه من تفوُّق، أو يصيبه من نجاح، أو يبلغه من توفيق، عائدٌ أثره عليها لا محالة. والحرص على العناية بهذا العلم، بتصحيح النيات، التي هي قوام قبول الأعمال، وتعاهد الإخلاص لله تعالى فيه، وبذل أسباب التمكُّن منه، ورعايته حق رعايته، في طلبه وتحمُّله، وفي تعلُّمه وإشاعته، والعمل بما يقتضيه، فإن العمل هو ثمرة العلم، وعماد الانتفاع به، ومبعث الرِّفعة التي ذكرها الله بقوله: {يَرْفَعِ اللَّه الَّذِينَ آمنوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.

وذكر فصيلته أنه وإن كان المراد بالعلم الميراث النبوي، وهو: علم الكتاب والسنة، وما له تعلقٌ بهما، إلا أنَّ الحق أنه شامل أيضًا لكل علم تنتفع به الأمة، ويعلو به قدرها، ويعزُّ به جانبها، ويكثر به خيرها، ويطرد به تقدُّمها، وتأخذ به مكانها بين الأمم، ويكون سببًا في رسم الصورة الصحيحة الحقة لهذا الدين، في ربطه بين الدين والدنيا، وسعيه لشعائره وشرائعه كافة لتحقيق السعادة للمسلم في الحياتين. وإن في العناية بعلوم الحياة على اختلاف ألوانها، عناية بعلوم الكتاب والسنة، ببيان جملة وافرة من معانيهما، بالاستعانة بما تقدمه تلك العلوم من فوائد وقواعد، وما توفره من وسائل، وما تستند إليه من كشوفٍ ومخترعات، والحرص على الاشتغال بكل علمٍ نافع، وكل عملٍ صالح، تبلغون به رضوان الله، والرفعة لأمتكم في حياتكم الدنيا.

اقرأ أيضاًالمملكةأمطار رعدية على معظم مناطق المملكة

* وفي المدينة المنورة قال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ الدكتور خالد بن سليمان المهنا في خطبة الجمعة اليوم إن الله تعالى خص نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بخصائص ميزه بها على جميع الأنبياء والمرسلين، وجعل له شرعة ومنهاجًا، أفضل شرعة وأكمل منهاج، كما جعل أمته خير أمة أخرجت للناس، فهم يوفون سبعين أمة، هم خيرها وأكرمها على الله من جميع الأجناس، فجمع الله لأمته بخاتم المرسلين وإمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين ما فرقه في غيرهم من الفضائل، وزادهم من فضله أنواع الفواضل. ألا وإن من فضائل هذه الشريعة العظام ومحاسنها الجسام كثرة سبل الخير وتنوع أعمال البر التي يتقرب بها كل مؤمن إلى مولاه غنيًا كان المؤمن أو فقيرًا، قويًا كان أو ضعيفًا.

وأضاف فضيلته: من رحمته سبحانه وفضله على عباده أن رزقهم كلهم، ثم خص بعضهم بالغنى ليبلوهم بالشكر وليتقربوا إليه بالزكاة والصدقات؛ فتعظم أجورهم، وتطهر أموالهم، وتزكو نفوسهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. ثم إنه سبحانه –وهو البر الرحيم- شرع لعباده من القربات ما يشرك به الفقير أخاه الغني فيصير بمنزلته في حسن الثواب. أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه من حديث الصحابي الجليل أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم. قال:أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميده صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة“. قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: “أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر”.

واستطرد الشيخ المهنا يقول: إن نصوص الوحيين الشريفين دلت على سعة مفهوم الصدقة، وأن ما كان منها مالياً فإنه غير محصور في الفقير والمسكين، وإن كان فضل الصدقة عليهما ثابتًا جزيلاً، وأن ثمت أبواباً وسبلاً يلج منها العبد المنفق مهما قلّت جدته إلى ديوان المتصدقين، ويلحق به ركب ذوي اليسار المنفقين منها الإنفاق على العيال والأهل، بل الإنفاق على النفس. قال عليه الصلاة والسلام: “إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة“. وقال -صلى الله عليه وسلم-: “دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار أنفقته على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك”. ومن وجوه الصدقة أن يغرس المسلم غرساً أو يزرع زرعاً فينتفع به إنسان أو حيوان.. قال عليه الصلاة والسلام: “ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة”.

واختتم فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الخطبة بقوله: إن كل ما أعان المسلم أخاه عليه من جلب نفع أو دفع ضر أو إزالة مكروه أو أدخل السرور عليه.. كل ذلك صدقة؛ قال عليه الصلاة والسلام: “إفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن طريق الناس لك صدقة، وهدايتك الرجل في أرض الضالة صدقة“. وقال عليه الصلاة والسلام: “والكلمة الطيبة صدقة“.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: “ما تصدق رجل بصدقة أفضل من موعظة يعظ بها جماعة فيتفرقون وقد نفعهم الله بها”.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية صلى الله علیه وسلم إمام وخطیب المسجد رسول الله ل الله

إقرأ أيضاً:

القانون للضعفاء

كثيرًا ما أقف حائرًا أمام عبارة «أن الناس أمام القانون سواء» وسبب حيرتى أن ما أشاهده أمامى يختلف، خاصة فى الدول التى نحن منها. وأعتقد أن هذه المساواة لا توجد إلا فى الدين، فليس هناك فرق بين الناس إلا بالتقوى، أما فى الدنيا.. فالغنى غنى والفقير فقير، وتصطدم بعبارة أخرى «أن القانون وضع للفقراء الضعفاء، أما الأغنياء الأقوياء فلهم قانونهم الخاص» هو قانون قريب من قانون سكسونيا الذى لا يطبق أى عقوبات على الشرفاء ويعاب خيالهم. فالأغنياء لهم منزلة مختلفة عن منزلة الفقراء، لذلك لا تندهش عندما تتذكر المثل الشعبى المرتبط بهذا الأمر الذى نسمعه منذ كنا صغار «العين لا تعلو على الحاجب» ثم تحول الأمر مع السنين إلى ثقافة راسخة فى وجدان الناس أن هناك منازل لكل شخص حسب ما معه من أموال، لذلك لم أندهش من الحكم بالغرامة البسيطة جدًا على أحد المشهورين الذى أصبح من أثرياء البلد بفضل تلوث أسماعنا بعدما ضرب شخصًا بسيطًا «بقلم» على وجهه، ولم يستطع هذا أن يفعل شيئًا ولجأ للقانون، معتقدًا أنه سوف يحصل على رد إهانته، ليكون الحكم «سكسونى» الطبيعة ويحكم على الفاعل بالغرامة التى يدفعها «بقشيش» للغلابه، والأمثلة كثيرًا تطالعنا كل يوم حكاية لتؤكد أن القانون «خُلق للضعفاء»!
لم نقصد أحدًا!

مقالات مشابهة

  • الشيخ ياسر مدين يكتب: في الصوم
  • لمحات من حروب الإسلام
  • القانون للضعفاء
  • علي جمعة: الصدق الذي نستهين به هو أمر عظيم
  • ما حكم القنوت في صلاة الفجر؟.. اختلفت عليه المذاهب الأربعة
  • الغيب في الإسلام: بين علم الله وحذر الإنسان
  • المفتي: الخشية من الله والإلمام بأدوات العلم من أهم ما يجب توافره عند من يتصدر للفتوى
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: حري بنا أن نطيع أمر نبينا الكريم ونذب عن ملته وشريعته.. وخير الناس أنفعهم للناس
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • الأزهر: التصدق بالأغطية والملابس وإيواء الضعفاء فى الشتاء تكافل حثنا عليه الشرع