استفتاء 19 ديسمبر ..جذوة الثورة ما تزال حية 

صلاح شعيب

 

بالأمس مرت ذكرى قيام ثورة ديسمبر المجيدة التي أنهت أسوأ فترة استبدادية في تاريخ البلاد. إنها الثورة التي قدم فيها شبابنا تضحيات عظيمة في فترة كالحة أذاقت السودانيين كل العذاب. فضلاً عن ذلك فإن ما سمي المشروع الحضاري أضاع أكثر من ثلاثة عقود من عمر الدولة، حيث شهدنا كيف أنه تم توظيف الإسلام كأداة تجارية ضد الإسلام نفسه.

ولا نحتاج لتذكير الناس أن نسخة الإسلام السياسي السودانية ساهمت في فصل جنوب السودان عن شماله، وخلقت طبقة إسلاموية سيطرت وحدها على مفاتيح السياسة، والاقتصاد، ومنابر الثقافة والإعلام، والخدمة المدنية، والقطاع الخاص، وغيرها من مجالات العمل في السودان. كل هذه السيطرة الاستبدادية تعززت منذ عشريتها الأولى بقبضة أمنية أداتها تعذيب المعارضين، وإغلاق كل المنافذ أمامهم دون الحظر بحياة كريمة.

وقد أدى هذا الوضع إلى هجرة معظم العقول السودانية، وما بقيت في الداخل لُوحقت بالمضايقة المنتظمة حتى قبل لحظات من سقوط نظام الحركة الإسلامية. وأثناء هذا الوضع تفشت المحسوبية، والفساد، وشراء ذمم الناس الضعيفين حتى انهارت مهنية الخدمات، والأجهزة العسكرية، والأمنية. وكذلك أفرزت سياسة الإسلاميين الاغتيالات السياسية، والإبادة الجماعية في دارفور، وقصف الأبرياء بالبراميل الحارقة في مناطق النزاع. ولعل هذه الحرب الدائرة الآن أكبر دليل على انهيار مؤسسات الدولة، وتفريغها من فاعليتها. بل إن هذه الحرب لا تنفصل من تأثير سياسة الإسلاميين السالب على النسيج الاجتماعي في الدولة، إذ استعانت بالمليشيات وسيلة للدفاع عن فساد نخبة المؤتمر الوطني.

إن ما فعله الإسلاميون ما قبل مفاصلتهم، وبعدها، لا يمكن إجماله في هذا الحيز. ولكن المهم القول هو إن الحركة الإسلامية قدمت أسوأ نموذج للاستبداد السياسي في التاريخ الحديث. ولذلك كانت ثورة ديسمبر فرصة للسودانيين لإثبات جدارتهم في إلحاق الهزيمة بأنظمتهم الديكتاتورية التي كلها ذهبت إلى مزبلة التاريخ ليكسو العار وجوه الذين أسّسوا لذلك النظام السياسي الفاسد، والقمعي، والقبيح.

إن استهداف ثورة ديسمبر بدأ منذ نجاحها بتدبير من قيادات في المكون العسكري ربطت بينهم والإسلاميين علاقات خفية. ورغم ما أبداه البرهان، وياسر العطا، وكباشي، وحميدتي، من انحياز مرحلي للثورة إلا أن عرقلتهم لتطلعات رئيس الوزراء وطاقمه، والمؤسسات الأخرى التي شغلها كوادر تحالف الحرية والتغيير كان أمراً ظاهراً ما أدى إلى شل حركة حكومة الانتقال الديمقراطي. ذلك حتى استطاعوا إحداث الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 والذي أنهى المرحلة الانتقالية. ومع ذلك لم ينثن الثوار أمام الآلة القمعية للانقلابيين، وقدموا نضالات غاية في التضحية في سبيل إفشال مخطط تقويض الثورة. وهكذا عجز الانقلابيون في تنفيذ مخططهم الذي بدأ باسترداد الأموال، والأملاك، التي تحكمت فيها لجنة إزالة التمكين، وإعفاء السفراء الذين تم استرجاعهم للخدمة المدنية، وعودة الممارسات القمعية ضد الإعلاميين، وحظر نشاط الحركة الجماهيرية.

جاءت الحرب كخيار أخير للقضاء على ثورة ديسمبر بتوافق البرهان، وأركان حربه مع الإسلاميين بقيادة علي كرتي، وقد أتاح هذا المناخ الاستبدادي الجديد الفرصة للإسلامويين، ودواعشهم، للظهور علناً لدعم الجيش في حربه المقصودة أصلاً ضد الثورة. وبمرور الأيام كشفت أبواق الحرب عن مكنون مقاصدها في استهداف رموز، وأحزاب الثورة، ولجان المقاومة، عبر حملة إعلامية مسعورة تواصل النهار بالليل حتى تخلق رأياً عاماً مشوهاً في رؤيته للحرب، وسير مجرياتها.

وتواصلت أكاذيب، وتلفيقات إعلاميي النظام السابق، وبعض الانتهازيين الذين تم استخدامهم لتزوير الوقائع، وعكس صورة مخالفة للهزائم المستمرة التي مني بها الجيش وتحويلها لانتصار زائف.

ومع ذلك لم تنجح الحملات الإعلامية السافرة التي صرف لها الإسلاميون بسخاء من نزع حلم استئناف الثورة من مخيلة، وأفئدة، غالب الشعب السوداني، والذي ظل يأمل إيقاف الحرب لتنتهي المآسي الإنسانية التي خلفها المشروع الحربي لعودة الإسلاميين للحكم، ومن ثم يضطلع المدنيين بأمر الحكم المدني، ويكتمل الانتقال الديمقراطي لتحقيق شعار الثورة: حرية، سلام، وعدالة، وإعادة بناء ما دمرته الحرب.

لقد مرت الذكرى السادسة لاندلاع ثورة التاسع عشر من ديسمبر 2018، وقد شغلت كل منصات التواصل الاجتماعي، حيث سيطر النشطاء والكتاب الثوريون على منشورات هذا اليوم، مسترجعين ذكريات من النضال المشهدي ضد نظام الحركة الإسلامية، ومؤكدين إصرارهم على هزيمة مشروع إجهاض الثورة التي أتت لتقطع مع عهد التيه والضلال، ومعبرين عن رفضهم لاستمرار الحرب بوصفها وسيلة إنتحارية لقتل حلم السودانيين في عهد ديمقراطي، وإسترداد كامل النظام السابق، وتأديب الثوار. ولكن هيهات فثورة ديسمبر انبثقت لتبقى جذوتها حية مهما طال امد التآمر ضدها.

الوسوماستمرار الحرب النضال ثورة ديسمبر السودانية حلم السودانيين صلاح شعيب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: استمرار الحرب النضال ثورة ديسمبر السودانية حلم السودانيين صلاح شعيب

إقرأ أيضاً:

إحصاء بالضحايا وحجم الأضرار التي خلفتها 15 شهرًا من الحرب في غزة

(CNN)-- عبرت مئات شاحنات المساعدات إلى غزة، الأحد، بعد دخول وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ، حيث أمضى السكان ليلتهم الأولى دون غارات جوية إسرائيلية منذ أكثر من عام.

وأدى القصف الإسرائيلي الذي استمر أكثر من 15 شهرا إلى تدمير القطاع الفلسطيني، مما خلف كارثة إنسانية اتسمت بالجوع والمرض ونقص الرعاية الطبية.

يسمح اتفاق وقف إطلاق النار بزيادة كبيرة في إمدادات الإغاثة الإنسانية إلى غزة، لكن الأمم المتحدة حذرت من أن ذلك سيكون "مجرد بداية" في معالجة الأزمة الإنسانية الكارثية في القطاع، حيث وصفت جماعات حقوق الإنسان الظروف المعيشية بأنها "لا توصف".

ووصف أحد كبار مسؤولي الأمم المتحدة الاحتياجات الإنسانية في غزة بأنها "مذهلة".

وفيما يلي بعض الأزمات الحادة في غزة:

-الضحايا: قالت وزارة الصحة في غزة، الأحد، إن ما لا يقل عن 46,913 فلسطينيًا قُتلوا في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالإضافة إلى إصابة 110,750 آخرين. وقدرت دراسة حديثة وقوع 64,260 حالة وفاة بسبب الإصابات المؤلمة في غزة في الفترة ما بين 7 أكتوبر 2023 ، و30 يونيو/حزيران 2024. ومن المرجح أن يكون إجمالي عدد القتلى المنسوب إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية أعلى، لأن تحليلها لا يأخذ في الاعتبار الوفيات الناجمة عن انقطاع الرعاية الصحية، وعدم كفاية الغذاء والمياه النظيفة والصرف الصحي والأمراض.

وتُوفي خمسة أطفال على الأقل تقل أعمارهم عن عام واحد وطفل يبلغ من العمر عامين في الشهر الماضي بسبب الطقس المتجمد. وقال أحد الجراحين في غزة، الدكتور غسان أبو ستة، في منصة "إكس"، إن انخفاض حرارة الجسم وسوء التغذية والإصابة يمثل "ثالوث الموت". وكتب: "في غزة، هذا يعني أن الناس سيموتون بسبب انخفاض حرارة الجسم عند درجات حرارة أعلى، وسيموتون جوعا بشكل أسرع بكثير".

حالات النزوح: نحو 90% من سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، نزحوا من منازلهم بسبب القصف الإسرائيلي، منهم من نزح "نحو 10 مرات أو أكثر"، بحسب الأمم المتحدة. وقد أُجبر العديد منهم على العيش في خيام مؤقتة، معرضين لبرد الشتاء القاتل والأمطار الغزيرة التي غمرت الملاجئ. وقالت وكالات الإغاثة إن المأوى المناسب والفراش والملابس هي من بين الإمدادات التي تشتد الحاجة إليها. وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من 1.8 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المأوى الطارئ والمستلزمات المنزلية الأساسية.

-نقص الغذاء وانتشار المجاعة: أدى الحصار الإسرائيلي إلى استنزاف الإمدادات الغذائية في أجزاء من غزة، مما أدى إلى إغراق الفلسطينيين في أزمة جوع حادة، وفقا للوكالات الإنسانية. وقالت الأمم المتحدة العام الماضي إن وفيات الأطفال بسبب الجوع وسوء التغذية تشير إلى انتشار المجاعة في جميع أنحاء الجيب. وأفادت وكالات الإغاثة مراراً وتكراراً عن منعها من الدخول إلى شمال غزة، حيث تشتد الأزمة حدة. وقال جوناثان ويتال، القائم بأعمال رئيس مكتب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الشهر الماضي: "يتم تدمير أساسيات البقاء البشري في غزة". وفي أواخر العام الماضي قال برنامج الغذاء العالمي إن المساعدات التي تدخل القطاع تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ أشهر.

البنية التحتية: أدى القصف الإسرائيلي إلى تحويل جزء كبير من قطاع غزة إلى أنقاض، كما تم تدمير أو تضرر 92% من إجمالي المباني السكنية، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). تُظهر أول لقطات طائرة بدون طيار لشبكة CNN لغزة منذ 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حجم الدمار الهائل الذي سببته الحرب المستمرة منذ 15 شهرًا. وتظهر اللقطات بقايا مئات المباني التي سُويت بالأرض في ثلاث مناطق شمال غزة: بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا. وقدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة في يوليو/تموز أن إزالة الأنقاض من غزة ستستغرق ثماني سنوات على الأقل. وقالت الأمم المتحدة على موقعها الإلكتروني إن ما يقرب من 90% من السكان في جميع أنحاء غزة قد نزحوا، والعديد منهم اضطروا إلى النزوح بشكل متكرر، "حوالي 10 مرات أو أكثر".

ووفقا للأمم المتحدة، فإن "جزءا كبيرا من غزة أصبح تحت الأنقاض، في حين أن الغارات الجوية والعمليات العسكرية الإسرائيلية ألحقت أضرارا أو دمرت حوالي 60% من المباني، بما في ذلك المنازل والمدارس والمستشفيات".

- المياه والصرف الصحي: تم تدمير أو تضرر حوالي 70% من جميع مرافق المياه والصرف الصحي في غزة بسبب الهجوم الإسرائيلي، وفقًا لمجموعة تقودها الأمم المتحدة. وقد تم الإبلاغ على نطاق واسع عن نقص حاد في المياه، كما أن معظم أو كل المياه التي يحصل عليها الناس ليست صالحة للشرب. ووصف النازحون إلى مخيمات مؤقتة مشاهد تسرب مياه الصرف الصحي إلى الشوارع وشرب الأطفال من البرك. ووصفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة الظروف الصحية في غزة بأنها "غير إنسانية". في أغسطس/آب الماضي، أصبح طفل يبلغ من العمر 11 شهرا أول شخص في غزة منذ 25 عاما يتم تشخيص إصابته بشلل الأطفال، بعد أن دمرت الحملة العسكرية الإسرائيلية شبكات المياه والصرف الصحي، مما أدى إلى عودة المرض الفتاك.

- المدارس: منذ بداية الأعمال القتالية، تم تدمير أكثر من 95% من المدارس في غزة جزئيًا أو كليًا، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة. ولا يزال آلاف الأطفال محرومين من الحصول على التعليم. وقالت اليونيسف إن ما يقرب من نصف الهجمات المسجلة في أكتوبر وقعت في شمال غزة، "حيث يؤدي تجدد القصف المكثف والنزوح الجماعي ونقص المساعدات الكافية إلى دفع الأطفال إلى حافة الهاوية". ويزعم الجيش الإسرائيلي باستمرار أن حماس تستخدم المدارس وغيرها من المرافق المخصصة للمدنيين النازحين كغطاء لعملياتها.

- أزمة المرافق الصحية ونقص الإمدادات الطبية: أدى القصف الإسرائيلي إلى تدمير القطاع الصحي في غزة. وتكافح المستشفيات والمرافق الطبية التي لا تزال تعمل دون وقود أو طعام أو ماء أو إمدادات طبية كافية، بينما تتعامل مع التدفق الهائل للجرحى، بما في ذلك آلاف الأطفال. وفي العام الماضي، حذرت جماعات الإغاثة من إجراء العديد من عمليات بتر الأطراف دون تخدير، نظرا للنقص الحاد في الإمدادات الطبية. وتتعامل المستشفيات المكتظة أيضًا مع أمراض يمكن الوقاية منها وتنتشر بمعدل ينذر بالخطر، والعديد من الأشخاص الذين يعانون من حالات خطيرة وأمراض مزمنة وسرطان لا يمكن علاجهم بشكل مناسب في غزة. وفي الوقت نفسه، شن الجيش الإسرائيلي هجمات مدمرة متكررة على مستشفيات غزة بطائرات بدون طيار ومداهمات برية، زاعمًا أن حماس تستخدم المرافق كمراكز "للقيادة والسيطرة".

مقالات مشابهة

  • إحصاء بالضحايا وحجم الأضرار التي خلفتها 15 شهرًا من الحرب في غزة
  • ما مصير الموقوفين الإسلاميين في لبنان؟
  • غزة بعد الحرب| بين أنقاض الدمار وتحديات إعادة الحياة وسط الألم
  • ساعر: أهداف الحرب لم تتحقق وحماس لا تزال بالسلطة في غزة
  • كابوس يناير الذي لا ينتهي
  • عرض الكتب: دور ثورة 1924 في تطور الحركة الوطنية والثقافية
  • مجلس الصحوة الثوري – قيادة موسى هلال: الاحتفالات التي عمت أرجاء البلاد استفتاء حقيقي لدعم الشعب للقوات المسلحة
  • فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
  • "النواب اللبناني" يؤكد ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي لا تزال تحتلها
  • كتائب الحركة الإسلامية: تاريخ طويل من القتل والدماء